الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب ميراث الولاء]
ش: أي باب الميراث بالولاء، إذ من قاعدة الخرقي رحمه الله على ما سيأتي - إن شاء الله تعالى - أن الولاء لا يورث، وإنما يورث به، فيكون من باب إضافة الشيء إلى سببه، لأن سبب الميراث الولاء كما يقال: دية قتل العمد. وقد يجري لفظه على ظاهره، إذ أصل كلامه: باب حكم ميراث الولاء، وهو سيبين أن حكمه عنده أنه لا يورث. انتهى.
ولا نزاع في ثبوت الميراث بالولاء في الجملة، وقد استفاضت السنة بذلك، والله أعلم.
قال: ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن، أو أعتق من أعتقن، أو كاتبن، أو كاتب من كاتبن، وقد روي عن أحمد رحمه الله في بنت المعتق خاصة أنها ترث، لما روي «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ورث ابنة حمزة من الذي أعتقه حمزة» .
ش: الرواية الأولى هي المشهورة عن أحمد، واختيار أبي بكر، وأبي محمد، وغيرهما، وغالى أبو بكر فوهم أبا طالب في الرواية الثانية.
2333 -
وذلك لما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ميراث الولاء للأكبر من الذكور، ولا يرث النساء من الولاء إلا ولاء من أعتقن، أو أعتق من أعتقن» ولأن هذا قول عامة العلماء من الصحابة، والتابعين، والأئمة إلا شريحا.
2334 -
وقد روي ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وزيد، وابن عمر، وأبي مسعود البدري، وأسامة بن زيد، وأبي بن كعب، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم، فكان
إجماعا أو حجة، ولأن الولاء مشبه بالنسب، فالمولى المعتق من المولى المنعم بمنزلة أخيه أو عمه، فأولاد المولى المنعم بمنزلة أولاد أخي المعتق، أو أولاد عمه، وأولاد الأخ، وأولاد العم لا يرث منهم إلا الذكور [خاصة] .
(والرواية الثانية) : اختارها أبو الخطاب في خلافه، وإليها ميل أبي البركات في المنتقى، ونص عليها أحمد رحمه الله في رواية أبي طالب.
2335 -
محتجا بحديث بنت حمزة، [وهو ما روى جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهم، «أن مولى لحمزة] مات وترك ابنته وابنة حمزة، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته النصف، وابنة حمزة النصف» . رواه الدارقطني، وقد اعترض على هذا؛ بأن المولى إنما كان لبنت حمزة، كذا قال أحمد في رواية ابن القاسم، وسأله: هل كان المولى لحمزة أو لابنته؟ فقال: لابنته.
2336 -
وقد روى ابن ماجه، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم، عن عبد الله بن شداد، عن بنت حمزة - وهي أخت ابن شداد لأمه - «قالت: مات مولى لي وترك ابنته، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله بيني وبين ابنته، فجعل لي النصف، ولها النصف» ، وأجيب بأن ابن أبي ليلى فيه
ضعف، وإن صح فمن المحتمل تعدد الواقعة، فلا تعارض، ولو سلم الاتحاد فيحتمل أنه أضيف مولى الوالد إلى الولد، بناء على أن الولاء ينتقل إليه، أو أنه يرث به.
إذا تقرر هذا، فمحل الخلاف في غير ما أعتقنه، أو أعتقه من أعتقنه، أو كاتبنه، أو كاتبه من كاتبنه، أما في هذه الأشياء فيرثن بلا نزاع، كما تضمنه الدليل السابق، وقصة بريرة مع عائشة رضي الله عنها، «فإن عائشة اشترطت الولاء، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: «إنما الولاء لمن أعتق» ، والسبب مراد من العموم بلا ريب، ويستثنى أيضا عتقاء ابنها إذا كانت ملاعنة، على القول بأنها عصبته، ولنذكر أمثلة لمحل الخلاف؛ فمنها: إذا مات المعتق، وخلف ابن معتقه، وبنت معتقه؛ فالمال لابن معتقه، دون أخته على الرواية الأولى. وعلى الثانية: بينهما أثلاثا. ولو خلف بنت معتقه، وابن عم معتقه، فلا شيء للبنت، وجميع المال لابن عم المعتق على الأولى. وعلى الثانية: للبنت النصف، والباقي لابن العم. ولو خلف المعتق بنته، وبنت معتقه، فالمال جميعه لابنته على الأولى بالفرض والرد، وعلى الثانية لابنته
النصف، ولابنة معتقه النصف، لقضية النص في بنت حمزة، ولو كان بدل بنت معتقه أخت معتقه، فلا شيء لها، رواية واحدة، والله أعلم.
قال: والولاء لأقرب عصبة المعتق.
ش: الميراث بالولاء ثابت ومستقر للمعتق، ثم لأقرب عصبته من بعده.
2337 -
لما روى الإمام أحمد عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«المولى أخ في الدين، ومولى نعمة، يرثه أولى الناس بالمعتق» ؛ ولأن عصبات الميت يرث منهم الأقرب فالأقرب، فكذلك عصبات المولى، فعلى هذا لو مات المعتق وخلف ابنه وأخاه، كان الولاء لابنه، ولو خلف أخاه وعمه، كان الولاء لأخيه، وعلى هذا، يرث الأقرب فالأقرب من العصبات، ولا يرث منه ذو فرض إلا ما يستثنى، ولا ذو رحم، والله أعلم.
قال: وإذا مات المعتق وخلف أبا معتقه، وابن معتقه، فلأبي معتقه السدس، وما بقي فللابن.
ش: هذا كالاستثناء مما تقدم، وقد نص عليه أحمد، وهو المشهور، تشبيها لهما في إرث المعتق بإرث معتقه، وقيل: لا يفرض للأب والحال هذه شيء، بل الجميع للابن، لما تقدم من أن الولاء لأقرب العصبة. انتهى.
وحكم الجد حكم الأب، وحكم ابن الابن حكم الابن، وقد يدخل ذلك في كلام الخرقي، والله أعلم.
قال: وإن خلف أخا معتقه، وجد معتقه، فالولاء بينهما نصفين.
ش: لأنهما يرثان المعتق كذلك، فيرثان مولاه كذلك، ولو كثرت الإخوة - كما لو كانوا ثلاثة فأكثر - فإنه يفرض للجد السدس، لأنه أحظ له، والباقي لهم، بناء على ما تقدم في قاعدة الجد مع الإخوة، هذا هو المشهور، وعلى القول الثاني في التي قبلها: لا يفرض له معهم أصلا، بل يكون كأحدهم وإن كثروا، ويعادونه بولد الأب، لأنه يرث منفردا، ولا يعادونه بالأخوات، لأنهن لا يرثن منفردات. وهذا مقتضى قول أبي محمد في الكافي والمغني، وهذا كله إذا ورثنا الإخوة مع الجد، أما إذا لم نورثهم معه - وجعلنا الجد كالأب - فالولاء للجد دون الأخ. والله أعلم.
قال: وإذا هلك رجل عن ابنين ومولى، فمات أحد الابنين بعده عن ابن، ثم مات المولى، فالولاء لابن معتقه، لأن الولاء للكبر، ولو هلك الابنان بعده وقبل مولاه، وخلف أحدهما ابنا، وخلف الآخر تسعة، كان الولاء بينهم على عددهم، لكل واحد منهم عشره.
ش: هذا مبني على أصل قد أشار إليه الخرقي رحمه الله وهو أن الولاء يورث به ولا يورث، وهذا معنى كونه للكبر، يعني أنه يرث به أقرب عصبة السيد إليه يوم مات عتيقه، لا يوم مات السيد، وهذا المختار للأصحاب، والمشهور من الروايتين، حتى إن أبا بكر غلط من روى الثانية، وقد قال أحمد في رواية ابنه صالح: حديث عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان» هكذا يرويه عمرو بن شعيب.
2338 -
وقد روي عن عمر، وعثمان، وعلي، وزيد، وابن مسعود، أنهم قالوا: الولاء للكبر. فهذا الذي يذهب إليه، وهو قول أكثر الناس. انتهى. وقد أبان أحمد رحمه الله عنه حجته في ذلك، وهو قول هؤلاء الذين هم أكابر الصحابة،
وقد رواه مالك في الموطأ عن عثمان، ورواه سعيد عن الأربعة الباقين.
2339 -
وحكي أيضا عن ابن عمر، وأبي بن كعب، وأبي مسعود البدري، وأسامة بن زيد رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ -، ولما
تقدم من قوله عليه السلام: «المولى أخ في الدين، ومولى نعمة، يرثه أولى الناس بالمعتق» ولأن الولاء مشبه بالنسب، والنسب يورث به ولا يورث، فكذلك الولاء.
2340 -
وعن أحمد رواية أخرى: يورث الولاء كما يورث المال، وهو قول شريح، ويحكى عن عمر، وعلي، وابن عباس، والمشهور عن عمر وعلي خلاف ذلك.
2341 -
ومعتمد هذه الرواية ما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: تزوج رياب بن حذيفة بن سعد بن سهم أم وائل بنت معمر الجمحية، فولدت له ثلاثة، فتوفيت
أمهم، فورثها بنوها رباعها، وولاء مواليها، فخرج بهم عمرو بن العاص معه إلى الشام، فماتوا في طاعون عمواس، فورثهم عمرو، وكان عصبتهم، فلما رجع عمرو جاء بنو معمر بن حبيب، يخاصمونه في ولاء أختهم إلى عمر بن الخطاب، فقال: أقضي بينكم بما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان» فقضى لنا به، وكتب لنا كتابا فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف، وزيد بن ثابت، رواه أبو داود، وابن ماجه، والنسائي، وابن المديني، وقال: هو من صحيح ما يروي عن عمر. وقد ينازع في الاستدلال بهذا الحديث، فإن
الحجة في قوله عليه السلام.
وقوله عليه السلام: «ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته» وهذا صحيح، فإن ما أحرزه من المال فهو لعصبته، أما الولاء فإنه لم يحرزه، بل هو باق للميت، والعاصب يرث به.
2342 -
وما فهمه عمر رضي الله عنه قد نقل عنه خلافه، كما حكى ذلك الإمام أحمد والشعبي، ويعضد هذا التأويل أو يعينه قول عامة الصحابة والعلماء، وقول العامة: إن لم يكن إجماعا على الأشهر، فهو حجة على الأظهر.
إذا تقرر هذا الأصل وهو: أن الولاء يورث به ولا يورث، انبنى عليه المسألتان اللتان ذكرهما الخرقي:
(إحداهما) : إذا مات رجل عن ابنين ومولى، فمات أحد الابنين بعده عن ابن، ثم مات المولى، فالولاء لابن معتقه؛ لأن ابن المعتق هو أقرب الناس إليه يوم مات العتيق، وقد نص أحمد على ذلك في رواية أبي طالب.
وعلى الرواية الأخرى: يكون الولاء بين ابن المعتق وبين ابن ابنه الآخر نصفين، نص عليه في رواية حنبل، لأنه لما مات المولى المنعم ورث ابناه الولاء
بينهما نصفين، فإذا مات أحدهما انتقل نصيبه لابنه.
(المسألة الثانية) : إذا هلك الابنان بعد أبيهما، وقبل موت العتيق، وخلف أحدهما ابنا، وخلف الآخر تسعة، فعلى المذهب - ونص عليه أحمد في رواية ابن منصور -: الولاء بينهم على عددهم، لكل واحد عشرة، لأن الجميع في القرب إلى السيد يوم مات العتيق على حد سواء.
وعلى الرواية الأخرى - ونص عليه أحمد هنا في رواية بكر بن محمد -: لابن الابن النصف إرثا عن أبيه، والنصف الآخر بين بني الابن الآخر على تسعة، وتصح من ثمانية عشر، والله أعلم.
قال: ومن أعتق عبدا فولاؤه لابنه، وعقله على عصبته.
ش: يعني: إذا أعتق عبدا ثم مات المعتق، فإن ولاءه لابن سيده، إذا لم يكن له وارث سواه من النسب، وعقله على عصبة سيده، لأن العقل على العصبة، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان هؤلاء العصبة، والولاء لأقرب العصبة، والابن أقربهم.
2343 -
وقد روى إبراهيم قال: اختصم علي والزبير في مولى صفية، فقال علي: مولى عمتي، وأنا أعقل عنه، وقال الزبير: مولى أمي، وأنا أرثه، فقضى عمر للزبير بالميراث، وقضى على علي بالعقل، رواه سعيد في سننه، وذكره الإمام أحمد.
(وقول الخرقي) : إن الولاء للابن، والعقل على العصبة، مبني على أن الابن ليس من العاقلة، وهو مقتضى كلام الخرقي ثم، ومن جعل الابن من العاقلة - كالرواية الأخرى - يقول: الولاء له، والعقل عليه، ومن يجعل الابن عاقلة للأب دون الأم - كمختار أبي البركات - يقيد هذه
المسألة بما إذا كان المعتق امرأة، كما قيدها أبو محمد. والله أعلم.