الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
الأمة الاسلامية هي أمة القرآن، إليه يرد أصلها، وبه يعرف نسبها ومنه نسحب وتنسج ما تلبس من حلل العزة والكرامة والسيادة، ولن يمسك وجودها الا رعايتها للقرآن الكريم، واجتماعها عليه ويوم تفتر عزيمتها عن المضي فيه أو تسترخي يدها عن الشد عليه والتعلق به يوم يكون- ولا كان- ردتها الى الجاهلية، وركسها في الضلال، ورعيها في الهمل مع السائمة والهائمة من حواش الأمم ونفايات الشعوب.
وتاريخ المسلمين مع القرآن الكريم يشهد لذلك شهادة قائمة على هذا الحساب، مقدرة بهذا التقدير، جارية معه طردا وعكسا فإنه على قدر ما كان يقترب المسلمون من كتابهم الكريم، وبقدر ما كانوا يرعون حقه ويؤدون أماناته، كان نصيبهم من الخير، وكان حظهم صن السلامة في أنفسهم وأموالهم وأوطانهم. فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله.
والعكس صحيح، فإنه على قدر ما كان يبتعد المسلمون عن كتابهم وبقدر ما يفرطون في حقه ويستخفون بشأنه بقدر ما كان بعدهم عن الخير وكان دنوهم من الخطر، وتعرضهم لآفات التفكك والانحلال فعن شأن القرآن أن يقيم المتصلون به على طريق الحق.
ان الذي يستقيم على دعوة القرآن لهو إنسان سليم في كيانه ومعافى في نفسه، ثم هو قادر على أن يحمل الهدى الى غيره، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويكون خليفة الله في الأرض وخليفة الرسول في الدعوة وهداية الناس إليه.
ولكن صحبة المسلمين للقرآن لم تكن قائمة على العدل والاحسان في جميع الأحوال فكثيرا ما أساء المسلمون تلك الصحبة وأوسعوها جفاء وعقوقا حيث يعيش فيهم القرآن غريبا لا
يقفون عنده ولا يلتفتون إليه ولا يتدبرون آياته، ولا يتلقون بعض ما فيه من الخير والهدى.
والجفوة التي بين المسلمين وبين القرآن الكريم جفوة غليظة مستحكمة، قد تداعت عليها دواع كثيرة أحكمت بنيانها وثبتت دعائمها، فلم يعد بين المسلمين وبين القرآن طريق يصلهم به إلا تلك الطريق الدراسة الطامسة التي تتصاعد منها أتربة وأدخنة تعمي الناظر عن كتاب الله ووجود الخير والحق الذي فيه.
وان حظ المسلمين من القرآن اليوم هو حظهم من مخلفات الآباء والأجداد مما تضمه المتاحف ودور الأثار، يزورونها إلماما، ويطرقونها حينا بعد حين. قد تثير فيهم تلك الزورة نشوة
…
وتبعث فيهم عزة عادية، يقولون إننا نلم القرآن إلماما، ونلقاه حينا بعد حين ونتذكر به في تلك اللقاءات من مواعظ وعظات ثم لا يلبثون حتى تذهب عنهم ما علق بأذهانهم من العظات قبل أن يضعوا المصاحف من أيديهم، والمسلمون في الصدر الأول للإسلام أغناهم القرآن عن كل شيء لا يمدون أبصارهم الى غيره ولا يأخذون لدينهم ودنياهم الا بما يوحى به اليهم علمه وترمى به اليهم آياته وطبيعي أن هذا الذي نقوله عن كتاب الله تقوله كذلك فيها ثبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية، إذا كانت السنة المطهرة تطبيقا شارحا لكتاب الله وفي هذا يقول الله تعالى:{وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} - سورة الحشر-.
ولا يستقيم القول بأن القرآن مصدر تشريع إسلامي الا بفهم صحيح ولا يكون هذا الفهم الصحيح السليم الا عن طول تأمل وتدبر لكتاب الله وتذوق لأساليب بيانه والوقوف على بعض أسراره.
وبهذا الفهم لكتاب الله يتحقق لنا أمران:
أولاهما: اتصالنا به اتصالا وثيقا قائما على معرفته، وتذوقنا لجنى طعومه الطيبة هذا مما يجعل تلاوتنا للقرآن تلاوة تؤثر في نفوسنا وتقع على قلوبنا بردا وسلاما ونتجاوب مع آدابه،
وتستجيب لندائه فيما يدعو إليه من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
ثانيهما: تصور مسائل الدين تصورا واضحا محددا بلا قول ولا معلقات وبهذا يعرف المسلم الحكم قاطعا فيما أحل الله وفيما حرم، فيكون على بينة من أمره فيما يأخذ أو يدع من أمر دينه.