الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2080 -
«وثبت أن النبي – صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا بإقراره، وقال: «واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» . وأجمع المسلمون على صحة الإقرار في الجملة.
[الاستثناء في الإقرار]
قال: ومن أقر بشيء واستثنى من غير جنسه، كان استثناؤه باطلا، إلا أن يستثني عينا من ورق، أو ورقا من عين.
ش: إذا أقر بشيء واستثنى من جنسه - كأن أقر بعشرة دراهم، واستثنى منها درهما ونحو ذلك - فإنه يصح بلا نزاع، ويكون مقرا بالباقي بعد المستثنى، لورود ذلك في الكتاب، والسنة، وكلام العرب، قال سبحانه:{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] .
2081 -
«وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الشهيد: تكفر عنه خطاياه كلها إلا الدين» . ويدخل في كلام الخرقي ما إذا أقر بنوع من
جنس، واستثنى نوعا آخر، كأن أقر بتمر برني، واستثنى تمرا معقليا، ونحو ذلك، وهو أحد احتمالي [المغني.
والاحتمال الآخر - وهو الصحيح عند] أبي محمد -: لا يصح، لعدم دخول المعقلي في البرني.
وإن أقر بشيء واستثنى من غير جنسه؛ فلا يخلو إما أن يكون ذلك في الدراهم والدنانير، أو في غيرهما، فإن كان في غيرهما - كأن أقر بدراهم واستثنى منها ثوبا، أو بثياب واستثنى منها دراهم، أو بتمر واستثنى منه برا، ونحو ذلك - فالمذهب المعروف المشهور: أنه لا يصح، لأن الاستثناء؛ إما إخراج بعض ما يتناوله اللفظ، أو ما يصلح أن يتناوله اللفظ، مأخوذ من قولهم: ثنيت فلانا عن رأيه: إذا صرفته عن رأي كان عازما عليه، وأحد الجنسين لا يتناوله الآخر، ولا يصح أن يتناوله إلا على سبيل المجاز، والأصل الحقيقة، وعن أبي الخطاب صحة ذلك، بناء على جواز استثناء أحد النقدين من الآخر. انتهى.
وإن كان ذلك في الدراهم والدنانير - مثل أن أقر بمائة درهم، واستثنى منها دينارا، أو بدينار واستثنى منه خمسة دراهم - ففيه روايتان:(إحداهما) : لا يصح، اختارها أبو بكر، لما تقدم.
(والثانية) : يصح، اختارها الخرقي، لأنهما في معنى الجنس الواحد، لأن قدر أحدهما معلوم من الآخر، فإذا قال: له علي مائة درهم إلا دينارا، فمعناه إلا عشرين درهما، ويعبر بأحدهما عن الآخر، فمعنى: له علي دينار إلا درهمين، له علي عشرون درهما إلا درهمين. إذ الدينار يعبر به عن عشرين درهما، ومهما أمكن حمل الكلام على وجه صحيح حمل عليه، فعلى هذا يرجع في تفسير
الدينار إلى المقر إن لم يكن للدينار بالبلد سعر معلوم، وإن كان له سعر فهل يرجع إلى سعره، أو إلى التفسير؟ فيه قولان، قال أبو محمد: ويمكن حمل الروايتين على اختلاف حالين، فالموضع الذي قال بالصحة فيه، إذا عبر بأحدهما عن الآخر، أو علم قدره منه، والموضع الذي قال بالبطلان فيه، إذا انتفى ذلك، والله أعلم.
قال: ومن ادعي عليه شيء فقال: قد كان ذلك وقضيته. لم يكن ذلك إقرارا.
ش: هذا منصوص أحمد في رواية جماعة، وجزم به الجمهور، كالشريف، وأبي الخطاب، والشيرازي، وشيخهم، وقال: لم أجد رواية بغير هذا، وذلك لأن الكلام بآخره، والذي تضمنه مجموع كلامه أنه لا شيء له عليه، لأن الاستصحاب إنما يعمل عمله إذا لم يرد ما يخالفه.
وعن أحمد رواية أخرى اختارها أبو الخطاب، أنه يكون مقرا مدعيا للقضاء، ولا يقبل قوله في دعوى القضاء إلا ببينة؛ إذ كلامه انطوى على جملتين: إحداهما: كان له علي ألف.
(والثانية) : وقضيته. فيقبل قوله فيما عليه، ولا يقبل قوله فيما له إلا ببينة.
وعنه رواية ثالثة، حكاها أبو البركات: أن هذا ليس بجواب صحيح، فيطالب برد الجواب، إذ إقراره الأول يناقضه دعوى القضاء ثانيا، وإذا تناقضا تساقطا، ولو قال: له علي ألف وقضيته. ولم يقل «كان» ففيه الروايتان الأوليان، وثالثة أنه مقر بالحق، مكذب لنفسه في الوفاء، فلا يسمع منه، وإن أتى ببينة، لأن: له علي ألف. يقتضي بقاءها في ذمته، ودعوى القضاء تناقض ذلك، ولو قال: كان له علي ألف. ولم يقل: وقضيته. فهو إقرار، وخرج عدمه، والله أعلم.
قال: ومن أقر بعشرة دراهم، ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه، ثم قال: زيوفا، أو صغارا، أو إلى شهر. كانت عشرة جيادا. وافية. حالة.
ش: إذا أقر بدراهم لزمته جياد وافية حالة، إذ هذا مقتضى الإطلاق، كما لو وقع البيع على ذلك، نعم إذا كان في بلد أوزانهم ناقصة، أو دراهمه مغشوشة، فهل يلزمه من دراهم البلد، كثمن المبيع بها - وهو مقتضى كلام ابن الزاغوني، وما صححه صاحب التلخيص - أو جياد وافية، إذ إطلاق الدراهم في الشرع ينصرف إلى ذلك، بدليل نصاب الزكاة - وهو مقتضى كلام الخرقي؟ فيه وجهان، وحيث قلنا مع الإطلاق يلزمه جياد وافية حالة، ففسرها بزيوف - وهي الرديئة - أو بصغار - وهي الناقصة - كدراهم طبرية، وهي أربعة دوانيق، بخلاف دراهم الإسلام فإنها ستة دوانيق - أو قال: مؤجلة. فلا يخلو إما أن يكون بكلام متصل، أو ما في حكمه؛ كالسكوت لتنفس، أو عطاس، ونحو ذلك، أو منفصل، فإن كان بكلام منفصل لم يسمع منه، لإفضائه إلى إبطال بعض ما اقتضاه ظاهر إقراره، وهو الجودة، والحلول، والكمال، فإن كان [بمتصل ونحوه سمع
منه، إذ الكلام بآخره، فالإقرار إنما حصل على صفة، فلا يلزم غيرها، نعم إذا قال: زيوف. وفسرها بما لا فضة فيه لم يسمع، لأن قوله: دراهم يناقضه، وشرط القاضي فيما إذا قال: صغار. أن يكون للناس دراهم صغار، وإن لم يكن لهم دراهم صغار لم يسمع منه، وحكى أبو الخطاب احتمالا فيما إذا فسر بالتأجيل أنه لا يسمع منه، والله أعلم.
قال: ومن أقر بشيء واستثنى الكثير - وهو أكثر من النصف - أخذ بالكل، وكان استثناؤه باطلا.
ش: لا نزاع في جواز استثناء الأقل، ولا في منع استثناء الكل، ولا في أن المذهب المعروف المشهور أنه لا يجوز استثناء الأكثر، حتى إن أبا محمد قال: لا يختلف المذهب في ذلك، نظرا إلى أن هذا الذي ورد في كلام العرب.
قال الزجاج: لم يأت الاستثناء إلا في القليل من الكثير، ولو قال قائل: مائة إلا تسعة وتسعين. لم يكن
متكلما بالعربية، وكان عيا من الكلام ولكنة
وقال القتيبي: يقال: صمت الشهر إلا يوما. ولا يقال: صمت الشهر إلا تسعة وعشرين. ولأن القليل في معرض النسيان، فقبل وإن خالف مقتضى ما نطقه به، بخلاف الكثير، فإن احتمال السهو فيه بعيد، وقيل: يجوز استثناء الأكثر، نظرا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] والغاوون أكثر، بدليل {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] ومنع أن الغاوين أكثر، إذ العباد يدخل فيهم الملائكة، والجن، والإنس، وعلى تقدير التسليم، فاستثناء الأكثر إنما يمتنع من عدد محصور، أما الاستثناء بالصفة من جنس فإنه يجوز وإن كان أكثر، وهذا أحد جوابي القاضي، والآخر أنه استثناء منقطع، بمعنى «لكن» ، ولما كان النصف حدا بين القليل
والكثير، تردد الأصحاب فيه، فمنعه أبو بكر، وجوزه الخرقي، والله أعلم.
قال: وإذا قال: له عندي عشرة دراهم. ثم قال: وديعة. كان القول قوله.
ش: لأنه فسر كلامه بما يوافق ظاهره لا بما يخالفه، وإذا يثبت لها حكم الوديعة، بحيث لو ادعى تلفها بعد ذلك أو ردها قبل منه، والله أعلم.
قال: ولو قال: له علي ألف، ثم قال: وديعة. لم يقبل قوله.
ش: هذا هو المشهور لمخالفته ظاهر إقراره، لأن «علي» للإيجاب، فمقتضى اللفظ أنها في ذمته، والوديعة ليست في
ذمته، وعن القاضي: يقبل قوله على تأويل أن علي حفظها، أو ردها، ونحو ذلك، والله أعلم.
قال: ولو قال: له عندي رهن. وقال المالك: وديعة. كان القول قول المالك.
ش: لأن المقر يدعي على المالك عقدا، وهو ينكره، والأصل معه، ولأن إقراره يتضمن حقا عليه، وحقا له، فقبل فيما عليه دون ما له، والله أعلم.
قال: ولو مات فخلف ولدين، فأقر أحدهما بأخ أو بأخت، لزمه أن يعطي الفضل الذي في يديه لمن أقر له.
ش: إذا مات رجل وخلف ولدين، فأقر أحدهما بأخ أو بأخت، وكذبه الآخر؛ لم يثبت النسب اتفاقا، ويلزم المقر أن يدفع إلى المقر له ما فضل في يده عن ميراثه، لأن إقراره تضمن ذلك، وكما لو ثبت نسبه ببينة، ففي صورة الإقرار بأخ يلزمه أن يدفع إليه السدس، لأنهم إذا كانوا ثلاثة على زعم المقر، يكون المال بينهم أثلاثا، لكل واحد ثلثه، وفي يده النصف، فالفاضل عما يستحقه السدس، وفي مسألة الإقرار بأخت يدفع إليها نصف الخمس لأن المال بينهم على خمسة، لكل أخ خمسان، ولها خمس، وفي يده النصف،
فالفاضل عما يستحقه نصف الخمس، وعلى هذا فقس، والله أعلم.
قال: وكذلك إن أقر بدين على أبيه لزمه من الدين بقدر ميراثه.
ش: فإذا كان ميراثه النصف لزمه من الدين نصفه، وإن كان ميراثه الثلث لزمه منه الثلث، وعلى هذا، لأنه إقرار يتعلق بحصته وحصة أخيه، فلا يلزمه إلا ما يخصه، كالإقرار بالوصية، وإقرار أحد الشريكين على مال الشركة، والله أعلم.
قال: وكل من قلت: القول قوله. فلخصمه عليه اليمين.
ش: أي في هذا الباب، نحو: له عندي مائة درهم. وفسرها بوديعة، أو: له عندي رهن. وقال المالك: وديعة: وما أشبهه، كالمضارب، والشريك، والراهن، ونحوهم، فمن القول قوله فلخصمه عليه اليمين؛ لأن ما ادعاه عليه محتمل.