الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نداء الجنرال ديغول لتولي رئاسة الحكم
وفي 13 ماي 1958م - أقام المعمرون بالاستلاء على الولاية العامة في الجزائر.
وسرعان ما انضم إليهم معظم قادة الجيش الفرنسي وعلى رأسهم "راؤول سلان" قائد الاركان الحربية و "جاك ماسو" قائد فرقة المظلات وأعلنوا الى العالم استلامهم للحكم في الجزائر، وألفوا لجان أمن في أنحاء الوطن لتدير الحكم في البلاد وشكلوا مجلسا عسكريا يتألف من إحدى عشر عضو برئاسة زعيم الانقلاب "الجنرال ماسو" وأول عمل قام به هذا المجلس هو إرسال نداء الى الجنرال ديغول لتولى مقاليد الحكم، وبرقيات التهديد الى كل من رئيس الجمهورية والوزراء ورئيس الجمعية الوطنية في باريس الذين يريدون فصل الجزائر عن فرنسا، الويل لهم إن لم يستجيبوا لهذا النداء وعهدوا بالحكم في الجزائر مؤقتا الى الجنرال (راؤول سلان) هذا ما وقع في الجزائر.
أما في فرنسا فقد تفاقم الأمر واضطربت الأحوال وانقسم الفرنسيون على أنفسهم، فالعناصر الرجعية الاستعمارية هللت وكبرت لهذا الانقلاب، وانضم الجيش كله سواء كان في فرنسا أو في البلدان الأخرى الى هذه الثورة.
بدأت لجان الانقاذ تنتشر في الجزائر وفي فرنسا، وأعلن الرأسماليون انضمامهم الى هذا الانقلاب، وأخذت أحزاب اليمين تمهد الطريق الى الدخول في الحكم، وتطالب برجوع الجنرال ديغول الى الرئاسة
…
وسرعان ما احتل رجال الانقلاب جزيرة (كورسكا) من طرف جنود المظلات، وفي 16 - أيار 1958 م، أعلن الجنرال سالان بصفته القائد العام للقوات الفرنسية في الجزائر تأييده لعودة الجنرال ديغول الى الحكم، واستعد الجيش الفرنسي لاحتلال العاصمة الفرنسية نفسها، وكانت العناصر المتطرفة تمهد
الطريق لذلك، وفي 19 - من ايار، نشرت صحيفة الفقار وكتابا للمارشال ألفونس جوان الاستعماري الحقود قال فيه (إنه لم يعد يؤمن بالزعماء السياسيين لأنهم يسعون بأن يجعلوا البلاد تقبل منح الاستقلال للجزائريين) وقال نائب فرنسي لقائد قوات الحلف الأطلس (لم تعد أقل ثقة في كلام زعمائنا أنهم لم يكفوا منذ أربع سنوات عن دفعنا في مزالق الاستسلام
…
وقال المارشال جوان: ان هناك أمرا فقط يستأثر باهتمامنا من الآن فصاعدا هو زيادة العسكرية واستبعاد كل مفاوضة مع قاطعي الرقاب، لقد طالبت بذلك منذ زمن بعيد دون أن أجد أدانا صاغية) وضاعف الانقلابيون الفاشيست من جهودهم المؤيدة بالقوة المسلحة فرض الجنرال ديغول على الحكم لتبقى الجزائر فرنسيه الى الأبد
…
وكان الانقلابيون يرمون من وراء ذلك اقامة حكم دكتاتوري مطلق في فرنسا، واتخذوا اسم الجنرال ديغول مطية للوصول إلى أهدافهم لما له من الشهرة الواسعة، وبعد الصيت في الأوساط الفرنسية وفى غيرها من البلدان المستعمرة
…
هذه هي نظرية الجيش الفرنسي، ومن التف حول من غلاة المعمرين والمتطرفين من الأحزاب اليمينية في هذا القائد المشهور
…
عقد الجنرال ديغول ندوة صحفية مساء يوم 33 ايار 1958م أظهر فيها استعداده لتولي رئاسة الجمهورية الفر نسية كما فعل قبل ذلك في أزمة وطنية خطيرة للغاية الا أنه حرص على أن تكون توليته للحكم عن طريق الدستور. ولم ينس أن يخاطب رجالة المتمردين في الجزائر، ومؤيديهم من الفاشيست في فرنسا وأصحاب المصالح الاستغلالية من رجال الحكم قائلا: ان مستقبل فرنسا وماضيها مرتبطان بمستقبل الجزائر وماضيها فتنفس المتطرفون عند ما سمعوا هذا التصريح الصعداء وظنوا أنهم بفضل هذه الثورة العارمة والانقلاب الموفق ضمنوا فرنسة الجزائر.
وفي 20 - ايار 1958م صرح مجرم الحرب (لاكوست)، في باريس مهددا حكومة "فلملان" قائلا لا يستطيع أي شيء أن يوقف زحف الثورة الجزائرية الفاشية
…
أما القوة الشعبية الديمقراطية كانت تعارض عودة الجنرال ديغول الى الحكم، ومنذ الانقلاب أصبحت حكومة (فلملان) تواجه أخطر أزمة تمر بفرنسا، وفي ساعة مبكرة من صباح يوم 16 - أيار 1958 م. صرح رئيس الحكومة عقب الانتهاء من اجتماع مجلس الوزراء بأنه سيطلب من الجمعية الوطنية اقرار مشروع قانون يقضى بإعلان حالة الطوارئ في البلاد وقال: استعرضت الحكومة في اجتماعها آخر تطورات الموقف وهى تعتمد على الجيش الذى يؤمن بتقاليده التي تحتم عليه أن يكون وصيا على الوحدة
…
أسفر اجتماع المجلس الوطني عن قرار يمنح حكومة) فلملان) حالة الطوارئ لمجابهة قضية إعادة الأمور الى مجاريها الطبيعية بين الحكومة والجيش، وعلى الفور أمرت الحكومة بإلغاء اجازات جميع الجنود والضباط وعودة المجازين منهم الى وحداتهم فورا، وعلى إثر صدور هذا القرار أصبحت القوات الفرنسية المسلحة في التراب الفرنسي تحت السلاح وفي حالة استثنائية وفي 17 - ايار 1958م أصدرت منظمة العمال سلسلة من البيانات تعلن اعتزامها عن الاضراب والقيام بمظاهرات ضد دعوة الجنرال ديغول الى الحكم، وأخذت القوى الديمقراطية تعبئ قواها للدفاع عن النظام الجمهوري الديمقراطي، فتشكلت في عدد مدن لجان معادية للفاشيست ضمت في صفوفها ممثلين عن أكثر الأحزاب، ومنظمات الشباب والنقابات، وأخذت على عاتقها تنظيم الجماهير وتعبيتها للدفاع عن الجمهورية ضد الانقلاب الفاشي الزاحف بالتهديد الى الحكم، وعقدت مؤتمرات شعبية للطلاب والعمال ضد الحرب في الجزائر شملت باريس ومختلف مدن فرنسا، وفي يوم واحد عقد في باريس وحدها احدى عشر مؤتمرا شعبيا كلها تحتج على محاولة الجنرال ديغول الى الحكم، وتطالب بإنهاء الحرب في الجزائر، أصبحت فرنسا من جراء هذا الانقلاب مهددة بحروب أهلية.
وفي 15 - أيار 58 أعلن الثوار الجزائريون عن موقفهم إزاء حركة التمرد العسكري هذه على لسان مدير جبهة التحرير الدكتور الأمين الدباغين في حديث أولى به الى وكالة أنباء الشرق الأوسط بالقاهرة قال فيه: ان حركة التمرد التي يقودها الجنرال ماسو في الجزائر هي نتيجة ضعف الحكومات الفرنسية ولما رأى رئيس الجمهورية (كوتى) أن الخلاف قد نشب بين الأحزاب، والحروب الاهلية باتت قاب قوسين أو أدنى، فخاف من هذه الحالة التي تنذر بشر مستطير انحاز الى مدبري الانقلاب واتفق معهم على استدعاء الجنرال الى الحكم، واستعمل نفوذه لدى أعضاء الجمعية الوطنية لإقناعهم بمنح الثقة الى الجنرال فما وسع حكومة فلملان الا الرضوخ للأمر الواقع، وقبلت التنازل عن الحكم وسلمت مقاليده الى الرئيس المعين الذي لبى نداء الجيش ووعد الجميع برجوع السلم الى الجزائر في أقرب وقت ممكن
…