الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعتكاف الحكومة الجزائرية المؤقتة على دراسة تقرير المصير
الذي أعلنته الحكومة الفرنسية كحل للقضية الجزائرية، وعلى دراسة أحوال الثورة المحلية والدولية، استغرقت هذه الدراسة عدة أيام أصدرت على أثرها في 28 - أيلول 1959 بيانها بالرد على مشروع الجنرال ديغول وإنى أثبت هذا الرد بنصه كاملا قالت (اننا على أبواب السنة السادسة من الحرب، وفي الوقت الذى تستعد فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة القضية الجزائرية من جديد، وفي الوقت الذي تفتح فيه مقابلات دولية كبرى لاستقرار السلم في العالم (.
وفي هذا الوقت تتجه الأنظار فيه نحو الجزائر، وتظهر جميع الشعوب رغبتها الأكيدة في عودة السلم الى هذه الأرض الافريقية حيث ما تزال تجري فيها حرب تسببت بعد فيما يقرب من مليون من الضحايا
…
ان الشعب الجزائري قد اضطره الاستعمار الى حمل السلاح والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية مع تأكيدها مرة أخرى لإرادتها في الكفاح الى أن يتحقق التحرير الوطني، تعلن أنها عازمة على ألا تهمل أية فرصة لتمكين السلم من جميع نواحيه
…
لقد اعترف رئيس الجمهورية الفرنسية باسم فرنسا- على رؤوس الملأ في بيانه يوم 16 سبتمبر1959م بحق الجزائريين في تقرير المصير، وهكذا قد اعترف أخيرا للشعب الجزائري في تقرير المصير بحريته، الا أن هذا التطور لم يكن ممكنا لولا أن الشعب الجزائري ما انفك خمس سنوات يواجه بانتصار حربا من أفظع الحروب التي أراد الاستعمار أن يغزو بها بلادنا من جديد ان هذا التطور لم يكن ممكنا أيضا الا بفضل تأييد الشعوب الشقيقة والصديقة، وبفضل مساندة الرأي العام الأممي
…
ان حق الشعوب في تقرير مصيرها المنصوص عليه في اعلان جبهة التحرير المؤرخ بفاتح نوفمبر 1954 كان دائما هدفا أساسيا للثورة الجزائرية، فهو يمثل وسيلة ديمقراطية سليمة يتوصل بها الشعب الجزائري الى الاستقلال الوطني
…
ان حق الشعوب في تقرير المصير المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة أي حق الشعوب والتصرف في شؤونها بنفسها يعيد الى الشعب الجزائري ممارسة السيادة الوطنية التي اغتصبها منه - حينا من الدهر- احتلال عسكري لا يمكن أن تنتج عنه أية شرعية.
ان الذاتية القومية التي تكونها الجزائر والوحدة الاجتماعية هي عناصر موضوعية جوهرية، ولهذا فمن الوهم تطبيق المصير بكيفية لا تقر حسابا لهذه الحقائق، أو تهدف الى تمزيق هذه الذاتية وتجزئتها الى مجموعات عنصرية ودينية
…
ان الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تذكر- زيادة على هذا- بالمبدئ الذى لا يمكن النيل منه، وهو وحدة التراب الوطني، وتعبر عن عزيمة الشعب الجزائري التي لا تقهر في معارضة كل محاولة للتقسيم.
ان الحكومة الجزائرية تلفت نظر الرأي العام الدولي الى الخطر الذى ينتج عن كل مس بهذه الوحدة التي لا تتجزأ
…
ان محاولة من هذا النوع ليست فقط بعيدة عن المساهمة في حل المشكل الجزائري، بل إنها لا تزيده الا خطورة، وتمثل تهديدا للسلم والأمن في العالم ..
أما فيما يخص ثروات الصحراء فإن التنقيب عنها واستغلالها لا يمكن بأية صفة من الصفات أن يتحول ملكية شرعية ان هذه الثروات التي هي مصدر تقدم إنساني قبل كل شيء للجزائر ولأفريقيا الشمالية لا يمكن- في سبيل الصالح العام- الا أن تنتسب في ايجاد تعاون واسع مثمر
…
ومن جهة أخرى فإن تعليق الاختيار الحر للشعب الجزائري عن استشارة الشعب الفرنسي ليس سوى نفي للديمقراطية ولحق تقرير المصير
…
ان الاستقلال الذي ينتج عن استشارة الشعب الجزائري بكيفية حرة لن يكون مصدرا للفوضى والبؤس، بل ان هذا الاستقلال على العكس من ذلك، يتوقف عليه كل تقدم حقيقي، انه يضمن حرية الأفراد وأمنهم، وهو أخيرا يسهل تشييد المغرب العربي والتعاون الحر مع جميع البلدان
…
ومن البديهي بعد التحديد الكامل لهذه المبادئ أن الالتجاء الى الاستفتاء العام لا يمكن أن يكون بغير العودة الى السلم، لأن الحرب المتواصلة التي تزداد فتكا مع مرور الأيام لا يمكن أن ترجع السلم الى الجزائر
…
ان الشعب الجزائري لا يمكن أن يمارس اختياره الحر تحت ضغط جيش الاحتلال يعد أكثر من نصف مليون جندي، وما يقارب ذلك من رجال الشرطة والجندرمة والميليشيا ان ممارسة الاختيار الحر لا يمكن أن تقع تحت ضغط الطائرات والدبابات والمدافع وتحت ضغط ادارى اشتهرت تقاليده بتزييف الانتخابات ان هذا الاختيار الحر لا يمكن أن يتم بصورة كاملة ما دام أكثر من ربع السكان موقوفا في السجن والمحتشدات أو مرغما على الهجرة هذه كلها قضايا تتطلب المناقشة.
ان الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية التي اعترفت بها حتى الآن عدة دول هي الضامنة والمؤتمنة على مصالح الشعب الجزائري الى أن يعبر عن اختياره بحريته، انها تسير وتراقب مقاومة الشعب الجزائري والكفاح التحريري لجيش التحرير الوطني، اذن فلا يمكن بدون موافقتها أن يعود السلم، هذا السلم الذى يمكن أن يتحقق حالا لأجل هذا الغرض، فإن الحكومة المؤقتة للجمهورية مستعدة للدخول في محادثات مع الحكومة الفرنسية لبحث الشروط السياسية والعسكرية لإيقاف القتال، وبحث شروط وضمانات تطبيق حق تقرير المصير
…
أوضح الدكتور أمين الدباغين وزير الخارجية للجزائر رد حكومته على مشروع الجنرال ديغول في تقرير المصير فقال: (ان مشروع الجنرال كان في حقيقته موجها للرأي العام الدولي، وليس للجزائر نفسها، والجزائريون شعب مسالم، ولكن تمنت
فرنسا اضطرهم الى حمل السلاح ليدافعوا عن بلادهم، وبعد خمس سنوات من الثورة استطاع الشعب بصلابة جهاده أن يرغم المستعمرين الفرنسيين على الاعتراف بحقه في تقرير مصيره، ونحن نرحب بإجراء الاستفتاء شريطة ألا يخضع لضغط أو إكراه، أو تدخل من طرف فرنسا أو غيرها، كما أن الجزائريين متمسكون بوحدة التراب الجزائري
…
ونحن مستعدون للتفاوض ضمن هذين الشرطين، ونحن واثقون من أن الشعب الجزائري بمجموعه سيصوت من أجل الاستقلال التام ضمن وحدة التراب الجزائري، ولكن ما بين الاعتراف بحق تقرير المصير وتطبيقه مرحلة طويلة تتطلب جهادا مستمرا متواصلا حتى نرغم فرنسا على تفسير حق تقرير المصير كما نفهمه نحن ويفهمه الضمير الحر في العالم، وليس كما يفهمه العقل الاستعماري الذي عودنا دائما على قلب كل المفاهيم والقيم لنتماشى مع مطامعه الغير المشروعة.
وأدلى السيد عباس فرحات رئيس الحكومة الجزائرية بتصريح قال فيه: (ان إجراء الاستفتاء حول تقرير المصير في ظل وجود مليون جندي فرنسي ما بين قوات الجيش والأمن والجندرمة يشرف عليه خبراء في تزوير الانتخابات لا يمكن أن يكون استفتاء ولن يخرج عن كونه تكرارا للانتخابات السابقة التي أجرتها فرنسا في الجزائر
…
ويمضى وهو يقول: نكشف للقارئ تفاصيل المؤامرة التي رسمها ديغول لتنال فرنسا من وراء نجاحها ما عجزت عن تحقيقه بالسلاح وفيما يلي الخطوط الرئيسية للمؤامرة التي أعدت بمهارة، وبعد دراسة التحري تصفية الثورة وفق بنودها، يوقف القتال فورا مقابل إعلان الاعتراف بحق سكان الجزائر في تقرير مصيرهم
…
أ- باسم توطيد السلم لحين اجراء الاستفتاء حول تقرير المصير يحل جيش التحرير ويجرد من سلاحه، ويلزم الثوار بالخضوع للقوانين والنظم الفرنسية القائمة تحت شعار فرض السلم
…
ب- تظل القوات الفرنسية المسلحة على حالها في الجزائر باعتبارها القوات الشرعية المسؤولة عن الدفاع والأمن الى حين تقرير المصير
…
ج- العمل على اطالة فترة الانتقال ما بين وقف القتال واجراء الاستفتاء، ويراعى في الشروط الخاصة بالتمهيد للاستفتاء تمكين الحكم الفرنسي من تمديد هذه الفترة وفق ما يريد
…
د- أن يعمل الارهاب الفرنسي خلال فترة السلام على تصفية الثورة تماما والقضاء على القوة الثورية الوطنية باسم قيام الحكم الفرنسي بإقرار السلام.
فإن هذه التصريحات من الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ورئيسها ووزير خارجيتها لم تدع مجالا للمناورات والدسائس واللف والدوران
…
هذه التعليمات كلها على مشروع ديغول كانت في غاية الصراحة والوضوح لأن الحكومة المؤقتة تعرف جيدا مكائد الاستعمار التي سببها للشعب الجزائري في تزوير الانتخابات والديمقراطية الزائفة، واستعملت في ردها على الحل الذي صرح به رئيس الحكومة الفرنسية ملازمة الحذر واليقظة كي لا تضيع مجهودات الشعب الجزائري الحربي التي بفضلها انتزع سيادته وتقرير مصيره من العدو
…