الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: ((إنك حميد)) أي: محمود الأفعال والصفات، مستحق لجميع المحامد، ((مجيد)) أي: عظيم كريم.
24 - الدُّعَاءُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الأَخِيْرِ قَبْلَ السَّلامِ
55 -
(1)((اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، ومِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحيَا والمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسيحِ الدَّجَّالِ)) (1).
- صحابي الحديث هو أبو هريرة رضي الله عنه.
قوله: ((المحيا)) بمعنى الحياة، و ((الممات)) بمعنى الموت، وفتنة الحياة التي تعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا، والشهوات، والجهالات، وأشدها وأعظمها - والعياذ بالله - أمر الخاتمة عند الموت، واختلفوا في فتنة الممات، قيل: فتنة القبر، وقيل: يحتمل أن يراد به الفتنة عند الاحتضار؛ أضاف الفتنة إلى الموت لقربها منه.
وإذا كان المراد من قوله: ((وفتنة الممات)) فتنة القبر فيفهم منه التكرار؛ لأن قوله: من عذاب القبر يدل على هذا.
(1) البخاري (2/ 102)، لعله يقصد حديث برقم (832) وهو عن عائشة رضي الله عنها، وسيأتي بعد هذا الحديث، وأما هذا الحديث فقد تفرد به مسلم، [قال المصحح: لقد وهم الشارح، والصواب أن الحديث أخرجه البخاري، برقم 1377]، ومسلم (1/ 412)[برقم (588)] واللفظ لمسلم. (المصحح).
والظاهر أن ليس فيه تكرار؛ لأن العذاب يزيد على الفتنة، والفتنة سبب له.
قوله: ((المسيح الدجال)) أما تسميته بالمسيح؛ فلأن الخير مُسِحَ
منه، فهو مسيح الضلالة، وقيل: سمي به؛ لأن عينه الواحدة ممسوحة، ويقال: رجل ممسوح الوجه ومسيح، وهو أن لا يبقى على أحد شِقَّي وَجْهِهِ عينٌ، ولا حاجب إلا استوى، وقيل: لأنه يمسح الأرض؛ أي: يقطعها.
وقيل: إنه الذي مُسح خَلْقهُ؛ أي: شُوهَ، فكأنه هرب من الالتباس بالمسيح ابن مريم عليهما السلام ولا التباس؛ لأن عيسى عليه السلام إنما سمي مسيحاً؛ لأنه كان لا يمسح بيده المباركة ذا عاهة إلا برأ، وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحاً بدهن، وقيل: المسيح الصديق.
وأما تسميته بالدجال؛ فلأنه خدَّاع، ملبِّس.
والدجل: الخلط، ويقال: الطلي والتغطية، ودجلة نهر بغداد، سميت بذلك؛ لأنها تغطي الأرض بمائها، وهذا المعنى - أيضاً - في الدجال؛ لأنه يغطي الأرض بكثرة أتباعه، وقيل: لأنه مطموس العين من قولهم: دجل الأثر، إذا عفى ودرس، وقيل: من دجل؛ أي: كذب؛ والدجال: الكذاب.
وفائدة التعوذ من شر الدجال في ذلك الوقت، مع علمه بأن الدجال
متأخر عن ذلك الزمان بكثير؛ أن ينتشر الخبر، ويشيع بين الأمة من
جيل إلى جيل، وجماعة إلى جماعة بأنه كذاب، مبطل، مفتري، ساعٍ على وجه الأرض بالفساد، ومموه ساحر، حتى لا يلتبس على المؤمنين أمره عند خروجه، ويتحقق أمره، ويعرفوا أنه على الباطل، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
56 -
(2)((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسيحِ الدَّجَّالِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ المَأثَمِ والمَغْرَمِ)) (1).
- صحابية الحديث هي عائشة رضي الله عنها.
وجاء فيه؛ أنه قال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم يا رسول الله، فقال:((إن الرجل إذا غرم، حدث فكذب، ووعد فأخلف)).
قوله: ((المأثم)) معناه: الإثم.
وقوله: ((المغرم)) هو الغُرم، وهو الدَّين، وقيل: الغرم والمغرم ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر لغير جناية منه.
قوله: ((قال له قائل
…
)) وإنما سأل هذا عن وجه الحكمة في كثرة
(1) البخاري (2/ 102)[برقم (832)]، ومسلم واللفظ له، (1/ 412)[برقم (589)]. (ق).
استعاذته صلى الله عليه وسلم من المغرم؛ فأجاب رسول الله بأن الرجل إذا غرم، أي: إذا لحقه دين حدَّث فكذب، بأن يتعلل لصاحب الدَّين بعلل شتَّى، وهو كاذب فيها، وغرضه الدفع، ووعد فأخلف، بأن يقول: أوفي حقك اليوم الفلاني، والساعة الفلانية، ولم يوفه، فيقترف من أجل الدين الكذب، والخلف في الوعد، وهذا من صفات المنافقين - نعوذ بالله من ذلك -.
وكلمة ((ما)) في قوله: ((ما أكثر ما تستعيذ)) للتعجب؛ أي: ما أكثر استعاذتك من المغرم.
57 -
(3)((اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثيراً، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَاّ أنْتَ، فاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وارْحَمْنِي إنَّك أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ)) (1).
- صحابي الحديث هو عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
قوله: ((ظلماً كثيراً)) بالثاء المثلثة في معظم الروايات، وفي بعض روايات مسلم ((كبيراً)) بالباء الموحدة، وكلاهما حسن، وقال النووي رحمه الله في ((الأذكار)):((ينبغي أن يجمع بينهما، فيقال: ظلماً كثيراً كبيراً)).
أو يأتي بهذه أحياناً وبالأخرى أحياناً.
(1) البخاري (8/ 168)[برقم (7387)]، ومسلم (4/ 2078)[برقم (2705)]. (ق).
وفي هذا دليل على أن الإنسان لا يعرى من ذنب وتقصير؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((استقيموا ولن تحصوا)) (1)، وفي الحديث:((كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)) (2).
قوله: ((لا يغفر الذنوب إلا أنت)) إقرار بوحدانية الله تعالى، واستجلاب لمغفرته بهذا الإقرار، كما قال تعالى في الحديث القدسي:((عَلِمَ أنَّ له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب)) (3). وفي هذا امتثال لما أثنى الله عليه في قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} . (4).
فقوله صلى الله عليه وسلم: ((ولا يغفر الذنوب إلا أنت))؛ كقوله تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} .
قوله: ((فاغفر لي مغفرة)) إشارة إلى طلب مغفرة متفضل بها من عند الله تعالى، لا يقتضيها سبب من العبد من عمل حسن ولا غيره، فهي رحمة من عنده سبحانه.
قوله: ((إنك أنت الغفور الرحيم)) من باب المقابلة، والختم للكلام،
(1) رواه أحمد (5/ 277، 282)، وابن ماجة برقم (277)، وصححه الألباني، انظر ((الإرواء)) برقم (412). (م).
(2)
رواه أحمد (3/ 198)، والترمذي برقم (2499)، وابن ماجه برقم (4251)، وحسنه الألباني، انظر صحيح الجامع برقم (4515). (م).
(3)
رواه البخاري برقم (7507)، ومسلم برقم (2758). (م).
(4)
سورة آل عمران، الآية:135.
فالغفور مقابل لقوله: ((اغفر لي))، والرحيم مقابل لقوله:((ارحمني)).
58 -
(4)((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، ومَا أخَّرْتُ، ومَا أسْرَرْتُ، ومَا أعْلَنْتُ، ومَا أسْرَفْتُ، ومَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ، وأنْتَ المُؤَخِّرُ لا إلَهَ إلَاّ أنْتَ)) (1).
- صحابي الحديث هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
أقول: هذا أيضاً لتعليم الأمة، ولتعظيم الله سبحانه وتعالى، حيث لم يقطع سؤاله منه.
قوله: ((ما قدمت)) أي: من الذنوب.
قوله: ((وما أخرت))، أي: من الطاعات، [وقيل: إن وقع مني ذنب فاغفره لي] (2).
قوله: ((وما أسرفت)) أي: وما أكثرت من الذنوب والخطايا، والأوزار والآثام.
قوله: ((أنت المقدِّم وأنت المؤخر)) معنى التقديم والتأخير فيهما هو تنزل الأشياء منازلها، وترتيبها في التكوين والتفضيل، وغير ذلك على ما تقتضيه الحكمة.
(1) مسلم (1/ 534)[برقم (771)]. (ق).
(2)
[مرقاة المفاتيح (2/ 534)]. [المصحح].
59 -
(5)((اللَّهُمَّ أعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسْنِ عِبَادَتِكَ)) (1).
- صحابي الحديث هو معاذ بن جبل رضي الله عنه.
قوله: ((ذكرك)) يشتمل جميع أنواع الثناء حتى قراءة القرآن، والاشتغال بالعلم الديني.
وإنما قدم الذكر على الشكر؛ لأن العبد إذا لم يكن ذاكراً لم يكن شاكراً، كما قدم في قوله تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي} (2).
قوله: ((وحسن عبادتك)) قيد بالحسن؛ لأن العبادة الحسنة هي العبادة الخالصة، فالعبادة إذا لم تكن خالصة [صواباً على السنة] لا تقبل، ولا تنفع صاحبها.
60 -
(6)((اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ أنْ أُرَدَّ إلى أرْذَلِ العُمْرِ، وأعُوْذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ)) (3).
- صحابي الحديث هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(1) أبو داود (2/ 86)[برقم (1522)]،والنسائي (3/ 53)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1/ 284). (ق).
(2)
سورة البقرة، الآية:152.
(3)
البخاري مع الفتح (6/ 35)[برقم (2822)]. (ق).
قوله: ((البخل)) أي: منع إنفاق المال، بعد الحصول عليه، وحبه وإمساكه.
قوله: ((الجبن)) أي: تَهَيُّب الإقدام على ما لا ينبغي أن يُخاف.
قوله: ((أن أردَّ إلى أرذلِ العمر)) هو البلوغ إلى حد في الهرم، يعود معه كالطفل؛ في سخف العقل، وقلة الفهم، وضعف القوة.
والأرذل: هو الرَّديء من كل شيء.
قوله: ((فتنة الدنيا)) ومعنى الفتنة الاختبار، قال شعبة رحمه الله:((يعني: فتنة الدَّجَّال))، وفي إطلاق الدنيا على الدجال، إشارة إلى أن فتنته أعظم الفتن الكائنة في الدنيا، وقد ورد ذلك صريحاً في قوله صلى الله عليه وسلم:((إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم، أعظم من فتنة الدجال)) (1).
ومعنى ((ذرأ)) خلق.
قوله: ((عذاب القبر)) فيه إثبات لعذاب القبر؛ فأهل السنة والجماعة يؤمنون بفتنة القبر وعذابه ونعيمه؛ فأما الفتنة: فإن الناس يفتنون في قبورهم، فيقال للرجل: من ربك؟ ومَا دينك؟ ومَن نبيك؟ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (2)؛ فيقول المؤمن: ربي الله، والإسلام ديني، ومحمد نبيي، وأما المرتاب فيقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فيضرب بمرزبةٍ من حديد، فيصيح
(1) رواه ابن ماجه برقم (4077)، وصححه الألباني، انظر قصة المسيح الدجال له (ص 49). (م).
(2)
سورة إبراهيم، الآية:27.
صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين - الإنس والجن - ولو سمعوا لصعقوا (1)، ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب!!
61 -
(7)((اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ الجَنَّةَ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ)) (2).
- صحابي الحديث هو أبو هريرة رضي الله عنه.
أي: اللهم إني أطلب منك الفوز بالجنة، وأن تجيرني من عذاب النار.
ويتضمن هذا الدعاء طلب التوفيق والهداية إلى الأعمال الصالحة المبتغى بها وجه الله تعالى، التي هي سبب للفوز بالجنة، وطلب البعد عن الأعمال السيئة، التي هي سبب لعذاب النار.
62 -
(8) ((اللَّهُمَّ بعِلْمِكَ الغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الخَلْقِ؛ أحْيِني مَا عَلِمْتَ الحَيَاةَ خَيْراً لِي، وتَوَفَّنِي إذَا عَلِمْتَ الوَفَاةَ خَيْراً لي، اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ خَشْيَتَكَ فِي الغَيْبِ والشَّهَادَةِ، وأسْألُكَ كَلِمَةَ الحَقِّ فِي الرِّضَا والغَضَبِ، وأسْألُكَ القَصْدَ فِي الغِنَى والفَقْرِ، وأسْألُكَ نَعِيماً لا يَنْفَدُ، وأسْألُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ
(1) هذا معنى حديث رواه البخاري برقم (1338)، ومسلم برقم (2870). (م).
(2)
أبو داود [برقم (792)]، وابن ماجه، وانظر صحيح ابن ماجة (2/ 328). (ق).
لا تَنْقَطِعُ، وأسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ القَضَاءِ، وأسْألُكَ بَرْدَ العَيْشِ بَعْدَ المَوْتِ، وأسْألُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، ولَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِيْنَةِ الإيْمَانِ، واجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ)) (1).
- صحابي الحديث هو عمار بن ياسر رضي الله عنه.
قوله: ((ما علمت الحياة خيراً لي)) أي: إذا كانت الحياة خيراً لي في علمك للغيب، وكذلك التقدير في قوله:((وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي)) أي: إذا كانت الوفاة خيراً لي في علمك.
قوله: ((خشيتك في الغيب والشهادة)) أي: فيما غاب عني وفيما أشاهده، والمراد منه: الخشية في جميع الأحوال.
قوله: ((كلمة الحق)) أي: التكلم بالحق؛ والمراد: العون والتوفيق على التكلم بالحق.
قوله: ((في الرضا والغضب)) أي: في حالة الرضا وحالة الغضب، أو المعنى: عند رضاء الراضي، وعند غضب الغاضب.
قوله: ((القصد)) القصد من الأمور؛ أي: المعتدل الذي لا يميل على أحد طرفي التفريط والإفراط؛ يعني: أسألك الاعتدال والوسط في الفقر
(1) النسائي (4/ 54، 55)، وأحمد (4/ 364)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1/ 281). (ق).
والغنى، لا فقراً بالتفريط، ولا غنىً بالإفراط؛ لأن الفقر جداً يستدعي ترك الصبر، المؤدي إلى ارتكاب الطعن في التقدير، والتكلم بأنواع البشاعة، والغنى جداً يؤدي إلى الطغيان والفساد، وخير الأمور أوسطها.
قوله: ((نعيماً لا ينفد)) أي: لا يفرغ، وهو نعيم الجنة.
قوله: ((قرة عين لا تنقطع)) كناية عن السرور والفرح، يقال: قرَّتْ عيناه؛ أي: سر بذلك وفرح، وقيل معناه: بلوغ الأمنية حتى ترضى النفس، وتسكن العين، ولا تستشرف إلى غيره.
قوله: ((وأسألك الرضا بعد القضاء)) أي: بعد قضائك عليَّ بشيء من الخير والشر؛ أما في الخير فيرضى به ويقنع به، ولا يتكلف في طلب الزيادة، ويشكر على ما أوتي به، وأما في الشر فيصبر عليه ولا يكفر.
قوله: ((وأسألك برد العيش بعد الموت)) كناية عن الراحة بعد الموت.
قوله: ((وأسألك لذة النظر إلى وجهك)) إنما سأل هنا لذة النظر ولم يكتف بسؤال النظر، مبالغة في الرؤية وكثرتها؛ لأنه فرق بين رؤية ورؤية.
قوله: ((والشوق)) أي: أسألك لذة الشوق إلى لقائك؛ والشوق هو تعلق النفس بالشيء.
قوله: ((في غير ضراء)) متعلق بقوله: ((أحيني إذا علمت الحياة خيراً لي)) أي: أحيني إذا أردت حياتي في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، وتوفني إذا أردت وفاتي في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة عند الموت.
والضراء: الحالة التي تضر، وهي نقيض السراء.
ووصف الضراء بالمضرة، والفتنة بالمضلة للتأكيد والمبالغة.
قوله: ((اللهم زينا بزينة الإيمان)) أي: بشرائعه؛ لأن الشرائع زينة الإيمان؛ يعني: وفقنا لأداء طاعتك وإقامة شرائعك، حتى تكون لنا زينة في الدنيا والآخرة.
قوله: ((هداة)) جمع هادي؛ أي: اجمع لنا فينا بين الهدى والاهتداء.
63 -
(9)((اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ يَا أللهُ بأنَّكَ الوَاحِدُ الأحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، أنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ)) (1).
- صحابي الحديث هو مِحْجَن بن الأرْدَع رضي الله عنه.
قوله: ((بأنك)) الباء سببية؛ أي: بسبب أنك الواحد.
قوله: ((الواحد الأحد)) لا فرق بين الواحد والأحد؛ أي: الفرد الذي لا نظير له، ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله تعالى؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله.
قوله: ((الصمد)) هو الذي يُصمد إليه في الحاجات؛ أي: يقصد لكونه قادراً على قضائها، قال الزجاج رحمه الله:((الصمد السيد الذي انتهى إليه السؤدد، فلا سيد فوقه))، وقيل: هو المستغني عن كل أحد، والمحتاج إليه
(1) أخرجه النسائي بلفظه (3/ 52)، وأحمد (4/ 238)، وصححه الألباني ففي ((صحيح النسائي)) (1/ 280). (ق).
كل أحد، وقيل: هو الذي لا جوف له؛ قال الشعبي رحمه الله: ((هو الذي لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب)).
قوله: ((الذي لم يلد ولم يولد)) أي: ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة.
قوله: ((كفواً)) أي: مثلاً ونداً ونظيراً.
64 -
(10) ((اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بأنَّ لَكَ الحَمْدَ، لَا إلَهَ إلَاّ أنْتَ، وَحْدَكَ لا شَرِيْكَ لَكَ، المَنَّانُ، يَا بَدِيْعَ السَّمَاواتِ والأرْضِ، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ، يَا حَيُّ
يَا قَيُّومُ، إنِّي أسْألُكَ الجَنَّةَ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ)) (1).
- صحابي الحديث هو أنس بن مالك رضي الله عنه.
قوله: ((المنان)) أي: كثير العطاء، من المنة بمعنى النعمة، والمنة مذمومة من الخلق؛ لأنهم لا يملكون شيئاً، قال صاحب ((الصحاح)):((مَن عليه هنا؛ أي: أنعم، والمنان من أسماء الله تعالى)).
قوله: ((يا بديع السموات والأرض)) أي: مبدعها ومخترعها لا على مثال سبق.
قوله: ((يا ذا الجلال والإكرام)) أي: صاحب العظمة والسلطان
(1) رواه أهل السنن [أبو داود برقم (1495)، والنسائي (3/ 52)، وابن ماجة برقم (3858)، أما الترمذي فلم أقف عليه عنده]، [قال المصحح: هو عند الترمذي، برقم (3544)]، وانظر:((صحيح ابن ماجه)) (2/ 329). (ق).
والإنعام والإحسان.
وجاء في نهاية الحديث؛ قوله صلى الله عليه وسلم: ((لقد دعا الله باسمه الأعظم، الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعْطَى)).
قال الطيبي رحمه الله: ((فيه دلالة على أن لله تعالى اسماً أعظم إذا دعي به أجاب)).
قال الشوكاني رحمه الله: ((قد اختلف في تعيين الاسم الأعظم على نحو أربعين قولاً)).
قال ابن حجر رحمه الله: ((وأرجحها من حيث السند: الله لا إله إلا هو الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد)).
وقال الجزري رحمه الله: ((وعندي أن الاسم الأعظم: لا إله إلا هو الحي القيوم)).
ورجح ذلك ابن القيم وغيره، والله أعلم.
65 -
(11)((اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بأَنِّي أشْهَدُ أنَّكَ أنْتَ اللهُ لا إلَهَ إلَاّ أنْتَ، الأحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَدْ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ)) (1).
(1) أبو داود (2/ 62)[برقم (1493)]، والترمذي (5/ 515)[برقم (3475)]، وابن ماجة (2/ 1267)[برقم (3857]، وأحمد (5/ 360)، وانظر ((صحيح ابن ماجة)) (2/ 329)، و ((صحيح الترمذي)) (3/ 163). (ق).