الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَالْمُسْتَهْلِكُ لَهُ عَلَى صِفَةِ ذَلِكَ الْمُسْتَهْلَكِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ الْمُسْتَهْلِكَ يُغَرَّمُ مِثْلَهُ فِي الْوَصْفِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وَصْفِهِ فَوَصَفَهُ مَالِكُهُ بِأَحْسَنَ مِمَّا وَصَفَهُ بِهِ مُسْتَهْلِكُهُ فَإِنَّ الْعَمَلَ عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ الْمُسْتَهْلِكُ، وَيَحْلِفُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى وَصْفِهِ بِهِ، وَهَذَا إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:" وَالْوَصْفُ مِنْ مُسْتَهْلِكٍ " إلَى قَوْلِهِ " إتْيَانُهُ بِمُشْبِهٍ "، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى فِي صِفَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مَا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْوَصْفِ وَالْيَمِينِ وَعَلَيْهِ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الشَّيْءِ الْمُسْتَهْلَكِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ أَيْضًا، وَحُكْمُهُ كَمَا يَذْكُرُهُ النَّاظِمُ فِيمَا إذَا جَهِلَ الْمُسْتَهْلِكُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ.
(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : مَنْ غَصَبَ أَمَةً، وَادَّعَى هَلَاكَهَا، وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهَا صُدِّقَ الْغَاصِبُ فِي الصِّفَةِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ وَإِلَّا صُدِّقَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي الصِّفَةِ مَعَ يَمِينِهِ اهـ نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عَلَى قَوْلِهِ فِي بَابِ الْغَصْبِ، وَالْقَوْلُ لَهُ فِي تَلَفِهِ، وَنَعْتِهِ، وَقَدْرِهِ وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ:" صُدِّقَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ " يَعْنِي إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّاظِمُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَهْلِ وَالنُّكُولِ قَوْلُهُ: " وَإِنْ لِجَهْلٍ أَوْ نُكُولٍ إلَخْ. . . " لَمَّا ذَكَرَ: أَنَّ الْمُسْتَهْلِكَ هُوَ الَّذِي يَصِفُ الشَّيْءَ الْمُسْتَهْلَكَ مَعَ يَمِينِهِ ذَكَرَ هُنَا: أَنَّهُ إذَا ادَّعَى جَهْلَ صِفَتِهِ، أَوْ عِلْمَهَا، وَوَصَفَهُ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الشَّيْءِ الْمُسْتَهْلَكِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى أَيْضًا بِمَا يُشْبِهُ، فَقَوْلُهُ:" وَالْوَصْفُ " مُبْتَدَأٌ، أَوْ " لِمَا تَلِفْ " يَتَعَلَّقُ بِهِ " فِي يَدِهِ " يَتَعَلَّقُ بِ " تَلِفْ "، وَالضَّمِيرُ لِلْأَجِيرِ لِتَقَدُّمِهِ فِي أَوَّلِ الْبَيْتَيْنِ قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ الْأَجِيرِ قَدْ يَصِفُ أَيْضًا مَا اسْتَهْلَكَهُ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ أَوَّلَ شَرْحِ الْأَبْيَاتِ فَمَفْهُومُهُ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ " وَمِنْ مُسْتَهْلِكٍ " خَبَرُ الْوَصْفِ وَكَأَنَّهُ أَوْقَعَ الظَّاهِرَ مَوْقِعَ الضَّمِيرِ لِأَنَّ الْمُسْتَهْلِكَ هُوَ الْأَجِيرُ أَيْ وَالْوَصْفُ لِمَا تَلِفَ فِي يَدِ الْأَجِيرِ يَكُونُ مِنْهُ، وَجُمْلَةُ " يُقْضَى بِهِ " خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، وَبَعْدَ الْحَلِفِ يَتَعَلَّقُ بِيَقْضِي، وَضَمِيرُ شَرْطِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْوَصْفِ مِنْ الْمُسْتَهْلِكِ، وَ " لِجَهْلٍ " يَتَعَلَّقُ بِيَنْتَهِي، وَفَاعِلُ يَنْتَهِي يَعُودُ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ بِالْكَسْرِ، وَمَعْنَى " يَنْتَهِي " لِجَهْلٍ أَوْ نُكُولٍ أَيْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا، وَالْمُرَادُ بِخَصْمِهِ رَبُّ الشَّيْءِ الْمُسْتَهْلَكِ وَ " فِي وَصْفِهِ " يَتَعَلَّقُ بِ " قَوْلُ " الثَّانِي وَ " مُسْتَهْلَكًا " بِفَتْحِ اللَّامِ مَفْعُولُ " وَصْفِ " وَ " بِمُشْبِهٍ " يَتَعَلَّقُ بِوَصْفِهِ وَمَعَ حَلِفِهِ حَالُ " قَوْلُ " الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكُلُّ مَنْ ضُمِّنَ شَيْئًا أَتْلَفَهْ
…
فَهْوَ مُطَالَبٌ بِهِ أَنْ يُخْلِفَهْ
وَفِي ذَوَاتِ الْمِثْلِ مِثْلٌ يَجِبُ
…
وَقِيمَةٌ فِي غَيْرِهِ تُسْتَوْجَبُ
لَمَّا عَيَّنَ الْوَاصِفَ لِلشَّيْءِ الْمُسْتَهْلَكِ ذَكَرَ هُنَا مَا يَضْمَنُهُ الْمُسْتَهْلِكُ بَعْدَ الْوَصْفِ وَالْيَمِينِ فَأَخْبَرَ هُنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِإِتْلَافِهِ فَإِنَّهُ مُطَالَبٌ بِإِخْلَافِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُتْلَفُ بِالْفَتْحِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَضْمَنُ مِثْلَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ (فِي الْمَعُونَةِ) إذَا أَتْلَفَ عَلَى غَيْرِهِ شَيْئًا لَزِمَهُ بَدَلُ الْمُتْلَفِ إلَى صَاحِبِهِ وَالْبَدَلُ نَوْعَانِ مِثْلٌ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ، وَمِثْلٌ مِنْ طَرِيقِ الْقِيمَةِ، فَاَلَّذِي مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ وَهُوَ كُلُّ مَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ لَزِمَهُ رَدُّ مِثْلِهِ لَا قِيمَتِهِ وَذَلِكَ كَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْحَدِيدِ، وَالصُّفْرِ، وَالنُّحَاسِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَسَائِرِ الْمَأْكُولَاتِ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمِثْلِ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ لِأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنْ الْحُكْمِ وَالِاجْتِهَادُ فِي تَعْدِيلِهَا بِالْمُتْلَفِ وَالْمِثْلُ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ لَا اجْتِهَادَ فِيهِ فَكَانَ ذَلِكَ كَالِاجْتِهَادِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فَأَمَّا مَا لَا يُكَالُ، وَلَا يُوزَنُ كَالثِّيَابِ، وَسَائِرِ الْعُرُوضِ، وَالرَّقِيقِ، وَالْحَيَوَانِ فَيَلْزَمُهُ بِإِتْلَافِهِ قِيمَتَهُ دُونَ مِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ خِلَافًا لِمَنْ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يُكَالُ، وَلَا يُوزَنُ فَالْغَرَضُ مِنْهُ عَيْنُهُ دُونَ مِثْلِهِ، فَوَجَبَ فِيهِ قِيمَةُ الْعَيْنِ، وَمَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ الْغَرَضُ مَبْلَغُهُ فِيهِ مِثْلُهُ لَا قِيمَتُهُ
[فَصْلٌ فِي الْجُعْلِ]
(فَصْلٌ فِي الْجُعْلِ)(ابْنُ عَرَفَةَ) الْجُعْلُ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى
عَمَلِ آدَمِيٍّ يَجِبُ عِوَضُهُ بِتَمَامِهِ لَا بَعْضُهُ بِبَعْضِهِ فَقَوْلُهُ عَلَى عَمَلِ آدَمِيٍّ أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ الرَّوَاحِلِ وَالسُّفُنِ وَكِرَاءَ الْأَرَضِينَ وَقَوْلُهُ يَجِبُ عِوَضُهُ بِتَمَامِهِ أَخْرَجَ بِهِ الْقِرَاضَ لِعَدَمِ وُجُوبِ عِوَضِهِ لِجَوَازِ تَجْرِهِ وَلَا رِبْحَ، وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ بِهِ الْمُسَاقَاةُ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْحَرْثِ لِجَوَازِ عَدَمِ الْغَلَّةِ، وَعَدَمِ الزَّرْعِ، وَقَوْلُهُ لَا بَعْضُهُ بِبَعْضِهِ أَخْرَجَ بِهِ الْإِجَارَةَ، وَالْمُسَاقَاةَ فَإِنَّهُ إنْ تُرِكَ لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ وَفِي الْجُعْلِ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِالتَّمَامِ.
الْجُعْلُ عَقْدٌ جَائِزٌ لَا يَلْزَمُ
…
لَكِنْ بِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ يُحْكَمُ
وَلَيْسَ يَسْتَحِقُّ مِمَّا يُجْعَلُ
…
شَيْئًا سِوَى إذَا يَتِمُّ الْعَمَلُ
كَالْحَفْرِ لِلْبِئْرِ وَرَدِّ الْآبِقِ
…
وَلَا يُحَدُّ بِزَمَانٍ لَاحِقِ
يَعْنِي أَنَّ الْجُعْلَ عَقْدٌ جَائِزٌ، أَيْ غَيْرُ لَازِمٍ، فَمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعَ عَنْهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَقَوْلُهُ:" لَا يَلْزَمُ " هُوَ تَفْسِيرٌ لِجَائِزٍ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَسْتَلْزِمُ مَصْلَحَةً مَعَ اللُّزُومِ بَلْ مَعَ الْجَوَازِ عَدَمُ اللُّزُومِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: الْجِعَالَةُ، وَالْقِرَاضُ، وَالْمُغَارَسَةُ، وَالْوِكَالَةُ، وَتَحْكِيمُ الْحَاكِمِ مَا لَمْ يَشْرَعَا فِي الْخُصُومَةِ فَإِنَّ الْجِعَالَةَ لَوْ شُرِعَتْ لَازِمَةً مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَى فَرْطِ بُعْدِ مَكَانِ الْآبِقِ أَوْ عَدَمِهِ مَعَ دُخُولِهِ عَلَى الْجِعَالَةِ بِمَكَانَةٍ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ فَجُعِلَتْ جَائِزَةً لِئَلَّا تَجْتَمِعَ الْجَهَالَةُ بِالْمَكَانِ وَاللُّزُومُ وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ، ثُمَّ عَلَّلَ عَدَمَ اللُّزُومِ فِي بَقِيَّةِ الْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالْمِائَتَيْنِ وَقَسَّمَ هُنَالِكَ الْعُقُودَ إلَى قِسْمَيْنِ: مُسْتَلْزِمٌ لِمَصْلَحَةٍ عِنْدَ الْعَقْدِ فَشَرَعَهُ عَلَى اللُّزُومِ تَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ، وَتَرْتِيبًا لِلْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، وَهُوَ الْأَصْلُ كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْهِبَةِ، وَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ، فَشَرَعَهُ عَلَى الْجَوَازِ نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ تَظْهَرُ أَمَارَةٌ فَلَا يُكَلَّفُ مَا يَضُرُّهُ، وَلَا يَجْرِي لَهُ. اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ رحمه الله.
وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ الْمَنْجُورُ رحمه الله فِي شَرْحِ قَوْلِهِ الْمَنْهَجُ كَذَا اللُّزُومُ فِي الْعُقُودِ أَصْلٌ إلَخْ، فَرَاجِعْ أَيَّهُمَا يَتَيَسَّرُ لَك، وَقَدْ قَسَّمَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ رحمه الله تَابِعًا لِغَيْرِهِ الْعُقُودَ إلَى: مَا يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَمَا لَا يَلْزَمُ وَمَا فِيهِ خِلَافٌ وَنَظَمَ ذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ فَقَالَ:
أَرْبَعَةٌ بِالْقَوْلِ عَقْدُهَا فِرَا
…
بَيْعٌ نِكَاحٌ وَسِقَاءٌ وَكِرَا
لَا الْجُعْلُ، وَالْقِرَاضُ، وَالتَّوْكِيلُ
…
وَالْحُكْمُ فَالْفِعْلُ بِهَا كَفِيلُ
لَكِنَّ فِي الْغِرَاسِ وَالْمُزَارَعَهْ
…
وَالشَّرِكَاتِ بَيْنَهُمْ مُنَازَعَهْ
وَفِرَا آخِرَ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ: قَطْعٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ اللُّزُومُ، وَانْقِطَاعُ التَّشَوُّفِ لِلْحِلِّ وَمِنْهُ فَرَى الْأَوْدَاجَ أَيْ قَطَعَهَا. وَقَوْلُهُ:
لَكِنْ بِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ يُحْكَمُ
يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ لُزُومِهِ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، أَمَّا بَعْدَهُ، فَيُحْكَمُ بِلُزُومِهِ وَلَكِنَّ لُزُومَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ إنَّمَا هُوَ لِلْجَاعِلِ، أَمَّا الْمَجْعُولُ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ شَرَعَ فَلَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ فَإِذَا تَرَكَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْجُعْلِ قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلُ:" وَلَزِمَتْ الْجَاعِلَ بِالشُّرُوعِ ".
(قَالَ ابْنُ يُونُسَ) : " لِلْجَاعِلِ أَنْ يَفْسَخَ الْجِعَالَةَ إذَا لَمْ يَشْرَعْ الْمَجْعُولُ لَهُ فِي الْعَمَلِ، وَأَمَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. " وَأَمَّا الْعَامِلُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَهُ أَنْ يَدَعَ الْجِعَالَةَ مَتَى شَاءَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ وَقَوْلُهُ:
وَلَيْسَ يَسْتَحِقُّ مِمَّا يُجْعَلُ
…
شَيْئًا سِوَى إذَا يَتِمُّ الْعَمَلُ
يَعْنِي أَنَّ الْمَجْعُولَ لَهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْجُعْلِ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ، فَإِنْ لَمْ يُتِمَّهُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَيْسَ كَالْإِجَارَةِ الَّتِي لَهُ فِيهَا بِحِسَابِ مَا عَمِلَ وَكَوْنُهُ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِالتَّمَامِ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ مَا عَمِلَهُ لَا انْتِفَاعَ بِهِ لِلْجَاعِلِ أَمَّا مَا لَهُ بِهِ انْتِفَاعٌ فَلَهُ أُجْرَتُهُ عَلَيْهِ.
(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : قَالَ مَالِكٌ: " وَالْجُعَلُ يَدَعُهُ الْعَامِلُ مَتَى شَاءَ وَلَا شَيْءَ
لَهُ يُرِيدُ: إلَّا أَنْ يَنْتَفِعَ الْجَاعِلُ بِمَا عَمِلَ مِثْلَ: أَنْ يَحْمِلَ خَشَبَةً إلَى مَوْضِعِ كَذَا، فَتَرَكَهَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَيَسْتَأْجِرُ رَبُّهَا مَنْ يَأْتِيه بِهَا، أَوْ يَعْجَزُ عَنْ حَفْرِ الْبِئْرِ بَعْدَ أَنْ ابْتَدَأَ فِيهَا، ثُمَّ جَاعَلَ صَاحِبُهُ آخَرَ، فَأَتَمَّهَا فَهَذَا يَكُونُ لِلثَّانِي جَمِيعُ إجَارَتِهِ الَّتِي عَاقَدَهُ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ لِلْأَوَّلِ بِقَدْرِ مَا انْتَفَعَ بِهِ الْجَاعِلُ مِمَّا حَطَّ عَنْهُ مِنْ جُعْلِ الثَّانِي اُنْظُرْ الْمَوَّاقَ قَوْلُهُ:
كَالْحَفْرِ لِلْبِئْرِ وَرَدِّ الْآبِقِ
هُوَ تَمْثِيلٌ لِلْجُعْلِ وَقَوْلُهُ:
وَلَا يُحَدُّ بِزَمَانٍ لَاحِقٍ "
يَعْنِي كَمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: " وَلَا يُضْرَبُ فِي الْجُعْلِ أَجَلٌ فِي رَدِّ آبِقٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ " قَالَ مَالِكٌ: " الْجُعْلُ يَدْعُهُ الْعَامِلُ مَتَى شَاءَ، وَلَا يَكُونُ مُؤَجَّلًا " اهـ.
وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِكَوْنِ الْمَجْعُولِ لَهُ لَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ، فَلَا وَجْهَ لِتَحْدِيدِهِ بِزَمَنٍ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ شَاسٍ: لَا يُشْتَرَطُ فِي مُتَعَاقِدِي الْجُعْلِ إلَّا أَهْلِيَّةُ الِاسْتِئْجَارِ، وَالْعَمَلِ وَشَرْطُ الْجُعْلِ أَنْ يَكُونَ، مَعْلُومًا، مُقَدَّرًا كَالْأُجْرَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْإِجَارَةِ أَوْ جُعْلًا. اهـ فَلِذَلِكَ لَوْ جَعَلَ رَبُّ الْآبِقِ نِصْفَ الْعَبْدِ لِمَنْ جَاءَ بِهِ لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ لَهُ إذَا جَاءَ بِهِ جُعْلُ مِثْلِهِ (الْمَوَّاقُ) وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ لِابْنِ رُشْدٍ، وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ: أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُجَاعَلَةُ عَلَى لَقْطِ الزَّيْتُونِ بِالْجُزْءِ مِنْهُ لِأَنَّ أَوَّلَهُ أَهْوَنُ مِنْ آخِرِهِ، وَالْمُجَاعَلَةُ عَلَى اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ بِالْجُزْءِ مِمَّا