الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقلص ظل الاستعمار الثقيل من بلدان المسلمين
استمرت ثورة العالم الإسلامي المباركة في زحفها الشديد أمدا طويلا، وسرى لهيبها في الشرق والغرب، وشاركت فيها جميع طبقات الشعب، فبرهنت للاستعمار على انه ليس عضوا من جسم، وليس هو كما يزعم مركز الدائرة بل هو كغيره نقطة من محيطها، ويفضل اتحاد المسلمين والتفافهم حول الدين الحنيف أكسبهم النصر المبين.
هذا الاستقلال الذي أحرز عليه المسلمون في هذه النهضة المباركة ما هو إلا ثمرة من ثمرة جهادهم المتواصل، ونتيجة أعمالهم المخلصة، وهذا هو الفرق الهائل بين الماضي القريب واليوم، وبين الاتحاد والفرقة، والنظام والفوضى.
هذه الثورة ثورة القرن الرابع عشر الهجري جعلت حدا لسيطرة الاستعمار على المسلمين وأبرزتهم للوجود على شجيتهم الأصيلة كما كان أجدادهم الميامين في الماضي، فبرزت العقيدة الاسلامية قوية مؤثرة لا كما كان يظن الاستعمار وبطانته من ملاحدة المسلمين أنها تلاشت وذهبت ولم يعد لها مفعول ولا تأثير.
ضرب الشباب المسلم وفي مقدمته الشباب الجزائري أروع الأمثلة النادرة في البطولة والثبات، وفي التضحية والفداء مما أدهش الخصوم والأصدقاء على السواء.
لولا الدين لما حالف هذه الشعوب النجاح، لأنها كانت تحارب بدون حكومة ولا قيادة قارة، ولا نظام ثابت، ومع هذا ظلت واقفة في وجه الغزاة المتكالبين عليها من كل ناحية، لا ريب أن الاسلام هو القوة الربانية الباقية في هذا الكوكب، وهو خلاصة الأديان السماوية، والمؤمنون به هم الذين يكتب لهم الخلود والنصر، لأنهم حاملو رسالة السماء والمبلغون عن الله، هم الأمناء على هذا الوجود، لأن تعاليم الأنبياء لم تخرج من
أيديهم، ولهذا جعلهم الله شهداء على الناس قال تعالى:(وكذلك جعلنكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم، شهيدا)(1)، والله لن يتخلى عنهم أبدا لأنهم أكرم عباده في هذه الارض. ولن يتركهم وحدهم لهذا الضريم المتأجج والبغي السافر والالحاد الكافر.
ظهرت روابط الدين بين المسلمين في هذه النهضة المباركة قوية ومتينة، كما كانت أيام عزها وجدها، لم تتأثر بملابسة الحوادث والزمن، وأواصر الأخوة التي شادها الإسلام وقررها القرآن، ودعمها نبي الاسلام، كانت محكمة الحلقات لم تستطيع يد الشيطان أن تفرقها لأن يد الله جمعتها (وما جمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان) والاستعمار عجز عن حلها وفصمها.
انتصرت الشعوب الاسلامية - في هذه النهضة - على أعدائها بعد ما ثارت ثورات كثيرة ولم يحالفها النصر فيها، ولولا هذه الثورة الأخيرة لانسلخت عن الاسلام ولكنها برهنت على أنها لا زالت متمسكة به، ومسيطرة على نفسها، ومهيمنة على إحساسها وشعورها، ولهذا لم ينجح الاستعمار في هذا الاحتلال ولم يستطيع أن يكسب عطف المسلمين ولا نال رضاهم، بل ظلوا رغم احتلال بلدانهم ورغم الحكم الجائر والقوانين الاستثنائية، والمكائد المبيتة متشبثين بالإسلام، وحسب المسلمين من هذه النهضة أنهم قضوا على ما غرسه الاستعمار فيهم من الخوف والجمود، ونزعوا ما بذره فيهم من بذور الاختلاف والشقاق، والتخاذل فحطموا القيود والأغلال التي قيدهم بها طيلة القرون الماضية ورموا عن كواهلهم مخلفات القرون المظلمة التي كانت تتحكم فيهم، وتثبط في عزائمهم، ونفضوا عن كواهلهم غبار الذل الذي غشيهم في هذه العصور المتأخرة حتى ظن الغربيون أن هذه الشعوب لم تعد تتأثر بالإسلام كما كان أسلافهم في الماضي.
أصبحت هذه الشعوب تدير شؤنها بنفسها وتوجه سياستها كما تريد، وهي سائرة بخطوات ثابتة في سبيل عزها ومجدها، وبناء مستقبلها، واحتلت مكانتها المرموقة من بين دول العالم،
(1) سورة الحج
فأصبحت مركز الثقل في المجتمع الدولي، عزيزة الجانب يخطب ودها الدول الكبرى، وتنظر إليها بعين الاعتبار والاجلال.
أصبحت متحررة من كل قيد الا قيد التقليد الأعمى للغرب الذى أصبح فاشيا، وطاغيا على الشبيبة والقادة، وهو ما غرسه الاستعمار فيهم من ثقافة بتراء، وأخلاق فاسدة ولهذا لم يكونوا على جانب كبير من الوعي الاسلامي.
وصل المسلمون إلى هذه المكانة يوم بدأوا يرجعون الى الاسلام ويعملون متحدين ومتساندين، فبهذا السلوك المحمود تحققت النهضة الأخيرة التي شقت طريقها إلى الأمام، ولا تزال إن شاء الله سائرة - الى ان تتحقق الدولة الكبرى ألا وهي الخلافة الشرعية التي هي حلم كل مسلم فعندئذ تؤدي هذه الأمة - رسالتها التي اختصت بها الى جميع الناس. فتعيد الحرية والمساواة والعدل والحق من جديد بين الأمم التي تتخبط في الفساد الذى عم العالم أجمع.