الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يجعل المسلمون حدا لهذه التدهورات الخطيرة
أم تستمر الى ما لا نهاية لها
؟
بحث العملاء والمفكرون من هذه الامة قديما وحديثا في هذه التدهورات الخطيرة المستمرة، فلم يجدوا لها علاجا ناجعا الا بالرجوع الى الاسلام وترك الجري وراء القوانين المستوردة من الخارج. والكف عن تطبيقها والتشبث بها، الاسلام هو الذى يحقق لهذه الأمة ما تصبوا اليه من آمال وحرية وسيادة هذا هو الحل الوحيد اذا أراد المسلمون.
لقد زال الاستعمار بموجته الطاغية من بلدان المسلمين، وذلك بفضل الله ثم بفضل الاتحاد والكفاح المسلح الذى خاضه العالم الإسلامي حتى أخرجه منها لكنه ترك من ورائه مخلفاته، تعيث في هذه الأوطان فسادا
…
كان من الواجب على الشعوب الاسلامية أن تطبق أحكام الاسلام - من بعد الاستقلال - مباشرة لتحل محل قوانين الاستعمار الجائرة التي لا تمت بأي صلة الى طبيعة المسلمين. بعد ما زال حكمه، والاسلام هو مبدؤهم الأول والأخير، وأنه يحمل أعدل القوانين وأسماها الى الانسانية جمعاء. كما هو الواقع، وكما يعتقده جميع المسلمين، حتى المنصفون من علماء الغرب وغيرهم.
يتمنون لحكامهم أن يسوسوا رعاياهم على مقتضاه.
فبدون الاسلام لا يستطيع المسلمون أن يكونوا أمة قوية أبدا تصمد أمام أعدائها الذين يتربصون بها الدوائر، ولا يكونون وحدة متماسكة متينة تغمرها السعادة والكرامة. وما فائدة الانتساب اليه بدون العمل به؟
يجب على المسلمين أن يشرعوا في بناء الدولة الكبرى التي توفر لها من الامكانيات والصلاحيات في هذه الظروف ما لم يتوفر لها في غيرها. فبهذا وحده فقط يقضون على التدهورات الخطيرة التي أصابت المسلمين في الماضي والحاضر. وبهذا يكونون قد
اعتبروا بما وقع لهم على أيدي أعدائهم من الذل والاستعباد وبهذا أيضا يضمنون وجودهم كأمة لها رسالة سماوية أمرت بتبليغها الى الناس كافة.
لو سار المسلمون على نهج الكتاب الكريم، وخطة الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه. وسيرة الخلفاء الراشدين من بعده لكانت دولتهم أثبت رسوخا وأضمن دواما، وأكثر انتشارا واتساعا، ولأكلت من فوقها (1) ومن تحت أرجلها من أعدائها
…
الاسلام الذى ارتضاه الله لعباده هو دين ودولة، وحكم وشريعة، ومنهج ورسالة. ومن لم بحكم بما أنزل الله، فقد برئ من الايمان، ومزق الاسلام، وحطم الشريعة الغراء تحطيما كاملا، وعصى الله ورسوله، وأطفأ نورا ربانيا.
إن الحكومة القائمة بأمر الله، المنفذة لأحكامه وشرائعه، الحاملة لرسالته، المدافعة عن دينه، والداعية الى طاعة الله وتقواه، هي عنوان الاسلام وهى ظله في أرضه، وبها يقيم الله الحجة على عباده ولا يرضى عن سواها. ولا وزن لما جاء به من العبادات، والعدل والاحسان. اذا لم تقم هذه الحكومة بين المسلمين. فالله سبحانه وتعالى لم يرسل رسوله الأعظم محمدا صلى الله عليه وسلم عبثا، بل أرسله ليبلغ الناس دين الحق، وبالنظام الشامل للحياة كلها حتى يكون الانسان جديرا بالاصطفاء، والتفضيل على كثير من مخلوقاته. لأنه نفخ فيه من روحه، وجعله خليفة له، وأسجد له ملائكته وسخر له الكون. (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (.
لقد شهد المسلمون - في العصور المتأخرة - نهضات إسلامية على أيدي أناس مصلحين ولكنها لم تدم طويلا، وفشلت جميع النهضات في العالم الإسلامي ولم تحقق الأهداف المنشودة منها، لأنها لم تكن متماسكة ينقصها الشمول فإذا كانت هذه النهضة
(1) سورة النور
سياسية تهمل العبادات والأخلاق الفاضلة ولا تتمسك بالإسلام. واذا كانت دينية تزهد في المادة. وتهمل علوم الطبيعة التي تكون سببا في تقويتها وارتقائها. واذا كانت علمانية تحيل الاسلام الى فلسفة وجدل، ومن بعد تحيل العقيدة الى شبهات.
الاسلام ليس تصوفا ولا عبادة ولا أحكاما فحسب أنه دين هذه الأشياء جميعا، فلكم هدى ضالا، والآن قلبا قاسيا، وعلم جاهلا. ونبه غافلا. وأصلح فاسدا، وجمع متفرقا، ورأب متصدعا، وأصلح مختلا، ومحا ظلما، وأقام عدلا ومكن للأمم التي اعتنقته نظاما امتازت به عن سواها، فالدين كمال وزينة للشخص. ونظام للملك. وأظهر الله به النعمة على المسلمين في سلوكهم وأخلاقهم فلله الحمد.
الاسلام مهماز يحث المسلمين على جلائل الأعمال وفضائلها، ومصباح لبصائرهم يرشدهم الى طريق الصواب، وتقويم لأفكارهم يعصمهم من الزيغ والزلل، ورحمة يعطف بها قلوب بعضهم على بعض. وإحسان للبؤساء والمحرومين. إن الشعوب الإسلامية لم تفسد الا عند ما فسدت عقيدتها الدينية في النفوس وأهملت أحكامها القيمة.
الدين ليس قانونا مدينا فيه الضار والنافع، وليس نتيجة لأفكار البشر وآرائهم فيه الخطأ والصواب. بل هو شريعة فرضها الله يوم فرض الإيمان ليعمل بها عباده.
أفبعد هذا يعجب العاقل من حكم الاسلام وسيادته؟ وآسفاه لقد حسر المسلمون الكثير من الدين، ولبسوه كما يلبس الفرو مقلوبا كما قال سيدنا علي عليه السلام.
هذا ما أصاب المسلمين في عقولهم وأفكارهم وعزائمهم، ففضلوا الشر على الخير والأدنى على الأعلى، فسلط الله عليهم من يسلبهم نعمته التي أنعم الله بها عليهم. لأنهم لم يقوموا بشكرها، وابتلاهم بأحقر الأمم وحثالة الناس يلصقون بدينهم كل عيب.
الاسلام يقرر أن السلطة العامة تكون بيدي الأمة، فلا ميراث في الحكم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يعين خليفة
من بعده أبدا، ولا أخذ أحدا الحكم بالقوة من خلفائه الراشدين، كما هو الحال في المسلمين اليوم.
الاسلام يأمر بالشورى بين جماعة المسلمين، ويعتبرها هي الحرية الحقيقية، ولذا يوليها عناية كبرى قال تعالى:(وأمرهم شورى بينهم)(1) وقال لنبيه الكريم (وشاورهم في الأمر)(2)، وهي قاعدة عامة في الاسلام يجب أن يطبقها المسلمون في جميع شؤونهم العامة، وهى ضد الدكتاتورية المستبدة التي طوحت بالمسلمين قرونا عديدة، حتى أصبحت حجر عثرة في سيرهم، فبها يصل المسلمون الى حكمة الرأي وصوابه، لأن الجماعة الملتزمة بالإسلام عندما تتشاور تكون في جانب الصواب، وبهذا يتضح أن الصواب في جانب الرأي الجماعي، وخاصة أهل الحل والعقد، والخطأ كل الخطأ بجانب الرأي الفردي أيا كان موقعه وسلطته.
أما كيف تتحقق؟ وما هي الوسيلة إلى ذلك؟ فهذا أمر تركه الاسلام الى جماعه المسلمين وإلى التطورات الزمانية الرئاسة العامة هي حق الأمه لها أن تعزل الحاكم إذا رأت فيه اعوجاجا أو خالف دستور الإسلام، لأنها هي التي أوصلته إلى السلطة، وما هو الا وكيل عنها أو نائب عليها، فهو يستمد.
سلطته منها ويعتمد على تقتها. يجب على الحاكم المسلم أن يضع نصب عينيه العقيدة الاسلامية، فيحافظ عليها، فإن زاغ مبتدع، أو ألحد فاسق، أو سعى مغامرون بالفساد في الأرض أو طعن فيها، أو عطل أحكامها وتشريعاتها يقوم القانون في الحال لحمايتها وصيانة النظام العام فيها، ليكون الدين محرسا من التعدي عليه ومحترما في أعين الناس، والأمة محفوظة من الزلل، فبهذا تصان محارم الله من الانتهاك، وتحفظ حقوق العباد من الضياع والتلف.
يجب على المسلمين أن يخرجوا من نطاق الكلمات الجوفاء والتصريحات الرعناء والعصبية الجاهلية، والدعوات المرتجلة الي ساحة التنظيم والاعداد.
(1) سورة الشورى
(2)
سورة آل عمران
يجب أن ترتكز نهضتهم الحالية على بعث عقلي يقوم باكتشاف الاسلام من جديد ليستضاؤوا بمصدرية الكتاب والسنة، وأن يشارك أرباب الثقافة وحملة الأقلام، وذووا الفكر النير من أهل المعرفة والعلم في هذا البعث ليكونوا دستورا إسلاميا للحكم أساسه الشورى، فعلى العلماء المصلحين أن يقوموا بواجب النصح، والجهر بكلمة الحق، وعلى الحاكمين أن يستجيبوا لهذه النصيحة وأن يعملوا بها ويتقبلوها لأنها في صالح الجميع.
المسلمون اليوم على اختلاف مذاهبهم يريدون أن يجعلوا حدا لهذه الأمراض الاجتماعية الخطيرة من التدهورات المستمرة، والخلافات التي كانت سببا في هدم الوحدة، ولا يكون هذا الا بدستور إسلامي هو الذى يجمع المسلمين ويوحد صفوفهم.
اننا ننبه حكام المسلمين ان الأهداف التي ينشدونها لا تأتى الا عن طريق الاسلام البعيد عن روح التعصب، ولا يحصل الازدهار لهذه الشعوب الا اذا كانت شؤونها مبنية على عقيدة اسلامية، لأنها تلائم بين المادة والروح وبين العقل والعاطفة، وبين الجديد والقديم.
يجب على الحكومات الاسلامية أن تسهل كل ما له صفة التدين بين المسلمين حتى يشعروا بشعور واحد، ويحسوا بإحساس واحد، ويفكروا بتفكير واحد لأنهم يريدون أن يبرزوا إلى الوجود كمجتمع ديني بجميع خصائصه ومميزاته ويريدون الانطلاق من واقع الظروف القاسية التي مرت عليهم من القرون المتأخرة من حياتهم الى آفاقهم الاول من انبثاق تاريخهم المجيد
…
إن التقاليد والأنماط التي سارت عليها الطبقة الحاكمة قبل النهضة الأخيرة لا زالت موجودة الى الآن، والمسلمون لا يريدون هذه الآفاق المكررة لأنها نتيجة التعصب والركود والجمود.
الثورة هي تحول من نظام قديم فاسد الى نظام جديد صالح هذا التحول حصل بالفعل لكنه كان في الشكل والصور لا في المعاني والحقائق التي يتطلبها المسلمون، وما دام الوضع الحالي يتنافى مع الإسلام وتعاليمه وروحه وحضارته لا بد أن تسود هذه
الاجتماعات والاضطرابات الخطيرة، فتصبح غير قارة، وإذا لم تستقر على أوضاع الاسلام فلن يستطيع المسلمون أن يؤدوا رسالتهم في هذا الوجود كاملة.
قادة المسلمين يعرفون الأمراض التي كانت سببا في سقوط المسلمين، وانحطاطهم وتخلفهم والتيارات التي هبت عليهم حتى أودت بحياتهم. الواجب يحتم عليهم أن يتجنبوا كل الأخطاء التي وقعت للمسلمين في الماضي حتى استعبدوا
…
الشعوب الاسلامية لها إمكانيات وطاقات هائلة ان أحسن القادة الاشراف عليها، ووجهوها نحو دينها، فإنها بدون شك ستصبح قوة فعالة في هذا الوجود، ترجح كفة السلم في العالم.
يا حكام المسلمين ها هي أمتكم قد تحررت شرقا وغربا والطريق أمامكم قد تمهد وأمتكم قد تعودت السمع والطاعة لكم وهي تلبي ندائكم في السراء والضراء، وتمتثل لأوامركم في الشدة والرخاء، فإن استقمتم فإنها - بدون شك - ستستقيم لا خوف عليكم منها ما دمتم سائرين على منهج الاسلام، وأنها لا تخشى الا انحرافكم عن الدين الحنيف فإن انحرفتم فلا تستطيعون أن تملكوا زمامها، وهذه هي الثغرة الوحيدة التي يدخل منها العدو الى صفوفكم، فقودوها الى مجدها التليد، وعزها الطريف، وإذا أردتم أن تبقى هذه الأمة متماسكة متحدة جنبوها الأفكار الدخيلة، والقوانين المستوردة التي تروج في بلدان المسلمين، وتطبق عليهم كقوانين شرعية أصيلة حتى تغيرت معالم شخصيتنا، وأصبحنا لا نميز بين المسلم وغيره.
فإذا كان حكام المسلمين يحترمون كفاح الأمة فلا بد لهم أن يحترموا كلمتها وإذا كانوا يحتاجون اليها فلا بد أن يتقبلوا مشورتها ونقدها وما دامت الأمة تحمل العب أولا وأخيرا، فليس من حق الحاكم أن ينفرد دونها باتخاذ قرارات هامة، وليس من حقه أن يتجاهل كلمتها بأن تقول (لا، أو نعم) فالحق فوق الجميع.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق الحاكم: (من مات غاشا لرعيته لم يرح رائحة الجنة) وإذا كنا نؤمن بالإسلام كدين من عند الله ونحترمه يجب أن نؤمن به إيمانا كاملا، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشبه الإسلام بالعرى فقال: (لتنقض
عرى الاسلام عروة عروة فأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة (ها نحن نشاهد مصداق هذا الحديث الشريف، المسلمون اليوم لا يتعاملون بالإسلام فيما بينهم، ولا يتحاكمون الى كتاب الله وسنة رسوله لقد انفصل ما بينهم وبين الاسلام من عهد وميثاق، وبعد ما بينهم وبينه من روابط وصلاة فاستبدلوه بقوانين وضعية أجنبية تهدر الكرامة وتفتل الضمير حتى شاعت الفاحشة في الذين آمنوا.
يقول محمد اقبال الفيلسوف المسلم في المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القدس سنة 1338 هـ - ان الاسلام مهدد بخطرين مصدرهما الغرب أولهما الالحاد وثانيا الاستعمار، ومستقتل العرب رهن بوحدتهم فإذا تمت الوحدة العربية علا شأن المسلمين في كل أنحاء الأرض، والعرب يحاولون الوحدة الآن خارجة عن نطاق الاسلام، وأنهم لا يتوصلون الى الوحدة الحقيقية التي تنتظرها الشعوب الاسلامية منهم.
المجتمع الصالح يجتمع فيه صنفان من الناس السراة والهداة، فالسراة هم الأمراء المخلصون الصالحون، والهداة هم العلماء الربانيون الذين يعرفون الحق ويصرخون به دون أن يخافوا في الله لومة لائم. كما قال الشاعر الحكيم:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
…
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
قيادة الجاهلية تكون عندما ينعدم العلماء المتفقهون الناصحون قد يوجد الحاكم المقتدر ولكنه محتاج الى مذكر ومبصر، فإذا وجد بجانبه العالم الناصح المخلص كمل أمر هذا الحاكم كما قال عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه عندما تولى الخلافة فقال: (أيها الناس من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم (هذا الكلام في غاية الصواب والعدل، وصاحبه يشعر بمسؤولية كبرى ملقاة على عاتقه، ولهذا فهو يطلب من الأمة أن تعينه إذا استقام في حكمه وإذا حاد عن الحق فلا طاعة له.
يا حبذا لو يقتدي أمراء المسلمين بهذا الخليفة العادل الذي رد الأمن والطمأنينة الى النفوس في زمن قصير جدا.
يجب على حكام المسلمين الا يقلدوا الغرب في فصل الدين عن الدولة والا يقولوا أن الاسلام لا يحقق نهضتنا في التقدم العلمي التكنولوجي كما يقول الملاحدة الا اذا اعتنقنا مبادئ الغرب العلمانية، ونبذنا مبادئ الاسلام الرجعية هذا هـ الخطأ الذي وقع فيه حكام المسلمين من بعد الاستقلال فقلدوا الغرب في كل شيء، في الحكم والشعارات والتعليم، فأصبحوا يعلمون في مدارسهم اللغات الحية كما يسمونها، وتركوا التعليم الاسلامي، واللغة العربية فيها فأصبحت بلدان المسلمين قطعة من أوربا، ما ترى في دوائر الحكومة ومصالحها المتعددة المتنوعة في الشوارع والبيوت الا الرطانات الاجنبية لأنهم جعلوها رسمية وتركوا لغة البلاد، وكذلك التقاليد والعوائد الأوربية فإذا مشيت في شوارع المدن الكبرى تحس كأنك في أوربا لا في بلدة اسلامية لأنك لم تعثر على أي شيء من شعائر الإسلام.
فنشأت الشبيبة على حب التقاليد الأجنبية والتخلق بأخلاقهم وحب لغتهم وبغض اللغة الوطنية فأصبحت تحارب الإسلام جهارا وعلى مسمع ومرأى من الحكومة التي هو دينها الرسمي، والاستهتار بالأخلاق الفاضلة والقيم الانسانية، وصارت تنفر من كل ما ينتمي الى الوطن من عوائد وأخلاف، وتكره الشخصية الوطنية لأنها تسممت بهذا التعليم الأبتر.
وهناك بعض الدول معاصرين ليسوا من الغربيين، ولا اعتنقوا جنسيتهم وقد توصلوا إلى الصناعات الحديثة كما وصلت أوربا بدون أن يستبدلوا عقائدهم ولا لغتهم كاليبان والصين الشعبية.
كذلك المسلمون يجب عليهم أن يأخذوا العلوم التكنولوجية والأساليب الفنية والاختراعات العلمية والنظم الحديثة فتضيفها الى ما لنا من مقومات أساسية. هذه العلوم أخذها الغربيون عن المسلمين في الماضي فكانت نواة لنهضتهم الحديثة، ونحن الآن - بدورنا - أن نأخذها منهم ونعربها ونضيفها الى العلوم الإسلامية كما تفعل سائر الأمم.
وإذا فصلوا بين الدين - الذي هو عبادة فقط - وبين العلم، فالإسلام دين العلم أول كلمة نزلت من كتابه كانت (إقرأ)، لم تكن (قاتل)، ولا (اجمع المال)، ولا (ازهد في الدنيا). (إقرأ (هذه أول كلمة أنزلت من القرآن وجاء بعدها ذكر العلم. من الله على الانسان بالعلم، لا بما أعطاه من مال ولا من قوة ولا جاه، بل علمه ما لم يعلم.
وكل علم يحتاج اليه مجتمع إسلامي، يكون فرض كفاية على القادرين عليه فهل في الوجود دين - الا الاسلام - يجعل تعلم الكيمياء والطب والطيران، من الفروض الدينية؟
الاسلام دين القوة، ولكن بلا ظلم. الاسلام للدنيا والآخرة) ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) (1) وهو يريد للمسلمين أن يصدقوا في إيمانهم بالله وأن يتبعوا الشرع، وأن يكونوا مع هذا أرقى الامم وأقوى الأمم، وأعلم الأمم وأغنى الامم، ليجمعوا حسنة الدنيا وحسنة الآخرة.
أليس القرآن فيه الشفاء من جميع الأمراض الاجتماعية؟ أليس في أحكامه العدل والمساواة بين الناس؟ ألم يأت بقوانين عادلة ما حرمت من الأشياء إلا ما فيه مضرة وفساد، وحثت على كل ما فيه مصلحة ومنفعة؟ ألم يجعل الناس أحرارا في معاملاتهم وتصرفاتهم في ممتلكاتهم ما داموا في دائرة الحق والعدل؟.
الشريعة الاسلامية وافية بحاجيات الناس، فوضعت القوانين العادلة لو طبقت لكانت كفيلة بحل جميع المشاكل، فمبادئها صالحة لكل زمان وجيل، وهى تكتب النصر والتفوق لمعتنقيها، وتخلع عليهم رداء العزة والكرامة، ومتى يثق الناس بهذا الدين، وتطمئن نفوسهم إليه يصبحون سادة كراما موفوري الكرامة أقوياء لأنه مفتاح السعادة.
لو أصلح المسلمون ما بأنفسهم واعتصموا بحبل الله جميعا كما أمروا وأصلحوا ذات بينهم لعادوا الى ما كانوا عليه من المجد والعظمة، ولو أنهم احتكموا في خصوماتهم الى كتاب الله وسنة رسوله لما اختلفوا ولو أنهم نشروا العلم الديني والاصلاح الحقيقي في أوطانهم لما تفرقوا قال الله تعالى: (ولله العزة ولرسوله
(1) سورة البقرة
وللمؤمنين) (1) أيها المؤمنون أين ما وعدكم الله به من العزة أتشكون في وعد الله؟ والله لا يخلف الوعد، المسلم يعبد ربه بظاهره وباطنه ويجاهد في سبيل الله بسيفه وقلمه ولسانه لإعلاء كلمه الله وينفق في الخير ماله ابتغاء وجه الله، إن يعمل يعمل لله، أو يتكلم يتكلم بالحق وإن أضر نفسه فعال منفاق مصداق.
المسلمون في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى كلمتهم واحدة ومهمتهم واحدة وجهادهم لله وقتالهم في سبيل الله من افتقر عانوه ومن حضر عدوه ومن غاب افتقدوه، ومن مات شيعوه، ومن مرض عادوه وبالدين تكون سعادة المسلمين، ولما تفرقوا شيعا وأحزابا واختلفوا مذاهب ونحلا وتباينوا أهواء وسبلا، وملأوا المجالس جدالا ذهب سلطانهم، وضعف كيانهم، وصغر شأنهم وتداعت عليهم الأمم، وكذلك العذاب، ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون.
اليوم الذي تخلى فيه العالم الاسلامي عن الدين والأخلاق تغلت عنه السعادة وتاهت به الحياة في مجال القلق، ومتاهات الحيرة، ومجالات الشك والاضطراب، القعر الحقيقي ليس هو فقر المال ولا الاوراق المالية، وإنما هو فقر الكرامة والأخلاق، فقر الانسانية، فقر الصفات والشمائل والمحامد والعلم.
أزمة المسلمين ليست أزمة الاقتصاد والسياسة والمال، الأزمة في الواقع أزمة الرجال، أزمة الضمير، أزمة الخلق، أزمة الدين، أزمة الوعي والنضج والرشد، أزمة الأخلاق أزمة العقيدة، أزمة المثل العليا، أزمة المبادئ والقيم والمعاني والمفاهيم، أزمة الأمانة والواجب والنصيحة، أزمة الضمير والايمان، فهذه الأزمات كلها ناشئة عن عدم اهتمام المسلمين بأمور الدين وجهلهم به.
الاسلام جاء ليجمع القلب الى القلب، ويضم الصف الى الصف، جاء ليكون مجتمعا راقيا من عوامل الفرقة والضعف المعنوي والمادي وأسباب الفشل والهزيمة، حتى يصل الى المقاصد السامية والأهداف النبيلة التي جاءت بها رسالة سيدنا
(1) سورة المنافقين
محمد صلى لله عليه وعلى آله وسلم من عبادة الله وإعلاء كلمته، وإقامة الحق، ونشر العدل وفعل الخير والجهاد من أجل استقرار مبادئ الإسلام التي يعيش الناس في ظلها آمنين مطمئنين.
جاء الإسلام ليربط المسلمين برباط الأخوة التي لا تنفصم عراها، فتزول أمامها جميع الفوارق من نسب ومال وجاه الى غير ذلك مما درج عليه الناس من المميزات (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين اخويكم)(1) هذا الاخاء يستلزم تبعيات وحقوقا، فليس هو إخاء عقيما لا ثمرة له. أوجب الاسلام على المسلمين.
أن يحترموا بعضهم بعضا، وأن يحافظ كل فرد على كرامة أخيه من أن يعيبه، أو يحط من قدرة أو يطعن في شخصيته، أو يلقبه بلقب يكرهه، فهذه السيئات تقطع الصلة وتمزق روابط المودة، وتنشر العداوة في النفوس. أمر الإسلام المسلمين بالتواضع فيما بينهم، وخفض الجناح، ولين الجالب، فالمسلم لا يتكبر ولا يختال ولا يزهو بنفسه. قال تعالى في حق المتكبرين:) سأصرف عن آياتي، الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل أية لا يؤمنوا بها وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وان يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا) (2) وقد جاء في الحديث الشريف: (ان الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد (.
الإسلام يأمر بتعاون المسلمين فيما بينهم حتى يتحدوا لتقوى جماعتهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا بني إذا أصبحت وأمسيت وليس في قلبك غش لأحد فافعل فإن ذلك من سنتي، ومن أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة (.
وقال عليه الصلاة والسلام: (من أصبح ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم (.
هذا الحيث الشريف ينبه المسلمين من غفلتهم ويحثهم على أن يقوموا بواجبهم نحو بعضهم بعضا، فكل واحد منا عليه واجبات وحقوق ومسؤوليات نحو المجتمع.
(1) سورة الحجرات
(2)
سورة الاعراف
فإصلاح المجتمع متوقف على إصلاح الفرد، فان كان الفرد شاعرا بواجباته الكثيرة نحو ربه الذي خلقه وأغدق عليه من نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى وخافه في السر والعلن، واستحضر عظمته في ضميره وخشيته في قلبه فيصبح هذا الفرد لا يتعدى ما أمر الله به ولا يتجاوز ما نهاه عنه حينئذ يسير في طريق الصواب الذي لا اعوجاج فيه، فيصير إنسانا كاملا يؤدي رسالته التي خلق من أحلها. ان المتهاونين فيما كلفوا به من تطبيق الاسلام مكذبون، ولهم الويل في الدنيا، والندامة والخزي في الأخرة، فهل يليق بنا معاشر المسلمين أن نقطع الصلة بيننا وبين تعاليم الإسلام، أو نحصرها في طائفة معينة؟ أم ننتظر هاديا غير محمد صلى الله عليه وسلم؟ استولت علينا الأهواء فأنستنا ما أوجب علينا الايمان، أو طبعت النفوس على الشر فضلت سواء السبيل، عجبا يأمرنا ربنا بالتعاون على البر والتقوى، ونحن نتعاون على الاثم والعدوان.
كان المجتمع الإسلامي فيما مضى تنظره شعوب الدنيا بعيني الاجلال والإكبار فما لنا ونحن لم نكن كما كنا من قبل، لأننا غيرنا ما بأنفسنا، فغير الله ما بنا.
يجب على المسلمين أن يحاربوا الشهوات التي تزين لهم مخالفة الدين والعقل ويبتعدوا عن الأرواح الخبيثة التي حذرهم منها القرآن كالنفس الأمارة بالسوء واتباع شياطين الانس والجن حتى يرجعوا الى طريق الصواب، فالمسلم يجب عليه أن يلازم الاستقامة في الأقوال والأفعال، ويأخذ نفسه بالوفاء بالعهد وصدق العزيمة، وعدم مجاراة السفهاء، لهذا كان المسلمون كما قال الله تعالى:) كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) (1) يجب على المؤمن أن يسعى طلب العلم لأنه الطريق الوحيد الى معرفة الله قال تعالى: (انما يخشى الله من عباده العلماء)(2) كلما تعمق العالم في العلم تكن خشية الله عز وجل لأنه يرى نواميس الكون من الإتقان في الصنع، والحكمة في التدبير ما يجعل المؤمن يخر ساجدا لله، فالذين يتخصصون في علم
(1) سورة آل عمران
(2)
سورة غافر
التشريح يرون فيه من احكام التركيب ومن اتقان الصنعة في مختلف الاجهزة الجسدية وفي مفردات هذه الاجهزة ما يضطرهم اضطرار الى السجود لرب هذا التنسيق والترتيب والإبداع لو كانوا يفقهون، وليس علم التشريح وحده هو الذى يبهر العالم المتبحر فيه، وكذلك علم الفلك يبهر العالم الفلكي، ويبهر علم الأحياء عالم الأحياء، وهكذا نجد انبهار النفس في كل ميدان من ميادين المعرفة الكونية أرضها وسمائها وما بينهما. إن العلم النافع هو أهم مطلب في هذه الحياة، وأجل مقصد في الوجود، فالعلماء هم الذين يضيئون مسالك الحياة ويسيرون بالناس قدما الى السمو والكمال، طلب العلم في الاسلام ليس نافلة ولا أمرا كماليا، وأنما هو فرض وضروري.
العلم الصحيح هو دليل اليقين الثابت، ووسيلة الخلق الفاضلة، وكلما ازداد الانسان علما ازداد اعتقادا بالله واستقامة ومعرفة في الحلال والحرام ويصير قادرا على قيادة نفسه وضبطها وتهذيبها يقول الله سبحانه وتعالى في حق العلماء الصادقين (شهد الله أنه لا اله الا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم)(1) وصل هؤلاء العلماء الربانيون الى هذه الدرجة عن طريق العلم الذى يثمر الخشية، والى التوحيد الحقيقي، والتوحيد هو سمة الدين الإسلامي وسمة المتدين الصادق.
يشهد علماء التوحيد مع الله، ومع الملائكة الأطهار ان الله واحد في ملكه لا شريك له، وهذا أسمى ما يمكن أن يصل إليه العلماء من تكريم الله لهم بحيث قرنهم مع الملائكة المقربين في شهادة التوحيد، وشهادة التوحيد أقصى ما يمكن أن يسير اليه السالك في معراجه الى الله سبحانه وتعالى وهى لا تتحقق الا في العلماء المؤمنين العاملين، ان شهادة التوحيد قد وجه الله إليها الأنظار بأساليب شتى، وهذه الأساليب ما لا يقدرها في روعتها الرائعة الا العلماء العاملون قال الله سبحانه وتعالى: (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى الله خير أما تشركون أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق
(1) سورة آل عمران
ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهار وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون أمن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون) (1) الى آخر الآية الكريمة، ثم يعقب الله على هذه الآيات بأنه مهما بلغ العلماء بعلمهم فإن المجهول لديهم كثير وأنه لا يعلم هذا المجهول الا الله سبحانه (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب الا الله وما يشعرون)(2) ومن أجل شهادة التوحيد حث الاسلام على العلم وجعله من أسس الدين، العلم هو السبيل الوحيد الى بناء العقيدة الصحيحة وهو الهادي الى هداية الانسان وسعادته، ولهذا رفع الإسلام من شأنه ونوه بمكانته، وحث الناس على اعتشاقه وقد مثله بالنور والجهل بالظلمات قال تعالى:(أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون)(3) ولقد وجه الاسلام الناس الى أخذ الأحكام عن العلماء فقال عز وجل: (فسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون)(4) والعلم في نظر الاسلام حق مشترك بين الناس ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم الذى هو قدوة المسلمين وأسوتهم أن يقول: (وقل رب زدني علما)(5) في كل يوم بل في كل لحظة ذلك ما يجب أن يكون شعار المسلمين وإذا ما ازداد المسلم علما ازداد خشية وإذا ازداد خشية تحقق فيه اسلام الوجه لله على أكمل صورة ومن يسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى ولله عاقبة الأمور (6).
(1) سورة النمل
(2)
سورة النمل
(3)
سورة الانعام
(4)
سورة الانبياء
(5)
سورة طه
(6)
سورة لقمان