المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

2346 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه - شرح الزركشي على مختصر الخرقي - جـ ٤

[الزركشي الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب السلم]

- ‌[شروط السلم]

- ‌[بيع المسلم فيه قبل قبضه]

- ‌[كتاب الرهن]

- ‌[اشتراط القبض لصحة الرهن]

- ‌[من يصح منه الرهن]

- ‌[جناية العبد المرهون]

- ‌[الانتفاع بالمرهون]

- ‌[مؤونة الرهن]

- ‌[تلف الشيء المرهون]

- ‌[باب المفلس]

- ‌[الديون المؤجلة هل تحل بالتفليس]

- ‌[كتاب الحجر]

- ‌[علامات البلوغ في حق الغلام والجارية]

- ‌[إقرار المحجور عليه]

- ‌[كتاب الصلح]

- ‌[شروط جواز الصلح]

- ‌[كتاب الحوالة والضمان]

- ‌[الكفالة بالنفس]

- ‌[كتاب الشركة]

- ‌[حكم شركة الأبدان]

- ‌[ما يجوز للمضارب وما لا يجوز]

- ‌[المضاربة لأكثر من رجلين]

- ‌[ربح المضارب في سلعة وخسارته في الأخرى]

- ‌[اتفاق رب المال والمضارب على أن الربح بينهما والوضيعة عليهما]

- ‌[كتاب الوكالة]

- ‌[ما تجوز فيه الوكالة]

- ‌[باب الإقرار]

- ‌[الاستثناء في الإقرار]

- ‌[إقرار المريض]

- ‌[الإقرار للوارث بدين]

- ‌[باب العارية]

- ‌[العارية مضمونة]

- ‌[الفرق بين العارية والوديعة]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[تصرفات الغاصب في المغصوب]

- ‌[الزيادة والنقصان في قيمة المغصوب]

- ‌[وطء الجارية المغصوبة]

- ‌[هلاك الشيء المغصوب]

- ‌[كتاب الشفعة]

- ‌[متى تجب الشفعة]

- ‌[الشفعة بين الشركاء]

- ‌[ميراث الشفعة]

- ‌[الشفعة مع اختلاف الدين]

- ‌[كتاب المساقاة]

- ‌[المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض]

- ‌[كتاب الإجارة]

- ‌[معلومية الأجرة والمدة في عقد الإجارة]

- ‌[فسخ عقد الإجارة قبل انقضاء المدة]

- ‌[منع المستأجر من استيفاء المنفعة المعقود عليها]

- ‌[موت المكري والمكتري أو أحدهما]

- ‌[استئجار الظئر والأجير بطعامه وكسوته]

- ‌[حكم هلاك العين المستأجرة]

- ‌[الأجير الخاص والمشترك]

- ‌[ضمان الحجام والختان والطبيب]

- ‌[ضمان الراعي]

- ‌[استئجار الحجام لغير الحجامة من الفصد والختن]

- ‌[كتاب إحياء الموات]

- ‌[تملك الأرض الموات بالإحياء]

- ‌[ما يكون به إحياء الموات]

- ‌[كتاب الوقوف والعطايا]

- ‌[حكم من وقف على قوم وأولادهم وعقبهم ثم آخره للمساكين]

- ‌[انتفاع الواقف بالوقف]

- ‌[الحكم فيمن وقف وقفا وشرط أن يأكل منه]

- ‌[أحوال الوقف]

- ‌[وقف المريض مرض الموت]

- ‌[خراب الوقف]

- ‌[الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو]

- ‌[ما يجوز وقفه وما لا يجوز]

- ‌[وقف المشاع]

- ‌[الوقف على ما ليس بقربة]

- ‌[شرط الهبة والصدقة فيما يكال أو يوزن]

- ‌[المفاضلة بين ولده في العطية]

- ‌[الرجوع في الهبة]

- ‌[العمرى نوع من الهبة]

- ‌[باب اللقطة]

- ‌[مدة ومكان تعريف اللقطة]

- ‌[ما يجوز التقاطه وما لا يجوز]

- ‌[كتاب اللقيط]

- ‌[حرية اللقيط]

- ‌[النفقة على اللقيط]

- ‌[ولاء اللقيط]

- ‌[ادعى اللقيط مسلم وكافر]

- ‌[كتاب الوصايا]

- ‌[الوصية للوارث]

- ‌[الوصية لغير الوارث بأكثر من الثلث]

- ‌[ما تبطل به الوصية]

- ‌[حكم من أوصى له بسهم من ماله]

- ‌[الحكم لو أوصى له بمثل نصيب أحد ورثته ولم يسمه]

- ‌[الحكم فيمن أوصى بعدة وصايا والمال لا يكفي]

- ‌[الوصية بالحمل وللحمل]

- ‌[الوصية في مرض الموت]

- ‌[وصية الصبي المميز]

- ‌[الوصية بجميع المال]

- ‌[حكم من أوصى بوصايا وفيها عتاق فلم يف الثلث بالكل]

- ‌[كتاب الفرائض]

- ‌[ميراث الأخوات مع البنات]

- ‌[ميراث بنات الابن]

- ‌[ميراث الأخوات من الأب]

- ‌[ميراث الأم]

- ‌[ميراث الأب]

- ‌[ميراث الزوج]

- ‌[ميراث الزوجة]

- ‌[ميراث العصبة]

- ‌[باب أصول سهام الفرائض التي تعول]

- ‌[باب ميراث الجدات]

- ‌[باب ميراث الجد]

- ‌[باب ميراث ذوي الأرحام]

- ‌[باب مسائل شتى في الفرائض] [

- ‌ميراث الخنثى]

- ‌[ميراث ابن الملاعنة]

- ‌[حكم ميراث ولد الزنا]

- ‌[ميراث العبد]

- ‌[ميراث من كان بعضه حرا]

- ‌[ميراث القاتل]

- ‌[التوارث بين المسلم والكافر]

- ‌[ميراث المرتد]

- ‌[حكم من أسلم على ميراث قبل أن يقسم]

- ‌[كتاب الولاء]

- ‌[من له الولاء]

- ‌[حكم من ملك ذا رحم محرم]

- ‌[ولاء المكاتب والمدبر إذا عتقا]

- ‌[باب ميراث الولاء]

- ‌[كتاب الوديعة]

- ‌[ضمان الوديعة]

- ‌[باب قسم الفيء والغنيمة والصدقة]

- ‌[تعريف الفيء والغنيمة]

- ‌[تقسيم خمس الفيء والغنيمة]

- ‌[سهم الراجل والفارس من الغنيمة]

- ‌[مصارف الصدقة]

الفصل: 2346 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه

2346 -

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» رواه أبو داود، والترمذي وحسنه.

[ضمان الوديعة]

قال: وليس على المودع ضمان إذا لم يتعد.

ص: 575

ش: ليس على المودع ضمان إذا لم يتعد، لأنه محسن، فيدخل في قَوْله تَعَالَى:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] .

2347 -

وأمين، فيدخل في قوله صلى الله عليه وسلم:«لا ضمان على مؤتمن» رواه الدارقطني، ثم لو قيل بالضمان لانتفى هذا المرفق العظيم، لامتناع العاقل من الدخول فيما يتمحض ضررا، ولا فرق بين أن تتلف مع ماله، أو دون ماله على المذهب.

(وعنه) : إن تلفت دون ماله؛ ضمنها.

2348 -

لأنه يروى أن عمر رضي لله عنه ضمن أنسا وديعة تلفت دون ماله، وينبغي أن يكون محل هذه الرواية فيما إذا ادعى التلف

ص: 576

والحال هذه، فإنه لا يقبل منه، لمكان التهمة، أما إن ثبت التلف؛ فإنه ينبغي انتفاء الضمان رواية واحدة، أما إن تعدى فإنه خرج من حيز الأمانة، إلى حيز الخيانة، فيضمن بلا نزاع، والله أعلم.

قال: فإن خلطها بماله وهي لا تتميز، أو لم يحفظها كما يحفظ ماله، أو أودعها غيره؛ فهو ضامن.

ش: لما ذكر أنه إذا تعدى فيها ضمن، ذكر ثلاث صور من صور التعدي:

(إحداها) : إذا خلط الوديعة بماله والحال أنها لا تتميز مع ما خلطت به، كما لو خلط زيتا بزيت أو بشيرج، أو برا ببر، أو دراهم بدراهم، ونحو ذلك، لأنه صيرها في حكم التالف، وفوت على نفسه ردها، فضمنها كما لو ألقاها في لجة بحر، وعن أحمد في رجل أعطى رجلا درهما يشتري له به شيئا، فخلطه مع درهمه فضاعا، قال: ليس عليه شيء. ذكرها القاضي في ما انتقاه من رواية عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، وحكم خلطها بمال غيره حكم

ص: 577

خلطها بمال نفسه، وإنما ذكر الخرقي ماله اعتمادا على الغالب.

(الصورة الثانية) : إذا لم يحفظها كما يحفظ ماله [فإنه يضمن، لأن حقيقة المودع أنه وكيل في الحفظ، فإذا لم يحفظ؛ فقد فرط، وإذا فرط ضمن، وحفظها كما يحفظ ماله] أن يحرزها في حرز مثلها، أو أعلى منه، ويذكر ذلك إن شاء الله تعالى في القطع في السرقة، وهذا إذا لم يعين له المالك حرزا، أما إن عين له حرزا فإنه يمتثل وإن كان دون حرزها، فإن خالف فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.

(الصورة الثالثة) : إذا أودعها عند غيره، وله حالتان:

(إحداهما) : أن يفعل ذلك لغير عذر، ولا إشكال في تضمينه إذا؛ لأنه متعد، إذ لفظ مالكها إنما تضمن أن يحفظها بنفسه لا بغيره، قلت: ويخرج عدم الضمان إذا لم ينهه، بناء على رواية جواز توكيل الوكيل، وليس من إيداعها لغيره دفعها لمن جرت عادته بدفعها إليه، كزوجته وعبده، لأن ذلك مما يحفظ به ماله، فهو داخل فيما تقدم، وهذا منصوص أحمد، وعليه الأصحاب، وفيه وجه آخر: بلى فيضمن. ذكره ابن أبي موسى.

(الحالة الثانية) : إذا أودعها عند غيره لعذر، كما إذا أراد سفرا غير مأمون، أو كان الترك أحرز لها، أو استوى الأمران في وجه، أو خاف عليها من حريق أو ظالم ونحو

ص: 578

ذلك، ولم يجد ربها ولا وكيله، فيجوز، ولا ضمان عليه لمكان العذر، ثم هل يتعين الحاكم مع القدرة عليه - وهو المذهب المقطوع به للأصحاب - أو لا يتعين، ويكفي إيداعها ثقة؛ وهو احتمال لأبي محمد في المغني؟ فيه قولان: قال القاضي: وقد أطلق أحمد القول - في رواية الأثرم، وإبراهيم بن الحارث -: لا يودعها لغيره إذا خاف عليها. قال: وهذا محمول على المقيم في البلد، والمسافر إذا وجد حاكما فعدل عنه. والله أعلم.

قال: وإذا كانت علة فخلطها في صحاح، أو صحاحا فخلطها في علة، فلا ضمان عليه.

ش: العلة: هي المكسرة، فإذا خلطها في صحاح أو بالعكس فلا ضمان عليه، لأنها تتميز، فلا يتعذر ردها، وهذا هو المذهب، والمنصوص في رواية أبي طالب، ونقل عنه ابن منصور فيمن خلط دراهم بيضا بسود يضمنها، فأجر ذلك صاحب التلخيص وغيره في كل ما يتميز، وخصها أو محمد بصورة النص، لاحتمال كسبها سوادا فيتغير لونها فتنقص.

ص: 579

قال: ولو أمره أن يجعلها في منزله، فأخرجها عن المنزل لغشيان نار، أو سيل، أو شيء، الغالب منه التوى؛ فلا ضمان عليه.

ش: إذا أمره أن يجعل الوديعة في محل فجعلها فيه فلا ضمان عليه، وإن كان دون حرز مثلها، لأنه ممتثل غير مفرط، وإن أخرجها عن ذلك المحل لشيء نزل بها - من نار، أو سيل، ونحو ذلك مما الغالب منه الهلاك - فلا ضمان عليه، لأنه مأمور بحفظها، وحفظها في إخراجها إذا فلا تفريط، وهل يتعين الإخراج بحيث إذا تركه ضمن؟ لا يخلو من ثلاثة أحوال:

(أحدها) : أن يعين له الحرز ولا ينهاه عن الإخراج كصورة الكتاب، فهنا يتعين عليه الإخراج والحال ما تقدم، بحيث لو تركه ضمن، وإن تلفت بغير ذلك الحادث، لأنه يعد إذا مفرطا، فيضمن لتفريطه.

(الثانية) : عين له الحرز، وقال له: لا تخرجها وإن خفت عليها. فأخرجها والحال ما تقدم، أو تركها، فلا شيء عليه، لأنه إن أخرجها فقد زاده خيرا بحفظها، إذ المقصود من هذا الكلام: المبالغة في حفظها، وإن تركها فلا شيء عليه، لأن ربها صرح له بتركها مع الخوف، فكأنه رضي بإتلافها.

(الثالثة) : عين له الحرز، ونهاه عن الإخراج، ولم يقل: وإن خفت عليها. فيجوز له الإخراج مع الخوف بلا ريب، وهل يضمن إذ ترك؟ فيه وجهان:

(أحدهما) : لا ضمان عليه، لامتثاله أمر صاحبها.

(الثاني) :

ص: 580

وهو مقتضى ما جزم به صاحب التلخيص، وأورده في الكافي مذهبا: عليه الضمان، لأن النهي للاحتياط عليها، والاحتياط إذا نقلها، فإذا تركها فقط فرط فيضمن. انتهى.

ومفهوم كلام الخرقي: أنه متى أخرجها بلا خوف عليها، مع تعيين المالك الحرز لها ضمنها، ولا نزاع في ذلك إن أخرجها لحرز دون الذي عينه مالكها، وفيما إذا أخرجها لمثله أو أعلى منه ثلاثة أوجه:

(أحدهما) : يضمن مطلقا، كما هو ظاهر كلام الخرقي، وظاهر كلام أحمد أيضا، قال في رواية حرب وغيره: إذا خالف في الوديعة فهو ضامن، وذلك لأنه خالف أمر صاحبها من غير حاجة، أشبه ما لو نهاه.

(والثاني) : لا يضمن مطلقا، قاله القاضي، وابن عقيل، لأن مثل الشيء يساوي ذلك الشيء، فيعطى حكمه.

(والثالث) : إن نقلها إلى أعلى لمن يضمن، لأنه زاده خيرا، وإن نقلها إلى المساوي ضمن؛ لعدم الفائدة في ذلك.

قال في التلخيص: وأصحابنا لم يفرقوا بين تلفها بسبب النقل، وبين تلفها بغيره، وعندي أنه

ص: 581

إذا حصل التلف بسبب النقل - كانهدام البيت المنقول إليه - ضمن.

(تنبيه) : «الغشيان» مصدر: غشي الشيء غشيانا، نزل به. «والتوى» مقصورا الهلاك.

قال: وإذا أودعه شيئا، ثم سأله دفعه إليه في وقت أمكنه ذلك، فلم يفعل حتى تلف؛ فهو ضامن.

ش: إذا أودعه شيئا ثم سأله دفعه إليه؛ لزمه ذلك، لأمر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم بذلك، فإن لم يفعل حتى تلف مع إمكان الرد ضمن، لمخالفة الأمر، وانتفاء عذر المودع في الامتثال، فأشبه الغاصب، أما إن لم يمكن ردها لبعدها، أو لمخافة في طريقها، ونحو ذلك فلا ضمان عليه، لأنه لا يتوجه الأمر إليه والحال هذه، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق، وإذا لم يتوجه الأمر إليه فلا ضمان، لانتفاء تعديه، أما إن أخر لحاجة له مع إمكان الرد - كما إذا كان في الحمام، أو على طعام فأخر إلى الفراغ - فظاهر كلام الخرقي: وجوب الضمان، وصرح به في التلخيص، إناطة للحكم بإمكان الرد، وفي لحوق المأثم له والحال هذه وجهان؛ وظاهر كلام أبي محمد في المغني انتفاء الضمان، لأنه قال: إذا قال:

ص: 582

أمهلوني حتى أقضي صلاتي، أو آكل فإني جائع، أو أنام فإني ناعس، أو ينهضم الطعام عني فإني ممتلئ؛ أمهل بقدر ذلك. والله أعلم.

قال: وإذا مات وعنده وديعة لا تتميز من ماله؛ فصاحبها غريم بها.

ش: إذا مات إنسان وقد ثبت أن عنده وديعة، بإقراره أو ببينة، ولم تتميز من ماله، فصاحبها غريم بها، لأنه قد ثبت بإقراره أو بالبينة استحقاق ردها، وقد تعذر، فيجب بدلها، وإذا وجب بدلها كان غريما بها، كسائر الحقوق، أما إن ثبت أنه كان عنده وديعة في حياته، ثم مات ولم توجد بعينها، ولم يعلم بقاؤها ولا تلفها، فوجهان:

(أحدهما) وقال في المغني إنه المذهب: وجوب الضمان، [اعتمادا على أصل وجوب الرد ما لم يعلم ما يزيله.

(والثاني) : لا ضمان، نظرا إلى أن الأصل عدم إتلافها والتعدي فيها، فينتفي الضمان] ولا فرق فيما تقدم بين أن يوجد جنس الوديعة، في ماله أو لم يوجد، قاله أبو محمد.

وقال في التلخيص: إذا أوصى وأجمل ولم يعرف ضمن نص عليه، وإن ذكر جنسها بأن قال: عندي وديعة عمامة، أو سراويل، أو نحو ذلك، ولم يوجد ذلك في تركته؛ فلا ضمان، لاحتمال التلف قبل الموت، والله أعلم.

ص: 583

قال: ولو طالبه بالوديعة فقال: ما أودعتني. ثم قال: ضاعت من حرز. كان ضامنا، لأنه خرج من حال الأمانة.

ش: إذا طالبه بالوديعة فأنكر أصل الإيداع، بأن قال: ما أودعتني. فثبت الإيداع ببينة أو إقرار، فادعى ما يسقط وجوب الضمان عنه - من ضياعها، أو تلفها، أو ردها - لم يسمع منه، ووجب عليه الضمان، وإن أتى ببينة، لأنه إن ادعى ذلك قبل الجحود، فهو بدعواه الأولى مكذب لدعواه الثانية أو لبينته، فينتفيان، وقيل: يسمع منه ذلك بالبينة. وإن ادعى ذلك بعد الجحود، فقد خرج عن حال الأمانة، فصارت يده يدا ضامنة لا يد أمانة، فثبوت التلف أو الضياع لا ينفي عنه الضمان. نعم إن ادعى الرد بعد الجحود سمع منه كالغاصب، فيثبت بالبينة، ويحلف خصمه مع عدمها، والله أعلم.

قال: ولو قال: ما لك عندي شيء. ثم قال: ضاعت من حرز. كان القول قوله، ولا ضمان عليه.

ش: أي ولو طالبه بالوديعة، فلم ينكر أصل الإيداع، وإنما قال: ما لك عند شيء. ثم ثبت أنه أودعه، فادعى الضياع، أو التلف، ونحو ذلك سمع منه، لعدم تنافي دعواه الأولى والثانية، إذ مع الضياع أو التلف ليس له عنده شيء،

ص: 584

فهو صادق في قوله، فأمانته باقية، ودعواه مقبولة، ولا فرق بين قبل الجحود وبعده، على ظاهر إطلاق جماعة.

وقال القاضي في المجرد: وقد قيل: إن شهدت البينة بالتلف بعد الجحود فعليه الضمان، لأنه قد كذبها بالجحود، وإن شهدت بالتلف قبل الجحود سمعت، ولا ضمان عليه، والله أعلم.

قال: ولو كانت في يده وديعة فادعاها نفسان، فقال: أودعني أحدهما ولا أعرفه عينا، أقرع بينهما، فمن تقع له القرعة حلف أنها له وأعطي.

ش: إذا كانت في يده وديعة فادعاها نفسان، كل واحد منهما يدعي أنه الذي أودعها ولا بينة، فلا يخلو من خمسة أحوال:

(أحدها) : أن يقر بها لأحدهما دون الآخر، فهي له مع يمينه، لأن اليد كانت للمودع، وقد نقلها إلى المدعي، فصارت اليد له، ومن اليد له القول قوله مع يمينه، وعلى المدعي اليمين للمدعي الآخر؛ لأنه منكر لما ادعاه عليه، فإن حلف؛ برئ، وإن نكل قضي عليه بغرمها.

(الثاني) : أن

ص: 585

يقر بها لهما، فهي بينهما يقتسمانها، مع تحالفهما، كما لو كانت بأيديهما وتداعياها، وعليه اليمين لكل واحد منهما في نصفها، فإن نكل لزمه عوضها يقتسمانه أيضا.

(الثالث) : أن يقر بها لواحد منهما غير معين، وهذه مسألة الخرقي، فإن صدقاه في عدم العلم فلا يمين عليه، ويقرع بينهما، لتساويهما في الحق، أشبها العبدين إذا أعتقهما في مرضه، وإن أكذباه أو أحدهما، لزمه يمين واحدة بأنه لا يعلم عين صاحبها، لأن المدعي يدعي عليه العلم بعين صاحبها، وهو ينكره، فإن حلف أقرع بينهما كما تقدم، وإن نكل لزمه غرمها.

قال في التلخيص: ثم إن اتفقا على أن العين وقيمتها يشتركان فيها فلا كلام، وإن تشاحاها أقرع بينهما،

ص: 586

فدفعت العين للقارع، ومقتضى كلام أبي البركات أنه مع نكوله يقرع بينهما، فيأخذ القارع العين، ويطلب الآخر البدل.

(الرابع) : جحدهما فالقول قوله، لأن اليد له، وعليه لكل واحد يمين، فإن نكل لزمه لهما العين وعوضها، يقترعان عليهما، قال أبو البركات: ويحتمل أن يقتسماهما.

(الخامس) : أقر بها لغيرهما، وله تقاسيم ليس هذا موضعها، والله أعلم.

قال: ومن أودع شيئا فأخذ بعضه، ثم رده أو مثله فضاع الكل، لزمه مقدار ما أخذ.

ص: 587

ش: إذا أودع إنسان إنسانا شيئا، فأخذ بعضه ثم رده، فضاع الجميع أو تلف، لزمه مقدار ما أخذ فقط، لأنه القدر الذي تعدى فيه، هذا هو المشهور من الروايتين، حتى إن القاضي في تعليقه، وأبا البركات وأبا محمد في الكافي والمغني، لم يذكروا غيرها.

(والرواية الثانية) : يضمن الجميع، حكاها صاحب التلخيص وغيره، لأنها وديعة، قد تعدى فيها فضمنها، كما لو أخذ الجميع انتهى.

وإن لم يرد ما أخذ بل رد بدله، فللأصحاب في ذلك طرق:

(إحداها) : أنه لا يلزمه إلا مقدار ما أخذ، سواء كان البدل متميزا أو غير متميز، وهذا مقتضى كلام الخرقي، وبه قطع القاضي في التعليق، وذكر نص أحمد على ذلك من رواية الجماعة، وحكي عنه من رواية الأثرم أنه أنكر القول بتضمين الجميع، وأنه قال: إنه قول سوء. وذلك لأنه الضمان منوط بالتعدي، والتعدي إنما حصل في المأخوذ، فيختص الضمان به.

(الطريقة الثانية) : أنه إن تميز البدل ضمن قدر ما أخذ فقط، وإن لم يتميز فعلى روايتين، وهذه طريقة أبي محمد في المغني والكافي، وأبي البركات.

(الطريقة الثالثة) : أن المسألة على روايتين فيهما، وهي ظاهر كلام أبي الخطاب في الهداية.

(الطريقة الرابعة) أنه إن تميز البدل فعلى روايتين،

ص: 588

وإن لم يتميز ضمن الجميع رواية واحدة، قالها صاحب التلخيص، ويقرب من هذه الطريقة قول أبي محمد في المقنع، وكلام القاضي على ما حكى عنه أبو محمد في المغني، ومبنى هذه الطريقة على أن المردود باق على ملكه، فقد خلط ملكه بالوديعة، فيجري فيه ما تقدم، وقد فرق أبو محمد بأن المردود يجب رده مع الوديعة، فلم يفوت على نفسه إمكان الرد، بخلاف ثم، فإنه فوت على نفسه، إمكان رد الوديعة، وقد يقال: مسلم أنه يجب عليه الرد، لكن لا يجب عليه رد هذا المخلوط بعينه، فهو باق على ملكه، فإذا خلطه بالوديعة، ولم يتميز فقد فوت على نفسه إمكان رد باقيها، وبالجملة هذه الطريقة وإن كانت حسنة لكنها مخالفة لنصوص أحمد، وقد يقال: إن نصوصه هنا مقوية لرواية البغوي ثم.

واعلم أن شرط هذه المسألة عند أبي محمد، وأبي البركات، أن تكون الدراهم ونحوها غير مختومة ولا مشدودة،

ص: 589

أما إن كانت مختومة أو مشدودة فحل الشد، أو فك الختم، فإنه يضمن الجميع بلا نزاع، لهتك الحرز، وهذا الصحيح عند القاضي، وقال: إنه قياس قول الأصحاب فيما إذا فتح قفصا عن طائر فطار. ولم يذكر عن أحمد بذلك نصا، ونقل مهنا عن أحمد ما يقتضي أنه لا يضمن إلا ما أخذ، فقال - في رجل استودع رجلا عشرة دنانير في صرة، فأخذ منها المستودع دينارا فأنفذه، ثم رد مكانه دينارا، فضاعت العشرة -: يغرم الدينار، وليس عليه التسعة، وفي التلخيص أيضا أن البغوي روى عن أحمد ما يدل على ذلك.

وينبني على ذلك: لو خرق الكيس، فإن كان من فوق الشد لم يضمن إلا أرش الخرق فقط، وإن كان من تحت الشد ضمن الجميع، على المشهور عند الأصحاب.

وقوة كلام الخرقي تقتضي أنه لا يضمن بمجرد نية التعدي، وهو المذهب المجزوم به، لرفع المؤاخذة عن ذلك ما لم يتكلم أو يعمل، ولهذا لو أخرجه إلى السوق بنية الإنفاق ثم ردها، ضمنها على أصح الوجهين، لوجود العمل، قال القاضي: وقد قيل: إنه يضمن بالنية، لاقترانها بالإمساك، وهو فعل، وقد ينبني هذا الوجه على أن الذي لا يؤاخذ به هو الهم، أما العزم فيؤاخذ به على أحد القولين، والله أعلم.

ص: 590