الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية، كما تقدم تقريره، وقوله: لمن شهد الوقعة، يشمل من قاتل، ومن لم يقاتل، ممن قصده الجهاد، كالتجار، والصناع، ويستثنى من الشاهدين صور ليس هذا موضع استثنائها.
[سهم الراجل والفارس من الغنيمة]
قال: وللراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم، إلا أن يكون الفارس على هجين، فيكون له سهمان، سهم له وسهم لهجينه.
ش: لما ذكر الخرقي رحمه الله أن الغنيمة تخمس، ذكر أن أربعة أخماسها لشاهدي الوقعة، وذكر بطريق التبع بيان قسمة ذلك، وذكر ذلك في كتاب الجهاد مستوفى، وهو محله واللائق به، فلنؤخره إلى هناك إن شاء الله تعالى.
[مصارف الصدقة]
قال: والصدقة لا يتجاوز بها الثمانية الأصناف التي سمى الله تعالى.
ش: أي الصدقة المفروضة، وقد تقدمت هذه المسألة في الزكاة، فلا حاجة إلى إعادتها.
قال: (الفقراء) وهم الزمنى، والمكافيف، الذين لا حرفة لهم، والحرفة الصنعة، ولا يملكون خمسين درهما، أو قيمتها
من الذهب، (والمساكين) وهم السؤّال وغير السؤّال، ومن لهم الحرفة إلا أنهم لا يملكون خمسين درهما، أو قيمتها من الذهب.
ش: لما ذكر رحمه الله أن الصدقة لا يجاوز بها الثمانية الأصناف التي ذكرها الله تعالى طفق يبينها، وقد تقدم أن الفقراء والمساكين صنف واحد في غير الزكاة، وأنهما في الزكاة صنفان، وقد أشعر كلام الخرقي - بل نصه - على أن الفقر أشد من المسكنة، لأنه جعل الفقراء هم الزمنى، والمكافيف أي العميان، الذين لا حرفة لهم، احترازا ممن له منهم حرفة، كمن ينفخ في الكير، ونحو ذلك، وجعل المساكين السؤال وهو حرفة، أو من له منهم حرفة غير السؤال، وقد أومأ أحمد إلى ذلك، وعليه الأصحاب، وينقل عن الأصمعي، وابن الأنباري، وذلك لأن الله سبحانه بدأ بالفقراء، والعادة البداءة بالأهم، لا يقال: فالغارم أسوأ حالا من الفقير، لأنه
اجتمع عليه الدين مع الفقر، لأنا نقول: الغارم قد يكون غنيا، كالغارم لإصلاح ذات البين، فلذلك أخر، وأيضا قَوْله تَعَالَى:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79] فسماهم مساكين، مع أن لهم سفينة، لا يقال: سماهم مساكين لضعفهم عن الدفع عن سفينتهم، بدليل {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79] لأنا نقول: إطلاق المساكين يقتضي الحاجة دون الدفع، فيكون هذا هو الظاهر، والحمل على الظاهر متعين، ما لم يعارضه ما هو أقوى منه.
2375 -
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر.
2376 -
وسأل المسكنة فقال: «اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين» .
2377 -
وما يقال: إنه إنما استعاذ صلى الله عليه وسلم من فقر القلب، بدليل «ليس الغنى عن كثرة العرض، وإنما الغنى غنى النفس» ويجاب عنه بما تقدم، والحق أن الظاهر أنه إنما استعاذ صلى الله عليه وسلم من فقر القلب، لأنه هو المذموم، المطلوب عدمه، إذ من افتقر قلبه لا يزال حزينا ذليلا، وإن حصل له من الدنيا ما عسى أن يحصل، أما من افتقر في المال، وحصل له غنى النفس، فهو راض بما أعطاه ربه، محب له، صابر، فهو الفقير الصابر، [وهذا أمر في الحقيقة مطلوب، فكيف يستعاذ منه، والظاهر أن سؤاله صلى الله عليه وسلم المسكنة إنما هي الصفة التي يخرج بها عن هيئة المتكبرين، والمتطاولين، فيكون] خاضعا لربه، ذليلا له، وهو مقام العبودية.
2378 -
وفي الأثر أنه سبحانه أوحى إلى موسى: إذا قمت بين يدي فقم مقام الذليل الحقير. وكذلك أوحى إلى عيسى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. انتهى.
وأيضا فالاشتقاق يناسب ما قلناه، إذ «الفقير» مشتق من: فقر الظهر. فعيل بمعنى مفعول، أي مفقور، وهو الذي نزعت فقرة ظهره، فانقطع صلبه، «والمسكين» مفعيل من السكون، وهو الذي أسكنته الحاجة، ومن كسر صلبه أشد حالا من الساكن، ذكر ذلك ابن الأنباري، وأما قوله سبحانه:{أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] أي: الملتصق بالتراب، المطروح عليه، فقال ابن الأنباري: لما نعته الله بهذا علمنا أنه ليس كل مسكين بهذه الصفة، بل الأغلب عليه أن يكون له شيء، فنعته بذلك أخرجه عن بقية المساكين. انتهى.
أو يقال: المراد بالمسكين هنا الفقير، إذ كل منهما يسمى فقيرا ومسكينا نظرا للحاجة.
إذ تقرر هذا فضابط «الفقير» من لا شيء له أصلا، أو له شيء لا يقع موقعا من كفايته، كمن كفايته درهمان، ويحصل له نصف درهم، ونحو ذلك، «والمسكين» من يحصل له ما يقع موقعا من كفايته، كمن يحصل درهما في صورتنا، أو درهما ونصفا، وشرط جواز الدفع إليهما عند الخرقي أن لا يملكا خمسين درهما، أو قيمتها من الذهب، بناء على ما
تقدم له من أن من ملك [ذلك فهو غني، والغني لا تحل له الصدقة، لكن قد يقال: إن ظاهر كلام الخرقي رحمه الله أن من له حرفة ولا يملك خمسين درهما، أو من يملك، دون الخمسين درهما ولا حرفة له، أن له أخذ الزكاة، وإن كان ذلك يقوم بكفايته، وليس كذلك، إذ من حصلت له الكفاية بصناعة أو غيرها، ليس له أخذ الزكاة بلا ريب، وإن لم يملك شيئا، وكلام الخرقي فيه إيماء لذلك، إذ لفظ «الفقير والمسكين» يشعران بالحاجة، ومن له كفاية فليس بمحتاج. والله أعلم.
قال: والعاملين عليها وهم الجباة والحافظون لها.
ش: العمال على الزكاة هم الذين يبعثهم الإمام لجباية الصدقة، وحفظها، وكتابتها، وحسبها، ونقلها، ومن في معناهم، وهم السعاة.
2379 -
وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم جماعة، فبعث عمر، ومعاذا، وأبا موسى، ورجلا من بني مخزوم، وغيرهم، وذكر أبو محمد
من العمال الكيال، والوزان، والعداد، وقال في التلخيص: إن أجرة الكيال والوزان على المالك، وهو حسن، لأن ذلك من تمام التسليم الواجب على المالك، وقد يقال: مراد أبي محمد إذا احتيج إلى الكيال والوزان بعد ذلك، ويشترط للعامل البلوغ والعقل، والأمانة، لأنها ضرب من الولاية، والولاية يشترط فيها ذلك، ولعدم صحة قبض الصبي، والمجنون، وخوف ذهاب المال في يد الخائن، وفي اشتراط إسلامه، وكونه من غير ذوي القربى روايتان تقدمتا، ولا يشترط حريته، ولا فقره، ولا فقهه، والله أعلم.
قال: والمؤلفة قلوبهم وهم المشركون المتألفون على الإسلام.
ش: قد تقدم الكلام في المؤلفة، وأن حكمهم باق، وهم
السادة المطاعون في قومهم وعشائرهم، وهم ضربان؛ مسلمون ومشركون، وهم قسمان؛ (قسم) يرجى إسلامه، وهو الذي ذكره الخرقي، فيعطى لتقوى نيته في الإسلام، ويميل إليه.
2380 -
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسأل شيئا على الإسلام إلا أعطاه، قال: فأتاه رجل فسأله، فأمر له بشاء كثيرة بين جبلين، من شاء الصدقة، فرجع إلى قومه، وقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة» . رواه أحمد. (وقسم) يخشى شره، فيعطى لكف شره وشر غيره معه.
2381 -
فعن ابن عباس رضي الله عنهما «أن قوما كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أعطاهم مدحوا الإسلام، وقالوا: هذا دين حسن. وإن منعهم ذموا وعابوا» .
وأما المسلمون فعلى أربعة أضرب:
(الأول) :
قوم من سادات المسلمين، لهم نظراء من الكفار، إذا أعطوا رجي إسلام نظرائهم فيعطون.
2382 -
لأن أبا بكر رضي الله عنه أعطى عدي بن حاتم والزبرقان مع حسن نياتهما.
(الثاني) : سادات يرجى بعطيتهم قوة إيمانهم، فيعطون.
2383 -
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وغيرهما.
2384 -
2385 -
(الثالث) : قوم في طرف بلاد الإسلام إذا أعطوا دفعوا عن من يليهم من المسلمين.
(الرابع) : قوم إذا أعطوا جبوا الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف.
(تنبيهان) : «أحدهما» : يقبل قوله في ضعف نيته في الإسلام، ولا يقبل قوله في أنه مطاع في قومه إلا ببينة.
(الثاني) : «الشاء» جمع شاة «والهلع» تفسيره في قوله سبحانه: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج: 19]{إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} [المعارج: 20]{وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: 21] .
2386 -
يروى عن الأصمعي أنه سئل عن تفسير الهلوع، فقال للسائل: اقرأ الآية.
«والحديث العهد» بالشيء القريب منه.
قال: وفي الرقاب، وهم المكاتبون، وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى أنه يعتق منها.
ش: اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في المراد بالرقاب، (فروي عنه) - واختاره الخلال - أنهم المكاتبون فقط، ورجع عن القول بالعتق، قال في رواية صالح: كنت أذهب إلى أن يعتق ثم جبنت عنه؛ لأنه يجر ولاءه، ويكون له منفعته، وقال في رواية محمد بن موسى: كنت أقوله ثم هبته.
وقال في رواية ابن القاسم وسندي: قد جبنت. وذلك لأن ظاهر الآية الكريمة يقتضي كونهم على صفة يوضع
سهمهم فيها، وهذا في المكاتبين، لأن سهمهم يدفع إليهم، وما يقال من أن تقدير الآية: وفي حرية الرقاب. يقال: هذا فيه إضمار والأصل عدمه، (وروى عنه) أنه العتق فقط، لأن الظاهر من إطلاق الرقبة الرقبة الكاملة، وحقيقة ذلك في العتق، لأن المكاتب وجد فيه سبب الحرية، (وروي عنه) - واختاره القاضي في التعليق وغيره - أن المراد من الرقاب المكاتبون، وافتداء الأسرى، والعتق، لأن قوله:{وفي الرقاب} [التوبة: 60] يدخل تحته المكاتبون، والعبد القن.
2387 -
وعن ابن عباس رضي الله عنه: لا بأس أن يعتق من زكاة ماله، ذكره عنه أحمد والبخاري.
2388 -
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل يقربني من الجنة، ويباعدني من
النار، فقال:«أعتق النسمة، وفك الرقبة» فقال: يا رسول الله أوليسا واحدا؟ قال: «لا، عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها» رواه أحمد، والدارقطني، وإذا ثبت الحكم في المكاتب، والعبد القن، ففي افتداء الأسير بطريق الأولى، لأنه تخليص رقبته من يد كافر، وهو أولى من تخليص الرقبة من يد مسلم.
وشرط المكاتب أن يكون مسلما، وأن لا يجد وفاء، ويجوز الدفع إليه قبل حلول النجم، على أشهر القولين، وشرط المعتق أن لا يعتق بالشراء، نص عليه أحمد رحمه الله والله أعلم.
قال: فما رجع من الولاء رد في مثله.
ش: يعني يعتق به أيضا، وقد تقدم حكم هذه المسألة فيما إذا أعتق عبدا سائبة، إذ المسألتان حكمهما واحد، والله أعلم.
قال: والغارمين وهم المدينون، العاجزون عن وفاء دينهم.
ش: المدين العاجز عن وفاء دينه غارم بلا ريب، وشرط الدفع إليه أن يكون غرمه في مباح، أما إذا كان في محرم، فلا يجوز الدفع إليه قبل التوبة بلا ريب، حذارا من الإعانة على المعصية، وفيما بعد التوبة وجهان:(الجواز) : وهو المذهب، اختاره القاضي، وابن عقيل، وأبو البركات، وصاحب التلخيص، وغيرهم، نظرا إلى زوال أثر الذنب بالتوبة، إذ التوبة تجب ما قبلها.
(والمنع) : حسما للمادة، لاحتمال العود ثقة بالوفاء.
ومن الغارمين ضرب غرم لإصلاح ذات البين، وهو أن يقع بين الحيين أو أهل القريتين عداوة، يتلف فيها نفس أو مال، ويتوقف صلحهم على من يتحمل ذلك، فيتحملها إنسان، فيجوز الدفع إليه وإن قدر على الوفاء، لأن إعطاءه لمصلحتنا.
2389 -
وفي مسلم، وسنن أبي داود، والنسائي «عن قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه قال: تحملت حمالة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال:«أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» ثم قال: «يا قبيصة إن المسألة لا تحل لأحد إلا لأحد ثلاثة؛ رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما عن عيش - أو قال -: سدادا من عيش - ورجل أصابته فاقة، حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة؛ فحلت له المسألة حتى
يصيب قواما من عيش - أو قال: سدادا من عيش - فما سواهن من المسألة يا قبيصة فسحت يأكلها صاحبها سحتا» . انتهى.
أما من تحمل لضمان أو كفالة، فحكمه حكم من غرم لمصلحة نفسه، فلا يعطى مع الغنى، وقيل: بل حكمه حكم من غرم لإصلاح ذات البين، فيعطى وإن كان غنيا، بشرط أن يكون الأصل معسرا.
(تنبيهان) : «أحدهما» : إذا أراد الدفع إلى الغارم فهل يجب الدفع إليه ليقضي دينه، أو يجوز الدفع إلى غريمه وفاء عن الدين؟ فيه روايتان؛ أنصهما الجواز.
«الثاني» : «الحمالة» بفتح الحاء، والله أعلم.
قال: وسهم في سبيل الله، وهم الغزاة، يعطون ما يشترون به الدواب والسلاح وما يتقوون به على العدو، وإن كانوا أغنياء.
ش: لا خلاف أن الغزاة من السبيل، اعتمادا على العرف في ذلك، ونظرا إلى أن عامة ما ورد في القرآن كذلك، ويجوز الدفع إليهم وإن كانوا أغنياء كما تقدم، ويشترط كونهم من غير أهل الديوان، ويقبل قوله في إرادة الغزو، وهل يجوز للمزكي أن يشتري الدواب، والسلاح، ونحوهما، ويدفعها إليه، أو يجب أن يدفع إليه المال، ليشتري هو بنفسه؟ فيه روايتان، أشهرهما الثانية، والله أعلم.
قال: ويعطى أيضا في الحج، وهو من سبيل الله تعالى.
ش: هذا منصوص أحمد في رواية الميموني، والمروذي، وعبد الله، واختاره القاضي في التعليق وجماعة.
2390 -
2391 -
وعن أبي لاس الخزاعي رضي الله عنه، قال:«حملنا النبي صلى الله عليه وسلم على إبل الصدقة إلى الحج» . رواه أحمد، وذكره البخاري تعليقا.
2392 -
وعن ابن عمر أنه قال: الحج من سبيل الله. وعن ابن عباس نحوه. (وعن أحمد) رواية أخرى: أن الحج ليس من السبيل، اختارها أبو محمد، اعتمادا على أن العرف في إطلاق السبيل إرادة الغزو، ونظرا إلى أن المعطى من الأصناف إما لمصلحته؛ كالفقير، والمسكين، والمكاتب والغارم لقضاء دينه، أو لمصلحتنا؛ كالعامل، والغازي، والمؤلف، والغارم
لإصلاح ذات البين، والحج لا نفع للمسلمين فيه، ولا للفقير، لعدم وجوب الحج عليه، وأجاب القاضي بأن له فيه مصلحة، لأنه يسقط به فرضا ماضيا أو مستقبلا. انتهى.
وقد يقال: إنه من مصلحتنا، لما فيه من الاهتمام بهذا الشعار العظيم.
(تنبيه) : إذا قلنا: يعطى في الحج؛ فشرط المدفوع إليه الفقر، على ما جزم به الشيخان وغيرهما، وهو أحد احتمالي صاحب التلخيص، وهل يشترط كون الحج فرضا؟ شرطه أبو الخطاب، وتبعه عليه أبو محمد في المقنع، وهو مقتضى جواب القاضي المتقدم، ولم يشترطه الأكثرون؛ الخرقي، والقاضي، وصاحب التلخيص، وأبو البركات، وغيرهم، والله أعلم.
قال: (وابن السبيل) وهو المنقطع به، وله اليسار في بلده، فيعطى من الصدقة ما يبلغه.
ش: ابن السبيل: المسافر الذي ليس معه ما يوصله إلى بلده، وإن كان له اليسار في بلده، هـ ذا هو المذهب المنصوص المعروف، اعتمادا على حقيقة اللفظ، إذ حقيقة اللفظ أن ابن السبيل هو المسافر، لملازمته للسبيل، دون منشئ السفر من بلده، فإنه إنما يصير ابن السبيل في المآل.
(وعن أحمد) رحمه الله ما يدل على جواز الدفع لمن أراد إنشاء السفر
نظرا إلى أنه إنما يأخذ لسفر مستقبل، إذ الماضي قد انقضى حكمه، فإن كان ابن السبيل مجتازا، يريد بلدا غير بلده، فظاهر كلام الخرقي - وهو قول عامة الأصحاب -: أنه يجوز أن يدفع إليه ما يكفيه في مضيه إلى مقصده، ورجوعه إلى بلده، بشرط كون السفر جائزا، إما قربة كالحج ونحوه، وإما مباحا كالتجارة ونحوها، ولا يجوز الدفع في سفر المعصية، وفي سفر النزهة وجهان:(الجواز) ؛ لعدم المعصية، (والمنع) ؛ لعدم الحاجة إليه، واختار أبو محمد: منع الإعطاء لمن أراد غير بلده، لأن احتياجه إلى بلده آكد، فلا يلحق به غيره، والله أعلم.
قال: وليس عليه أن يعطي لكل هؤلاء الأصناف، وإن كانوا موجودين، وإنما عليه أن لا يجاوزهم.
ش: قد تقدمت هذه المسألة، وحكمها في الزكاة، فلا حاجة إلى إعادته، ونزيد هنا أنه إذا اجتمع في واحد سببان، جاز له الأخذ بكل منها، كغارم وفقير، يعطى لغرمه، ثم ما يغنيه، والله أعلم.
قال: ولا يعطى من الصدقة المفروضة لبني هاشم، ولا لمواليهم، ولا للوالدين وإن علوا، ولا للولد وإن سفل، ولا
للزوج، ولا للزوجة، ولا لمن تلزمه مؤنته، ولا لكافر، ولا للمملوك، إلا أن يكونوا من العاملين، فيعطون بحق ما عملوا، ولا لغني، وهو الذي يملك خمسين درهما، أو قيمتها من الذهب.
ش: قد تقدمت هذه المسائل مستوفاة في الزكاة، فلا حاجة إلى إعادتها، والله أعلم.
قال: وإذا تولى الرجل إخراج زكاته سقط العاملون.
ش: قد تقدمت هذه المسألة أيضا، والله سبحانه وتعالى أعلم.