الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة من الجنرال ديغول الى القيادة العسكرية الفرنسية
في الجزائر
تبين هذه الرسالة بوضوح غرضه، إنني أنقل نص الرسالة يقول الجنرال: "الى القوات المسلحة، وجميع موظفي الإدارات العامة في الجزائر لقد رسمت خطوط سياستنا في الجزائر، وقررت تنفيذها على مسؤوليتي، وأنا ملم بجميع ملابساتها، ان المهم الآن هو تهدئة الجزائر بصورة كاملة وإنسانية، وتشجيع تنفيذ مشاريع التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وتهيئة الجزائريين من مختلف الهيآت، للاتحاد مع فرنسا، وبعد انقضاء سنوات عديدة على التهدئة يمكن اجراء استفتاء حر ليقرر الجزائريون حينذاك مصيرهم بأنفسهم في ظروف يصار الى تحديدها في الوقت المناسب ومن الضروري عندئذ أن يتم هذا الاختيار بحرية، والا فالمشكلة الجزائرية لن تحل بصورة نهائية، وفرنسا من جهتها ترغب في حلها حلا نهائيا. وتقوم الحكومة الفرنسية التي تتمتع بثقتي التامة الآن بتهيئة هذه المهمة الكبرى
…
كلكم يعلم أن هذه المهمة ستكون حاسمة بالنسبة الى الجزائر ولفرنسا معا، وهى شديدة ستؤثر حتما على رسالتها الافريقية، وعلى وحدتها الوطنية، وعلى مركزها الدولي، ونجاح تلك المهمة يتوقف على عملكم واتحادكم في تنفيد الرسالة التي رسمتها بعد كل تلك الأعمال والتضحيات التي بذلتموها يتوجب عليكم خدمة فرنسا بالمحافظة على النظام " وبالتعاون في خدمة أغراض فرنسا بدون أن تتأثروا بأية خطة أخرى اعملوا فإنى اعتمد عليكم
…
ولكي ينفذ الجنرال ديغول مشروعه، ويضعه موضع التنفيذ يجب أن يضاعف من قواته في الجزائر، ويخوض غمار حرب مدمرة شاملة لا تبقى ولا تذر، وعلى الشعب الفرنسي أن يعاني من ويلات هذه الحرب وامتدادها الى ما لا نهاية لها، فحكامه لا يريدون أن يعترفوا بحق الشعب الجزائري في الحرية والاستقلال ولن يعترفوا الا إذا كانوا مكرهين وبالقوة وحدها
…
بدأ الجنرال ديغول يلوح بمشروعه وهو يرتدي ثوب النصر ليعامل جيش التحرير بل يطلب منهم أن يلقوا سلاحهم ويتوقفوا عن القتال فورا دون مناقشة، وبعد أربع سنوات من الخضوع للحكم الفرنسي عندئذ يجرى الاستفتاء وكان في الفينة بعد الفينة يعلن أن مشروعه غير قابل لأية مناقشة، ومن بعد يوضح بعض النقاط المهمة التي جاءت في تقرير المصير
…
وبين رئيس الوزراء م دوبرية في 12 أبريل 1960 م بقوله: ان في حالة اختيار الانفصال فلن يكن هناك حل سوى التقسيم
…
وكان موقف جبهة التحرير واضحا من أول الثورة لأن مقررات مؤتمر واد الصومام لم يكن بوسع أي أحد أن يتنازل عنها لذلك كانت فرنسا هي التي تضطر الى التنازل.
بدأ الجنرال يتقارب، فقال (ان الاستفتاء يتم على مرحلتين: المرحلة الأولى يختار الجزائريون بين الانفصال والارتباط مع فرنسا، وإذا اختاروا الارتباط، فإن المرحلة الأخيرة يكون استفتاء على طبيعة هذا الارتباط، وأخد يدخل تعديلات على مشروعه، وأهم تعديل هو ما صرح به في 4 نوفمبر 1960 فقال إنني مستعد لقبول قيام جمهورية جزائرية ما دام الجزائريون يريدون في ذلك) وقال (حتى اذا بقيت الجزائر مرتبطة مع فرنسا يجب أن تكون لها أجهزتها الحكومية الخاصة
…
وقد اعتبر اليمنيون وغلاة الاستعمار من المتطرفين هذا التصريح تساهلا جديدا يضاف الى مشروع سنة 1959 م لأنه يجعل الاختيار محصورا في أمرين: الانفصال أو الاتحادية، ويسقط الحل الثالث وهو الاندماج ومن بعد هذا التصريح قامت موجة من الاضطرابات في صفوف اليمينين في فرنسا والجزائر، واستقال كثير من المشاركين في حزب ديغول المعروف باسم اتحاد الجمهورية الجديدة، فأجرى الجنرال استفتاء شعبيا على سياسته في الجزائر فكانت النتيجة 75 % من الأصوات في فرنسا معه.
والواقع أن الجنرال ديغول واجه مشكلة الأوربيين في الجزائر وفي فرنسا حتى قبل إعلان مشروعه، وذلك حين أمر بحل لجان الأمن العام لأنه خاف أن يكون أداة في أيدى الذين نادوا به، ومن
بعد الاعلان عن مشروعه ازدادت العلاقة بينهما سوءا، فصرح الجنرال ماسو قائد فرقة المظليين لصحيفة ألمانية في أول يناير 1960 م بأن الجيش قد يضطر أحيانا لعدم الوضوخ لأوامر الحكومة، لكن الجنرال ديغول اتخذ معه موقفا حاسما بحيث أخرجه من الجيش لأن تصريحه شجع المعمرين على القيام بحركة عصيان مضادة للحكومة وفي 26 يناير الى 2 فبراير سنة 1960 قام أوربيو الجزائر بأول حركة تمرد واسعة واستولوا على السلطة في الجزائر، وأقاموا المتاريس في الشوارع العامة ولحسن حظ الجمهورية الخامسة أطاع الجيش أوامر الحكومة المركزية، وقضى على هذه الحركة، وإن كان بعض الضباط فعلوا ذلك على مضض
…
وحركة العصيان هذه لم تقتصر على حركة الغلاة من المعمرين في الجزائر بل شملت أحزاب اليمين في فرنسا، وتكتل الجميع باسم جبهة التحرير الفرنسية الذي يرأسها م جورج يبدو أحد كبار السياسة في عهد الجمهورية الرابعة، وزعيم حزب الحركة الجمهورية الشعبية، ولكن اخطر ما تعرضت له الجمهورية الخامسة هو محاولة الانقلاب العسكري الذي قام به أربع جنرالات وهم راؤول سالان، وشال، وزيلير، وجوهو، في الثاني والعشرين من أبريل الى 26 منه 1960 ولكنها قمعت في الحال مثل الحركات الأخرى
…
تشدد الجزائريون في ضمانة سلامة الاستفتاء، وصمموا على مواصلة الحرب، وكانوا مستعدين لتحمل جميع الآلام والمشاق والمتاعب، وفي أول يوم من السنة السادسة من القتال صرح وزير الدفاع الجزائري بقوله ((إننا مصرون على مواصلة الحرب حتى النصر، ولدينا من القوة ما يمكننا من القتال عشر سنوات أخرى) كما أبلغت القيادة العليا لجيش التحرير هذا البلاغ الى جنودها صباح يوم 4 أكتوبر 1959 م بقولها: (ان تقرير المصير الذى انتزعتموه بكفاحكم والخطوة التي قطعتموها عظيمة، وقد أصبح الاستقلال في متناول أيدينا، ولكن لا يمكن ذلك
بحال من الأحوال أن يشكل تقرير المصير هدنة، فالمعركة مستمرة، وسنواصل القتال حتى النصر وشعارنا اتحاد، عمل، يقظة، ثقة
…
عاد وزير الخارجية الجزائري الى تأكيد مواصلة القتال، وذلك لتصريحه أثناء انعقاد مؤتمر حكومة الجزائر المؤقتة للدول العربية في دمشق فقال (لن يلقى الشعب الجزائري السلاح الا عندما تحصل الجزائر على حريتها واستقلالها فشعب الجزائر عاقد العزم على مواصلة الكفاح الى أن يتحقق النصر أما شعب فرنسا فهو غير مستعد، وهذه حقيقة تعرفها حكومة فرنسا جيدا) دمشق 8 تشرين الثاني 1959 م.
وفي الرابع من تشرين الأول 1959 م- أصدرت القيادة العليا لجيش التحرير أمرا يوميا أذاعته على المجاهدين في جميع مواقعهم بجبهات القتال بأن أي اقتراح بالاندماج أو الاتحاد مع فرنسا مرفوض ووصفت اعتراف الجنرال بحق تقرير المصير بأنه نصر للثورة وأكدت قيادة الثورة بقولها (ان الثورة قوية أكثر من أي وقت مضى، وأن باب الاستقلال مفتوح للجزائر، استطردت تقول ان هذا النصر نصركم، وتقرير المصير انتزعتموه بكفاحكم يساندكم في ذلك شعب لم يتهرب أمام أية تضحية، وتشد أزركم الدول المحبة للحرية.
حاول الجنرال ديغول: أن يكون قوة ثالثة من بين النزعات القومية للجزائريين من جهة، والمستوطنين الفرنسيين والجيش من جهة أخرى، وراح يكرر في نهاية 1960م عبارة الجزائر الجزائرية، وتمهيدا لهذه الخطة أعلن أنه ليس من الضروري انتظار انتهاء القتال للشروع في تزويد الجزائر الإدارية الخاصة، أجرى انتخابات المجالس البلدية، وظهر فيها أنصاره بالأغلبية الساحقة سواء كانوا من الجزائريين أم من الفرنسيين، وتبين أن هؤلاء قد كونوا اتجاها متميزا عن الاندماجيين كما أعلن ديغول عن نيته في تأسيس جيش جزائري في إطار هذه السياسة، ولكنه أخيرا أدرك استحالة تكوين هذه القوة الثالثة الذي أراد تجمعها من المعتدلين الجزائريين والأوربيين على السواء
…
ولم يلبث أن لمس الحقيقة بنفسه وهى أن أية مفاوضة مع غير جبهة التحرير ستكون عبثا، وحينها قام بزيارة الجزائر في العاشر من شهر ديسمبر 1960 ليشرح سياسته الجديدة انتهز المعمرون هذه الفرصة فعبروا عن العنصرية بأفظع صورها، فقاموا بحركة رهيبة من القتل الجماعي والتخريب في مدينة الجزائر العاصمة ووهران، وذهب ضحية هذه البربرية خلق كثير من المسلمين، ولما رأى الشعب الجزائري هذه الاعمال الوحشية قام بمظاهرات كبرى معاكسة حاملا الأعلام الجزائرية متحديا الموت مناديا بالشعارة الوطنية وبجبهة التحرير
…
ومن المعروف أن الصراع بين العناصر المتجاورة تترك أثرا عميقا أكثر مما تتركه الحرب المألوفة.
هذه المظاهرات الشعبية هي التي ردت عقلية الجنرال الى الصواب، وجعلته يشعر بأن كل إجراء يتخذ بدون اتفاق مع جبهة التحرير سيكون مآله الفشل، وعاد الى باريس، وهو يؤمن بعدم الحلول الوسطى في هذه القضية الشائكة، فبدأ يمهد السبيل لكي يخطو الخطوة النهائية ألا وهي المفاوضات على تقرير المصير مع جبهة التحرير لتحصل الجزائر على استقلالها التام. ومن بعد مفاوضة (إيفيا) اصبحت الجزائر دولة ذات سيادة حرة مستقلة، وذلك بفضل الإسلام الذي دفع الشعب الى جهاد الاستعمار حتى أحرز على النصر النهائي.