الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضائع الاستعمار الفرنسي إبان الاحتلال
لما عجز الفرنسيون عن مقاومة الجزائريين عن طريق الحرب المشروعة لجأوا الى أعمال العنف الوحشية البربرية بإحراق القرى والدواوير، والفتك بالأبرياء والضعفاء مثل النساء والعجزة من الرجال والأطفال، تعرض الجزائريون للإبادة والتخريب العام من هذه الأعمال الاجرامية، وقاسى الأمير في هذه الحروب، وجميع سكان القطر مصائب كثيرة وأهوالا عظيمة، ولم تكن معاملة الغزاة للأسرى المستسلمين بأفضل من المحاربين، فكانوا يقتلون الأسرى ويصلبونهم قال: (شارل أندرى جوليان في كتابه تاريخ شمال افريقيا انهم - يشير بذلك الى ساسة فرنسا وجنيرالاتها في الجزائر - لم يحرقوا البلاد خفية، كما قتلوا أعداءهم جهارا بلا شفقة ولا رحمة لا يمنعهم من ذلك لا رادع ولا وازع كانوا بالعكس يفتخرون بضراوتهم ووحشيتهم فقدوا كلهم من أديم واحد من الملكيين الى الجمهوريين الى أشياع نابليون فبمجرد نزلهم بأرض الجزائر، تعتريهم حمى النهب والقتل، والتخريب، كان هذا هو الطريق المؤدي الى نشر البلاغات الحربية الطنانة، الى المجد العسكري، والى تسلق مدارج الرقي، وكانوا كلهم في الضراوة سواء من روفيقوا الى ترزيل الى غيرهم، فكلهم في هذه الفضائح سواء لا فرق بينهم. إننا اذا نظرنا الى طبيعة الاستعمار فنجدها طبيعة واحدة لم تتغير أبدا فالأساليب الوحشية التي استعملها في احتلاله من القتل الجماعي والتعذيب والتنكيل، والحرق والتخريب هي نفس الأسلوب الذى استعمله في ثورة 1954م فالشعب الجزائري كان معرضا للإبادة من بداية الاحتلال الى نهايته، كان هذا الغزو مدفوعا بعنصرية بغيضة وروح صليبية (.
ورغم هذا الاحتلال وسيطرة الاستعمار على الوطن سيطرة تامة كانت بعض القبائل تشن الهجومات العنيفة عليه في الفينة بعد الفينة بخلاف الثورات الجهوية التي لم تتركه يتمتع
بالاستقرار، ولم يفتأ الشعب يطالب بحقه في الحرية والاستقلال الى بداية الثورة الكبرى سنة 1954 م.
وبعد ما انتهت المقاومة المنظمة، وتمكن الاستعمار من احتلال الوطن، أخذ يثبت دعائمه، ويفرض حكمه الاستبدادي على المسلمين، وكان يحارب في عوائدهم وتقاليدهم، وأول شيء بدأ به هو الاطاحة بنظام الاسلام فأسقط حكمه الذي كان قائما في هذه البلاد ومنع علومه من التدريس، وأغلق المدارس والمعاهد، وحطم الجامعات، وجعل المساجد تحت اشرافه مباشرة بعد ما خرب أكثرها، ورجع بعضها كنائس وثكنات للجند، وضم اليه الدور وجميع الأشياء المحبسة على الايتام والفقراء والمساكين، وأصبح هو المالك الشرعي لها والمتصرف فيها، وقضى على كل ما كان للمسلمين من نفوذ وسيادة في بلادهم، ومنع اللغة العربية من التدريس وأصبح يعدها لغة أجنبية ويعاقب كل من يعلمها بالسجن والغرامة المالية، وكون من المسلمين جيشا قويا للدفاع عن وطنه، ولفتح المستعمرات له في العالم وفي تموز سنة 1834م قرر البرلمان الفرنسي اعتبار الجزائر أرضا فرنسية، وأهلها مواطنون فرنسيون ففتحت فرنسا أبواب الهجرة الى الجزائر من جميع أقطار أوربا وكانت تساعد كل من يأتي إليها من الجاليات الغربية بكل وسيلة ممكنة من المال وغيره. وكان كلما يأتي فوج من المهاجرين الى الجزائر الا وانتزعت الأراضي الصالحة للزراعة من بين أيدى السكان المسلمين ودفعتها الى هؤلاء المهاجرين الوافدين على هذا الوطن من كل حدب وصوب فجمعت على المسلمين بذلك ذل الاستعباد وذل الفقر والجهل حتى ضج الجزائريون من هذه الحالة لأنهم أصبحوا غرباء في بلادهم محرومين من خيراتها.
قال السيد عباس فرحات انتصار الاستعمار الذي تغلب بعدده وعدته هو حكم على الجزائري بأنه أصبح آلة يستخدمها العدو للازدهار ورفاهيته، أوصد في وجهه أبواب العمل وحتى أبواب الأمل، فجرده حتى من شخصيته في نظر القانون الاستعماري، ولم يبق الجزائري جزائريا دون أن يعود من جهة أخرى فرنسيا، فأصبح هو والعدم سيان لا جنسية له ولا وطن،
فصار غريبا وحيدا طريدا شريدا لا دار تأويه ولا قانون يحميه لا في بلاده ولا في فرنسا ولا في أي بلاد من بلاد الله
…
ولما تم للاستعمار في هذا الوطن ما أراد من الحكم والسيادة اتجهت أنظاره إلى تونس الخضراء القطر الشقيق ففتحها بسهولة، وبدون مقاومة تذكر، وعقد مع المسؤولين معاهدة حماية وذلك في سنة 1881م ولم تنته مطامعه عند هذا الحد، والمملكة الشريفة لا زالت تنعم بالاستقلال، ومنفصلة عن أختيها الشقيقتين لا بد من ضمها إليهما، فأخد يتحكك عليها حتى وقع معاهدة حماية معها، وتمت هذه المعاهدة في سنة 1912م فأصبح شمال افريقيا جميعا في قبضته وتحت سيطرته مستعمرة كبيرة يعامل أهلها معاملة واحدة لا فرق بين حماية وغيرها.