الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطف الزعماء الخمس من الجو
كانت فكرة المغرب العربي الكبير قد خامرت الرؤساء السياسيين مند زمن بعيد، ولما ثارت هذه الأقطار الثلاث، وتحرر الشعبان الشقيقان تونس والمغرب الأقصى، وبقيت الجزائر وحدها في المعركة مع فرنسا، ومنها كانت سائرة لي طريق التحرير.
أراد رؤساء الأقطار الثلاث أن يبرزوا فكرة اتحاد المغرب العربي الكبير الى الوجود لأن الوقت قد حان، فكان قادة الاقطار الثلاث ينتقلون من قطر الى قطر لتبادل الآراء والأفكار، ومن بينهم زعماء الجزائر الذين كانوا لا يفارقون أقطار المغرب العربي الثلاث.
اتفق قادة الاقطار الثلاثة على اتحاد المغرب العربي الكبير الذى هو خطوة كبيرة في تحقيق أهداف هذه الشعوب، ولم يبق الا الاعلان عنه في اجتماع رسمي يحضره الرؤساء والشخصيات البارزة من الأقطار الثلاثة، فعينوا العاصمة التونسية مكانا لهذا الاجتماع التاريخي، وذلك في شهر تشرين الأول سنة 1956 م وكان زعماء الجزائر الخمس في المغرب الأقصى ضيافا لدى جلالة الملك محمد الخامس رحمه الله بمناسبة هذا الاجتماع، قرروا أن يسافروا معه الى تونس على متن طائرتين طائرة تنقل الملك وحاشيته والأخرى تنقل الزعماء الجزائريين، وأسرعت الشخصيات والأعيان من هذه الأقطار الى مكان الاجتماع التاريخي الخطير
…
ولما علمت السلطة الفرنسية بهذا الاجتماع أرادت أن تبطله، فأوعزت الى مواطنيها الذين يعملون في مطارات المملكة المغربية بعرقلة هذا الاجتماع وأخبرتهم بما عزم عليه القادة العسكريون من خطف الزعماء الجزائريين من الجو، ولكن يجب فصلهم عن الملك في سفره -.
طبق العمال الفرنسيون هذه الأوامر الصادرة اليهم من القيادة العسكرية في الجزائر بكل دقة ومهارة غير مكترثين بحكومة جلالة الملك، ولما حان وقت السفر أقلعت طائرة الملك صباحا، وتظاهر العمال الفرنسيون بإصلاح الطائرة التي تنقل الزعماء الجزائريين، وكان هذا الاصلاح مقصودا ليفصلوا بين جلالة الملك والزعماء، وفي المساء أقلعت هذه الطائرة فتعرضت لها السلطة العسكرية الفرنسية في الجو، وأرغمتها على التوجه الى الجزائر والنزول في مطار دار البيضاء، وسرعان ما امتثل سائق الطائرة، ونزلت في أول الليل في المطار المذكور.
وجد الزعماء الخمس الشرطة في انتظارهم فقيدوهم وساقوهم الى السجن، وبهذه العملية خرقت الحكومة الفرنسية القوانين الدولية ولم تبال بالاتفاقيات التي بينها وبين الملك، ولم تحترم شخصيته ولا كرامة شعوب المغرب العربي الكبير
…
وكانت تظن الحكومة الفرنسية بهذه العملية تقضي على الثورة في الجزائر ومنها خابت في تقديرها وتفكيرها، اعتبر الشعب الجزائري هذه الحادثة ما هي الا جزء من حوادث الثورة الكثيرة، فزادته تماسكا وثباتا وعزيمة وصلابة، فقام في الحال قادة آخرون مقام الزعماء الأولين كانوا أشد مراسا وقوة فواصلوا الحروب.
ولما سمع الرؤساء والجماهير التي كانت تنتظر في وصول الزعماء الى مكان الاجتماع بهذا الحادث المفجع، ثارت ثائرة شعوب هذه الاقطار وهاجت لهذه الاهانة والاحتقار، وعرفت المكيدة من أين جاءت، جاءت من الجالية الفرنسية التي لا زالت تقطن في هذه الأقطار، هي التي كانت سببا في هذا الحادث المؤلم.
أما الذين ضبطوا أعصابهم من هذه الشعوب فاكتفوا بالاحتجاجات المصارخة على هذه الأعمال التي هي منافية للأخلاق والمروءة وللقوانين الدولية، وإهانة لصاحب الجلالة محمد الخامس لأن الزعماء الجزائريين كانوا في ضيافته.
أما الشعب المغربي فلم يستطيع أن يضبط أعصابه، فصب جام غضبه على الجالية الفرنسية التي كانت تسكن في المغرب
الأقصى، فدهما الثائرون من المغاربة، فأتلفوا لها ما يقرب من أربعمائة مزرعة، وقتلوا وأحرقوا وهدموا وحطموا كل ما وصلت اليه أيديهم، وانقطعت العلائق بين فرنسا وبين هذه الأقطار
…
المسؤول الوحيد عن هذه الأعمال القرصنة هو الوزير الفرنسي المقيم في الجزائر.