الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سقوط الحكومات الفرنسية على التوالي
عجزت الحكومة الاشتراكية الفرنسية عن القضاء على الثورة وسئمت الحرب التي طال أمدها رغم النشاط الذى اتسمت به في الميدان العسكري، ورغم سياسة الارهاب والبطش اللذين اتخذتهما إزاء المسلمين، ورغم التصريحات باستقلال الشخصي والانتخابات من بعد وضع السلاح، وهذه التصريحات كلها كانت تمويها وخداعا، وفراغا في فراغ لا فائدة منها
…
وفي حزيران سنة 1957م سقطت حكومة (قى مولى) وأخلفتها في الحكم حكومة) بوجيس مونيري) فسارت أشواطا قصيرة، ثم سقطت، ومن بعد هذه الحكومة صعدت الى منصة الحكم حكومة (فليكس قيار)، وهاتان الحكومتان كانتا امتدادا لحكومة (قى مولى)، فهذه الحكومات كلها كانت تنتسب الى الحزب الاشتراكي الفرنسي، سارت هاتان الحكومتان على نفس الخطة التي سارت عليها الحكومة الأولى، ولم تغير شيئا منها.
وفي هذه المدة شاعت أعمال الزجر التي يستعملها الجيش الفرنسي في العالم، وذلك بواسطة الاذاعات والجرائد والمناشير المصورة التي كانت توزع على الناس والافلام السينمائية التي كانت تكشف عن الجرائم التي يرتكبها الجيش الفرنسي في الجزائر، فضج العالم من هذه الأعمال الوحشية فتبرأت الأحزاب الاشتراكية العالمية من الحزب الاشتراكي الفرنسي الذى خالف مبدأه في الحرية والمساواة وكذلك العقلاء من الفرنسيين فكانوا ينصحون حكومتهم بحل هذه القضية حلا سلميا.
لكن الوزير المقيم في الجزائر عارض هذا الحل، ووقف في وجه كل من يريد المفاهمة مع جبهة التحرير الوطني بكل شدة، وطلب من الحكومة الفرنسية أن تمنحه ربع الساعة الأخيرة يعالج فيه الوضع الجزائري لعله يجد حلا مقبولا من الطرفين، لكن هذا الربع طال حتى بدأ بعض الفرنسيين ينادون بسقوط الوزير، واتهموه بأنه كان حجر عثرة في طريق المفاهمة، وسببا في تعكير
الجو، واضطراب الأحوال وكانت الحكومات في سقوط متوال والاقتصاد في انهيار وخراب واختلفت أحزاب فرنسا فيما بينها في قضية الجزائر، فبعضهم يطالب بالمفاوضة مع جبهة التحرير وباستقالة الوزير المقيم، والبعض الآخر يطالب بالحرب، وبإبقاء الوزير في منصبه فكادت حرب أهلية تندلع بينهما.
وفي هذه المدة ضاقت القيادة العليا للجيش الفرنسي من حركات جبهة التحرير التي كانت على الحدود التونسية، ومرورها على الأسلاك الشائكة، لأنها جلبت الآلات اللازمة لقطع هذه الأسلاك، ودربت فرقا على ذلك وكانت تشرف على المرور، وتنقية الطريق من الألغام لكى يمر المجاهدون بسلام
…
اعتبرت القيادة العليا للجيش الفرنسي هذه الأعمال من جانب الحكومة التونسية عملا معاديا لفرنسا فقررت أن تعاقبها ففي شهر شباط سنة 1958م أمر الضباط الفرنسيون بقنبلة ساقية سيدى يوسف داخل التراب التونسي، وأنها لا تبعد كثيرا عن الحدود الجزائرية انتقاما من الحكومة التونسية التي سمحت لجبهة التحرير بإقامتها فوق أرضها
…
فوجئت هذه القرية الهادئة بسقوط القنابل، وانفجارها على المنازل فكانت تخر على من فيها من الأبرياء الآمنين، ما ترى الا النار مشتعلة هنا وهناك، والأرواح تزهق، والناس في هلع وذعر لا يدرون ما دهاهم. كان هذا العمل ظلما وعدوانا صارخا على دولة محايدة معترفا بسيادتها واستقلالها فثارت الحكومة التونسية بالاحتجاج لدى جمعية الأمم، وآزرتها في ذلك بعض الدول، واستاء الرأي العام العالمي من جراء هذا الهجوم الغادر الذي لا مبرر له، وبدأت الإعانات والتبرعات من لدى المحسنين تصل الى المنكوبين من هذه القرية باستمرار.
اعترفت حكومة (فليكس قيار) بهذا الاعتداء، وتوسطت أمريكا وانجلترا في هذا النزاع خوفا من تدخل مجلس الأمن، في هذه القضية، فانتدبت كل منهما مندوبا عنها ليكون وسيطا في الصلح ما بين حكومة باريس وتونس ولم ترض أي حكومة
منهما بالشروط التي تقدمها الدولة الأخرى، ولم ترضيا بالاقتراحات التي تقدم بها الوسيطان.
وفي هذه الآونة بدأت الحكومة التونسية تطالب بجلاء القوات الفرنسية المرابطة بترابها، وهكذا بقيت الحكومتان في أخذ ورد حتى سقطت حكومة (فليكس قيار) ومن ثم أصبحت الحكومات الشعبية الفرنسية لا تستطيع أن تثبت أمام الثورة.
بدأ رئيس الجمهورية الفرنسية (م كوتى) يستثير الأحزاب فيمن يوليه دفة الحكم، وقد امتنع النواب عن الترشيح لرئاسة الحكومة وأصبحوا يفرون من المسؤولية خوفا من الثورة الجزائرية العارمة.