الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[متى تجب الشفعة]
قال: ولا تجب الشفعة إلا للشريك المقاسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة.
ش: يشترط للشفعة شروط:
(أحدها) : أن يكون شريكا، فلا تجب الشفعة للجار، لما تقدم من حديث جابر، إذ معناه الشفعة حاصلة أو ثابتة، أو مستقرة في كل ما لم يقسم، فما قسم لا تحصل فيه ولا تثبت، ويؤيد هذا الرواية الأخرى المصرح فيها بالحصر: إنما جعل، وتمام الحديث أيضا يدل على ذلك، والراوي ثقة، عالم باللغة، فلا ينقل إلا اللفظ أو معناه.
2094 -
وقد روى الترمذي وصححه في هذا الحديث؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة» .
2095 -
وأصرح من هذا كله ما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قسمت الدار، وحدت فلا شفعة فيها» .
2096 -
وقد روى الأثرم عن عمر، وعثمان وعلي رضي الله عنهم: أنه لا شفعة للجار.
ونقل القاضي يعقوب رواية بثبوت الشفعة بالجوار، وصححه ابن الصيرفي، واختاره الحارثي فيما أظن.
2097 -
لما روي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها وإن كان غائبا، إذا كان طريقهما واحدا» رواه الخمسة وقال الترمذي: حسن غريب. لكن قد تكلم فيه شعبة وغيره. وقال بعض المحققين: إنه صحيح، وإن كلامهم بلا حجة.
2098 -
وعن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«جار الدار أحق بالدار» رواه النسائي، وابن حبان، وعلى المذهب لو حكم الحنفي لحنبلي بالجوار فهل له الأخذ؟ منعه القاضي، وجوزه ابن عقيل.
(الشرط الثاني) : أن يكون ذلك الشقص المشترك مما يقبل القسمة، وهذا معنى قول الخرقي: للشريك المقاسم الذي يقاسم، أي يستحق أن يقاسم، فلا تجب في الحمام الصغير، والبئر، والعراص الضيقة، ونحو ذلك، لأن الحديث:«إذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق» والحدود
إنما تقع فيما يقبل القسمة، فإذا تقدير الحديث: الشفعة في كل شيء يقبل القسمة ما لم يقسم.
2099 -
وقد روى أبو عبيد في الغريب، «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى أن لا شفعة في فناء، ولا طريق، ولا منقبة، ولا ركح» .
قال أبو عبيد: المنقبة: الطريق الضيق بين الدارين، لا يمكن أن يسلكه أحد، والركح: ناحية البيت من ورائه.
2100 -
واعتمد أحمد على ما رواه عن ابن إدريس، عن أبي عمارة، عن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن أبان بن عثمان، عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: لا شفعة في بئر، ولا فحل، والأرف يقطع كل شفعة. قال أحمد: الأرف: الأعلام، والفحل: فحل النخل.
(الشرط الثالث) : أن يكون المبيع أرضا، فلا شفعة في غير الأرض، لأن ظاهر الحديث أنه إنما حكم بذلك في الأرض دون غيرها، إذ وقع الحدود. وتصريف الطرق، إنما هو في الأرض، لأن الأرض هي التي تبقى على الدوام، ويدوم ضررها، ويستثنى من غير الأرض البناء، والغراس، فإن الشفعة تجب فيهما تبعا للأرض.
2101 -
وفي حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: «قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم، ربعة أو حائط، لا يحل
له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به» رواه مسلم وغيره، فنص على الحائط، أي حائط النخل، وهذا الشرط قد يؤخذ من كلام الخرقي، من قوله: فإذا وقعت الحدود. إذ الخرقي سبك الحديث.
(وعن أحمد) رحمه الله رواية أخرى: أن الشفعة تجب في كل شيء، إلا في منقول ينقسم، فتجب على هذا في كل ما لا ينقسم، كالحمام الصغير ونحوه، وفي غير الأرض، من البناء [المنفرد] ونحوه، لعموم حديث جابر المتقدم.
2102 -
وروى عبد الله بن أحمد رحمه الله في المسند، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والدور» .
2103 -
وروى الطحاوي بسنده عن جابر رضي الله عنه قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء» .
قال بعض الحذاق من المحدثين: ورواته ثقات. ولا ريب عند الأصحاب أن المذهب ما تقدم.
(الشرط الرابع) : أن ينتقل الشقص بعوض مالي، وتحريره أنه إن انتقل بغير عوض - كالإرث والوصية ونحوهما - لم تثبت الشفعة عندنا بلا نزاع، وإن انتقل بعوض مالي - كالبيع، والهبة بشرط الثواب، ونحوهما - ثبتت الشفعة بلا نزاع، وإن انتقل بعوض غير مالي - كالصداق، والصلح عن دم العمد، ونحوهما - فوجهان، أشهرهما عند القاضي وأكثر أصحابه: لا.
(والثاني) - واختاره ابن حامد، وأبو الخطاب في الانتصار -: نعم، وعليه هل يأخذ الشقص بقيمته أو بالدية ومهر المثل؟ فيه وجهان، والله أعلم.
قال: ومن لم يطالب بالشفعة في وقت علمه بالبيع فلا شفعة له.
ش: إذا ثبتت الشفعة فهل حق المطالبة بها على الفور أو التراخي؟ فيه روايتان: (إحداهما) - وهي المشهورة، والمختارة عند الأصحاب -: أنه على الفور، فلو أخره من غير عذر سقطت شفعته.
2104 -
لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الشفعة لمن واثبها» ولأن ثبوته على التراخي ربما أضر بالمشتري، لعدم استقرار ملكه.
(والثانية) - واختارها القاضي يعقوب -: أنه على التراخي، لأنه خيار لدفع ضرر محقق، فكان على التراخي كخيار العيب.
(فعلى الأولى) : هل يتقيد بساعة العلم - وهو ظاهر كلام الخرقي، وأحمد، واختيار أبي محمد، لظاهر الحديث - أو يتقيد بمجلس العلم؛ اختاره ابن حامد، والقاضي وأصحابه، وحكاه ابن الزاغوني رواية عن أحمد، إذ حالة المجلس في حكم حالة العقد؟ فيه قولان، وعلى الفورية متى كان التأخير لعذر لم تسقط شفعته، كأن يعلم ليلا فيؤخر إلى الصبح، أو لأكل، أو شرب لجوع أو عطش به، أو ليخرج من الحمام، أو ليأتي بالصلاة وسننها، أو ليشهدها في جماعة يخاف فوتها، ونحو ذلك.
وقد نبه الخرقي على ذلك بقوله:
ومن كان غائبا وعلم بالبيع في وقت قدومه، فله الشفعة وإن طالت غيبته.
ش: لأن الغائب معذور، إذ الحكم لا يثبت في حقه إلا بعد العلم، فإذا علم ثبت الحكم في حقه، ومثله المحبوس، والمريض، ونحوهما ممن لم يعلم بالبيع لعذر، والله أعلم.
قال: وإن علم وهو في السفر فلم يشهد على مطالبته فلا شفعة له.
ش: إذا علم وهو في السفر بالشفعة، فأشهد على الطلب بها فهو على شفعته، لأنه قد علم منه أنه غير تارك لها، بل مطالب، وكذلك إن لم يشهد لتعذر الشهود ونحو ذلك، لمقام العذر، وإن لم يشهد مع وجود من تقبل شهادته سقطت شفعته، كما لو أخر الطلب مع حضوره نعم، إن ترك الإشهاد وسار في الطلب ففيه وجهان:(السقوط) ، وهو ظاهر كلام أحمد، والخرقي؛ لأن السير يكون للطلب وغيره، فلا يتبين إلا بالإشهاد (وعدمه) لأن الظاهر أن السير للطلب، وينبغي أن يكون حكم سير وكيله حكم سيره، وإذا أشهد ثم أخر القدوم مع إمكانه بطلت شفعته عند القاضي، ولم تبطل على ظاهر كلام الخرقي، وكذلك الوجهان إن أخر الطلب بعد القدوم والإشهاد.
ومقتضى كلام الخرقي: أن الإشهاد إنما يكتفى به في السفر إناطة بالعذر، وأبو البركات جعل الشرط أحد شيئين الإشهاد، أو المضي المعتاد، والله أعلم.
قال: فإن لم يعلم حتى تبايع ذلك ثلاثة فأكثر، كان له أن يطالب بالشفعة من شاء منهم، فإن طالب الأول رجع عليه الثاني بالثمن الذي أخذه منه، والثالث على الثاني.
ش: هذا تفريع على القول بالفورية كما هو المذهب، فإذا لم يعلم الشفيع بالبيع حتى تبايع ذلك الشقص اثنان، أو ثلاثة، أو أكثر من ذلك، فإن للشفيع أن يطالب بالشفعة من شاء منهم، لأن سبب الشفعة الشراء، وقد وجد من كل واحد منهم، فإن طالب الأول فسخ عقد من بعده، وإذًا يرجع الثاني بالثمن على الأول، لأنه لم يسلم له المبيع، ويرجع الثالث على الثاني أيضا لذلك، وعلى هذا، وإن طالب الثاني أخذ بما اشتراه به، واستقر عقد الأول، وفسخ عقد الثالث، فيرجع الثالث على الثاني بالثمن لما تقدم، وإن طالب الثالث أخذ بما اشتراه به، واستقر عقد الأولين، وجعل ابن أبي موسى هذا الحكم إذا لم يكن الشقص في يد واحد منهم بعينه، أما إن كان في يد أحدهم فالمطالبة له وحده.
ومقتضى كلام الخرقي: [أن المشتري] يصح تصرفه في الشقص المبيع قبل أخذ الشفيع، أو قبل علمه، وهو صحيح، لأن قصاراه أن يكون قد ثبت فيه حق تملك،
وذلك لا يمنع التصرف، بدليل الابن يتصرف في العين الموهوبة له، وإن جاز لأبيه الرجوع فيها، وقيد أبو البركات ذلك بما قبل الطلب، فلعله بنى ذلك على أن الأخذ يحصل بالطلب، وهو رأي القاضي، وأبي الخطاب، بشرط الملاءة [بالثمن] ، وعند أبي محمد لا يملكه إلا بالأخذ، أو ما يدل عليه، نحو: أخذته بالثمن، أو تملكته. وعند ابن عقيل لا يملكه إلا بدفع الثمن، وعلى رأي الجميع لا يفتقر إلى حكم حاكم، وفي التذكرة أنه يفتقر، والله أعلم.
قال: وللصغير إذا كبر المطالبة بالشفعة.
ش: الشفعة تثبت للصبي كما تثبت للبالغ، للعمومات، ولأن ثبوتها لدفع ضرر عن المال، أشبهت خيار العيب، فعلى هذا إن كان فيها حظ فللولي الأخذ بها، بل قال أبو محمد: يجب، لأنه مصلحة من غير مفسدة، والولي عليه رعاية مصالح الصبي. وإن لم يكن فيها حظ فليس له الأخذ، فإن أخذ فهل يصح - لأن فيه دفع ضرر عن الصبي في الجملة - أو لا يصح - لمنعه من الشراء، أشبه ما لو اشترى معيبا يعلم عيبه؟ فيه روايتان، وإن ترك الولي الأخذ
بها مطلقا فهل للصبي إذا بلغ الأخذ بها وهو ظاهر كلام أحمد - في رواية ابن منصور - والخرقي، لأن الأخذ حق ثبت له، فلا يسقط بترك غيره، كوكيل الغائب - (أو ليس له الأخذ) - وبه كان يفتي ابن بطة، فيما حكاه عنه أبو حفص، لأنه يملك الأخذ، فملك الترك كالمالك - (أو إن تركها) الولي والحظ فيها للصبي فله الأخذ، وإن تركها لعدم الحظ سقطت؛ وهو اختيار ابن حامد، وتبعه القاضي، وعامة أصحابه، لأنه فعل ما له فعله فينفذ، كما لو أخذ مع الحظ؟ ثلاثة أقوال، وحكم المجنون والسفيه حكم الصبي، والله أعلم.
قال: وإذا بنى المشتري أعطاه الشفيع قيمة بنائه، إلا أن يشاء المشتري أن يأخذ بناءه فله ذلك، إذا لم يكن في أخذه ضرر.
ش: إذا بنى المشتري قبل أخذ الشقص، ثم اختار الشفيع الأخذ، فله ذلك للعمومات، ويلزمه أن يدفع إلى المشتري قيمة بنائه، نص عليه أحمد في رواية الجماعة، دفعا للضرر المنفي عنه شرعا، قال القاضي وأصحابه
والشيخان وغيرهم: أو يقلعه ويضمن نقصه، لأنه في معنى ما تقدم، لزوال الضرر به، هذا إن لم يشأ المشتري أخذ بنائه، فإن أراد أخذ بنائه فقيل - وهو ظاهر كلام الأكثرين، بل الذي جزموا به -: له ذلك، أضر بالأرض أو لم يضر، لأنه عين ماله، ولا يلزمه طم الحفر، ولا الأرش، قاله القاضي، إذ النقص حدث في ملكه، فلا يقابل بعوض، فعلى هذا يخير الشفيع بين أخذه ناقصا بكل الثمن أو تركه، وقال أبو محمد: ظاهر كلام الخرقي أن عليه ضمان النقص الحاصل بالقلع. قلت: وينبغي أن يزيد إذا، أو بالطم.
وظاهر كلام الخرقي: امتناع الأخذ على المشتري مع الضرر بالأرض، إذ الضرر لا يزال بالضرر، وتبعه على ذلك ابن عقيل في التذكرة، فعلى هذا يبقى التخيير السابق للشفيع، فلو امتنع منه سقط حقه، وحكم الغراس حكم البناء.
(تنبيهان) : (أحدهما) : يتصور بناء المشتري على القول بالفورية في صور، (منها) إذا أظهر المشتري زيادة في
الثمن، أو أن الشقص موهوب له، أو أن الشراء لفلان فقاسمه، بناء على ذلك، أو لجهل الشفيع بثبوت الشفعة له، قاله ابن الزاغوني، أو قسم عليه لصغره مع الولي، أو لغيبته إن قلنا: الحاكم يقسم على الغائب، وغرس أو بنى ثم بان للشفيع الحال، أو قدم، أو بلغ.
(الثاني) : في كيفية تقويم البناء، قال أبو محمد: الظاهر أن الأرض تقوم وفيها البناء، ثم تقوم خالية، فما بينهما قيمة البناء، فيدفع إلى المشتري إن أحب الشفيع، أو ما نقص منه إن اختار القلع، لا قيمته مستحقا للبقاء، ولا قيمته مقلوعا، والله أعلم.
قال: وإن كان الشراء وقع بعين أو ورق أعطاه الشفيع مثل ذلك، وإن كان عرضا أعطاه قيمته.
ش: الشفيع يأخذ الشقص بالثمن الذي استقر عليه العقد.
2105 -
لأن في بعض ألفاظ حديث جابر: «هو أحق به بالثمن» رواه الجوزجاني، ولأن الشفيع يستحق أخذ الشقص، فيستحقه
بالثمن كالمشتري، إذا تقرر هذا فإذا وقع العقد على مثلي - كالدراهم، والدنانير، والمكيلات، والموزونات - أخذ بمثله لمماثلته له صورة ومعنى، وإن وقع العقد على غير مثلي - كالثياب والحيوان - أخذ بقيمته وقت العقد، لتعذر مثله، ولعل الخرقي إنما خص بالدراهم والدنانير بوجوب المثل لغلبة وقوع البيع بهما، بخلاف غيرهما من المثليات.
وقول الخرقي: وإن كان الشراء وقع بعين. . إلى آخره، يستثنى منه ما إذا وقع العقد على ثمن ثم زيد فيه أو نقص في مدة الخيارين، فإن الاعتبار بما استقر عليه العقد، لا بما وقع العقد عليه، والله أعلم.
قال: وإن اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري، إلا أن يكون للشفيع بينة.
ش: إذا اختلفا في الثمن، فقال المشتري: اشتريته بمائة. وقال الشفيع: بل بخمسين. مثلا، فالقول قول المشتري، إذا الشفيع يدعي الاستحقاق بالثمن الأول، والمشتري ينكره، والقول قول المنكر مع يمينه، ولأن المشتري هو