الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السادس
(المجاز اللغوي)
تعريف الحقيقة، وبيان أقسامها باعتبار المصطلح
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:
فبعد أن فرغنا من الحديث عن التشبيه نعرض لمعنى وأقسام المجاز اللغوي، والفرق بينه وبين التشبيه محذوف الوجه والأداة المسمى بالتشبيه البليغ، أو محذوفهما مع المشبه، وبينه كذلك وبين المجاز العقلي، وبينه وبين الكناية؛ فالفروق بين هذه الألوان من البيان من الأهمية بمكان، ومن المعلوم أن المجاز هو قسيم الحقيقة؛ ولذا ناسب قبل أن نعرف بالمجاز اللغوي أن نعرف أولًا بالحقيقة اللغوية.
فما المراد إذن بالحقيقة اللغوية؟
الحقيقة في اللغة: ما أقر في الاستعمال على أصل وضعه، والمجاز ما كان بضد ذلك، وإنما يقع المجاز ويُعدل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة: الاتساع، والتوكيد، والتشبيه، فإن عُدم هذه الأوصاف؛ كانت الحقيقة البتة هذا كلام ابن منظور في كتابه (لسان العرب) في معنى كلمة حقيقة، والحقيقة والمجاز إذا أُطلقا انصرفا إلى الحقيقة اللغوية والمجاز اللغوي، ولا يحتاجان إلى تقيدهما باللغويين، إلا في مقام المقارنة بينهما وبين الحقيقة العقلية، والمجاز العقلي، للتفرقة بينهم.
أما في اصطلاح البلاغيين فالحقيقة: هي الكلمة المستعملة فيما وُضعت له في الاصطلاح الذي جرى به التخاطب، فلفظ الأسد مثلًا إذا استعمل في الحيوان المفترس كان حقيقة لاستعماله فيما وضع له، ونلاحظ في التعريف أن الكلمة قد قيدت بثلاث قيود:
أولها: كونها مستعملة؛ لأن الكلمة المهملة التي وضعها الواضع ولم تستعمل لا تدخل معنا في اللغة، فلا تسمى حقيقة، كما لا تسمى مجازًا.
ثانيها: هو قولهم "فيما وضعت له"، فقد خرج بهذا القيد الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له في جميع الاصطلاحات اللغوية والشرعية والعرفية، فإنها تكون مجازًا، وخرج بهذه الكلمة أيضًا الخطأ اللساني، وهو ما استعمل في غير ما وضع له خطأ، كقولك مثلًا لصاحبك: خذ هذا الفرس مشيرًا إلى كتاب، فمثل هذا لا يسمى حقيقة؛ لاستعماله في غير ما وضع له، ولا يسمى مجازًا؛ لعدم وجود علاقة بين الفرس والكتاب، والمراد بالوضع هنا دلالة اللفظ على معناه بنفسه من غير قرينة؛ فدلالة اللفظ على معناه المجازي ليست وضعية؛ لاحتياجه إلى القرينة المانعة من إرادة المعنى الوضعي، ودلالة المشترك اللفظي على أحد معنييه الموضوعين له وضعية؛ لأن القرينة التي احتاج إليها المشترك اللفظي قرينة معينة لأحد المعنيين الموضوع لهما اللفظ لغة، وليست كقرينة المجاز المانعة من إرادة المعنى الأصلي.
ثالث هذه القيود التي ذكرت في تعريف الحقيقة اللغوية قولهم "في اصطلاح التخاطب": فقد خرج بذلك الكلمة التي يستعملها اللغوي في غير ما وضعت له في اصطلاحه، كالصلاة مثلًا يستعملها الشرعي في الدعاء، فهي مجاز بحسب اصطلاحه، وإن كانت حقيقة في الاصطلاح اللغوي.
هذا وتنقسم الحقيقة باعتبار المصطلح الذي ترجع إليه إلى أربعة أقسام:
فهناك الحقيقة اللغوية.
هناك الحقيقة الشرعية.
هناك الحقيقة العرفية الخاصة.
وهناك الحقيقة العرفية العامة.
الحقيقة اللغوية: هي ما وضعها واضع اللغة، ودلت على معنى مصطلح عليه في تلك المواضعة، كاستعمال لفظ الإنسان والفرس والجبل إلى غير ذلك من الألفاظ في معانيها الموضوعة لها في عرف اللغة.
أما الحقيقة الشرعية: فهي اللفظة التي يضعها أهل الشرع لمعنى غير ما كانت تدل عليه في أصل وضعها اللغوي، كالصلاة، والزكاة، والسجود، والركوع، والكفر، والإيمان، والإسلام؛ فهذه الألفاظ نُسيت معانيها اللغوية، ودلَّت بالشرع على معانٍ أخرى صارت فيها حقائق شرعية، ومرجع الدلالة فيها إلى اصطلاح أرباب الشرع.
الحقيقة العرفية الخاصة: هي ما كان مرجع الدلالة فيها إلى عرف خاص كاستعمال لفظ المبتدأ والخبر، والفاعل، والمفعول، والرفع، والنصب إلى غير ذلك في معانيها المصطلح عليها في عرف النحويين؛ فقد صارت هذه الألفاظ حقائق في معانيها التي اصطلح عليها نحويًّا، ونسي النحاة معانيها اللغوية، وكذا استعمال الاستعارة والتشبيه والمجاز عند البلاغيين، والعرض والجوهر عند المتكلمين، وهكذا أهل كل فن وصناعة.
أما الحقيقة العرفية العامة: فهي ما كان مرجع الدلالة فيها إلى عرف عام كاستعمال لفظ الدابة عند كثير من الناس في الدلالة على الحيوان، فهي موضوعة في أصل اللغة؛ للدلالة على كل ما دبَّ على وجه الأرض قال تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (هود: 6)، فصار استعمالها في الدلالة على الحيوان حقيقةً في عرفهم، ولو أطلقوها على معناها الوضعي لكانت مجازًا عند أرباب هذا العرف العام، هذا عن الحقيقة في معناها اللغوي والاصطلاحي.