الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثورة معمري الجزائر مع الجيش الفرنسي على الحكومة
المركزية في باريس وسقوط الجمهورية الرابعة
في هذه السنة أي السنة الرابعة من اندلاع الثورة الجزائرية أصبح الشعب الجزائري قويا جبارا فوسائل الفناء والدمار التي استعملها الجيش الفرنسي ضده أصبحت عاجزة تماما عن إبادته فكان كالجوهر النفيس لم يزده العذاب الجهنمي الا قوة وعزيمة وصلابة واتحاد حتى قضى على جميع المخططات
…
عجز الجيش الفرنسي عن مواجهة الثورة بالقوة، ولم يستطيع القضاء عليها كما كان يدعي، أو ينال منها نيلا، أو يحط من قيمتها وكرامتها
…
وفي هذه الآونة أصبح جيش التحرير يعد بعشرات الآلاف منظما مزودا بأحسن الأسلحة مدربا على مختلف ضروب حرب العصابات والحرب النظامية على السواء
…
أصبحت الثورة تتقدم نحو أهدافها، فصارت تتحكم في سياسة فرنسا الداخلية والخارجية معا، أثرت على علاقتها مع الدول الأسوية الأفريقية بصفة عامة، وعلى تونس والمغرب بصفة خاصة
…
الثورة الجزائرية هي التي كانت سببا في أزمة وزارية لفرنسا وسقوط حكوماتها، والحيرة والاضطرابات التي وقعت فيها الجمهورية الفرنسية الرابعة حتى أزيلت من الوجود، وأصبحت الحرب في الجزائر عبئا ثقيلا على اقتصاد فرنسا، إذ قدر نفقات الحرب خلال عامي 56 - 55 الى سبعمائة مليار فرنك قديم في السنة، وحرمت البلاد اليد العاملة نتيجة دعوة الجيش الاحتياطي الى الحرب، وانخفضت القوة الشرائية، وضج الشعب الفرنسي من كثرة الضرائب، من أجل هذا وغيره ارتفعت الصيحات في فرنسا مطالبة بإنهاء الحرب في الجزائر وراجت كذلك إشاعات بأن م فيملان الذي دعى حينذاك لتولي رئاسة الحكومة، كان ينوي التفاوض مع جبهة التحرير
…
ولما تحققت أحزاب اليمين، وفي مقدمتها غلاة المعمرين بهذه الشائعات ثارت على سياسة التفاوض والتخلي عن الجزائر الفرنسية، وأخذت تسعى للقضاء على كل من يريد أن يسلك هذا السبيل من الحكومة التي تريد المفاهمة والمفاوضة مع جيش التحرير، واتصلت هذه العناصر بقيادة الجيش العليا، فوجدت هذه القيادة متضمرة الى الغاية من هذه المحاولات التي يريد بعض الساسة من الفرنسيين أن يتلاعبوا بمصالح فرنسا العليا، ولهذا يتحتم على الجيش أن يتدخل في الشؤون السياسية، وكثيرا ما كان يوجه النقد الى الحكومات لتساهلها في إدارة انقال مراعاة لاعتبارات سياسية، بحيث كانت تمنع الجيش من تتبع الثوار وراء الحدود التونسية كما أنها كانت تتهاون في نشر أخبار تعذيب الجزائريين مما يثبط روح الجيش المعنوية، واستاء أيضا من مقتل ثلاثة من الفرنسيين نفذ فيهم حكم الاعدام جيش التحرير وذلك ردا على حكم الاعدام الذى نفذ من قبل في مواطنين جزائريين من طرف السلطة الفرنسية
…
من أجل هذا وغيره كان الجيش يريد انقلاب الحكومة ليقضى على أحزاب اليسار المتقدمين في فرنسا، يتولى مقاليد الحكم ليمحي عنه آثار الهزيمتين اللتين حلتا به
…
الأولى عند توقيع الهدنة مع ألمانيا 1940م والثانية في حرب الهند الصينية وغيرها من الهزائم الأخرى التي كانت تحل بهذا الجيش المغتر بقوته الشامخ بأنفه الى السماء المزهو بكبريائه وطغيانه يغلب على طبعه التجبر من أن يتفاوض مع قادة جيش التحرير، وكيف يتفاوض معهم وهم قد تركوا جروحا غائرة وآثارا واضحة في ذاته، ووصمة عار في شرفه لا تمحى على مر الدهر.
هذا هو السبب في تأييد الجيش للانقلاب وغضبه الشديد على الجزائريين فإنه يرى كل مفاوضة أو تنازل من طرف السلطة العليا لقادة جبهة التحرير يمس بشرفه وعظمته وإذا كان شيء من هذا القبيل لا بد من خضوع الثوار الى الجيش الفرنسي أولا
وقبل كل شيء، ومن ثم يعطى لهم شيء ما تحت الحكم الفرنسي، أما المفاوضة الند للند ففيه إهانة فلا يرضى بها الجيش أبدا.
هذه طبيعة المعمرين إنهم لا يريدون التفاهم مع غيرهم أبدا ولم يتعظوا بما وقع لهم بالهند الصينية ولا بالمغرب العربي
…
ولم تكن هذه المرة الأولى يتمرد فيها المعمرون على الحكومة المركزية خلال الثورة الجزائرية فقد حدث في يوم 6 فبراير 1956 م أن ثار المعمرون على الحكومة الاشتراكية وأجبروا رئيسها على تبديل الوالي العام الذى عينه للجزائر وهو الجنرال كاترو محتجين بأنه اشترك منذ قليل في المفاوضات التي أدت الى دعوة محمد الخامس الى الحكم في المملكة المغربية
…
ولما تمت المؤامرة، واتفق المعمرون مع قادة الجيش المحارب في الجزائر على الانقلاب لكي يتخلصوا من حكم اليسريين التقدميين الذين يريدون مسايرة الظروف والتطورات العامة.
وبعد ما اتفقوا على الشخصية التي تتولى الحكم بعد الانقلاب وهذه الشخصية الجنرال ديغول بطل الحرية كما يسمونه هي التي ينادى بها الجيش رئيسا للحكم لأنه يتمتع بسمعة طيبة في الأوساط الفرنسية، وهو الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يوحد كلمة الشعب لأنه محبوب من جميع طبقاته.
ومن رجال الانقلاب كانوا يريدون أن يجعلوه رمزا للحكم فقط ليس له من النفوذ شيء، أما التسيير للحكم فهو لمدبري الانقلاب، وقرروا أيضا بأن تبقى الجزائر فرنسية قلبا وقالبا ذاتا وروحا مهما كانت الأحوال، ومواصلة الحرب ضد الثوار الى أن يقضى على الثورة تماما، ولا يتنازلون عن شيء ولو كان حقيرا تافها، فكل شيء يتنازلون عنه يؤدى حتما الى الاستقلال، والانفصال عن أم الوطن
…
الحل الوحيد للجزائريين - في نظرهم - هي المساواة في الحقوق والواجبات في دائرة القانون الفرنسي، وتجريدهم من قوميتهم وشعائرهم الدينية والأخلاقية، وإدماجهم في العائلات الفرنسية حتى يصبحوا مواطنين فرنسيين هذا ما اتفق عليه أصحاب الانقلاب
…