الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا نزاع في دخول الكفار، إذا صرح بذلك، إذ لا اعتبار لمقتضى الحال مع التصريح بخلافه، وكذلك لو تعذر الحمل على الخصوص، كما إذا لم يكن في القرية مسلم أصلا، وحكم الكافر إذا أوصى لأهل قريته كذلك، في أنه يدخل كافرها الموافق له في دينه، وفي دخول كافرها المخالف له في دينه احتمالان، ولا يدخل مسلمها لما تقدم، وقيل: يدخل، حذارا من كون الإسلام سببا للمنع من غير نص يمنعه، والله أعلم.
[الوصية بجميع المال]
قال: ومن أوصى بكل ماله - ولا عصبة له ولا مولى - فجائز، وعن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى: لا يجوز إلا الثلث.
ش: الرواية الأولى نص عليها في رواية المروذي [وحرب] ، واختارها القاضي، والشريف، وأبو الخطاب، والشيرازي، وأبو محمد، وغيرهم، لظاهر قوله: صلى الله عليه وسلم «إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس» علل المنع بخشية فقر الوارث، وهذا لا وارث له يخشى فقره.
2235 -
واعتمد أحمد على أن ذلك يروى عن ابن مسعود. (والثانية) : نص عليها في رواية ابن منصور.
2236 -
معتمدا على أن ذلك قول زيد، ومعللا بأن بيت المال له عصبة، وهو مفهوم قوله: صلى الله عليه وسلم «إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم» الحديث، قال أبو الخطاب في الانتصار: وهي صريحة في منع الرد، وتوريث ذوي الأرحام. وقول الخرقي: ولا عصبة له ولا مولى. تبع فيه لفظ أحمد في رواية المروذي: فإنه قال: إذا لم يكن له عصبة أو مولى فله أن يضع ماله حيث شاء. وغيرهما يترجم المسألة: إذا
أوصى من لا وارث له. لأن ذا الفرض يأخذ البعض بالفرض، والباقي بالرد، فهو كالعاصب، ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم سعدا أن يوصي بأكثر من الثلث، نعم، إن كان ذو الفرض لا يرد عليه، - كالزوجين - جازت الوصية فيما زاد عن نصيبه على المذهب، والله أعلم.
قال: ومن أوصى لعبده بثلث ماله، فإن كان العبد يخرج من الثلث عتق، وما فضل من الثلث بعد عتقه فهو له، وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث، إلا أن يجيز الورثة.
ش: إذا أوصى لعبده بثلث ماله صح، لأنها وصية تضمنت العتق بثلث ماله، فصحت كما لو صرح بذلك، ثم إن كان العبد يخرج من الثلث - كما إذا كان ثلثه مائة، وقيمة العبد مائة أو دونها - عتق، لأنه يملك من كل جزء من
المال ثلثا مشاعا، ومن جملة المال نفسه، فيملك ثلثها، وإذا يعتق ذلك الجزء، لتعذر ملك نفسه، ويسري إلى بقيته، كما لو أعتق بعض عبده؛ بل أولى، فإن فضل من الثلث بعد عتقه شيء فهو له، لأنه قد صار حرا وإن لم يخرج من الثلث، عتق منه بقدر الثلث، والباقي موقوف على إجازة الورثة، لما تقدم. قيل: ومفهوم كلام الخرقي أنه لو أوصى له بمعين كمائة درهم، أو ثوب أنه لا يصح، وهو المشهور من الروايتين، ثم قال أبو محمد في الكافي: على رواية الصحة يشترى العبد من الوصية فيعتق، وما بقي فهو له، قلت: محافظة على تصحيح كلام المكلف ما أمكن، إذ تصحيح الوصية يستلزم ذلك، وإلا فكأنه وصى للورثة ببعض مالهم، ولا فائدة في ذلك، وبنى الشيرازي الروايتين على تمليك العبد إذا ملك، ثم قال: وعلى رواية الصحة تدفع المائة إليه، فإن باعه الورثة بعد ذلك فالمائة لهم، وتعليل أبي محمد في المغني يقرب من ذلك، والله أعلم.
قال: وإذا قال: أحد عبدي حر. أقرع بينهما، فمن تقع عليه القرعة فهو حر إذا خرج من الثلث.
ش: القرعة لها مدخل في العتق، لما تقدم من حديث عمران
بن حصين رضي الله عنه، فإذا قال: أحد عبدي أو عبيدي حر. ولم يعينه، أقرعنا بينهم، إذ تعيين أحدهم ترجيح بلا مرجح، ثم من خرجت عليه القرعة فهو حر، إذ هذا فائدة القرعة، وشرط نفوذ عتقه أن يخرج من الثلث، لما تقدم من أن الإنسان ليس له أن يوصي بأكثر من ثلثه، وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث، والباقي موقوف على إجازة الورثة والله أعلم.
قال: وإذا أوصى أن يشتري عبد زيد بخمسمائة فيعتق، فلم يبعه سيده، فالخمسمائة للورثة.
ش: لأنه قد تعذر إعمال الوصية فبطلت، كما لو مات الموصى له قبل موت الموصي، أورد الوصية، وإذا بطلت كان المال للورثة، وقول الخرقي: فلم يبعه سيده. يشمل إذا لم يبعه مطلقا، أو لم يبعه بالخمسمائة، وفي معنى ذلك حيث تعذر شراؤه، إما بموته أو غير ذلك، والله أعلم.
قال: وإن اشتروه بأقل، فما فضل فهو للورثة.
ش: لأن مقصود الموصي العتق وقد حصل، وكما لو وكل في شرائه في حياته بثمن معين، فاشترى بدونه، فإن الفاضل له، كذلك هنا، وحكى في المغني احتمالا بأن الخمسمائة تكون لزيد، وفرق في المغني فقال: إن كان ثم قرينة تقتضي إرفاق سيده بالثمن - كما إذا كان صديقا له،
أو ذا حاجة، أو كان يعلم أن العبد يحصل بدون ذلك - فإن الثمن جميعه يدفع إلى السيد، كما لو صرح بذلك، وإن عدمت القرائن كان كما تقدم، والله أعلم.
قال: وإذا أوصى لرجل بعبد لا يملك غيره، وقيمته مائة ولآخر بثلث ماله، وملكه غير العبد مائتا درهم، فأجاز الورثة ذلك، فلمن أوصى له بالثلث ثلث المائتين، وربع العبد، ولمن أوصى له بالعبد ثلاثة أرباعه.
ش: إنما كان للموصى له بالثلث ثلث المائتين، لأن المائتين من ماله، وقد أوصى له بثلثه، فلا معارض له، فيستحق ثلثها، وإنما كان له ربع العبد، وللموصى له بالعبد ثلاثة أرباعه، لأن مقتضى وصية صاحب الثلث أن يكون له ثلث العبد، ومقتضى وصية صاحب العبد أن يكون له جميعه، فقد تضمنت الوصية قسمة العبد على أربعة أثلاث، وهو أربعة أرباع، وليس طرح وصية أحدهما بأولى من الأخرى، فيجعل الثلث ربعا كمسائل العول.
قال: وإن لم يجز ذلك الورثة فلمن أوصى له بالثلث سدس المائتين، وسدس العبد، لأن وصيته في الجميع، ولمن أوصى له بالعبد نصفه، لأن وصيته في العبد.
ش: إذا لم يجز الورثة ما تقدم، فقال الخرقي وجمهور الأصحاب: للموصى له بالثلث سدس المائتين، وسدس العبد، وللموصى له بالعبد نصفه، لأن الوصية ترجع في الرد إلى الثلث، وثلث المال - والحال هذه - مائة، والوصية مائتان، ثلث المال قدره مائة، والعبد قيمته مائة، نسبة الثلث الذي هو مائة، إلى الوصية التي هي مائتان بالنصف، فمن أوصى له بشيء رجع إلى نصفه، نظرا إلى مقتضى المسمى في الوصية، فللموصى له بالثلث سدس المائتين، لأنه نصف ثلثها، وسدس العبد، لأنه نصف ثلثه، واستحقاقه
الربع في الإجازة كان للمزاحمة العارضة، وقد زالت، وللموصي له بالعبد نصفه، لأن الوصية له بكله. واختار أبو محمد رحمه الله أن لصاحب الثلث خمس المائتين، وعشر العبد، ونصف عشره، ولصاحب العبد ربعه وخمسه، وخرجه أبو البركات وجها، لأن الموصى له بالعبد في الحقيقة إنما أوصى له بثلاثة أرباعه، لأنه أوصى لآخر بثلثه، والموصى له بثلثه، إنما أوصى له حقيقة بربعه، لأنه أوصى لآخر بكله، وإذا يقسم الثلث بينهما على ذلك، نظرا إلى مقتضى الوصية لو أمكن إعمالها بالإجازة، وعلى هذا يقسم الثلث بينهما على حسب مالهما في الإجازة، والذي لهما العبد وثلثا المائتين، مجموع ذلك مائة وستة وستون درهما، وثلثا درهم، نسبة الثلث إلى ذلك ثلاثة أخماسه، فمن له شيء في الإجازة، له ثلاثة أخماسه في الرد، فالموصى له بالثلث له ثلث المائتين، وهو ستة وستون درهما، وثلثا درهم، فيعطى ثلاثة أخماس ذلك، وهو أربعون درهما، وقدر ذلك خمس المائتين، وله من العبد ربعه، وقيمة ذلك خمسة وعشرون درهما، فله ثلاثة أخماسه، وهو خمسة عشر درهما، قدر ذلك من العبد عشره، ونصف عشره، وللموصى له بالعبد ثلاثة أرباعه،
وقيمة ذلك خمسة وسبعون درهما، ثلاثة أخماس ذلك خمسة وأربعون درهما، قدر ذلك من العبد ربعه وخمسه. وطريقة العمل في ذلك على قول الأصحاب أن يجعل لكل واحد من أصل وصيته بقدر نسبة الثلث إلى مجموع الوصيتين، وعلى قول أبي محمد يجعل لكل واحد من الذي حصل له في حال الإجازة بقدر نسبة الثلث إلى مجموع ما حصل لهما فيها، وعلى هذا لو كانت الوصية بالنصف مكان الثلث، ففي حال الإجازة لصاحب النصف نصف المائتين، وثلث العبد، ولصاحب العبد ثلثاه، وفي حال الرد على قول الأصحاب مجموع الوصيتين مائتان وخمسون درهما، نسبة الثلث إلى ذلك خمسه فلكل واحد من أصل وصيته خمساها، فللموصى له بالنصف خمسا المائة، وهو أربعون درهما وخمس العبد، وقدره عشرون درهما، وللموصى له بالعبد خمساه، وهو أربعون درهما، وعلى قول أبي محمد إذا نسبت الثلث إلى مجموع ما يحصل لهما في الإجازة وهو مائتا درهم، كان النصف، فيكون لكل واحد نصف الذي يحصل له في الإجازة، فصاحب النصف يحصل له من المال المائة، فله نصفها، ويحصل له من العبد ثلثه، فله نصفه وهو السدس، وصاحب العبد يحصل له في الإجازة ثلثاه، فله نصف ذلك وهو الثلث، وعلى هذا فقس، والله أعلم.
قال: ومن أوصى لقرابته فهو للذكر والأنثى بالسوية، ولا يجاوز به أربعة آباء «، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاوز بني هاشم بسهم ذوي القربى» .
ش: إذا أوصى لقرابته فهو للذكر والأنثى، لأن كليهما من قرابته، ويكون بينهما بالسوية، لأنه شرك بينهما فيه، أشبه ما لو أقر لهما، ويعطى الغني كالفقير، لدخوله في لفظ القرابة، ثم قيل - وهو احتمال لأبي محمد، وكلام ابن الزاغوني في الوجيز يقتضي أنه رواية - يشمل كل قريب له من جهة أبيه وأمه، نظرا لمقتضى اللفظ، إذ قرابته اسم جنس مضاف، فيشمل كل قريب له، والمنصوص عن أحمد رحمه الله: إنما يتناول أقاربه من جهة أمه بشرط أن يصلهم في حال حياته، إذ صلته لهم في حياته قرينة بره لهم بعد مماته، والمشهور عنه اختصاص هذا اللفظ بقرابته من جهة أبيه، لأن العرف في القرابة إذا أطلق إنما ينصرف لذلك، ولهذا - والله أعلم - لم يعط النبي صلى الله عليه وسلم أقاربه من جهة أمه من سهم ذوي القربى. ثم على هذا (هل يشمل) ولده وولد أبيه وإن علا، اعتمادا على العموم.
2237 -
ولما روى مسلم وغيره عن أنس قال: «لما نزلت هذه الآية {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ} [آل عمران: 92] الآية قال أبو طلحة: يا رسول الله، أرى ربنا يسألنا من أموالنا، فأشهدك أني قد جعلت بيرحاء لله. قال: «فاجعلها في قرابتك» فجعلها في حسان بن ثابت، وأبي بن كعب وبين حسان وأبي طلحة ثلاثة آباء، وبين أبي طلحة وأبي بن كعب ستة آباء» ، والظاهر أن جعله كان بحضرته صلى الله عليه وسلم أو بعلمه، وأيضا فقد دل على أن عرفهم ذلك. (ولا يتجاوز) بها أربعة آباء، فإذا أوصى لقرابة زيد مثلا، أو وقف عليه تناول ولده، فزيد أب، وتناول أباه،
وجده، وجد أبيه، وأولادهم، ولا يزاد على ذلك، وهو اختيار الخرقي، والقاضي، وعامة أصحابه، لما استدل به الخرقي، من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاوز بني هاشم بسهم ذوي القربى، لأن الله سبحانه لما قال:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: 7] يعني قرابته صلى الله عليه وسلم، فقسمه النبي صلى الله عليه وسلم بين قرابته، ولم يجاوز بني هاشم.
2238 -
ففي البخاري وغيره «عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، قال: مشيت أنا وعثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا، قال: «إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد» قال جبير: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس، ولا لبني نوفل شيئا، وفي رواية في السنن: لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى من خيبر، وذكر القصة» ، وهذا خرج مخرج البيان للمسمى في الآية الكريمة، وإذا يحمل المطلق من كلام الناس على المطلق من كلام الشارع، ويختص بما اختص به و «هاشم» هو
الأب الرابع، والأب الثالث عبد المطلب، والأب الثاني عبد الله، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الأب الأول. (أو لا يتجاوز) بها ثلاثة آباء. نظرا إلى أن الولد لا يدخل في ذلك، ولهذا لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى لولده شيئا؟ فيه ثلاث روايات، وشذ ابن الزاغوني في وجيزه، فجعل الأب الرابع عبد مناف، فعلى هذا لا يدفع للولد، وهو مخالف للفظ الخرقي وغيره.
(تنبيهان)«أحدهما» قد تقدم أن الولد والوالد يدخلان في لفظ القرابة، وصرح بذلك القاضي، والشيرازي، وابن عبدوس، وأبو الخطاب في خلافه، وهو ظاهر كلام الخرقي وغيره، وعبارة الشيخين توهم خلاف ذلك، قال في المغني: الوصية لأولاده، وأولاد أبيه، وأولاد جده، وأولاد جد أبيه، وقال في المحرر: اختص بولده وقرابة أبيه وإن علا.
«الثاني» قال أبو محمد في المغني والكافي: إذا أوصى لأقرب قرابته، وله أب وأم إنهما سواء، وفيه نظر، إذ الأم لا تدخل في لفظ القرابة على المذهب، فكيف تكون من أقربهم، وقد نبه على هذا أبو البركات حيث قال: والأخ من الأب والأخ من الأم إن أدخلناه في القرابة سواء، والله أعلم.
قال: وإن قال: لأهل بيتي. أعطي من قبل أبيه وأمه.
ش: المنصوص عن أحمد رحمه الله أن لفظة «أهل بيته»
بمنزلة لفظة «قرابته» قال في رواية عبد الله: إذا أوصى بثلث ماله لأهل بيته، هو بمثابة قوله: لقرابتي.
2239 -
واستدل على ذلك فيما حكاه عنه ابن المنذر بأن قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لي، ولا لأهل بيتي» فجعل سهم ذوي القربى لهم، عوضا عن الصدقة التي حرمت عليهم، فكان ذوو القربى الذين سماهم الله تعالى، أهل بيته الذين حرمت عليهم الصدقة.
2240 -
وذكر حديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أذكركم الله في أهل بيتي» قال: قلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا، أهله وعشيرته الذين حرمت عليهم الصدقة بعده، آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل العباس. وفرق
الخرقي رحمه الله بين لفظ: القرابة، وأهل البيت، فجعل الأول مختصا بأقاربه من جهة أبيه على ما تقدم، وجعل الثاني يشمل القريب من جهة الأب والأم، نظرا إلى أن اللفظ يشملهم، عرفا، يقال: بيت فلان كذا. يريدون أقاربه من جهة أبيه وأمه، وأناط الشيرازي الحكم هنا بمن كان يصله في حياته، فقال: يعطى من كان يصله في حياته من قبل أبيه وأمه. والله أعلم.
قال: وإذا أوصى أن يحج عنه بخمسمائة فما فضل رد في الحج.
ش: إذا أوصى أن يحج عنه بخمسمائة مثلا حج عنه، لأن الحج جهة قربة، فإن فضل من الخمسمائة شيء، رد في
الحج إلى أن ينفد، على المذهب المعروف، إعمالا لمقتضى اللفظ، وحكى الشيرازي رواية أن الباقي للورثة. وظاهر كلام الخرقي أنه لا يدفع إلى من يحج إلى قدر ما يحج به، لقوله: فما فضل. وصرح به غيره، لأنه تصرف بمقتضى النظر، فلا يزاد فيه على ذلك، ولو كانت الخمسمائة لا تكفي للحج، فهل يعان بها فيه، أو يحج بها من حيث تبلغ، أو يخير؟ ثلاثة أقوال، وشرط نفوذ هذه الوصية أن تخرج الخمسمائة من الثلث، فإن لم تخرج نفذ منها قدر الثلث، ووقف الباقي على إجازة الورثة، هذا إن كان الحج تطوعا، وإن كان واجبا فالذي يحتسب من الثلث ما زاد على نفقة المثل للفرض، والله أعلم.
قال: وإن قال: حجة بخمسمائة. فما فضل فهو لمن يحج.
ش: اعتمادا على مقتضى لفظه، إذ مقتضاه دفع جميع الخمسمائة إلى من يحج حجة واحدة، كأنه قصد إرفاق من يحج، والله أعلم.
قال: وإن قال: حجوا عني حجة. فما فضل رد إلى الورثة.
ش: لأن الذي أوصى به حجة فقط، فما فضل عنها فهو للورثة، وقوله: فما فضل: يجوز أن يريد ما فضل [من الثلث، ويجوز أن يريد ما فضل] من المدفوع إليه، أي عن النفقة التي أنفقها، بناء على المشهور، من أنه لا يجوز الاستئجار على الحج، والله أعلم.
قال: ومن أوصى بثلث ماله لرجل، فقتل عمدا أو خطأ، وأخذت الدية، فلمن أوصى له بالثلث ثلث الدية، في إحدى الروايتين، والأخرى ليس لمن أوصى له بالثلث من الدية شيء.
ش: الرواية الأولى اختيار القاضي وغيره، بناء على أن الدية تحدث على ملكه، تنزيلا لسبب الوجوب، منزلة مسببه وهو الوجوب، ولا شك أن السبب وجد في حياته وصار هذا كما لو نصب شبكة، فوقع فيها صيد بعد موته، فإنه يكون له، يحقق ذلك أن تجهيزه يخرج منها بلا نزاع، وعلى هذا يكون لمن أوصى له بالثلث ثلثها، كما لو ورث مالا قبل موته، (والثانية) ليس لمن أوصى له بالثلث شيء منها،
بل تكون للورثة، يقتسمونها على قدر مواريثهم، بناء على أن الدية تحدث على ملكهم.
(تنبيه) بنى أبو البركات الدين على الروايتين، [إن قلنا له، قضيت منها ديونه، وإن قلنا للورثة فلا، وظاهر كلام أبي محمد في المغني يقتضي أن ديونه تقضى منها على الروايتين] كتجهيزه، نظرا إلى أن الوجوب إنما وجد بالموت، والميت ليس أهلا للملك، ولذلك زالت أملاكه بموته، والله أعلم.
قال: وإذا أوصى لرجل، ثم أوصى بعده إلى آخر، فهما وصيان، إلا أن يقول: قد أخرجت الأول.
ش: أما إذا أخرج الأول من الإيصاء إليه فقد انعزل، وصار الثاني هو الوصي وحده، وأما إذا لم يخرجه فهما وصيان، لما تقدم فيما إذا أوصى لبكر بجارية، ثم أوصى بها لبشر، وقد تضمن كلام الخرقي رحمه الله أن للموصي عزل الموصى إليه، وهو واضح، لأنه نائب عنه، أشبه وكيله. قال: وإذا كان الوصي خائنا جعل معه أمين.
ش: هذا إحدى الروايات عن أحمد رحمه الله تعالى، جمعا بين نظر الموصي وحفظ المال، (والثانية) لا تصح
الوصية إلى فاسق أصلا، وهي اختيار القاضي، وعامة أصحابه، الشريف، وأبي الخطاب في خلافيهما، والشيرازي، وابن عقيل في التذكرة، وابن البنا، لأنه ليس بأهل للشهادة، أشبه المجنون، (والرواية الثالثة) تصح الوصية إليه مطلقا، ولا يفتقر إلى أمين، حكاها أبو الخطاب في خلافه. لأنه أهل للائتمان في الجملة، بدليل جواز إيداعه، فلو طرأ فسقه بعد موت الموصي، فعند أبي محمد أنه على الروايتين في الوصية إليه ابتداء، ثم مختار القاضي [أيضا] وغيره البطلان، وعند أبي البركات أنه يبدل بأمين بلا نزاع، نظرا إلى أن الموصي في الابتداء قد رضيه واختاره، والظاهر أنه إنما فعل ذلك لمعنى رآه فيه، إما لزيادة حفظه، أو إحكام تصرفه، ونحو ذلك، مما يربو على ما فيه من الخيانة، بخلاف ما لو طرأ فسقه، فإن حال الموصي يقتضي أنه إنما رضي بعدل ولا عدل، وعكس ذلك القاضي في روايتيه، فإنه حمل رواية ضم الأمين إليه على ما إذا طرأ الفسق. وقال: ولا يختلف المذهب أنه لا يصح إليه ابتداء، فكأنه نظر إلى أن الدوام يغتفر فيه ما لا يغتفر في الابتداء.
ولنشر إلى شروط الموصى إليه فنقول: من شرطه أن يكون «عاقلا» بلا نزاع، «مسلما» إن كان الموصي مسلما، وكذلك إن كان كافرا في وجه، وفي آخر: يصح إلى كافر إن كان الموصي كافرا، لكن يشترط عدالة الموصى إليه في دينه عند أبي محمد، وظاهر كلام أبي البركات أنه على الروايتين، «بالغا» في رواية، وفي أخرى - وقال القاضي: إنها قياس المذهب: - لا، وعليها قال أبو البركات: إذا كان مراهقا. وقال أبو محمد: إذا جاوز العشر. «مستور الحال» على المذهب وقد تقدم، ولا تعتبر الذكورية، ولا الحرية، ولا البصر، ولا المعرفة بالتصرف، نعم، إذا كان عاجزا ضم الحاكم إليه أمينا، ويعتبر وجود الشروط عند العقد والموت في وجه، وفي آخر عند الموت فقط، والله أعلم.
قال: وإن كانا وصيين فمات أحدهما، أقيم مقام الميت أمين.
ش: إذا أوصى لرجلين، فليس لأحدهما الانفراد بالتصرف، لحصول التشريك بينهما، إلا أن يجعل لكل واحد منهما التصرف منفردا، فعلى هذا لو مات أحدهما أو جن أقام الحاكم مقامه أمينا، لأن الميت لم يرض بتصرف الآخر وحده، وكذلك إن ماتا في وجه، لأنه لم يرض بتصرف واحد، وفي آخر يجوز أن يقيم واحدا، لأن الأمر رجع إليه، أشبه ما لو لم يوص، ولو كان قد جعل لكل واحد التصرف منفردا، فمات أحدهما لم يبدل، لاستقلال الآخر بالتصرف، والله أعلم.
قال: ومن أعتق في مرضه أو بعد موته عبدين لا يملك غيرهما، وقيمة أحدهما مائتان، والآخر ثلاثمائة، فلم تجز الورثة، أقرع بينهما، فإن وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان عتق منه خمسة أسداسه، وهو ثلث الجميع، وإن وقعت على الآخر عتق منه خمسة أتساعه.
ش: قوله: ومن أعتق في مرضه. أي منجزا، أو بعد موته. أي مدبرا. وقوله: أقرع بينهما، «إشارة» إلى أن العتق في المرض يعتبر من الثلث، وكذلك التدبير على المذهب بلا ريب، كبقية الوصاية، وشذ حنبل فنقل عنه نفوذه من رأس المال إن وجد في الصحة، نظرا إلى الحال الراهنة، «وإشارة» بأن العتق والحال هذه يكمن في واحد
«وتصريح» بدخول القرعة، والأصل في ذلك كله حديث عمران بن حصين المتقدم، وإذا أقرعنا فإن وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان، عتق منه خمسة أسداسه، وهو ثلث الجميع، إذ ثلث الجميع مائة وستة وستون وثلثا درهم، وذلك قدر خمسة أسداسه، وإن وقعت على الآخر الذي قيمته ثلاثمائة، عتق منه خمسة أتساعه، وهي الثلث، مائة وستة وستون درهما وثلثا درهم، إذ كل تسع منه ثلاثة وثلاثون درهما، وثلث درهم.
قال: لأن جميع ملك الميت خمسمائة، وهي قيمة العبدين، فتضرب في ثلاثة، فأخذ ثلثه خمسمائة، فلما أن وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان، ضربناه أيضا في ثلاثة، فصيرناه ستمائة، فصار العتق فيه خمسة أسداسه، وكذلك يفعل بالآخر إذا وقعت عليه القرعة.
ش: هذا بيان لعمل المسألة، ولأن العتق في الأول خمسة أسداسه، وفي الثاني خمسة أتساعه، وذلك لأن صورة المسألة أن جميع ملك الميت خمسمائة، فتضرب في ثلاثة، ترتفع إلى ألف وخمسمائة، لأنها لو لم تضرب ربما وقع فيها
كسر فتشق النسبة إليه أو تتعذر، فإذا بلغت ألفا وخمسمائة، أخذ ثلثها وهو خمسمائة، ثم إن وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان، ضربناه في ثلاثة، كما ضربنا المجموع، فترتفع إلى ستمائة، ثم تنسب الثلث إليه وهو الخمسمائة، تجد العتق فيه خمسة أسداسه، إذ كل سدس مائة درهم، وإن وقعت القرعة على الذي قيمته ثلاثمائة، فعلنا به أيضا كذلك، ضربناه في ثلاثة فارتفع إلى تسعمائة، ثم نسبنا منه الثلث، وهو الخمسمائة، تجدها خمسة أتساعه.
قال: وكل شيء يأتي من هذا الباب فسبيله أن يضرب في ثلاثة، ليخرج بلا كسر.
ش: فلو كانت قيمة أحد العبدين ثلاثمائة، والآخر أربعمائة، جمعتهما، وذلك سبعمائة، فجعلتها ثلث المال، ثم إن وقعت القرعة على الذي قيمته ثلاثمائة، ضربت في ثلاثة، ترتفع إلى تسعمائة، ثم تنسب إليه السبعمائة يكن العتق منه سبعة أتساعه، وإن وقعت على الذي قيمته أربعمائة، ضربته في ثلاثة، ترتفع إلى ألف ومائتين، وإذا نسبت إليه السبعمائة، كان العتق فيه ثلثه وربعه، وعلى هذا فقس، والله أعلم.
قال: وإذا أوصى بعبد من عبيده لرجل، ولم يسم العبد، كان له أحدهم بالقرعة، إذا كان يخرج من الثلث، وإلا ملك منه بقدر الثلث.
ش: هذا إحدى الروايتين، واختيار ابن أبي موسى، لأن الجميع سواء بالنسبة إلى الاستحقاق، فكان له أحدهم بالقرعة، كما لو كان ذلك عتقا، (والثانية) - واختارها أبو الخطاب، والشريف في خلافيهما، والشيرازي - يعطيه الورثة ما أحبوا، لأن لفظه تناول عبدا، والأقل هو اليقين، فيكون هو الواجب، وما زاد فهو مشكوك فيه، وإذا ما تدفعه الورثة هو الواجب أو أزيد، فيلزم قبوله، وقد تضمن كلام الخرقي صحة الوصية بالمجهول، وهو واضح، لما تقدم من أن الغرر لا ينافيها. وقول: من عبيده. يخرج ما إذا قال: بعبد. وأطلق، فإنه يصح ويعطى أي عبد كان، لكن يشترط كونه ذكرا، هذا عند أبي محمد، نظرا للعرف، وعند
القاضي لا يشترط، نظرا للحقيقة، وقوله: ولم يسمه. يخرج ما إذا سماه، فإنه يستحقه بشرطه بلا نزاع، واشتراط الخروج من الثلث واضح وقد تقدم.
قال: وإذا أوصى له بشيء بعينه - فتلف بعد موت الموصي لم يكن للموصى له شيء.
ش: إذا أوصى له بشيء بعينه - كهذا العبد ونحوه - فتلف بعد موته، وقبل القبول، لم يكن للموصى له شيء، حكاه ابن المنذر إجماعا، وذلك لأن الموصى له إنما يستحق بالوصية وهي في معين، فتذهب بذهابه، وبطريق التنبيه إذا تلف قبل موت الموصي.
قال: وإن تلف المال كله إلا الموصى به فهو للموصى له.
ش: نص على هذا أحمد، لأن حق الورثة تعلق بما عدا المعين، وقد تلف، فيتلف على ملكهم، أما المعين فلم يتعلق حقهم به، ولذلك كان للموصى له أخذه بغير رضاهم.
قال: ومن أوصي له بشيء فلم يأخذه زمانا، قوم وقت الموت، لا وقت الأخذ.
ش: اعلم أنا نذكر أولا أصلا، ثم نذكر هذه المسألة، لأن
بعضهم بناها عليه، فنقول: اتفق أصحابنا فيما علمت على أن شرط ثبوت الملك للموصى له القبول بعد الموت، ثم اختلفوا متى يثبت الملك له، فالمذهب عند أبي محمد رحمه الله أن الملك لا يثبت له إلا عقب القبول، وهو مقتضى قول القاضي، وعامة أصحابه، قال أبو الخطاب في الهداية: وأومأ إليه أحمد فقال: الوصية والهبة واحد. واختار أبو بكر في الشافي أن الملك مراعى، فإذا قبل تبينا أن الملك ثبت له من حين الموت، وحكى الشريف عن شيخه أنه قال: إنه ظاهر كلام الخرقي. ولعله أخذه من هذه المسألة، قال في التعليق: وهو ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور، فيمن أوصي له بشيء فلم يأخذه زمانا، قال سفيان: يحسب على الموصى له بقيمته يوم يأخذه، قال أحمد: له يوم أوصى. قال: فظاهر هذا أن الملك حصل بالسبب السابق. وقوله: يوم أوصى. معناه يوم تعتبر قيمته حين الموت، لأنه حين الوصية باق على ملك الموصي، فلا تعتبر قيمته إذا، ثم على الأول هل يبقى الملك بعد موت الموصى له، فيتوفر بنمائه ثلثه - وهو مقتضى قول الشريف، وأبي الخطاب في
خلافيهما - أو يكون الملك للورثة ثم ينتقل إلى الموصى له إذا قبل - وهو اختيار أبي محمد، وابن البنا، والشيرازي؟ فيه وجهان وتلخص أن في الملك بين الموت والقبول ثلاثة أوجه، للميت، للورثة، للموصى له.
إذا تقرر هذا فقول الخرقي: إن التقويم يعتبر بحال الموت، لا بحال الأخذ، وكذلك نص عليه أحمد في رواية ابن منصور، فيحتمل أنه بناء منهما على أن الملك يكون مراعى، وأن الموصى له إذا قبل ثبت ملكه من حين الموت، أما إن قلنا: إن الملك لا يثبت إلا حين القبول، فيعتبر التقويم إذا، وإلى هذا جنح أبو البركات، مع زيادة تحقيق، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ويحتمل أن هذا الحكم جار على جميع الوجوه، وهو مقتضى كلام أبي محمد، فإنه حكى الخلاف في الأصل، ثم ذكر هذه المسألة، وقال: لا أعلم فيها خلافا. وقال أبو العباس: إن قول الخرقي هو قول
قدماء الأصحاب، وإنه أوجه من قول جده، يعني بالبناء، فعلى هذا الاعتبار في التقويم بحال الموت سعرا وصفة، فعلى هذا إذا قوم الموصى به حال الموت، فخرج من الثلث، كان للموصى له، وإن زاد حين القبول، حتى لم يخرج من الثلث، ولو لم يخرج من الثلث حال الموت، كان له منه بقدر الثلث، وإن زاد سعره أو صفته، حتى خرج من الثلث حال القبول، وذلك لأن تأخير القبول حصل بتفريط من الموصى له، فهو كتأخير المشتري قبض المبيع المعين، [بعد التمكن من قبضه، والمذهب أن مجرد التمكن من القبض في المبيع المعين] ونحوه ينقل الضمان، فكذلك التمكن من القبول في الوصية، إذ القبول فيها بمنزلة القبض في غيرها، وإن قلنا بالرواية الأخرى في البيع ونحوه، وأن الضمان لا ينتقل إلا بالقبض، فهذا في المعاوضات على ضعف، أما الشركة ونحوها فنفس التمييز كاف، ولأن الموصى به مباح للموصى له، وقد امتنعت الورثة من التصرف فيه - وإن قلنا الملك لهم أو للميت - لأجل حق الموصى به، فأشبه العبد الجاني، والتركة المستغرقة بالدين، وإن قلنا: انتقلت إلى الورثة، فإنه لو أخر استيفاء حقه حتى
نقص العبد أو التركة كان النقص عليه، ولم يكن له حق في غير ذلك، كذلك هاهنا، وقد قال أبو الخطاب في الانتصار وطائفة من الأصحاب: إن تعلق حق الغرماء بالتركة لتعلق الموصى له بالموصى به هل يمنع من الانتقال؟ على روايتين، ولأن الموصى له وإن لم يملك، لكن له حق التملك، فأشبه ربح المضاربة قبل القسمة، إن قلنا: لا يملك إلا بها. على رواية، ونصف الصداق بعد الطلاق، إن قلنا: لا يدخل في ملك الزوج إلا باختياره على وجه، والمغانم قبل القسمة إن قلنا: لا تملك إلا بها. على وجه أيضا، فإن جميع هذه الصور الضمان على من له حق التملك، كذلك هاهنا، ولا يقال: القبول هاهنا بمنزلة القبول في الهبة والبيع، لأن التملك في الوصية حق ثابت، لا يمكن أحدا فسخه بعد الموت، فهو كربح المضاربة، وقبول البيع والهبة حق غير ثابت، لإمكان إبطاله، ولهذا قال الخرقي: إن خيار القبول في الوصية ينتقل إلى الورثة وإن كان خيار قبول البيع والهبة لا ينتقل اتفاقا.
وأيضا فإن العدل الشرعي أن لا تفضل الوصايا على الورثة بزيادة على الثلث، لا في الملك، ولا في القبض، فإذا أوصى بعبد، وله عبدان آخران، فالعدل أن نقص العبدين كما هو على الورثة، كذلك نقص العبد على الموصى له لا يقال: يلزم على هذا أن الملك مع الزيادة يكون للورثة والضمان على الموصى له، لأنا نقول: ليس هذا ببدع. كما نقول: ضمان الثمر على الشجر على البائع، والزيادة للمشتري، والعين المؤجرة ضمانها على المؤجر، والربح للمستأجر. انتهى، وقال أبو البركات: إن قلنا: إن الملك يتبين ثبوته للموصى له من حين الموت، فإن الموصى به يقوم بسعره يوم الموت، على أدنى صفاته من حين الموت، إلى حين القبول، وإن قلنا: إن الملك لا يثبت إلا عقب القبول، وأنه قبل للورثة أو للميت. اعتبر التقويم وقت القبول سعرا وصفة، وبيان ذلك أما السعر فلأنه إنما اعتبر حال الموت على الأول، لأنا تبينا بالقبول دخوله في ملكه حين الموت، وإذا تكون زيادة السعر ونقصها عليه، لأن زيادة السعر ونقصه لا تضمن مع بقاء العين المستحقة، وإن ضمنت العين، كما في الغصب وغيره على المشهور، وأما على الوجهين الآخرين، فلأن الملك إنما حصل له بالقبول، فقبل القبول لا يقوم
عليه، كما قبل الموت اتفاقا، وأما نقص الصفة أما على الوجهين الآخرين فواضح، لأن الملك للورثة أو للميت، والزيادة لهما، فكذلك النقص عليهما، إذ الخراج بالضمان، وأما على الوجه الأول فلأن الموصى له لا يضمن إلا بالقبول، كما أن غيره لا يضمن إلا بالتمكين من القبض أو بحقيقة القبض على الخلاف، وذلك لأن القبول لا يرد إلا على عين موجودة، لأنه وإن أثبت الملك من حين الموت، فلا بد من بقائه إلى حينه، إذ ثبوت الملك قبله تبع لثبوته في حينه فما ليس بموجود لا يقبل، لتعذر الملك فيه، ولهذا لو تلفت العين الموصى بها قبل القبول، امتنع القبول فيها، فكذلك إذا تلف بعضها، ولا ضمان أيضا على الورثة، بحيث يحسب من الثلثين، لأن الورثة لم يملكوا ذلك، فأشبه ما لم يمكنهم قبضه وأولى. فإن قيل: يلزم على هذا أن تكون الزيادة للموصى له، والنقص ليس عليه. قلنا: كذا ما اشترى بصفة أو رؤية متقدمة، هو مضمون على البائع، حتى يتبين أنه على ما رئي أو وصف، فلو زاد في هذه المدة كانت الزيادة للمشتري، وقد ذكر أبو البركات نحو هذا في الصداق
أيضا، فقال: إذا تعذر الرجوع في نصف عينه، فإنه يرجع بنصف قيمته يوم الفرقة، على أدنى صفاته من يوم العقد، إلى يوم القبض، إلا المتميز إذا قلنا: يضمنه بالعقد، فتعتبر صفته وقت العقد، وذلك لأن مع التعذر إنما يستحق نصف القيمة يوم الفرقة، فيعتبر السعر إذا، وأما صفة المقوم فإن كان قد زاد بعد العقد وقبل القبض لم يستحق نصف قيمة الزيادة، لحدوثها على ملك الزوج، وإن كان قد نقص فهو مضمون عليها، لعدم التمكن من القبض، المقتضي لضمان الزوج. قال أبو العباس: واعلم أن تحرير هذه العبارة هنا، وفي الصداق، له دون غيره، وإن كان قد ذكره غير واحد متفرقا في الصداق، ويؤخذ من تعليل بعضهم هنا، قال: وهو متوجه في الصداق، أما هنا ففيه نظر، لأن المملوك بالوصية، كالمملوك بالإرث، لا يتوقف تمام الملك فيهما على قبض، وإن تلف تلف من ضمانهما، بخلاف المملوك بالعقود، كالبيع ونحوه، لا يتم الملك فيها إلا بالتمكن من القبض، وإذا تلفت تلفت من ضمان الذي خرجت من ملكه، وأيضا فإن بالقبول يتبين أن الملك كان للموصى،