الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصاعد الثورة في الداخل والخارج
قال (فرانتى فانون) في منشورات للحكومة الجزائرية المؤقتة (ان الانسان الجزائري هو انسان جديد ظهر في وهران وفي جبال أوراس، وهو لن يحرر الجزائر فحسب، ولكن يحرر شمال افريقيا وسيحرر العرب كلهم، وسوف يكون النموذج والمثل الأعلى للمحارب العربي في سبيل عقيدة وفي سبيل حياة أفضل انتهى.
الثورة الجزائرية ثورة تحريرية شعبية تقف بجانب الثورة الفرنسية والروسية والصينية الشعبية والفيتنامية، وأنها أكمل نموذج للثورة العربية الكاملة وأمجد صفحة في تاريخ الثورات الاسلامية
…
ليست ثورة الجزائر ضد الاستعمار فحسب، وإنما هي حرب تحريرية شاملة تهدف الى تحطيم حلقة رئيسية من حلقات الاستعمار العالمي.
ولقد حققت الثورة الجزائرية آمال الشعوب المستعمرة، سواء في آسيا أو في افريقيا، أو في أمريكا اللاتينية في الحرية والاستقلال، ومند إعلانها وحركة التحرير سائرة في العالم، ولم تتوقف ولو لحظة واحدة، حتى كاد يتحرر العالم الثالث تقريبا، الشيء الذي عجزت عنه ثورات الشعوب الأخرى من قبل ثورة الجزائر.
وتحرير الجزائر قضية تهم الجزائريين وحدهم، ولكنها في نفس الوقت تهم العرب جميعا لا بدافع الأخوة الاسلامية فحسب، ولكن بدوافع المصالح المشتركة
…
استعمار الجزائر كان الثغرة الأولى التي دخل منها الاحتلال الغربي الى العالم العربي كله، ولهذا أصبح كل عربي مسلم - من بعد الاستقلال يعد ثورة الجزائر ثورته.
الثورة الجزائرية الكبرى تهم كل الأحرار في العالم لا بدافع العطف على الحرية، ولكن بدافع الاشتراك في مصير الشعوب المستعبدة، لأن الجزائر هي البوابة الكبرى التي دخل منها
الاستعمار الغربي الى القارة الافريقية حتى سقطت في قبضته كلها.
استقلال الجزائر معناه استقلال القارة السوداء، ولهذا لما هبت شعوب هذه القارة لتحرير بلدانها وجدت الاستعمار محطما منهوك القوى بسبب ثورة الجزائر العارمة، فنالت هذه القارة استقلالها بدون إراقة الدماء وبدون صعوبة تذكر.
ثورة الجزائر الكبرى قضت على طغيان الجيش الفرنسي، وعلى نظام جنرالاته، وعلى جميع السفاكين والمتعطشين للدماء، والمتجبرين والمتحكمين في رقاب العباد فلقنتهم درسا قاسيا، فجعلتهم ينسحبون من القارة السوداء بدون حرب
…
وكان ضباط فرنسا أمثال ماسو، وسالان، وشال ومن لف لفهم يخوضون منذ عشرين سنة غمار حرب ضروس في العالم عساهم أن يحرزوا على نصر ما ولذا كانوا يحاربون الشعب الجزائري الأعزل بأقوى قوة، وأكبر عتاد حرب وأضخم جيش مما كان عليه أيام حربهم مع ألمانيا، وفي حربهم مع الجزائر كانوا يستعملون هذه العبارة (كفانا إهانة
…
كفانا استسلاما (ولكن أنى لهم الانتصار، والشعب الجزائري قد استيقظ من سباته، وبدأ ثورته باسم الله، ووقف بكل عزم وصلابة في وجه جبروت الاستعمار موقف رجل واحد
…
لم يكن أحد يعلم أو يظن على الأقل أن الثورة ستصل الى ما وصلت اليه من القوة حتى انتصرت على أعظم جيش استعماري في العالم، وأرغمته على تغيير نظامه الذى كان يستعبد به الشعوب، ولا أحد كان يظن أن الاستماتة التي أبداها كل من الطرفين المتحاربين في سبيل إحراز النصر لا السياسيون المحنكون حتى قادة الثورة انفسهم كانوا يجهلون عما تسفر عنه الثورة من الأحداث الجسام رغم تخطيطهم لها، وتقديرهم للخسائر التي تنتج عنها، والأهداف التي تصل إليها
…
وكذلك الحكومة الفرنسية لم تكن في يوم من الأيام تتكهن بهذه الصعوبات التي لاقتها في هذه الثورة الا أنها تدرك ما ينطوي عليه الشعب الجزائري من طاقات حية على حسب مواقفها
معه في الماضي، ولكنها لم تتوقع أن الشعب يتحد ويقف كرجل واحد في وجهها، ويبرز بهذا التكتل والنظام الدقيق الذي أصبح مضرب الأمثال، وإنما كانت تظن أن هذه الثورة كالثورات الماضية، فسرعان ما تفشل بسبب الاختلاف ومحاربة بعضهم بعضا، ونسيت أن الشعب أصبح لا يتحمل حلم الاستعمار، والحرمان الذي فرضه عليه منذ الاحتلال، ولهذا وغيره اندفع في هذه الثورة كالتيار الجارف باسم عقيدته الاسلامية ودينه الحنيف، والشعب إذا حارب باسم الاسلام لا تستطيع أي قوة مهما كانت أن ترغمه على التقهقر وهذا ما وقع
…
كانت فرنسا تظن أن هذه الثورة كالثورات الجهوية التي قامت في عهد الاحتلال كثورة عين التوتة، وثورة مليانة، وثورة أولاد سيدي الشيخ، وثورة بلاد القبائل، هذه الثورات كلها مهما بلغت من العنف لم تكن تكتسي صبغة نظامية
…
أما ثورة أول نوفمبر فقد اكتسبت من أول وهلة صبغة دينية وطنية ولهذا أن هذه الثورة لا تشبه الثورات التي خاضها الجزائريون مع الاستعمار من قبل.
كان المسؤولون من فرنسا يعلمون شدة مواقف الجزائريين الصلبة، ومقاومتهم العنيفة الطويلة النفس لهذا عمدوا الى تسوية مشكل الهند الصينية ومنحوا الاستقلال للمغرب وتونس ليتفرغوا للحرب في الجزائر التي بدأت في الانفجار، فإذا قضوا على الثورة في الجزائر، فإنهم لا يبالون بالاستقلال الذي منحوه الى تونس والمغرب ما داموا يملكون الجزائر، لا يؤثر هذا الاستقلال على مصالح فرنسا، بهذا تفرغت فرنسا من جميع المشاكل الخارجية، وجمعت كلما كانت تملك من قوة ورمت بها الثورة في الجزائر.
خاض الشعب الجزائري حرب التحرير بكل قوة وعنف ضد الغاصبين، فأصهرته هذه الحرب بحوادثها المؤلمة حتى التحم بعضه ببعض، وأبرزه هذا الانصهار الى الوجود على سجيته الأصيلة، وشخصيته الاسلامية الفذة اللامعة
…
فأصبحت السهول والجبال والأودية والمدن والقرى من أرض الجزائر كلها ميدانا للكفاح، وبطاحا للمعارك الدامية.
والاشتباكات الكثيرة، وكان المجاهدون الأحرار يخرجون من هذه الحروب الطاحنة ظافرين منتصرين في كل معركة لأنهم يباغتون العدو ليلا ونهارا حسب ما تسمح به الفرص فينزلون به ضربات قاسية في لمح البصر، ومن بعد ينسحبون بسرعة من ميدان المعركة، لأنهم لا يستطيعون أن يواجهوه وجها لوجه لأنه متفوق عليهم في العتاد والقوة، ومن بعد يختفون لم يقف لهم على أثر، كأن الأرض ابتلعتهم وهذا هو شأنهم في جميع المعارك قلما كانوا يقابلونه.
فهذه الانتصارات الرائعة هي التي كان سببا في تحمل الشعب من ويلات الحرب وتمرسه بالآفات، فأصبح لا يبالي كالعذاب الذي سلط عليه من بداية الثورة فكان بعضه في أعماق السجون، والبعض على أعواد المشانق، وتحت شفرات المقاصل، وقذائف المدافع، وقنابل الطائرات كانت تدك القرى والمنازل دكا، وتحرق كل شيء فيها، ورصاص الجند كان يحصد النفوس حصدا لم ينج أحد من هذا البركان المتفجر الا من اتخذ الجبل حصنا وملجأ يكافح ليله نهاره بدون انقطاع، أو فر الى الخارج من هذا الأتون الملتهب، والباقي من الشيوخ والعجزة والاطفال والنساء جمعوا بين الأسلاك الشائكة للعري والجوع والمرض
…
والعامل الوحيد لهذا الصبر على هذا الحال، والصمود في وجه العدو، وتحد طغيانه وجبروته، وظلمه بجميع أنواعه هو الإسلام الذي بعث روح القوة والمقاومة التي لا تليق في نفوس المجاهدين، وكان شعارهم (الله أكبر)
…
وصلت قوة الجيش الفرنسي في هذه المدة الى خمسمائة ألف جندي مدججين بسلاح الحلف الأطلسي، ويؤيدهم ما يقرب من مليون أوربي جزائري سالت دماء الجزائريين على أرضهم أنهارا، ويا ليت الجيش الفرنسي وقف عند هذا الحد، بل كان يستعمل السلاح الذي حرمه القانون الدولي ضد الجزائريين هذا السلاح الفتاك المبيد لكل شيء (هو النابالم) الذي لم يستعمل في الحرب العالمية الثانية فاستعملته فرنسا ضد الثوار
…
كان الجيش الفرنسي يقتل
الأسرى من جيش التحرير، بل يمثل بهم
…
استنادا الى وزارة الأخيار للحكومة الجزائرية المؤقتة، والى ما نشرته صحيفة المجاهد تقول: ان جميع المعارك المسلحة العظمى التي قامت بها شعوب آسيا وافريقيا للتحرر، كان الاستعمار فيها يدافع عن وجوده بوحشيه وشراسة، وأصبح استعمال (النابالم) هو السلاح المفضل عنده فقد استعمله في كوريا، وفي الفتنام، وفي الجزائر.
لماذا يستعمله؟ لأنه سلاح تدمير شامل، ويحدد مساحة مفعوله، ويحرق كل ما كان على وجه الأرض، وهذا السلاح كان (يحلم به الجنرال بيجو، وسانت أرنو) وكل غزاة الاستعمار.
انشئت الحضارة الغربية على التميز العنصري، والعروق الجنسية، فروحها ومفاهيمها ومقاييسها تتصرف إزاء الشعوب التي هي من غير جنسها على أنها لا تقيم لها وزنا، ولا تفهم إلا القوة، إذن يجب ترويعها، ويعلن المعمرون صراحة في الجزائر، (ان الثوار يشيعون الارهاب، وأن الخوف يجب أن ينتقل اليهم) هذا ما قاله الأسقف الفرنسي (ساليج) سنة 1900 م، (ان الخوف والاحتقار والقوة هي مما يلزم للشعوب المتخلفة حتى تبقى مستكينة) وهذه النظرية عند المستعمرين لا تزال تتكرر بدون انقطاع، بل ان الكلمات التي يطلقها علينا المستعمرون تدل على تصورهم لنا، إنهم يطلقون علينا الأسماء التالية:
المستعمرات شعوب متخلفة. إفريقيا المحاطة بالأسوار، آسيا المنحطة، النمل البشري، الجماهير المخيفة الديدان الوسخة الى غير ذلك من الأسماء والنعوت التي تدل على تصور الرجل المتمدن لنا.
وعندهم ازاء هذا النمل، وهذه الديدان، وهذه العصابات الفوضوية لا يوجد أي جرم في إبادتها، بل ان إبادتها عملية صحيحة في مستوى عالمي إنها داخلة عندهم لي نطاق ابادة الحشرات.
وعملياتهم الحربية ضدنا يطلقون عليها أسماء تستوحى من هذه النفسية ذاتها فالجنرال شال أطلق على عملياته التفتيشية
بعملية المشط الدقيق، والجنرال فور سماها عملية التطهير الأكبر، وهذا التطهير عبارة عن عملية الحرق التي لا تبقى ولا تذر.
الجيش الفرنسي ظل يستعمل (النابالم) عدة سنوات في الجزائر، وهم الذين كانوا يستنكرون أعمال القائد الأمريكي (مارك ارثر) في كوريا لسنة 1951م وينسون اليوم هذه العملية الوحشية، وأمريكا هي التي تزود فرنسا بهذا السلاح المبيد، فالجزائر توجه التهمة الى هؤلاء المجرمين وهى تحمل في يدها الشهادة القاطعة.