الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مدة ومكان تعريف اللقطة]
قال: ومن وجد لقطة عرفها سنة، في الأسواق، وأبواب المساجد.
ش: من وجد لقطة وجب عليه تعريفها، وإن لم يرد تملكها، لما تقدم من حديث زيد بن خالد.
2187 -
وفي رواية عنه «لا يؤوي الضالة إلا ضال ما لم يعرفها» رواه أحمد، ومسلم، وقدر التعريف سنة [للحديث] .
وظاهر كلام الخرقي أن السنة تلي الالتقاط، وتكون متوالية، وهو صحيح، لظاهر الأمر، إذ مقتضاه الفور على قاعدتنا، ولأن صاحبها يطلبها عقب ضياعها، فإذا عرفت إذا كان أقرب إلى وصولها إليه، بخلاف ما لو تأخر ذلك، فلو ترك التعريف بعض الحول أثم، وعرف بقيته، لقوله: صلى الله عليه وسلم «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» [وإن تركه جميع الحول سقط على المنصوص، لسقوط حكمة التعريف، وهو تطلع المالك لها في الحول الأول، وقيل: لا يسقط.
2188 -
نظرا لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ] وهنا قد استطاع التعريف على وجه ناقص، فوجب عليه. انتهى، (ومحل التعريف) محل وجدانها، إن أمكن، وفي الأسواق، وأبواب المساجد، في أدبار الصلوات، ونحو ذلك من مجامع الناس، لأن المقصود من التعريف إظهار ربها عليها، وهذه الأماكن مظنة ذلك، بخلاف غيرها.
2189 -
ولا تعرف في المسجد، للنهي عن ذلك، ووقته النهار، وقد يفهم هذا من قوله: في الأسواق، وأبواب المساجد.
وصفته أن يقول: من ضاع منه شيء، أو نفقة، أو ذهب، ونحو ذلك، ولا يذكر الصفة. وظاهر كلام الخرقي أنه يعرف القليل والكثير، وهو ظاهر إطلاق الحديث، ويستثنى من ذلك اليسير، الذي لا تتبعه النفس، كالتمرة، والكسرة، والسوط، ونحو ذلك، فإنه لا يجب تعريفه، ولواجده الانتفاع به.
2190 -
لما روى جابر رضي الله عنه قال: «رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا، والسوط، والحبل، وأشباهه، يلتقطه الرجل ينتفع به» . [رواه أبو داود] .
2191 -
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم مر بتمرة في الطريق، فقال:«لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها» ، والمعروف تقييد اليسير بما لا تتبعه نفوس أوساط الناس كما مثلنا، ونص
أحمد - في رواية أبي بكر بن صدقة - على أنه يعرف الدرهم، وقال ابن عقيل في التذكرة: لا يجب تعريف الدانق ونحوه. وحمله في التلخيص على دانق الذهب، نظرا لعرف العراق، ولأبي محمد في الكافي احتمال بأن اليسير دون ثلاثة دراهم؛ لأنه تافه.
2192 -
بدليل قول عائشة رضي الله عنها: كانوا لا يقطعون في الشيء التافه. وعموم «من» يشمل الذمي، وصرح به غيره، لعموم من وجد لقطة ولأنه أهل للتكسب، فيصح التقاطه، كاحتطابه ونحو ذلك، ثم قال أبو محمد: إنه يضم إليه أمين في التعريف والحفظ، وأكثر الأصحاب لم يتعرضوا لذلك، وجعله ابن حمدان على القول بضم الأمين إلى الفاسق، (ويشمل) الفاسق أيضا، وهو صحيح لما تقدم، وهل يضم إليه أمين؟ فيه وجهان:(أحدهما) - وهو ظاهر كلام القاضي في الجامع، والشريف وأبي الخطاب في خلافيهما، والشيرازي - لا، لأهليته للحفظ، بدليل إيداعه (والثاني) - واختاره القاضي في المجرد، وابن البنا، وبه قطع أبو البركات، وأبو محمد في كتابيه الكبيرين –
نعم، حفظا لمال الغائب، ثم قال القاضي: يكون الأمين هو المباشر للتعريف، لاتهام الفاسق، فربما قصر. (ويشمل) أيضا الرقيق، وهو صحيح، فإن كان مكاتبا فحكمه حكم الحر، وإن كان قنا صح التقاطه على المذهب، (وعنه) لا يصح إلا بإذن سيده، فعلى المذهب يصح تعريفه، ثم إن تلفت في حول التعريف بلا تفريط فلا شيء عليه، وأن تلفت بتفريطه، أو أتلفها ضمنها في رقبته لجنايته، وإن مضى حول التعريف هل يملكها؟ قال في التلخيص: قال أصحابنا: يخرج على الروايتين في ملك العبد. وهذا مقتضى كلام أبي البركات، قال صاحب التلخيص: وعلى ما بينت أن الروايتين فيما إذا ملكه السيد، لا يملك هنا بحال. وقطع أبو محمد في الكافي والمغني أن السيد يملك بمضي الحول، فإما أنه نظر إلى ما قال صاحب التلخيص، وإما أنه فرع على المذهب، ثم إن صاحب المحرر قال: إن ملك وتلفت ضمنها في ذمته، وإن لم يملك ضمنها في رقبته، وقال في التلخيص: إنه يضمنها في ذمته، نص عليه. قال: لأنها للسيد، أو للعبد مضمونة في ذمته. وكذا قال طائفة من الأصحاب، منهم
أبو محمد في المقنع، وهذا متوجه إن قلنا: إن العبد يملك، أما إن قلنا: إن الملك للسيد - كما صرح به أبو محمد، واقتضاه كلام صاحب التلخيص وغيره - فالجناية على مال السيد، فلا تتعلق لا بذمته، ولا برقبته، بل الذي ينبغي أن تتعلق بذمة السيد، وإن قيل: إن لعبد لم يملك ولا السيد، تعين التعلق برقبته كجناياته، وهذه تحتاج إلى زيادة تحقيق، ولها فروع أخر ليس هذا موضعها، وحكم أم الولد والمعلق عتقها بصفة حكم القن. والله أعلم.
قال: فإن جاء ربها وإلا كانت كسائر ماله.
ش: يعني إذا عرفها فإن جاء ربها في الحول فهي باقية على ملكه، وإن انقضى الحول ولم تعرف، صارت عند انقضاء الحول كسائر مال الملتقط، على المذهب بلا ريب، لما تقدم من حديث زيد.
2193 -
وفي رواية فيه فاستمتع بها وفي رواية وإلا فهي لك قال في الانتصار: ونقل البغوي عنه ما يدل على
أن اللقطة لا تملك. قلت: وهو غريب، لا تفريع ولا عمل عليه. وقد شمل كلام الخرقي الغني والفقير، وهو المشهور من المذهب لما تقدم من حديث زيد.
2194 -
وفي حديث أبي بن كعب فاستمتع بها وشذ حنبل عن أصحابه، فنقل عن أحمد اختصاص التملك بالفقير، وأنكر ذلك الخلال.
2195 -
لما روى عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل، وليحفظ عفاصها، ووكاءها، ثم لا يكتم، ولا يغيب، فإن جاء ربها فهو أحق بها، وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء» رواه الخمسة إلا الترمذي، قال بعض الحفاظ: ورجاله رجال الصحيح.
وظاهره أن واجدها لا يختص بها، بل سبيلها سبيل الأموال المضافة إلى الرب سبحانه، من الخمس وغيره، وحديث زيد بن خالد قضية في عين لا عموم لها، إذ يجوز أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه فقيرا، فأباح له الأخذ، أو لمصلحة أخرى، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نائب الله في أمواله.
وشمل كلامه أيضا الأثمان، والعروض، والشاة، ونحوها، ولا خلاف في ملك الأثمان، لنص حديث زيد بن خالد، واختلف فيما عداها، (فعنه) لا تملك مطلقا.
2196 -
أما في الشاة ونحوها فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يؤوي الضالة إلا ضال» رواه أحمد، وأبو داود، والضالة اسم للحيوان، دون سائر اللقطة.
2197 -
وأما في العروض فلأن ذلك يروى عن ابن عمر وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم، ولا يصح قياسها على
الأثمان، فإن الغرض يتعلق بها، بخلاف الأثمان، (وعنه) تملك مطلقا، وهي ظاهر كلام الخرقي هنا، وسينص عليها في الشاة، واختيار ابن أبي موسى، وأبي محمد، لحديث زيد بن خالد في الشاة، وهو نص في جواز التقاطها، وهو خاص، فيقدم على لا يؤوي الضالة الحديث، ولحديث عياض بن حمار من وجد لقطة مع التزام أن عموم الأشخاص، يقتضي عموم الأحوال.
2198 -
وروى الجوزجاني والأثرم قالا: حدثنا أبو نعيم، ثنا هشام بن سعد، قال: حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال:«أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: كيف ترى في متاع يوجد في الطريق الميتاء، أو في قرية مسكونة؟ قال: «عرفه سنة، فإن جاء صاحبه وإلا فشأنك به» » .
2199 -
وروى الجوزجاني عن عمر وابنه ما يدل على أن العروض تملك، (وعنه) رواية ثالثة - وهي المشهورة في النقل
والمذهب، عند عامة الأصحاب - أن الشاة ونحوها تملك دون العروض، وقد فهم دليلها مما تقدم. وحيث قلنا: لا تملك العروض. (فعنه) تعرف أبدا، اختارها أبو بكر في (زاد المسافر) وابن عقيل أظنه في (الفصول) ، (وعنه) - وهو المشهور عنه، واختيار الخلال، وزعم أن الأول قول أول - تباع ويتصدق بثمنها بشرط الضمان، وقال القاضي في الخصال: يخير بين تعريفها أبدا، وبين دفعها إلى الحاكم، ليرى رأيه فيها. وقال ابن عقيل في التذكرة: يدفعها إلى الحاكم. وشمل كلام الخرقي أيضا لقطة الحل والحرم، وهو إحدى الروايتين، واختيار الجمهور، لحديث زيد بن خالد، وعياض بن حمار، التزاما بأن عموم الأشخاص يتناول عموم الأحوال، إذ قوله: صلى الله عليه وسلم من وجد لقطة عام في كل واجد، وعموم الواجدين يستلزم عموم أحوالهم.
[وكذلك سؤال زيد عن لقطة الذهب، اسم جنس مضاف، فيشمل كل لقطة ذهب، ويلزم منه عموم أحوالها](والثانية) : لا تملك لقطة الحرم بحال، بل تعرف أبدا.
2200 -
لقوله – صلى الله عليه وسلم في بلد مكة «ولا تحل لقطتها إلا لمنشد» أي لمنشد على الدوام، وإلا غير لقطة الحرم لا تحل أيضا إلا لقاصد تعريفها، وحفظها.
2201 -
ويؤيد هذا ما روى عبد الرحمن بن عثمان التيمي رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج» ، رواه مسلم. وهذا أخص من تلك فيقيد، لا سيما ويمنع: أن عموم الأشخاص (لا) يستلزم عموم الأحوال. وقول الخرقي: وإلا فهي كسائر ماله. ظاهره أنها تدخل في ملكه من غير اختياره، وكذا نص أحمد في رواية الجماعة، وعليه الجمهور، لظواهر الأحاديث السابقة.
2202 -
وفي رواية لمسلم في حديث زيد بن خالد «فإن جاء صاحبها، فعرف عفاصها، ووكاءها وعددها، فأعطها إياه، وإلا فهي لك» واختار أبو الخطاب في هدايته أنه لا يملكها حتى يختار ذلك، وحكاها ابن الزاغوني رواية. ومقتضى كلامه أنه لو لم يعرفها التعريف السابق - وهو السنة - أنه لا يملكها، وهو صحيح، وكذلك لو لم يعرفها الحول، نعم، إن أخر التعريف أو بعضه في الحول الأول لعذر، من مرض، أو حبس، أو صغر، ونحو ذلك، ملكها بالتعريف في ثاني الحول في وجه، وعلى المنصوص لا كالأول، والله أعلم.
قال: وحفظ وكاءها، وعفاصها، وحفظ عددها، وصفتها.
ش: هذا عطف على قوله: عرفها سنة. فيحتمل أنه واجب مطلقا كالتعريف، لظاهر حديث زيد، ويحتمل أنه مطلوب جملة، ثم عند الالتقاط مستحب، وعند تمام التعريف،
وإرادة التصرف فيها أو خلطها بماله واجب، وهو ظاهر كلامه، وعليه شرح أبو محمد، وفاقا للأصحاب، لأن دفعها إلى ربها يجب بما ذكر، فلا بد من معرفته نظرا إلى أن ما لا يتم الواجب إلا به واجب.
2203 -
وفي رواية «عن أبي بن كعب أنه قال: وجدت مائة دينار، فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «عرفها حولا» فلم تعرف، فرجعت إليه فقال: اعرف عدتها ووعاءها ووكاءها واخلطها بمالك» » .
وظاهره أن الخلط مرتب على معرفة ما تقدم، وأنه قبل التعريف لم يأمره بذلك، وهذه القرينة الصارفة لحديث زيد وغيره عن الوجوب، «والوكاء» الخيط الذي تربط به، «والعفاص» الوعاء الذي تكون فيه، من خرقة أو غيرها، وفي معنى العدد الكيل والوزن، ويبالغ في معرفة صفتها، وكل شيء تعرف به. وظاهر كلام الخرقي أنه لا يجب الإشهاد عليها، وهو المشهور، نظرا إلى حديث زيد وغيره، حيث لم يأمره صلى الله عليه وسلم بالإشهاد، نعم، يستحب، لحديث عياض بن حمار، وأوجبه ابن أبي موسى، وأبو بكر في التنبيه، لظاهر الأمر، والشهود
عدلان فصاعدا، ولا يشهد على الصفات، نص عليه، لاحتمال شياعه، فيعتمده المدعي الكاذب، والله أعلم.
قال: فإن جاء ربها فوصفها دفعت إليه بلا بينة.
ش: يعني إذا جاء ربها بعد الحول، وصيرورتها كسائر مال الملتقط، وهي باقية، فوصفها بالصفات السابقة، وجب دفعها إليه بلا بينة، وإن لم يغلب على ظنه صدقه.
2204 -
لأن في حديث أبي بن كعب قال: «عرفها، فإن جاء أحد يخبرك بعدتها، ووعائها، فأعطها إياه، وإلا فاستمتع بها» رواه أحمد، ومسلم، والترمذي.
2205 -
وفي حديث زيد «فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه» وفي رواية فيه «فإن جاء صاحبها، فعرف عفاصها، وعددها، ووكاءها، فأعطها إياه، وإلا فهي لك» .
2206 -
ولا ينافي هذا قوله – صلى الله عليه وسلم «البينة على المدعي» واليمين على من أنكر» . إذ هذا مع وجود منكر، ولا منكر في صورة اللقطة، فهي غير داخلة في الحديث، ولو سلم دخولها،
فالتخصيص - وقد قام دليله - يخرجها، مع أنا نقول البينة ما تبين الحق وتظهره، والصفة هنا بهذه المثابة، لتعذر إقامة البينة عليها غالبا، لأنها تسقط في حال الغفلة والسهو. وظاهر كلامه أنه لو ادعاها بلا صفة لم تدفع إليه، وهو ظاهر لما تقدم، وقوة كلامه يقتضي أنه لا يجب عليه دفع زيادتها معها والحال ما تقدم، وهو أحد الوجهين، أو الروايتين، على ما في التلخيص، واختيار أبي محمد، لحدوثها في ملكه، (والثاني) :[يأخذها ربها بها، كما يأخذها بالزيادة المتصلة، وكالبائع الراجع على المفلس، أما في حول التعريف فإنها ترد بزيادتها] مطلقا، لبقائها على ملك مالكها، والله أعلم.
قال: أو مثلها إن كانت قد استهلكت.
ش: اختيار أبي محمد رحمه الله أن اللقطة بعد الحول تملك بغير عوض يثبت في ذمته، وإنما يتجدد العوض بمجيء صاحبها، وعند القاضي وكثير من أصحابه لا يملكها إلا بعوض يثبت في ذمته لصاحبها، وعلى القولين يزول ملك الملتقط عنها بوجوده إن كانت باقية، ويجب عليه إذا بدلها، وهو مثلها، أو قيمتها إن كانت تالفة، لحديث زيد، فإنه أمره بإنفاقها، ثم قال: «ولتكن وديعة عندك، فإن جاء
طالبها يوما من الدهر فأدها إليه» فأمره – صلى الله عليه وسلم بدفعها إلى ربها، بعد [إباحة] إنفاقها» .
2207 -
وقال الأثرم: قال أحمد: أذهب إلى حديث الضحاك بن عثمان، جوده ولم يروه أحد مثل ما رواه، إن جاء صاحبها بعد سنة، وقد أنفقها ردها إليه، وحكى عنه أنه لوح إلى عدم الضمان، لحديث عياض بن حمار، لأن فيه «فهو مال الله يؤتيه من يشاء» وظاهره أنه مباح، ولما تقدم من قوله: صلى الله عليه وسلم فهي لك وللأول أن يقول بموجبه، إذ جعلها له، وكون الله آتاه إياها، لا ينافي وجوب الضمان عليه بوجود ربها، وعلى هذا لو نقصت ضمن نقصها، وتعتبر القيمة حين التملك، قاله في التلخيص، وهو ظاهر على رأي القاضي ومتابعيه، أما على رأي أبي محمد فينبغي اعتبارها حين وجود ربها، وكذا صرح به أبو البركات، وهذا كله بعد الحول، أما قبله فهي أمانة، كبقية الأمانات، والله أعلم.
قال: وإن كان الملتقط قد مات فصاحبها غريم بها.
ش: إذا مات الملتقط، بعد أن صارت اللقطة كمال الملتقط، ثم جاء ربها، فهو غريم بها، يرجع ببدلها إن اتسعت التركة، وإلا تحاص الغرماء، لما تقدم من أنه إنما يملكها مضمونة عليه، إما حين التملك، وإما حين وجود ربها، وكلام الخرقي يحتمل أن يريد ما إذا تلفت، بقرينة المسألة السابقة، وعليه شرح أبو محمد، ويحتمل أن يريد أنه غريم وإن كانت باقية، تنزيلا لانتقالها إلى الوارث منزلة الانتقال إلى الأجنبي، ولو انتقلت إلى أجنبي لم يلزم إلا بدلها، فكذلك إلى الوارث، ثم على الأول ظاهر كلام الخرقي وغيره أنه لا فرق بين أن يعلم تلفها بعد الحول أو لا، وفي المغني احتمال أنه لا يلزم عوضها إن لم يعلم تلفها بعد الحول، لاحتمال تلفها في الحول، وهي إذا أمانة، والله أعلم.
قال: وإن كان صاحبها جعل لمن وجدها شيئا معلوما فله أخذه، إن كان التقطها بعد أن بلغه الجعل.
ش: الجعالة جائزة في الجملة، لقول الله تعالى:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] .
2208 -
«وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء، لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا، لعلهم أن يكون عندهم بعض شيء. فأتوهم فقالوا: أيها الرهط إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم: والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من غنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبة، قال: فأوفوهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقتسموا. فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان، فننظر الذي يأمرنا. فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك، فقال: «وما يدريك أنها رقية؟» ثم قال: «قد أصبتم، اقسموا، واضربوا لي معكم سهما» وضحك النبي صلى الله عليه وسلم» -. متفق عليه، واللفظ للبخاري، والحكمة تقتضي ذلك، فإن العمل قد يكون مجهولا كصورتنا، فتتعذر الإجارة فيه، والحاجة تدعو إلى
رده، وقد لا يجد متبرعا فاقتضت حكمة الشارع جواز ذلك. إذا تقرر هذا فإذا جعل رب اللقطة لمن وجدها شيئا معلوما، فلمن وجدها أخذه، لما تقدم، ولقوله: صلى الله عليه وسلم «المسلمون عند شروطهم» وكما لو استأجره على بناء حائط، ونحو ذلك، لكن بشرط أن يلتقطها بعد أن بلغه الجعل، ليكون عمله في مقابلة الجعل، أما إن وجدها قبل بلوغ الجعل فلا شيء له؛ لأنه متبرع بعمله. وقد تضمن كلام الخرقي أمورا (منها) أنه لا يشترط العلم بالعمل، ولا المدة، وهو صحيح، بخلاف الإجارة، والحكمة ما تقدم، (ومنها) أنه لو قدر المدة، كأن قال: إن وجدتها في شهر ونحو ذلك. صح نظرا لإطلاق كلامه، لاحتمال الغرر فيها، بخلاف الإجارة على الصحيح، (ومنها) أنه لا يشترط تعيين العامل، للحاجة الداعية إلى ذلك، بخلاف الإجارة، (ومنها) أن العمل قائم مقام القبول؛ لأنه يدل عليه، أشبه الوكالة، (ومنها) أن الجعل لا بد وأن يكون معلوما، كالإجارة وغيرها من العقود، وحمل البعير في الآية معلوم عندهم، والقياس على العمل لا يصح، للحاجة الداعية ثم، بخلاف هنا، وفي المغني تخريج بجواز جهالة الجعل، إن لم يمنع
التسليم، كقوله: من رد ضالتي فله نصفها. بخلاف: فله شيء. من قول الإمام: إذا قال الأمير في الجهاد: من جاء بعشرة رؤوس فله رأس. جاز، ومن قوله: إذا جعل جعلا لمن يدله على قلعة أو طريق، من مال الكفار مجهولا، كجارية بعينها، وقد عرف من هذا ما توافق الجعالة الإجارة فيه، وما تخالفها، وتخالفها أيضا في أن الإجارة عقد لازم، والجعالة عقد جائز، وتوافقها في أن ما جاز أخذ العوض عليه في الإجارة جاز في الجعالة، وما لا فلا. وظاهر كلام الخرقي أن الجعل في مقابلة الوجدان، وهو ظاهر كلام أبي البركات وغيره، فعلى هذا هي بعد الوجدان كغيرها من اللقطات، لصاحبها أخذها، ولا يجب على الملتقط مئونة ردها، وقال في المغني: إذا قال: من وجد لقطتي فله دينار. فقرينة الحال تدل على اشتراط الرد، إذ هو المقصود، لا الوجدان المجرد، وإنما ذكر الوجدان لأنه سبب الرد، فكأنه قال: من وجد لقطتي فردها علي. قلت: ولعله يريد بالرد تسليم العين، أو التمكين منها، وكذلك يريد الخرقي بالوجدان الوجدان المقصود، لا
مجرد الوجدان، حتى لو ضاعت بعد أو تلفت استحق الجعل، لأن هذا غير مقصود قطعا، وإذا يرتفع الخلاف. ومفهوم كلام الخرقي رحمه الله كما تقدم أنه لو وجد اللقطة قبل بلوغ الجعل أنه لا شيء له، وكذلك في كل عمل عمله لغيره بغير جعل، لئلا يلزم الإنسان ما لم يتلزمه، ولم تطب نفسه به، إلا في صورة واحدة وهي رد الآبق، فإن فيه مقدرا على المشهور المعروف، والمختار للأصحاب.
2209 -
لأنه يروى عن عمر، وعلي، وابن مسعود رضي الله عنهم ولم نعرف لهم في زمنهم مخالفا.
2210 -
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل في رد الآبق إذا جاء به خارجا من الحرم دينارا، ولأن
المصلحة
تقتضي ذلك، لئلا يلحقوا بدار الحرب ويرجعوا عن دينهم، وبذلك فارقوا غيرهم، وتوقف في رواية ابن منصور فقال: لا أدري، قد تكلم الناس فيه، لم يكن عنده فيه حديث صحيح، فأخذ من ذلك أبو محمد رواية بأنه لا شيء فيه، وقال: وهو ظاهر كلام الخرقي لقوله: وإذا أبق العبد فلمن جاء به إلى ربه ما أنفق عليه، ولم يذكر جعلا، وأقرب إلى الصحة، قياسا على غيرهم، لأن الأصل عدم الوجوب، والحديث مرسل، وفيه مقال، ولهذا قال ابن منصور عن الإمام: لم يكن عنده فيه حديث صحيح. وفي أخذ رواية من هذا نظر، لأن الواقف لا ينسب له قول، وكونه ظاهر قول الخرقي ينازع فيه أيضا، لأن الخرقي ذكر هذا في النفقات،
وهو بصدد بيانها، لا بيان الجعل، وعلى كل حال فالمذهب الأول. وعليه اختلف في قدر الجعل، واتفق الأصحاب فيما علمته أنه إن رده من خارج المصر ففيه روايتان (إحداهما) - واختارها الخلال - أن الواجب له أربعون درهما.
2211 -
اعتمادا على أن ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه. (والثانية) أنه دينار أو اثنا عشر درهما.
2212 -
نظرا إلى أنه يروى عن عمر وعلي رضي الله عنهما واختلف نقل الأصحاب فيما إذا رده من المصر، ففي الهداية، والمقنع، والمحرر، أن الواجب له دينار، أو اثنا عشر درهما، وفي الخصال لابن البنا، وكتاب الروايتين، أنه عشرة دراهم، وبالغ القاضي في ذلك فقال: إن الرواية لا تختلف في ذلك، وفي المغني أنه دينار أو عشرة دراهم، وفي الكافي أنه دينار، أو اثنا عشر درهما في رواية، وفي أخرى دينار، وفي خلاف الشريف، وأبي الخطاب، والجامع الصغير، أنه دينار أو اثنا عشر درهما في رواية، وفي أخرى عشرة دراهم، وجمع الطرق أنه دينار أو اثنا عشر درهما في رواية، وفي أخرى دينار أو عشرة دراهم، وفي ثالثة دينار، وفي رابعة عشرة دراهم، وقد نقل ابن هانئ عن
أحمد فيمن عمر قناة قوم أنه يرجع عليهم، ذكر ذلك القاضي في الغصب، من كتاب التعليق، وذكره من رواية محمد بن أبي حرب الجرجاني، وعلله بأن الآثار بمنزلة الأعيان، فكما أن يرجع بالأعيان، كذلك يرجع بالآثار، قلت: وهذا التعليل إنما يقتضي الرجوع فيما عمله، بأن يزيله، كما يرجع في الأعيان، لا أنه يرجع ببدل ذلك على مالك العين، والله أعلم.
قال: وإن كان الذي وجد اللقطة سفيها أو طفلا قام وليه بتعريفها، فإن تمت السنة ضمها إلى مال واجدها.
ش: إذا وجد اللقطة سفيه أو طفل قام وليه بالتعريف، لأن واجدها ليس أهلا للتعريف، والولي قائم مقامه، ونائب منابه، فإذا تم التعريف ضمها الولي إلى مال واجدها، وصارت كسائر ماله، لأنها من أكسابه، أشبه