الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقف الحكومة الفرنسية من الثورة
وصداها في الداخل والخارج
كانت الحكومة الفرنسية متألفة حينذاك من أحزاب اليسار، ورئيسها (م مانديس فرانس) ينتمي الى الجناح الأيسر من الحزب الراديكالي
…
والحاكم العام على القطر الجزائري هو (م ليونار (الذى قدم تصريحه الرسمي عن حوادث الثورة التي أشرنا إليها سابقا
…
حاولت الحكومة اخفاء الحقيقة وتجاهلت الثورة، وزعمت أنها من فعل العصابات قطاع الطرق الذين لا هدف لهم سوى السلب والنهب، والحقيقة أنها كانت عالمة بأنها ثورة لا شك فيها، ولذا وقفت منها من أول وهلة موقفا إيجابيا، فاعتقلت عند بدايتها نحو ألفى شخص من المشكوك فيهم وحلت الأحزاب، وأودعت بعض أعضائها السجن، وقد أدلى رئيس الحكومة بتصريح قال فيه "ان الجزائر فرنسية والتفاوض الوحيد هو الحرب".
واجهت الحكومة الفرنسية الثورة بموقفين حازمين: الموقف الأول عسكري بحت ففي اليوم الثاني وصلت الى ميناء عنابة ثلاث فرق من جنود المظلات، وأعلن الحاكم العام في الجزائر حالة الطوارئ في المناطق التي كانت مسرحا للحوادث، وبدأ يطبق فيها القوانين الاستثنائية، ففرض الاقامة الجبرية على بعض الاشخاص، وأخذ يراقب المتنقلين والمسافرين، ومنع الاجتماعات العامة، وكان البوليس يراقب الجزائريين، وأنشأ محاكم عسكرية لا يجوز الطعن فيها أبدا
…
قدرت الحكومة الفرنسية الثوار بألفين الى ثلاثة آلاف مقاتل، وقال الحاكم العام يمكنني القول بأنني سأقضى على هؤلاء المشاغبين أعداء الوطن خلال أيام. وقال أيضا سأقضى على الثورة في بضعة أشهر أو تنطفئ وحدها، بعد ما تنكل الحكومة بهم وبأعوانهم
…
وأعلن صراحه في بلاغاته الرسمية قال: لقد
سيطرنا على الموقف تماما بعد حملة التهدئة التي اتخذها الحاكم العام. لكنه تراجع وعاد يقول: - بعد الخسائر التي ألحقها الثوار بالجيش الفرنسي، وأعمال الفدائيين في المدن - ان عدد الخارجين على القانون المشاركين في حوادث الاجرام يبلغ ألف شخص، وقد طلبت مزيدا من الجنود الذين يصلون في الحال الى المناطق البعيدة، والى بلاد القبائل الصغرى ولم يدر هذا الحاكم بأن الثورة ستتطور ويستفحل أمرها وتسطو على الحكومات الفرنسية فتحطمها واحدة بعد الأخرى بل تسطو على الجمهورية الرابعة فتزيلها من الوجود، ولا يهدأ لها قرار ولا تسكن لها نأمة حتى يتحرر الوطن كله من قبضة الاستعمار.
اعتبرت الحكومة أن مندوبها في الجزائر قد فشل في مهمته وخاب في مسعاه فسحبته وعينت خلفا آخر له.
ولما رأت الحكومة أن الثورة قد أصبحت عامة في شمال افريقيا فخافت من هذا اللهيب المقدس المندلع أن ينتهي بإحراقها في هذه الأقطار وانفصالها عنها كلما انفصلت الهند الصينية من قبل، لأن هذه الأقطار لا تعدم المساعد والمعين واذا قدر لها أن تنفصل فمستعمراتها في القارة الافريقية سيكون لها نفس المصير، فأرادت أن تطفئ هذه الثورة بشيء من الحرية بحيث اعطاء الثوار بعض الحقوق.
قدم وزير الداخلية (م ميترا) في خمس يناير سنة 1955 م مشروعا لتطبيق قانون 1947 - الذى صرح به الجنرال ديغول في الجزائر، وهو ادماج الجزائريين في فرنسا، فعرضه على الجمعية الوطنية للمصادقة عليه، فعارضه أوربيو الجزائر معارضة شديدة، ولما قدم للاقتراع لم يحظ بالأصوات اللازمة من طرف هذه الجمعية فسقطت حكومة (مانديس فرانس (
…
كلف رئيس الجمهورية (م اد قارفور) بتأليف الحكومة، وكان هذا أيضا من الحزب الراديكالي الأيسر. عينت الحكومة الجديدة (م جاك سوستيل) واليا عاما على القطر الجزائري، وصل اليها في خمسة عشر من فبراير 1955م كان هذا الوالي من المواليين لسياسة شارل ديغول في الجمعية الوطنية، ولكن (جاك
سوستيل) تنكر له وأصبح خصما لذودا لسياسته نحو الجزائر حينما أعلن تقرير المصير
…
جاء هذا الولي الى الجزائر يحمل معه اصلاحات اجتماعية يعنى تطوير الأنظمة مع الاعتراف بوجود شخصية جزائرية متميزة ثقافيا واجتماعيا، وكان يجول في القطر، وينتقل من بقعه الى أخرى ويصرح بقوله: ان الحكومة عازمة على اصلاحات هامة وتغيرات كبيرة في ميداني الاقتصاد والاجتماعي ستكون بعيدة الأثر في حياة المواطنين، وكان ينوه بهذه الاصلاحات في جميع خطبه التي كان يلقيها ليفصل الشعب عن الثورة
…
ولم يدر أن الشعب أصبح لا ينخدع بهذه المخدرات، ولا تنطلي عليه الحيل ولا المجاملات.
ومدة إقامته في هذا الوطن وهو يكرر في هذه الالفاظ بدون عمل: نشر التعليم والثقافة، تعلم الصناعة لتتقدم البلاد ماديا وأدبيا، القضاء على البطالة بجميع أنواعها حتى ترتفع معيشة السكان، ويضارع هذا الشعب شعوب العالم الحر.
ولكن الشعب لم ير هذه الاصلاحات الا ما يسمع عنها في الصحف والاذاعات، هذه التصريحات والاصلاحات التي يشيد بها هذا الحاكم العام ما هي الا تقليد لكل وال جديد ترسله فرنسا الى هذا القطر.
أما الثورة فوقف منها موقفا حازما، فأخذ في الحال في تعزيز القوات العسكرية وجلبها من فرنسا، وإرسالها الى المناطق التي شبت فيها الثورة، فكانت النجدات تتوالى مدة اقامته وأخذ يلقى القبض على المشبوهين والمشكوك فيهم ظنا منه أنهم يعملون مع الثوار في الناحية التي تقع فيها الحوادث، وعلى رجال السياسة وعلماء الدين الأحرار، فكانوا يستنطقون في مراكز التعذيب، ومن بعد ذلك يرسلون اما الى السجون أو الى المحتشدات الكبيرة التي بدأت تفتح في كل ناحية ولما عجزت المحاكم عن استنطاق المتهمين لكثرتهم، فأخذ يوسع فيها ويجلب لها القضاة من فرنسا.
أعجب المتطرفون من غلاة الاستعمار وأصحاب اليمين بسياسته تمام الاعجاب لأنه كان يستعمل القمع الشديد في المناطق التي تدور فيها المعارك الدامية وحوادث الفداء ليرهب السكان،
ويحصر الثورة في أماكن معينة، ومن الثورة كانت تفك الحصار وتشتعل في نواحي أخرى.
وفي تشرين سنة 1955م طلب رئيس الحكومة (م ادقارفور) من المجلس الوطني أن يمنحه الثقة، فرفض المجلس هذا الطلب وكان القانون الفرنسي يخول لرئيس الحكومة أن يحل المجلس الوطني فحله وأعاد انتخابه من جديد في شهر كانون الأول 1955 م وانتصرت الجبهة الجمهورية والاشتراكيون، والاتحاد الوطني الاشتراكي المقاوم والحركة الشعبية، والراديكاليون.