الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2046 -
لقوله صلى الله عليه وسلم: «البينة على المدعي» واليمين لا تدخلها النيابة ومقتضى قول الخرقي أن المفلس إذا حلف صح حلفه، وهو كذلك، وأنه إذا لم يحلف لم يجبر، وهو كذلك، لاحتمال قيام شبهة عنده تمنعه من اليمين، والله أعلم.
[الديون المؤجلة هل تحل بالتفليس]
قال: وإذا كان على المفلس ديون مؤجلة لم تحل بالتفليس.
ش: هذا المذهب المشهور، حتى إن القاضي جعله رواية واحدة، لأن الأجل حق للمفلس، فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه، وعنه: يحل. حكاها أبو الخطاب، دفعا للضرر عن ربه، (وعنه) : إن وثق لم يحل، لزوال الضرر، وإلا حل، نقلها ابن منصور، فإن قلنا بحلوله فهو كبقية الديون الحالة، وإن قلنا بعدم حلوله، فإنه لا يوقف لربه شيء، ولا يرجع على الغرماء به إذا حل، نعم إذا حل قبل القسم شارك الغرماء، [وإن حل بعد قسمة البعض شاركهم أيضا، وضرب بجميع دينه، وباقي الغرماء] ببقية ديونهم، والله أعلم.
قال: وكذلك في الدين الذي على الميت، إذا وثق الورثة.
ش: أي لا يحل بالموت إذا وثق الورثة بأقل الأمرين، من قيمة التركة، أو الدين، بكفيل مليء، أو رهن يفي بالحق، لأن الأجل حق للميت، فورث عنه كبقية حقوقه.
2047 -
قال صلى الله عليه وسلم: «من ترك حقا أو مالا فلورثته» هذا هو المشهور، والمختار للأصحاب من الروايتين (والثانية) وهي
اختيار ابن أبي موسى: يحل. لأن ذمة الميت قد خربت، أو في حكم الخراب، لتعذر المطالبة، والورثة لم يلتزموا الدين، ولا رضي صاحبه بذممهم، وتعلقه بالتركة فيه ضرر على الميت، لأن ذمته مرتهنة بدينه.
2048 -
كما في الترمذي وحسنه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه»
وعلى رب الدين، لاحتمال تلف التركة، ولا نفع فيه للورثة، لعدم تصرفهم في التركة إن قيل بتعلق الدين بها، انتهى، فإن لم يوثق الورثة حل على المشهور والمجزوم به للشيخين وغيرهما، لغلبة الضرر، وظاهر كلام أبي الخطاب في الانتصار أن الوارث لا يلزمه التوثيق إذا كانت ذمته مليئة، وإنما يلزمه إذا كان على غير مليء.
(تنبيهان) : «أحدهما» فعلى المذهب إن لم يكن له وارث فهل يحل الدين، أو لا وينتقل المال إلى بيت المال، ويضمن للغرماء؟ فيه احتمالان ذكرهما في الانتصار، «الثاني» لا خلاف نعلمه أن دين الميت المؤجل لا يحل بموته، وكذلك لا يحل دين المفلس المؤجل بفلسه، والله أعلم.
قال: وكل ما فعله المفلس في ماله قبل أن يوقفه الحاكم فجائز.
ش: معنى إيقاف الحاكم هو تفليسه، لأنه بالتفليس أوقفه عن التصرف في ماله، ويحتمل أن يريد بإيقاف الحاكم له إظهار الحجر عليه، بالمناداة عليه بأن فلانا قد حجر الحاكم عليه فلا تعاملوه، وبالجملة ما فعله المفلس قبل تفليس الحاكم له في ماله، - من بيع، أو قضاء بعض الغرماء، ونحو ذلك - فهو جائز، لأنه رشيد غير محجور عليه، فنفذ تصرفه كغيره.
ومفهوم كلام الخرقي أن ما فعله في ماله بعد الحجر عليه لا يجوز، أي لا يصح وهو كذلك، وقد تقدم، ويدخل في عموم المفهوم عتقه لبعض أرقائه، وهو إحدى الروايتين، واختيار أبي الخطاب، وأبي محمد، (والثانية) - وهي اختيار أبي بكر في التنبيه، والقاضي والشريف -: ينفذ، وإنما قيد ذلك بالمال لأن تصرفه في الذمة يصح مطلقا، لكن لا يشارك أصحابه بعد الحجر عليه الغرماء، والله أعلم.
قال: وينفق على المفلس، وعلى من تلزمه مؤونته من
ماله، إلى أن يفرغ من قسمته بين غرمائه.
ش: ينفق على المفلس من ماله، لأن ملكه باق.
2049 -
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» وكذلك ينفق على من تلزمه مؤونته للحديث، وشرط أبو محمد للنفقة عليه وعلى من تلزمه مؤونته أن لا يكون له صناعة تفي بذلك، والواجب من النفقة أدنى نفقة مثله بالمعروف، وحكم الكسوة حكم النفقة، والله أعلم.
قال: ولا تباع داره التي لا غنى له عن سكناها.
ش: لأن حاجته داعية إلى ذلك، فأشبه النفقة، والكسوة، ولابن حمدان احتمال أن من أدان ما اشترى به مسكنا، أنه يباع، ولا يترك له، ولو كان المسكن عين ماله بعض الغرماء أخذه بالشروط السابقة، وقد تقدم ذلك للخرقي، وحكم الخادم المحتاج إليه حكم الدار، وقد خرج من كلام الخرقي إذا كان له داران، فإن إحداهما تباع، لغناه عنها، وكذلك
لو كانت له دار واسعة، لا يسكنها مثله، ويشترى له مسكن مثله والله أعلم.
قال: ومن وجب عليه دين فذكر أنه معسر به حبس إلى أن يأتي ببينة تشهد بمعسرته.
ش: من وجب عليه دين فإن كان مؤجلا لم يطالب به ولم يلازم به، وإن كان حالا فطولب به وله مال ظاهر أمر بوفائه، وإن لم يكن له مال ظاهر فذكر أنه معسر، فإن صدقه الغريم أو لم يصدقه وقامت بينة - كما سيأتي - بذلك لم يتعرض له لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ، وإن لم يصدقه ولم تقم بينة بذلك، فإن علم له مال، أو كان دينه ثبت عن مال - كالبيع والقرض - والغالب بقاؤه، أو من غير مال كالضمان ونحوه وأقر أنه مليء، فالقول قول غريمه مع يمينه أنه لا يعلم عسرته بدينه، وفي الرعاية أنه يحلف أنه موسر بدينه، ولا يعلم إعساره به، فإن نكل عن اليمين حلف المفلس وخلي سبيله، وإن
حلف حبس المدين ليظهر حاله إلى أن يقيم بينة - ولو بعد يوم -[تشهد بتلف أو إعساره هذا هو التحقيق، وفاقا للمجد وغيره، وفي التلخيص أنها لا بد وأن تشهد بالتلف، وظاهر كلامه: والإعسار. وكذا في الرعاية، قال:] تشهد بذهابه وإعساره، لا أنه لا يملك شيئا، ثم إن شهدت بالإعسار اعتبر خبرتها بباطنه وإن شهدت بالتلف لم يعتبر ذلك، إذ التلف يطلع عليه كل أحد، بخلاف الإعسار، وهل يحلف مع بينته؟ فيه قولان، والتحقيق منهما - وقطع به أبو محمد في الكافي، وأبو البركات، وصححه ابن حمدان - أنها إن شهدت بالتلف فطلب منه اليمين على عسرته وجب عليه ذلك، لأن اليمين على أمر محتمل، خلاف ما شهدت به البينة، وإن شهدت بالإعسار فلا، لما فيه من تكذيب البينة، وإن لم يعلم له مال، ولم يكن دينه عن مال، كعوض النكاح وغيره، ولم يقر بالملاءة به، أو عن مال والغالب ذهابه، فالقول قوله مع يمينه، لترجحة جانبه، إذ الأصل عدم المال، ومن ثم يرجح جانب غريمه فيما إذا ثبت له مال إذ الأصل
بقاؤه، والخرقي رحمه الله لم يفرق بين حالة وحالة والمعروف التفرقة.
وقد علم من كلام الخرقي أن البينة تسمع على الإعسار وهو كذلك.
2050 -
لحديث قبيصة بن المخارق - وقد تقدم في الزكاة - «حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة» والله أعلم.
قال: وإذا مات فتبين أنه كان مفلسا لم يكن لأحد من الغرماء أن يرجع في عين ماله.
ش: هذا الشرط الرابع في رجوع البائع في عين ماله، وهو أن يكون المفلس حيا، فإن مات فلا رجوع له، سواء مات بعد الحجر عليه أو قبله فتبين فلسه.
2051 -
لأن في بعض ألفاظ الحديث: عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه منه، ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا، فهو أحق به، وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع فيه أسوة الغرماء» رواه مالك في الموطأ وأبو داود، ولا يعترض بأنه مرسل، إذ المرسل عندنا حجة مع أن أبا داود قد رواه أيضا فوصله فقال: عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه «وأيما امرئ هلك وعنده متاع امرئ بعينه، اقتضى منه شيئا أو لم يقتض، فهو أسوة الغرماء» . وقول الشافعي: إنه موجود في حديث أبي بكر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه انتهى بالقول فهو أحق به، وأنه يشبه أن يكون ما زاد من قوله: وإن مات. إلى آخره من رأيه لا روايته الظاهر خلافه، وتركه الزيادة إن ثبت
فلعله لعدم الحاجة إلى ذكرها إذا، مع كون الحكم لا يختل بتركها، أو لنسيانها.
2052 -
واعتراضه بحديث ابن خلدة قاضي المدينة الذي رواه الطيالسي، قال: أتينا أبا هريرة في صاحب لنا قد أفلس فأصاب رجل متاعه بعينه، فقال أبو هريرة: هذا الذي قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من أفلس أو مات فأدرك رجل متاعه بعينه فهو أحق به، إلا أن يدع الرجل وفاء. يجاب عنه بضعفه، قال ابن المنذر: إنه مجهول الإسناد، وقال ابن عبد البر: يرويه أبو المعتمر، عن ابن خلدة، وأبو المعتمر غير معروف بحمل العلم وهذا الشرط أهمله صاحب التلخيص انتهى.
وقد بقي من شروط رجوع البائع فيما تقدم شروط، ولم يتعرض لها الخرقي (منها) ما هو متفق عليه، ومنها ما
هو مختلف فيه (أحدها) أن لا يتغير المبيع تغيرا يزيل اسمه، كأن كان حنطة فصار دقيقا، أو دقيقا فصار خبزا، أو زيتا فصار صابونا، أو غزلا فصار ثوبا، أو ثوبا فصار قميصا ونحو ذلك، لأن المبيع لم يبق بعينه، واختلف فيما إذا كان بذرا فصار زرعا، أو بيضا فصار فراخا ونحو ذلك، هل يسلك به سبيل الزيادة المتصلة كالجنين إذا صار ولدا، فيجري في الرجوع فيه الخلاف السابق، وهو رأي القاضي، وصاحب التلخيص فيه، أو سبيل ما تقدم مما تغير اسمه بصناعة، فيمتنع الرجوع فيه، وهو ظاهر كلام أبي محمد؟ على قولين (الشرط الثاني) : أن لا يتعلق بالمبيع حق الغير، كأن يجده مرهونا، لئلا يزال الضرر بالضرر، ولأن الحديث «من وجد متاعه عند رجل قد أفلس» وهذا لم يجده عند المفلس، واختلف فيما إذا كان عبدا فجنى، هل يكون تعلق الجناية به مانعا من الرجوع فيه، كما في الرهن، إذ حق الجاني مقدم على حق الراهن، والمقدم على المقدم مقدم، أو ليس بمانع، لأن تعلق الجناية لا يمنع التصرف في الجاني بخلاف الرهن؟ على وجهين، وكذلك اختلف فيما إذا كان شقصا مشفوعا هل يمنع تعلق الشفعة به من الرجوع فيه،
لتعلق حق الشفيع به ابتداء، وهو اختيار أبي الخطاب، أو لا يمنع، لأن بالرجوع يعود كما كان، فيزول الضرر، وهو اختيار ابن حامد، أو إن طالب الشفيع امتنع الرجوع، لتأكد حق الشفيع بالطلب [وإن لم يطالب] رجع؟ على ثلاثة أوجه:(الشرط الثالث) أن يكون ثمن العين المبيعة حالا، فإن كان مؤجلا فلا رجوع للبائع، قاله أبو بكر في التنبيه، وصاحب التلخيص فيه، لعدم تمكنه من مطالبة الثمن إذا الذي العجز عنه سبب الرجوع، والمنصوص عن أحمد في رواية الحسن بن ثواب - وعليه الجمهور - أن هذا ليس بشرط، لكن المنصوص أن المتاع يوقف إلى الأجل، ثم عند انقضائه يخير البائع بين الأخذ والترك، إعمالا لحقيهما، حق البائع في الرجوع، وحق المفلس في الأجل، وابن أبي موسى يقول: يؤخذ في الحال لعدم الفائدة في
الوقف (الشرط الرابع) العجز عن أخذ الثمن، فلو تجدد للمفلس مال بعد الحجر وقبل الرجوع فلا رجوع، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا.
(الخامس) كون البائع حيا، فلا رجوع للورثة، لظاهر الحديث، وحكى الآمدي رواية [أخرى] أن هذا ليس بشرط، فترجع الورثة، وهو ظاهر كلام الشيخين، لعدم اشتراطهم [ذلك] وعلى هذا مجموع الشرائط تسعة أو ثمانية أو سبعة، والله أعلم.
قال: ومن أراد سفرا وعليه حق يستحق قبل مدة سفره فلصاحب الحق منعه.
ش: كمن أراد السفر من أهل مصر إلى الحجاز، وعليه دين يحل في أول المحرم ونحو ذلك لما يلحق الغريم من الضرر بتأخير حقه، والضرر منفي شرعا قال صلى الله عليه وسلم:«لا ضرر ولا ضرار» وإن كان الدين لا يستحق إلا بعد مدة السفر،
كما إذا كان قدومه في أواخر المحرم، والدين يحل في أول ربيع، ونحو ذلك، فإن كان السفر للجهاد منع، لما فيه من المخاطرة بالنفس، فلا يؤمن فوات النفس، وإن كان لغير الجهاد فروايتان (إحداهما) له منعه، لاحتمال التأخير بحدوث حادث أو غيره، فيلحق الغريم الضرر (والثانية) : وهي ظاهر كلام الخرقي، واختيار القاضي - ليس له منعه، لأن الأصل بل والغالب عدم الضرر، إذ الأصل عدم الحادث، وحيث قيل بالمنع فذلك معتبر بتوثيق برهن يفي بالحق، أو كفيل مليء، فيزول المنع لزوال الضرر إذا.
(تنبيه) : محل الخلاف على مقتضى كلام أبي محمد في السفر الطويل والله أعلم.