الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[شروط جواز الصلح]
قال: والصلح الذي يجوز هو أن يكون للمدعي حق لا يعلمه المدعى عليه، فيصطلحان على بعضه، فإن كان يعلم ما عليه فجحده فالصلح باطل.
ش: الصلح على الإنكار جائز في الجملة، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«الصلح بين المسلمين جائز» ولأن الشريعة جاءت بجلب المصالح، ودرء المفاسد، وهذا كذلك، إذ المدعي يأخذ عوض حقه الثابت له في اعتقاده، والمدعى عليه يدفع ما يدفعه لدفع الشر عنه، واليمين، وحضور مجالس الحكام، إلى غير ذلك، ويتفرع على هذا أن الإنسان إذا ادعى حقا يعتقد ثبوته على إنسان، فأنكره لاعتقاده أنه لا حق عليه، ثم صالحه عنه بعوض، جاز، لما تقدم من أن المدعي يأخذ عوض حقه، والمدعى عليه يدفع ذلك افتداء ليمينه، ودفع الخصومة عنه.
2064 -
وفي الصحيح «أن رجلين اختصما في مواريث درست بينهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «استهما وتوخيا، وليحلل كل منكما
صاحبه» مختصر من حديث طويل، ويكون هذا الصلح بيعا في حق المدعي، لاعتقاده أن الذي يأخذه عوض ماله، حتى إنه إن وجد بما أخذه عيبا فله رده، وإن كان شقصا تثبت فيه الشفعة وجبت فيه، اللهم إلا أن يكون المأخوذ بعض العين المدعاة، فلا رد له ولا شفعة فيه، لأنه يزعم أنه أخذ بعض حقه وترك بعضا، ويكون إبراء في حق المدعى عليه، فلا يرد ما صالح عنه بعيب، ولا يؤخذ منه بشفعة، لاعتقاده أنه لم يزل ملكه عنه، وأن الذي دفعه إنما هو لافتداء اليمين، وقطع الخصومة.
وإن كان المدعى عليه يعلم ما عليه فجحده ثم صالح عنه، فالصلح باطل في حقه، لأنه توصل بإنكاره إلى هضم الحق، وأكل مال الغير بالباطل، وهذا صلح حلل حراما في الظاهر، وكذلك لو ادعى المدعي شيئا لا يعتقد أنه له، ثم صالح عنه، فالصلح أيضا باطل في حقه، لأنه أكل للمال بدعواه الباطلة الكاذبة، والله أعلم.
قال: ومن اعترف بحق فصالح على بعضه لم يكن ذلك صلحا، لأنه هضم للحق.
ش: من اعترف بحق وصالح على بعضه فله حالتان (إحداهما) أن يمتنع من الأداء إلا بالمصالحة، فهذا ليس بصلح صحيح، لما علل به المصنف من أنه هاضم للحق، آكل لمال الغير بامتناعه المحرم. (الحالة الثانية) أن يكون باذلا، وتقع المصالحة، كأن يقول: صالحني بخمسين عن المائة التي لك علي، أو على نصف دارك، ونحو هذا، فهل فيه روايتان، المشهور منهما وهو مختار القاضي، وابن عقيل وغيرهما، ومقتضى كلام الخرقي - أنه لا يصح، لأنه صالح عن بعض ماله ببعض، (والثانية) يصح، لأن معنى الصلح الاتفاق والرضا، وقد حصل هذا من غير هضم للحق، ولا امتناع من أداء الواجب، وحقيقة هذا أن المدعي يرضى بترك بعض حقه وأخذ البعض، فصار كما لو قال: أبرأتك من نصف المائة، فأعطني نصفها، أو وهبتك نصف داري. ونحو هذا، وهذا غير ممنوع منه بالاتفاق، قال
أبو البركات: وكذلك يخرج في قوله: أبرأتك من كذا على أن توفيني الباقي.
واعلم أن مقتضى كلام الخرقي رحمه الله أنه لا يسمى الصلح على الإقرار صلحا، وكذلك ابن أبي موسى، وسماه القاضي وطائفة من أصحابه صلحا، وصورته الصحيحة عندهم أن يعترف له بعين فيعاوضه عنها، أو يهبه بعضها، أو بدين فيبرئه من بعضه، ونحو ذلك فيصح إن لم يكن بشرط، ولا امتناع من أداء الحق بدونه، قال أبو محمد: والخلاف في التسمية، أما المعنى فمتفق عليه، وهو فعل ما عدا وفاء الحق وإسقاطه، على وجه يصح، والله أعلم.
قال: وإذا تداعى نفسان جدارا معقودا ببناء كل واحد منهما، تحالفا وكان بينهما.
ش: لاستوائهما في الدعوى بلا مرجح، والله أعلم.
قال: وكذلك إن كان محلولا من بنائهما.
ش: أي تحالفا وكان بينهما، لما تقدم، وصفة اليمين - قال أبو محمد -: أن يحلف كل واحد منهما - على نصف الحائط - أنه لو ولو حلف كل واحد منهما على جميع الحائط أنه له دون صاحبه جاز، وكان بينهما، قلت: والذي
ينبغي أن تجب اليمين على حسب الجواب والله أعلم.
قال: وإن كان معقودا ببناء أحدهما كان له مع يمينه.
ش: لأنه ترجح بالعقد ببنائه دون صاحبه، واليمين في جنبة أقوى المتداعيين، لكن شرط هذا العقد أن لا يمكن إحداثه عادة، عند القاضي وأبي البركات، وظاهر كلام الخرقي الإطلاق، والله أعلم.