الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاء]
ِ
الْقَتْلُ عَمْدًا لِلْقِصَاصِ مُوجِبُ
…
بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِمَا يَسْتَوْجِبُ
مِنْ اعْتِرَافِ ذِي بُلُوغٍ عَاقِلِ
…
أَوْ شَاهِدَيْ عَدْلٍ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ
أَوْ بِالْقَسَامَةِ وَبِاللَّوْثِ تَجِبْ
…
وَهُوَ بِعَدْلٍ شَاهِدٍ بِمَا طُلِبْ
أَوْ بِكَثِيرٍ مِنْ لَفِيفِ الشُّهَدَا
…
وَيَسْقُطُ الْإِعْذَارُ فِيهِمْ أَبَدَا
وَمَالِكٌ فِيمَا رَوَاهُ أَشْهَبُ
…
قَسَامَةً بِغَيْرِ عَدْلٍ يُوجِبُ
أَوْ بِمَقَالَةِ الْجَرِيحِ الْمُسْلِمِ
…
الْبَالِغِ الْحُرِّ فُلَانٌ بِدَمِ
يَشْهَدُ عَدْلَانِ عَلَى اعْتِرَافِهِ
…
وَصِفَةُ التَّمْيِيزِ مِنْ أَوْصَافِهِ
أَوْ بِقَتِيلٍ مَعَهُ قَدْ وُجِدَا
…
مَنْ أَثَرُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ قَدْ بَدَا
يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَتَلَ إنْسَانًا عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ، وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْقِصَاصِ وَإِنَّمَا يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاتِلِ إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ بِمَا يَجِبُ ثُبُوتُهُ بِهِ، وَهُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: (أَوَّلُهَا: اعْتِرَافُ الْقَاتِلِ بِالْقَتْلِ إذَا كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا.
(الثَّانِي) : شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ عَلَى الْقَتْلِ. (الثَّالِثُ) : الْقَسَامَةُ وَهِيَ حَلِفُ وُلَاةِ الْمَقْتُولِ خَمْسِينَ يَمِينًا أَنَّهُ قَتَلَهُ إذَا وُجِدَ اللَّوْثُ وَهُوَ أَمْرٌ يَنْشَأُ عَنْهُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِصِدْقِ الْمُدَّعِي وَيَأْتِي بَعْضُ مُثُلِهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
الْقَتْلُ عَمْدًا لِلْقِصَاصِ مُوجِبُ
إلَى قَوْلِهِ وَبِاللَّوْثِ تَجِبُ ثُمَّ فَسَّرَ اللَّوْثَ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: شَهَادَةُ عَدْلٍ وَاحِدٍ بِالْقَتْلِ، هُوَ مُرَادُهُ بِمَا طَلَبَ. الثَّانِي: شَهَادَةُ اللَّفِيفِ وَهُمْ جَمَاعَةٌ غَيْرُ عُدُولٍ وَلَا يُعْذَرُ فِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَدْخُولٌ عَلَيْهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ عُدُولٍ وَيُعْذَرُ إلَى الْقَاتِلِ فَيُقَالُ لَهُ: إنْ كَانَتْ لَك مَنْفَعَةٌ مِنْ غَيْرِ بَابِ الشُّهُودِ فَأْتِ بِهَا وَيُوَسَّعُ لَهُ فِي الْأَجَلِ.
الثَّالِثُ: رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَلَوْ غَيْرَ عَدْلٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَمَالِكٌ فِيمَا رَوَاهُ أَشْهَبُ
الْبَيْتَ. فَمَالِكٌ مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ يُوجِبُ خَبَرُهُ، وَقَسَامَةَ مَفْعُولُ يُوجِبُ. الرَّابِعُ: قَوْلُ الْجَرِيحِ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ الْبَالِغِ الْمُمَيِّزِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ إذَا سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ عَدْلَانِ يَعْنِي وَفِيهِ جُرْحٌ ظَاهِرٌ. الْخَامِسُ: إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ وَالْمُتَّهَمُ قُرْبَهُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ وَإِلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَهُوَ بِعَدْلٍ شَاهِدٍ بِمَا طُلِبْ
.. إلَخْ.
وَضَمِيرُ ثُبُوتِهِ لِلْقَتْلِ عَمْدًا (وَمِنْ اعْتِرَافٍ) بَيَانٌ لِلْإِبْهَامِ الَّذِي فِي لَفْظِ مَا مِنْ قَوْلِهِ بِمَا يَسْتَوْجِبُ وَشَاهِدَيْ عَطْفٌ عَلَى اعْتِرَافٍ وَبِقَتْلِ يَتَعَلَّقُ بِشَاهِدَيْ وَبِالْقَسَامَةِ عَطْفٌ عَلَى اعْتِرَافٍ أَيْضًا، وَبَاؤُهُ بِمَعْنَى مِنْ وَبِاللَّوْثِ يَتَعَلَّقُ بِتَجِبُ وَضَمِيرُ هُوَ يَعُودُ عَلَى اللَّوْثِ (وَبِكَثِيرٍ) عَطْفٌ عَلَى بِعَدْلٍ وَبِمَقَالَةِ عَطْفٌ عَلَى بِكَثِيرٍ، وَفُلَانٌ بِدَمِ هُوَ الْمَحْكِيُّ بِقَوْلِهِ أَوْ بِمَقَالَةِ، وَضَمِيرُ اعْتِرَافِهِ لِلْجَرِيحِ، وَكَذَا ضَمِيرُ أَوْصَافِهِ، وَبِقَتِيلٍ عَطْفٌ عَلَى (بِمَقَالَةِ) وَجُمْلَةُ قَدْ وُجِدَ مَعَهُ صِفَةُ قَتِيلٍ وَمَنْ أَثَرُ الْقَتْلِ نَائِبُ وُجِدَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) : تَقَدَّمَ أَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا هُوَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ أَيْ لَا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : قَالَ فِي التَّلْقِينِ: الْعَمْدُ مَا قُصِدَ بِهِ إتْلَافُ النَّفْسِ بِآلَةٍ تَقْتُلُ غَالِبًا وَلَوْ بِمُثْقَلٍ أَوْ بِإِصَابَةِ
الْمَقْتَلِ كَعَصْرِ الْأُنْثَيَيْنِ وَشِدَّةِ الضَّغْطِ وَالْخَنْقِ. زَادَ ابْنُ الْقَصَّارِ أَوْ يُطْبِقُ عَلَيْهِ بَيْتًا وَيَمْنَعُهُ الْغِذَاءَ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا. اهـ
(وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) : إنْ قَصَدَ ضَرَبًا وَإِنْ بِقَضِيبٍ كَخَنْقٍ وَمَنْعِ طَعَامٍ وَمُثْقَلٍ. قَالَ شَارِحُهُ الْحَطَّابُ أَيْ قَصَدَ ضَرْبَ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ ضَرْبُهُ، وَسَوَاءٌ قَصَدَ الشَّخْصَ الْمَضْرُوبَ نَفْسَهُ أَوْ قَصَدَ أَنْ يَضْرِبَ شَخْصًا عُدْوَانًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ، أَمَّا لَوْ قَصَدَ ضَرْبَ مَنْ يَحِلُّ لَهُ ضَرْبُهُ، فَأَصَابَ غَيْرَهُ فَهُوَ خَطَأٌ. قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي تَرْجَمَةِ صِفَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا يَظُنُّهُ غَيْرَهُ مِمَّنْ لَوْ قَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِصَاصٌ فَهُوَ مِنْ الْخَطَأِ لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَقَدْ مَضَى مِثْلُ ذَلِكَ «فِي مُسْلِمٍ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ بِعَهْدِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم يَظُنُّونَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَوَدَاهُ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُهْدِرْهُ. اهـ» (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) : إذَا لَمْ يَعْمِدْ لِلْقَتْلِ وَلَا لِلتَّضْرِيبِ مِثْلَ أَنْ يَرْمِيَ الشَّيْءَ فَيُصِيبَ إنْسَانًا فَيَقْتُلَهُ فَهُوَ قَتْلُ خَطَإٍ بِإِجْمَاعٍ، لَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ.
(تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: إنْ قَصَدَ ضَرْبًا يُرِيدُ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ لَا عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ وَالْأَدَبِ، قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: فَإِنْ قَصَدَ الضَّرْبَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ، وَكَانَ الضَّرْبُ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ، فَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ ذَلِكَ عَمْدٌ وَفِيهِ الْقِصَاصُ إلَّا فِي الْأَبِ وَالْأُمِّ. (وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَأَمَّا اللَّعِبُ فَفِي الْمُقَدِّمَاتِ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ خَطَأٌ، قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. اهـ كَلَامُ الْحَطَّابِ. ابْنُ الْحَاجِبِ) فَلَوْ لَطَمَهُ أَوْ وَكَزَهُ أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ أَوْ ضَرَبَهُ بِعَصًا مُتَعَمِّدًا عَلَى وَجْهِ الْقَتْلِ لَا اللَّعِبِ فَمَاتَ عَاجِلًا أَوْ مَغْمُورًا لَمْ يَتَكَلَّمْ فَفِيهِ الْقَوَدُ، فَلَوْ مَاتَ بَعْدُ وَقَدْ تَكَلَّمَ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا فَالْقَوَدُ بِقَسَامَةٍ، أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَوْ ثَبَتَتْ حَيَاتُهُ أَمَّا لَوْ أَنْفَذَ لَهُ مَقْتَلًا فَلَا قَسَامَةَ وَلَوْ أَكَلَ وَشَرِبَ وَعَاشَ أَيَّامًا. وَقَدْ تَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الضَّرْبَ إمَّا عَمْدٌ أَوْ خَطَأً وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا.
وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ هُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَعَلَيْهِ، فَهَلْ يَلْحَقُ بِالْعَمْدِ أَوْ بِالْخَطَأِ؟ ثَالِثُهَا أَنَّهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَهُمَا تُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ. وَطَرِيقَةُ الْبَاجِيِّ تَحْكِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ، وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَالزَّوْجِ وَالْمُؤَدِّبِ وَنَحْوِهِ يُصِيبُ مَقْتَلًا أَوْ غَيْرَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْخَطَأِ حَتَّى يَثْبُتَ الْعَمْدُ لِذَلِكَ، وَقِيلَ: هُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَعَنْ مَالِكٍ: شِبْهُ الْعَمْدِ بَاطِلٌ لَا أَعْرِفُهُ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ. اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ. (وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالْأُبُوَّةُ وَالْأُمُومَةُ أَثَرٌ فِي الدَّرْءِ بِاحْتِمَالِ الشَّبَهِ إذَا ادَّعَيَا عَدَمَ الْقَصْدِ كَمَا لَوْ حَذَفَهُ بِالسَّيْفِ وَادَّعَى أَدَبَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ حَتَّى لَوْ شَرَكَهُ أَحَدٌ فِي قَتْلِهِ قُتِلَ، أَمَّا لَوْ قَتَلَ مَعَ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ، كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ أَوْ شَقَّ بَطْنَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُقْتَلُ الْأَبُ بِابْنِهِ بِحَالٍ.
(الثَّانِي) : إنَّمَا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مَعْصُومَ الدَّمِ، فَلَا قِصَاصَ فِي قَتْلِ مُرْتَدٍّ وَلَا زِنْدِيقٍ وَلَا زَانٍ مُحْصَنٍ وَإِنَّمَا يُؤَدَّبُ قَاتِلُهُمْ؛ لِلِافْتِيَاتِ، وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا. (الثَّالِثُ) : يُشْتَرَطُ فِي الْقَاتِلِ الَّذِي يُقْتَصُّ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ مِنْ كَوْنِهِ عَاقِلًا بَالِغًا أَنْ لَا يَكُونَ حَرْبِيًّا؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الْمَقْتُولِ بِإِسْلَامٍ مُطْلَقًا حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا أَوْ بِحُرِّيَّةٍ فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا بِكَافِرٍ، وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا أَيْضًا.
(الرَّابِعُ) : الْوَاجِبُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ إنَّمَا هُوَ الْقِصَاصُ لَا غَيْرُ أَوْ الْعَفْوُ إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ الْخِيَارُ لِلْوَلِيِّ إنْ شَاءَ اقْتَصَّ أَوْ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ فِي قَوْلِهِ
وَإِنْ وَلِيُّ الدَّمِ لِلْمَالِ قَبِلْ
.. إلَخْ. (الْخَامِسُ) : مَا ذَكَرَ النَّاظِمُ مِنْ أَنَّ الْقَتْلَ يَثْبُتُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ نَحْوُهُ فِي الرِّسَالَةِ، وَلَفْظُهَا: وَلَا تُقْتَلُ نَفْسٌ بِنَفْسٍ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ اعْتِرَافٍ أَوْ بِالْقَسَامَةِ إذَا وَجَبَتْ يُقْسِمُ الْوُلَاةُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَسْتَحِقُّونَ الدَّمَ. (السَّادِسُ) : نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ بِسَبْعَةِ أَوْجُهٍ ذَكَرَ النَّاظِمُ مِنْهَا خَمْسَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَزَادَ سَادِسًا وَهُوَ: إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ مُعَايَنَةَ الضَّرْبِ أَوْ الْجَرْحِ ثُمَّ يَمُوتُ بَعْدَ أَيَّامٍ.
وَسَابِعًا: وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدٌ عَدْلٌ عَلَى الْإِجْهَازِ. وَثَامِنًا: وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ رَجُلٌ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا. فَقَالَ سَحْنُونٌ: إنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ بِذَلِكَ وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافَ الْخَطَأِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُقْسَمُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ. وَتَاسِعًا: وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدٌ عَدْلٌ عَلَى مُعَايَنَةِ الضَّرْبِ ثُمَّ يَمُوتُ الْمَضْرُوبُ بَعْدَ
أَيَّامٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ فِي ذَلِكَ. وَعَاشِرًا: وَهِيَ تَدْمِيَةُ الْمُدَمَّى، وَلَيْسَ بِهِ جُرْحٌ ظَاهِرٌ وَهِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا الْمُتَأَخِّرُونَ بِالتَّدْمِيَةِ الْبَيْضَاءِ. (التَّوْضِيح) وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: قَتَلَنِي. أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ فِيهِ جُرْحٌ أَمْ لَا، قِيلَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقْبَلُ إلَّا مَعَ الْجُرْحِ. الْمُتَيْطِيُّ وَبِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْعَمَلُ وَالْحُكْمُ. اهـ (اللَّخْمِيُّ) اُخْتُلِفَ إنْ قَالَ: قَتَلَنِي عَمْدًا. وَلَا جِرَاحَ بِهِ وَأَبْيَنُ ذَلِكَ أَنْ لَا يُقْسِمَ مَعَ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا قِتَالٌ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اضْطِرَابٌ. وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَبِهِ الْحُكْمُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَدْمِيِّ أَثَرُ جُرْحٍ أَوْ ضَرْبٍ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى فُلَانٍ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَهُ أَصْبَغُ
وَهْيَ بِخَمْسِينَ يَمِينًا وُزِّعَتْ
…
عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مُنِعَتْ
بَعْدَ ثُبُوتِ الْمَوْتِ وَالْوُلَاةِ
…
وَيَحْلِفُونَهَا عَلَى الْبَتَاتِ
ضَمِيرُ هِيَ لِلْقَسَامَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، وَهَذَا فِي الْعَمْدِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْخَطَأِ يَعْنِي أَنَّ الْقَسَامَةَ هِيَ حَلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَتُوَزَّعُ عَلَى الذُّكُورِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ إنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ اُكْتُفِيَ بِحَلِفِ الْخَمْسِينَ، وَإِنْ كَانَ الْوُلَاةُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ، وَطَاعَ اثْنَانِ مِنْهُمْ بِحَلِفِ الْخَمْسِينَ جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ إلَّا الذُّكُورُ بِخِلَافِ الْخَطَأِ كَمَا يَأْتِي، فَإِنْ كَانَتْ الْقَسَامَةُ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ عَلَى الْجُرْحِ أَوْ الضَّرْبِ أَوْ بِالْقَتْلِ وَلَمْ يُوجَدْ جَسَدُ الْمَجْرُوحِ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مَوْتِهِ؛ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مَا زَالَ حَيًّا.
وَكَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْوُلَاةِ، وَأَنَّهُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ لِدَمِهِ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْبَتِّ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا عَلَى الْعِلْمِ. (ابْنُ عَرَفَةَ) : الْقَسَامَةُ حَلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ جُزْئِهَا عَلَى إثْبَاتِ الدَّمِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) : إنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ وُزِّعَتْ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ اُجْتُزِئَ بِالْخَمْسِينَ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي الِاجْتِزَاءِ بِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْهُمَا قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. (ابْنُ رُشْدٍ) إنْ كَانَ وُلَاةُ الدَّمِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ وَطَاعَ اثْنَانِ مِنْهُمْ بِحَمْلِ الْخَمْسِينَ يَمِينًا جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَمْ يُعَدَّ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ نَاكِلًا؛ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ قِيمَ بِهِ. الرِّسَالَةُ، وَتَحْلِفُ امْرَأَةٌ فِي الْعَمْدِ وَفِي ابْنِ شَاسٍ وَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِي الْعَمْدِ بِوَجْهٍ.
التَّوْضِيحُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْمَوْتِ لِاحْتِمَالِ بَقَائِهِ حَيًّا. اهـ يَعْنِي، إذَا كَانَتْ الْقَسَامَةُ
بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ بِالْجَرْحِ أَوْ الضَّرْبِ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَلَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَصَبَةً. التَّوْضِيحُ وَقَوْلُهُ: عَصَبَةً. أَيْ عَصَبَةَ الْقَتِيلِ وَسَوَاءٌ وَرِثُوا أَمْ لَا. اهـ (الْمُدَوَّنَةُ) يَمِينُ الْقَسَامَةِ عَلَى الْبَتِّ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ أَعْمَى أَوْ غَائِبًا حِينَ الْقَتْلِ، قَالَ سَحْنُونٌ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَحْصُلُ بِالْخَبَرِ وَالسَّمَاعِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْمُعَايَنَةِ. اهـ وَبَاءُ بِخَمْسِينَ زَائِدَةٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنَّ زِيَادَتَهَا فِي الْخَبَرِ الْمُثْبَتِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى السَّمَاعِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي. وَقَوْلُهُ: وَالْوُلَاةِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَبَعْدَ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْوُلَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَتْ التَّدْمِيَةُ وَالْمُدَمَّى لَمْ يَبْرَأْ فِي عِلْمِ الشُّهُودِ وَجَبَ سَجْنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَبْرَأَ الْمُدَمَّى فَيُطْلَقَ، أَوْ يَمُوتَ الْمُدَمَّى بِتِلْكَ الْحَالِ قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ صِحَّةً كَامِلَةً، فَيُقْسِمَ الْوَرَثَةُ وَيَسْتَفِيدُوا بَعْدَ ثُبُوتِ مَوْتِهِ وَعِدَّةِ وَرَثَتِهِ، وَيَحْلِفُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ.
قَالَهُ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ. (فَرْعٌ) إذَا كَانَتْ الْقَسَامَةُ بِشَاهِدَيْنِ عَلَى الضَّرْبِ يَحْلِفُونَ: لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ. وَإِذَا كَانَتْ الْقَسَامَةُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَلَى الْجَرْحِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فَيَحْلِفُونَ: لَقَدْ جَرَحَهُ، وَلَقَدْ مَاتَ مِنْ جَرْحِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْقَسَامَةُ بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ، وَقَدْ حَيَا حَيَاةً بَيِّنَةً، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ فِي غَمْرَةِ الْمَوْتِ، أَوْ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَلَى الْقَتْلِ فَيَحْلِفُونَ: لَقَدْ قَتَلَهُ وَلَقَدْ جَرَحَهُ الْجُرْحَ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ لَا أَكْثَرَ مِنْ طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ يَحْلِفُونَ يَمِينَ الْقَسَامَةِ؟ قَالَ: يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ، أَوْ لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ إنْ كَانَ حَيًّا بَعْدَ الضَّرْبِ، وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْبَتِّ، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، وَلَا يَحْلِفُونَ عَلَى الْعِلْمِ.
(فَرْعٌ) إذَا وُزِّعَتْ الْأَيْمَانُ فَانْكَسَرَتْ يَمِينٌ فَإِمَّا أَنْ يَتَسَاوَى الْكَسْرُ أَوْ يَخْتَلِفَ، فَإِنْ تَسَاوَى حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا. (ابْنُ الْجَلَّابِ) : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْلِفَ وَاحِدٌ فَقَطْ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ قَوْلًا فِي التَّسَاوِي بِالْقُرْعَةِ، كَثَلَاثَةِ بَنِينَ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا، وَإِنْ اخْتَلَفَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَحْلِفُهَا أَكْثَرُهُمْ نَصِيبًا مِنْ الْيَمِينِ الْمُنْكَسِرَةِ فَإِنْ كَانَ ابْنٌ وَبِنْتٌ حَلَفَ الِابْنُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَحَلَفَتْ الْبِنْتُ سَبْعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهَا نَابَهَا مِنْ الْيَمِينِ الْمُنْكَسِرَةِ ثُلُثَاهَا. وَقِيلَ وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ كَالتَّسَاوِي. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ: ثَالِثٌ يَحْلِفُ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَيْمَانِ فَيَحْلِفُهَا الِابْنُ فِي الْمِثَالِ الْمَفْرُوضِ. انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ
وَتُقْلَبُ الْأَيْمَانُ مَهْمَا نَكَلَا
…
وَلِيُّ مَقْتُولٍ عَلَى مَنْ قَتَلَا
وَيَحْلِفُ اثْنَانِ بِهَا فَمَا عَلَا
…
وَغَيْرُ وَاحِدٍ بِهَا لَنْ يُقْتَلَا
يَعْنِي أَنَّهُ إذَا نَكَلَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ عَنْ الْقَسَامَةِ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ تُقْلَبُ عَلَى الْقَاتِلِ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْقَتْلِ وَاحِدًا حَلَفَ الْخَمْسِينَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا، كَمَا فِي الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا.
قَالَ فِي الرِّسَالَةِ) : وَإِنْ نَكَلَ مُدَّعُو الدَّمِ، حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى جَمَاعَةٍ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي النُّكُولِ هُوَ مَنْ لَهُ اسْتِيفَاءُ الدَّمِ، وَأَمَّا نُكُولُ الْمُعِينِ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَالْمُعِينُ مَنْ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ كَالْإِخْوَةِ مَعَ الْبَنِينَ، وَبَنِي الْعَمِّ مَعَ الْإِخْوَةِ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ نُكُولِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِّ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُسْجَنُ حَتَّى يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا. الثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهِ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَطُولَ سَجْنُهُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. (فَرْعٌ) إذَا رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِأَوْلِيَائِهِ أَوْ لَا؟ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: نَفْيُ الِاسْتِعَانَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَمُطَرِّفٍ وَالثَّانِي: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ مَعَ أَوْلِيَائِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ. وَالثَّالِثُ: لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ وُلَاةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفُوا الْأَيْمَانَ كُلَّهَا أَوْ يَحْلِفَهَا الْمُتَّهَمُ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا بَعْضَهَا وَيَحْلِفَ هُوَ بَقِيَّتَهَا. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَلَا يَخْفَى وَجْهُهُ. انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ.
هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ:
وَيَحْلِفُ اثْنَانِ بِهَا فَمَا عَلَا
فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ الْبَيْتَيْنِ قَبْلَ هَذَيْنِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ مِنْ الْعَصَبَةِ وَرِثُوا أَمْ لَا. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَصَبَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَوَالِي فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ. التَّوْضِيحُ أَيْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ مِنْ الدَّعْوَى وَضُرِبَ مِائَةً وَسُجِنَ عَامًا، وَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَظَاهِرُهُ تَأْبِيدُ حَبْسِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. اهـ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَسَامَةَ تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إذَا نَكَلَ عَنْهَا أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَهِيَ الْمُشَارُ لَهَا فِي أَوَّلِ الْبَيْتَيْنِ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ عَصَبَةُ نَسَبٍ وَلَا مَوَالِي. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ: وَإِنْ نَكَلَ الْمُعِينُ وَلَمْ يَكُنْ وَلِيُّ الدَّمِ إلَّا وَاحِدًا فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ غَيْرَ هَذَا، وَإِلَّا فَقَدْ بَطَلَ الدَّمُ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَغَيْرُ وَاحِدٍ بِهَا لَنْ يُقْتَلَا
إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ اللَّوْثُ عَلَى جَمَاعَةٍ، فَلَا يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ إلَّا وَاحِدٌ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ (التَّوْضِيحُ) لِأَنَّ الْقَسَامَةَ أَضْعَفُ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ. وَقَاسَ الْمُغِيرَةُ ذَلِكَ عَلَى الشَّهَادَةِ. اهـ أَيْ عَلَى ثُبُوتِ الدَّمِ بِالشَّهَادَةِ فَيُقْتَلُ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ: وَإِنْ وَجَبَ لِقَوْمٍ دَمُ رَجُلٍ بِقَسَامَتِهِ فَلَمَّا قُدِّمَ لِلْقَتْلِ أَقَرَّ غَيْرُهُ أَنَّهُ قَتَلَهُ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا الْمُقِرَّ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا الْأَوَّلَ بِقَسَامَةٍ، وَلَا يُقْتَلُ إلَّا وَاحِدٌ. اهـ
(فَرْعٌ) وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ إلَّا وَاحِدٌ، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى مُعَيَّنٍ، وَهُوَ الَّذِي يُرِيدُونَ قَتْلَهُ. (ابْنُ الْقَاسِمِ) عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ: وَإِذَا أَقْسَمُوا عَلَيْهِ قَالُوا فِي الْقَسَامَةِ: لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ. وَلَا يَقُولُونَ: مِنْ ضَرْبِهِمْ. اهـ وَقَالَ أَشْهَبُ: الْأَوْلِيَاءُ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يُعَيِّنُوهُ أَوَّلًا، كَمَا تَقَدَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَخْتَارُوهُ بَعْدَ حَلِفِهِمْ عَلَى الْجَمَاعَةِ. (التَّوْضِيحُ) فِي قَوْلِ أَشْهَبَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَقْسَمُوا عَلَى الْجَمِيعِ ثُمَّ اخْتَارُوا وَاحِدًا، يَكُونُ مِنْ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ، إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمْ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ. اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ. (تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يُعَيِّنُونَ وَاحِدًا يُقْسِمُونَ عَلَيْهِ، إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِخِلَافِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ لَا يُقْسَمُ إلَّا عَلَى جَمِيعِهِمْ، وَتَوْزِيعُ الدِّيَةِ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. اهـ
(فَرْعٌ) كَمَا تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ
أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، كَذَلِكَ تُرَدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا إذَا عَفَا مَنْ يَجُوزُ عَفْوُهُ، فَتُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا لَا يُبَرِّئُهُ أَقَلُّ مِنْهَا. نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ، يَعْنِي وَيُرْجِعُ الدِّيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) الْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ فِي قَوْلِهِ: مَهْمَا نَكَلَا وَلِيُّ مَقْتُولٍ جِنْسُ الْوَلِيِّ لَا الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ الْوَلِيُّ وَنَكَلَ وَاحِدٌ وَأَرَادَ غَيْرُهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ أَنْ يَحْلِفَ فَلَا تُقْلَبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. كَذَا قَالَ الشَّارِحُ وَلَفْظُهُ: وَإِنْ نَكَلَ مُسْتَحِقُّ الدَّمِ عَنْ الْأَيْمَانِ فَإِنَّ الْحُكْمَ إنْ كَانَ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ خَاصَّةً، فَإِنَّ الدَّمَ يَبْطُلُ وَإِنْ كَانُوا مُتَعَدِّدِينَ فَلِلَّذِي لَمْ يَعْفُ إذَا كَانَ فِي قُعُودِ الْعَافِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ مِنْ الْعَصَبَةِ مَنْ يَحْلِفُ مَعَهُ، وَيَسْتَحِقُّونَ الدَّمَ مَا لَمْ يَكُنْ الْعَافِي أَقْعَدَ بِالْمَقْتُولِ مِنْ الْبَاقِينَ بَعْدَهُ فَيَرْجِعَ لِلدِّيَةِ. اهـ
وَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ: إنْ عَفَا أَحَدٌ مِمَّنْ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا قَتْلَ. وَقَوْلَ الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا، وَاللَّفْظُ لَهَا: وَإِنْ عَفَا أَحَدُ الْبَنِينَ فَلَا قَتْلَ وَلِمَنْ بَقِيَ نَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ. وَنَقَلَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ:
وَعَفْوِ بَعْضٍ مُسْقِطُ الْقِصَاصِ
الْبَيْتَيْنِ، عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ نَكَلَ وَاحِدٌ مِنْ الْعَصَبَةِ أَوْ عَفَا، فَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبَ كَالْوَلَدِ وَالْأَخِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، سَقَطَ الْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَ الْأَبْعَدَ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَلِلْأَقْرَبِ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ مَنْ يَحْلِفُ مَعَهُ مِنْ سَائِرِ الْعَصَبَةِ، وَيَسْتَحِقَّ الْقَوَدَ. اهـ وَعَلَى هَذَا يُفْهَمُ كَلَامُ الشَّارِحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَيْسَ فِي عَبْدٍ وَلَا جَنِينِ
…
قَسَامَةٌ وَلَا عَدُوِّ الدِّينِ
يَعْنِي أَنَّهُ لَا قَسَامَةَ فِي قَتْلِ عَبْدٍ وَلَا جَنِينٍ وَلَا كَافِرٍ، بَلْ مَنْ قَامَ لَهُ لَوْثٌ عَلَى قَتْلِ وَاحِدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ، حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً وَاسْتَحَقَّ مَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ.
(أَمَّا مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ) فَفِي الْمُوَطَّأِ: قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَبِيدِ أَنَّهُ إذَا أُصِيبَ الْعَبْدُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، ثُمَّ جَاءَ سَيِّدُهُ بِشَاهِدٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً، ثُمَّ كَانَ لَهُ قِيمَةُ عَبْدِهِ، وَلَيْسَ فِي الْعَبْدِ قَسَامَةٌ فِي عَمْدٍ وَلَا خَطَأٍ، فَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ قَسَامَةٌ وَلَا يَمِينٌ، وَلَا يَسْتَحِقُّ سَيِّدُهُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ، أَوْ بِشَاهِدٍ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ (الْمَوَّاقُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَبْدَ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ سَيِّدُهُ أَوْ يَرْضَى سَيِّدُ الْمَقْتُولِ بِأَخْذِ قِيمَةِ عَبْدِهِ. اهـ
(وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْجَنِينِ) فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ ضُرِبَتْ امْرَأَةٌ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَقَالَتْ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَفِي الْمَرْأَةِ الْقَسَامَةُ، وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تُثْبِتُ أَنَّهُ كَجُرْحٍ مِنْ جِرَاحِهَا، وَلَا قَسَامَةَ فِي الْجِرَاحِ، وَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِشَاهِدٍ عَدْلٍ، فَيَحْلِفُ وُلَاتُهُ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّونَ دِيَتَهُ. (ابْنُ يُونُسَ) : يُرِيدُ: يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَرِثُ الْغُرَّةَ يَمِينًا أَنَّهُ قَتَلَهُ. اهـ
(وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْكَافِرِ) فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي نَصْرَانِيٍّ قَامَ عَلَى قَتْلِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ مُسْلِمٌ: يَحْلِفُ وُلَاتُهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ عَلَى قَاتِلِهِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ نَصْرَانِيًّا. اهـ.
(تَتِمَّةٌ) وَكَذَلِكَ لَا قَسَامَةَ فِي جُرْحٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا قَسَامَةَ فِي الْجُرْحِ، لَكِنْ مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا عَلَى جُرْحٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلْيَحْلِفْ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ، وَيَأْخُذُ الْعَقْلَ فِي الْخَطَأِ. قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: لِمَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ؟ قَالَ: كَلَّمْتُ مَالِكًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّهُ لَشَيْءٌ اسْتَحْسَنَّاهُ، وَمَا سَمِعْتُ فِيهِ شَيْئًا. اهـ وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي قَالَ فِيهَا مَالِكٌ بِمَا اسْتَحْسَنَهُ، وَإِنْ لَمْ يُرْوَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ، وَهِيَ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِ الشَّيْخِ ابْنِ غَازِيٍّ فِي نَظَائِرِ الرِّسَالَةِ،
وَقَالَ مَالِكٌ بِالِاخْتِيَارِ
…
فِي شُفْعَةِ الْأَنْقَاضِ وَالثِّمَارِ
وَالْجُرْحُ مِثْلُ الْمَالِ فِي الْأَحْكَامِ
…
وَالْخَمْسُ فِي أُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ
وَقَسَامَةٌ: اسْمُ لَيْسَ وَلَا عَدُوِّ بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى جَنِينٍ، وَالْمُرَادُ بِعَدُوِّ الدِّينِ الْكَافِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْقَوَدُ الشَّرْطُ بِهِ الْمِثْلِيَّهْ
…
فِي الدَّمِ بِالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّهْ
وَقَتْلُ مُنْحَطٍّ مَضَى بِالْعَالِي
…
لَا الْعَكْسُ وَالنِّسَاءُ كَالرِّجَالِ
تَقَدَّمَ لِلنَّاظِمِ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْقَاتِلِ الَّذِي يُقْتَصُّ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا غَيْرَ حَرْبِيٍّ، وَزَادَ هُنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ لِلْمَقْتُولِ فِي الدَّمِ أَيْ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ؛ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا زَادَ الْقَاتِلُ عَلَى الْمَقْتُولِ بِإِسْلَامٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ، فَلَا يُقْتَصُّ حِينَئِذٍ مِنْ الْقَاتِلِ؛ لِعَدَمِ التَّكَافُؤِ وَالْمُمَاثَلَةِ، فَلِأَجْلِ الزِّيَادَةِ بِالْإِسْلَامِ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا بِكَافِرٍ.
وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ حُرًّا، قَتَلَهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَلِأَجْلِ الزِّيَادَةِ بِالْحُرِّيَّةِ لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْإِسْلَامِ، فَلَوْ تَمَيَّزَ الْقَاتِلُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَالْمَقْتُولُ بِالْإِسْلَامِ، فَقَتَلَ كَافِرٌ حُرٌّ عَبْدًا مُسْلِمًا، فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاتِلِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَمَّا أَوْهَمَ اشْتِرَاطُ التَّكَافُؤِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ
الْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَلَا الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ، رَفَعَ ذَلِكَ الْوَهْمَ بِقَوْلِهِ: وَقَتْلُ مُنْحَطٍّ مَضَى بِالْعَالِي لَا الْعَكْسُ. فَالْعَالِي هُوَ الْمُسْلِمُ، وَالْمُنْحَطُّ الْكَافِرُ، فَيُقْتَلُ الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ، وَلَوْ كَانَ الْكَافِرُ حُرًّا وَالْمُسْلِمُ الْمَقْتُولُ عَبْدًا.
وَلَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ مُطْلَقًا كَانَ الْمُسْلِمُ الْقَاتِلُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، كَانَ الْكَافِرُ الْمَقْتُولُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا. وَالْعَالِي أَيْضًا هُوَ الْحُرُّ وَالْمُنْحَطُّ الْعَبْدُ، فَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ. وَيُقْتَلُ الْحُرُّ الْكَافِرُ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْعَكْسُ الْمَنْفِيُّ فِيهِ الْقِصَاصُ هُوَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَأَمَّا الرَّجُلُ مَعَ الْمَرْأَةِ فَيُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْتُ: فَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْمَمْلُوكِ، أَوْ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ فِي الْعَمْدِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ. قَالَ: لَا، وَلَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا فِي الْجِرَاحَاتِ.
(وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ) : وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَالْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ، وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ وَلَا الْحُرَّةُ بِالْعَبْدِ وَلَا بِالْأَمَةِ، وَلَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَلَا الْمُسْلِمَةُ بِالْكَافِرِ وَلَا بِالْكَافِرَةِ. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) : قُلْتُ: فَيُقْتَصُّ مِنْ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ وَلِلرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فِي الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ. (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) : وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَرْتَبَةُ الْمَقْتُولِ نَاقِصَةً عَنْ مَرْتَبَةِ الْقَاتِلِ؛ لِعَدَمِ حُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ.
(تَنْبِيهٌ) وَلَا أَثَرَ لِفَضِيلَةِ الرُّجُولِيَّةِ، فَيُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ، وَلَا الْعَدَدِ فَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ، وَكَذَا لَا أَثَرَ لِلْعَدَالَةِ وَالشَّرَفِ وَسَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ وَصِحَّةِ الْجِسْمِ، فَيُقْتَلُ الْعَدْلُ بِالْفَاسِقِ وَالشَّرِيفُ بِالْمُشَرَّفِ، وَالصَّحِيحُ بِالْأَجْذَمِ، وَيُقْتَلُ الْأَعْمَى الْمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالسَّالِمِ. قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (تَتِمَّةٌ) إذَا صَادَفَ الْقَتْلُ تَكَافُؤَ الدِّمَاءِ لَمْ يَسْقُطْ بِزَوَالِهِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ بَعْدَ قَتْلِهِ كَافِرًا، أَوْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ بَعْدَ قَتْلِهِ عَبْدًا، فَإِنَّ الْقِصَاصَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالتَّكَافُؤِ حَالَةَ الْقَتْلِ، وَهُوَ حَاصِلُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَلَا يُعْتَرَضُ بِمَا إذَا أَوْصَى لِوَارِثٍ فَصَارَ غَيْرَ وَارِثٍ، وَالْعَكْسِ؛ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمَآلِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ مُنْحَلٌّ. اهـ
وَهَذَا إذَا زَالَ التَّكَافُؤُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَمَّا إذَا زَالَ بَيْنَ حُصُولِ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ كَعِتْقِ أَحَدِهِمَا أَوْ إسْلَامِهِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ، وَبَعْدَ الْجُرْحِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ دِيَةِ الْحُرِّ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ حَالُ الْإِصَابَةِ وَالْمَوْتِ أَيْ حَالُ حُصُولِ الْمُسَبَّبِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ حَالُ الرَّمْيِ. اُنْظُرْ ابْنَ الْحَاجِبِ وَالتَّوْضِيحَ فَقَدْ أَطَالَا فِي ذَلِكَ. (فَائِدَةٌ) سُمِّيَ الْقِصَاصُ قَوَدًا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُودُ الْجَانِيَ بِحَبْلٍ فِي رَقَبَتِهِ وَتُسَلِّمُهُ فَسُمِّيَ الْقِصَاصُ قَوَدًا؛ لِمُلَازَمَتِهِ لَهُ
وَالشَّرْطُ فِي الْمَقْتُولِ عِصْمَةُ الدَّمِ
…
زِيَادَةٌ لِشَرْطِهِ الْمُسْتَقْدَمِ
لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ شُرُوطٌ فِي الْقَاتِلِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ، فَبَعْضُهَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ أَوَّلَ الْفَصْلِ:
مِنْ اعْتِرَافِ ذِي بُلُوغٍ عَاقِلِ
وَبَعْضُهَا فِي الْبَيْتَيْنِ قَبْلَ هَذَا، وَهُوَ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الْمَقْتُولِ بِحُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ، بَلْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهُ فِيهِمَا، أَوْ أَحَطَّ رُتْبَةً، وَشُرُوطٌ فِي الْمَقْتُولِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُسَاوِيًا لِلْقَاتِلِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ أَوْ كَوْنِ الْمَقْتُولِ أَرْفَعَ مِنْ الْقَاتِلِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْبَيْتَيْنِ قَبْلَ هَذَا، وَإِلَى شُرُوطِ الْمَقْتُولِ هَذِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:
زِيَادَةٌ لِشَرْطِهِ الْمُسْتَقْدَمِ
وَيُزَادُ فِي شُرُوطِ الْمَقْتُولِ مَا تَعَرَّضَ لَهُ فِي الْبَيْتِ مِنْ كَوْنِهِ مَعْصُومَ الدَّمِ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِغِيلَةٍ أَوْ حِرَابَةٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَلَيْسَ عَلَى قَاتِلِهِمْ إلَّا الْأَدَبُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ قِصَاصًا، فَإِنَّهُ مَعْصُومُ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَحِقِّ دَمِ مَقْتُولِهِ. (قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ) : الرُّكْنُ الثَّانِي: الْقَتِيلُ وَشَرْطُ كَوْنِهِ مَضْمُونًا بِالْقِصَاصِ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا، وَالْعِصْمَةُ بِالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَالْأَمَانُ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ، وَالْحَرْبِيُّ مُهْدَرٌ دَمُهُ، وَالْمُرْتَدُّ كَذَلِكَ. قَالَ (سَحْنُونٌ) وَكَذَلِكَ مَنْ قَتَلَ زِنْدِيقًا أَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا أَوْ قَطَعَ سَارِقًا قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ لَا بُدَّ أَنْ تُقَامَ، وَلَا تَخْيِيرَ فِيهَا وَلَا عَفْوَ، فَأَمَّا مَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فَمَعْصُومٌ فِي غَيْرِ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ، فَإِنْ عَدَا عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ فَقَتَلَهُ فَدَمُهُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ.
وَيُقَالُ: لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْآخَرِ، أَرْضُوا أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ، وَشَأْنُكُمْ بِقَاتِلِ وَلِيِّكُمْ فِي الْقَتْلِ وَالْعَفْوِ. فَإِنْ لَمْ يُرْضُوهُمْ فَلِأَوْلِيَاءِ الْأَوَّلِ قَتْلُهُ، أَوْ الْعَفْوُ
وَلَهُمْ أَنْ لَا يَرْضَوْا بِمَا بُذِلَ لَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا. اهـ
وَإِنْ وَلِيُّ الدَّمِ لِلْمَالِ قَبِلْ
…
وَالْقَوَدَ اسْتَحَقَّهُ فِيمَنْ قُتِلْ
فَأَشْهَبُ قَالَ لِلِاسْتِحْيَاءِ
…
يُجْبَرُ قَاتِلٌ عَلَى الْإِعْطَاءِ
وَلَيْسَ ذَا فِي مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ
…
دُونَ اخْتِيَارِ قَاتِلٍ بِلَازِمِ
تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ هُوَ الْقِصَاصُ لَا غَيْرُ أَوْ الْعَفْوُ مَجَّانًا بِلَا شَيْءٍ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَرَوَى أَشْهَبُ أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ عَلَى الدِّيَةِ. وَقَالَ بِهِ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ، وَذَلِكَ إذَا عَفَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ فَأَبَى الْقَاتِلُ وَبَذَلَ دَمَهُ فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الدِّيَةِ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يُجْبَرُ الْقَاتِلُ عَلَى إعْطَاءِ الدِّيَةِ.
قَالَ فِي أُصُولِ الْفُتْيَا لِابْنِ حَارِثٍ: وَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَنْ الْقَاتِلِ عَلَى أَنْ يَغْرَمَ إلَيْهِ الدِّيَةَ، فَأَبَى الْقَاتِلُ مِنْ غُرْمِهَا، وَبَذَلَ دَمَهُ فَذَلِكَ لَهُ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ يُخَالِفُهُ وَيَقُولُ: إنْ وَجَدَ لِحَقْنِ دَمِهِ سَبِيلًا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْفِكَهُ، وَاعْتَلَّ فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا فَدَاهُ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ كَانَ عَلَى الْمُفْدَى أَنْ يَغْرَمَ مَا فَدَاهُ بِهِ كُرْهًا، وَاعْتَلَّ فِي ذَلِكَ أَيْضًا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِأَنْ قَالَ: إنَّمَا يُحَامِي عَنْ مَالِ وَارِثٍ يَصِيرُ إلَيْهِ بَعْدَ قَتْلِهِ. اهـ. وَ (وَلِيُّ الدَّمِ) فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ قَبِلَ، وَ (الْقَوَدَ) مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ، (لِلِاسْتِحْيَاءِ) يَتَعَلَّقُ بِيَجْبُرُ أَوْ بِالْإِعْطَاءِ، وَ (عَلَى الْإِعْطَاءِ) يَتَعَلَّقُ بِيَجْبُرُ.
وَعَفْوُ بَعْضٍ مُسْقِطُ الْقِصَاصِ
…
مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قُعْدُدِ انْتِقَاصِ
وَشُبْهَةٌ تَدْرَؤُهُ وَمِلْكُ
…
بَعْضِ دَمِ الَّذِي اعْتَرَاهُ الْهُلْكُ
ذَكَرَ فِي الْبَيْتَيْنِ بَعْضَ مُسْقِطَاتِ الْقِصَاصِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ إذَا عَفَا بَعْضُ مَنْ لَهُ اسْتِيفَاءُ الدَّمِ، إلَّا إذَا كَانَ الْعَافِي أَبْعَدَ فِي الدَّرَجَةِ مِنْ الَّذِي لَمْ يَعْفُ، فَالْكَلَامُ لِلْأَقْرَبِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قُعْدُدِ انْتِقَاصِ
وَكَذَلِكَ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ مِثْل ضَرْبِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ أَوْ الْمُؤَدِّبِ لِلْمُتَعَلِّمِ، فَيَئُولُ ذَلِكَ إلَى الْمَوْتِ فَيُدْرَأُ الْحَدُّ عَنْهُمَا لِلشُّبْهَةِ، وَهِيَ كَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ فِي ضَرْبِ زَوْجَتِهِ وَمُتَعَلِّمِهِ، وَكَذَلِكَ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْ الْقَاتِلِ إذَا مَلَكَ بَعْضَ دَمِ الْمَقْتُولِ كَأَرْبَعَةِ إخْوَةٍ
يَقْتُلُ أَحَدُهُمْ أَبَاهُ ثُمَّ يَمُوتُ بَعْضُ الْأَرْبَعَةِ فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ؛ لِإِرْثِ الْقَاتِلِ مِنْ أَخِيهِ بَعْضَ دَمِ الْمَقْتُولِ.
فَلَمَّا مَلَكَ دَمَهُ حِصَّةً صَارَ كَعَفْوِ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ، لَا يُبَاحُ لَهُ قَتْلٌ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمِلْكُ بَعْضِ دَمِ الَّذِي اعْتَرَاهُ الْهُلْكُ. وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ فَرْعَيْنِ تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ: (الْأَوَّلُ) : فِيمَنْ لَهُ اسْتِيفَاءُ الدَّمِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَوِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ لِأَقْرَبِ الْوَرَثَةِ الْعَصَبَةِ الذُّكُورِ. (التَّوْضِيحُ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: وَتَرْتِيبُهُمْ فِي الْقِيَامِ بِالدَّمِ كَتَرْتِيبِهِمْ فِي مِيرَاثِ الْوَلَاءِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ، وَفِي النِّكَاحِ لَا يَشِذُّ مِنْ ذَلِكَ، عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا الْجَدُّ مَعَ الْإِخْوَةِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِمْ فِي الْعَفْوِ عَنْ الدَّمِ وَالْقِيَامِ بِهِ. اهـ
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ تَرْتِيبَهُمْ فِي النِّكَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَقُدِّمَ ابْنٌ فَابْنُهُ فَأَبٌ فَأَخٌ فَابْنُهُ فَجَدٌّ فَعَمٌّ فَابْنُهُ. (التَّوْضِيحُ) وَقَوْلُهُ: (الْعَصَبَةِ) احْتِرَازٌ مِنْ غَيْرِ الْعَاصِبِ كَالزَّوْجِ وَالْأَخِ لِلْأُمِّ، وَاحْتِرَازٌ بِالذُّكُورِ مِنْ الْإِنَاثِ فَإِنَّهُ سَيَذْكُرُ مَا فِيهِنَّ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ. اهـ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ النِّسَاءَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ عَصَبَةٌ كَذَلِكَ أَنَّ لَهُنَّ الِاسْتِيفَاءَ. (التَّوْضِيحُ) وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ عَصَبَةٌ. مِمَّا لَوْ كَانَ فِي دَرَجَتِهِنَّ عَصَبَةٌ كَالْبَنَاتِ مَعَ الِابْنِ، وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْأَخِ فَإِنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ حِينَئِذٍ فِي عَفْوٍ وَلَا قَوَدٍ بِاتِّفَاقٍ. وَالْمُرَادُ بِالْعَصَبَةِ الْعَاصِبُ؛ لِأَنَّ الْعَاصِبَ الْوَاحِدَ يَحْجُبُهُنَّ، وَيُشْتَرَطُ فِي النِّسَاءِ عَلَى الْقَوْلِ بِدُخُولِهِنَّ أَنْ يَكُنَّ مِمَّنْ يَرِثُهُنَّ احْتِرَازًا مِنْ الْعَمَّاتِ وَشِبْهِهِنَّ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِيهِنَّ أَنْ يَكُنَّ مِمَّنْ لَوْ كَانَ فِي دَرَجَتِهِنَّ ذَكَرٌ وَرِثَ بِالتَّعْصِيبِ؛ احْتِرَازًا مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّ الْعَصَبَةَ الْوَارِثِينَ مَعَ النِّسَاءِ فَوْقَهُمْ سَوَاءٌ. (التَّوْضِيحُ) كَالْبِنْتِ مَعَ الْإِخْوَةِ. وَقَوْلُهُ: سَوَاءٌ. أَيْ فِي الْقِيَامِ بِالدَّمِ، فَمَنْ قَامَ بِهِ فَهُوَ أَوْلَى وَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْعَصَبَةُ غَيْرُ الْوَارِثِينَ إذَا ثَبَتَ الْقَوَدُ بِقَسَامَتِهِمْ مَعَ النِّسَاءِ كَذَلِكَ. اهـ وَذَلِكَ كَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ لَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ إذَا ثَبَتَ الدَّمُ بِقَسَامَتِهِمْ. وَمَنْ قَامَ بِالدَّمِ فَلَهُ ذَلِكَ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ لَهُ اسْتِيفَاءٌ إمَّا ذُكُورٌ فَقَطْ أَوْ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ، وَهَذَا الْقِسْمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ كَانَ الذُّكُورُ فِي مَرْتَبَةِ الْإِنَاثِ كَالْبَنَاتِ مَعَ الِابْنِ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْأَخِ فَلَا كَلَامَ لَهُنَّ فِي عَفْوٍ، وَلَا قَوَدٍ وَأَحْرَى إذَا كَانَ الذُّكُورُ أَقْرَبَ.
وَإِنْ كَانَ الْإِنَاثُ أَقْرَبَ وَالذَّكَرُ وَارِثٌ كَالْبِنْتِ مَعَ الْإِخْوَةِ فَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ كَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ فَإِنْ ثَبَتَ الدَّمُ بِقَسَامَةٍ، فَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ، وَمَنْ قَامَ بِالدَّمِ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَلَا كَلَامَ لِلْعَصَبَةِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْفَرْعُ الثَّانِي) فِيمَا إذَا عَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ بِاعْتِبَارِ سُقُوطِ الْقَوَدِ وَعَدَمِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلدَّمِ تَارَةً يَكُونُ جَمِيعُهُمْ رِجَالًا، وَتَارَةً يَكُونُ جَمِيعُهُمْ نِسَاءً وَتَارَةً يَجْتَمِعْنَ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَإِذَا عَفَا بَعْضُ مَنْ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ، فَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ رِجَالًا سَقَطَ الْقَوَدُ.
(التَّوْضِيحُ) : وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانُوا أَوْلَادًا أَوْ إخْوَةً أَوْ غَيْرَهُمْ كَالْأَعْمَامِ وَالْمَوَالِي، وَلَا خِلَافَ فِي الْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ، وَأَمَّا الْأَعْمَامُ وَنَحْوُهُمْ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَدَمَ السُّقُوطِ، وَأَنَّ لِمَنْ بَقِيَ أَنْ يَقْتُلَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِنْ كُنَّ نِسَاءً نَظَرَ الْحَاكِمُ. (التَّوْضِيحُ) هَذِهِ هِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا أُخْتَهُ وَابْنَتَهُ فَالِابْنَةُ أَوْلَى بِالْقَتْلِ وَبِالْعَفْوِ، وَهَذَا إذَا مَاتَ مَكَانَهُ. وَقَالَ أَيْضًا فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ رَجُلٍ لَا تُعْرَفُ عَصَبَتُهُ، فَقُتِلَ عَمْدًا وَمَاتَ مَكَانَهُ وَتَرَكَ بَنَاتٍ فَلَهُنَّ أَنْ يَقْتُلْنَ، وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُنَّ وَطَلَبَ بَعْضُهُنَّ الْقَتْلَ، نَظَرَ فِي ذَلِكَ السُّلْطَانُ بِالِاجْتِهَادِ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَدْلًا، وَإِنْ رَأَى الْعَفْوَ أَوْ الْقَتْلَ أَمْضَاهُ، وَهَذَا الْكَلَامُ
هُوَ الَّذِي اخْتَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَالْكَلَامُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ فِيهِ يَحُزْنَ الْمِيرَاثَ فَتَتِمُّ الْمُقَابَلَةُ بِسَبَبِهِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَبُو عِمْرَانَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا كَانَ لِلْإِمَامِ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ؛ إذْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ لِبَيْتِ الْمَالِ مَا بَقِيَ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) فَإِنْ كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً لَمْ يَسْقُطْ إلَّا بِهِمَا أَوْ بِبَعْضِهِمَا، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقْتَصِّ. (التَّوْضِيحُ) : هَذِهِ هِيَ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ إذَا كَانَ النِّسَاءُ أَقْرَبَ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ لَا كَلَامَ لَهُنَّ مَعَ الْمُسَاوِي. وَقَوْلُهُ: لَمْ يَسْقُطْ. أَيْ الْقَوَدُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْعَفْوِ أَوْ بِبَعْضِهِمَا. أَيْ بِبَعْضِ هَذَا الصِّنْفِ وَبَعْضِ هَذَا الصِّنْفِ، وَأَحْرَى إذَا اجْتَمَعَ جَمِيعُ صِنْفٍ مَعَ بَعْضِ الْآخَرِ. وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا تَقَدَّمَ، بَلْ عَفَا أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ وَأَرَادَ الصِّنْفُ الْآخَرُ الْقَتْلَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقْتَصِّ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْعَفْوَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا أَوْ بِبَعْضِهِمَا وَأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ أَرَادَ الْقَتْلَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَهَذَا إذَا ثَبَتَ الدَّمُ بِقَسَامَةٍ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَصَبَةِ فِي الْعَفْوِ وَالْقَتْلِ. وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ أَرَادَ الْعَفْوَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا لَوْ ثَبَتَ الدَّمُ بِبَيِّنَةٍ وَحَازَ النِّسَاءُ الْمِيرَاثَ، فَلَا كَلَامَ لِلْعَصَبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلدَّمِ إنْ كَانَ الْجَمِيعُ رِجَالًا سَقَطَ الْقَوَدُ بِعَفْوِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَكْثَرَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ كَانُوا نِسَاءً وَلَمْ يَحُزْنَ الْمِيرَاثَ وَلَا عَاصِبَ، فَلَهُنَّ الْقَتْلُ، وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُنَّ وَطَلَبَ بَعْضُهُنَّ الْقَتْلَ، نَظَرَ السُّلْطَانُ، وَإِنْ حُزْنَ الْمِيرَاثَ كَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ فَالْبِنْتُ أَوْلَى بِالْقَتْلِ وَبِالْعَفْوِ.
وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا، فَإِنْ كَانُوا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، فَلَا كَلَامَ لِلْإِنَاثِ فِي عَفْوٍ وَلَا قَوَدٍ، وَإِنْ كَانَ النِّسَاءُ أَقْرَبَ كَالْبَنَاتِ مَعَ الْإِخْوَةِ فَإِنْ ثَبَتَ الدَّمُ بِقَسَامَةٍ فَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ، كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ قَرِيبًا، وَإِنْ ثَبَتَ الدَّمُ بِبَيِّنَةٍ، وَقَدْ حَازَ النِّسَاءُ الْمِيرَاثَ فَلَا كَلَامَ لِلْعَصَبَةِ فِي عَفْوٍ أَوْ قَوَدٍ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ لِلْإِنَاثِ، وَإِلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْإِشَارَةُ بِالْأَبْيَاتِ الْمَنْسُوبَةِ لِلْإِمَامِ سَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْوَنْشَرِيسِيِّ وَهِيَ
إذَا انْفَرَدَ الرِّجَالُ وَهُمْ سَوَاءٌ
…
فَمَنْ يَعْفُو وَيَبْلُغُ مَا يَشَاءُ
وَدَعْ قَوْلَ الْبَعِيدِ بِكُلِّ وَجْهٍ
…
كَأَنْ سَاوَتْ بِقُعْدُدِهِمْ نِسَاءُ
فَإِنْ يَكُنْ النَّسَا أَدْنَى فَتَمِّمْ
…
بِوَفْقِ جَمِيعِهِمْ عَفْوًا تَشَاءُ
وَإِنْ إرْثًا يَحُزْنَ فَدَعْ رِجَالًا
…
إذَا ثَبَتَتْ بِلَا قَسَمٍ دِمَاءُ
اهـ.
فَقَوْلُهُ: (فَإِنْ يَكُنْ النِّسَاءُ أَدْنَى) هُوَ فِيمَا إذَا ثَبَتَ الدَّمُ بِقَسَامَةٍ بِدَلِيلِ الْبَيْتِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ مَا إذَا انْفَرَدَ النِّسَاءُ وَلَا عَاصِبَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُنَّ إنْ لَمْ يَحُزْنَ الْمِيرَاثَ كَالْبَنَاتِ فَلَهُنَّ الْقَتْلُ، وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُنَّ وَطَلَبَ بَعْضُهُنَّ الْقَتْلَ، نَظَرَ فِي ذَلِكَ السُّلْطَانُ وَإِنْ حُزْنَ الْمِيرَاثَ كَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَلَا عَاصِبَ فَالْبِنْتُ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ فِي عَفْوٍ وَضِدِّهِ. وَقَدْ ذَيَّلْتُ الْأَبْيَاتَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَقُلْتُ:
كَذَاكَ إذَا انْفَرَدْنَ وَحُزْنَ مَالًا
…
فَحُكْمٌ لِلْقَرِيبَةِ مَا تَشَاءُ
وَإِنْ إرْثٌ يُشَطُّ لِبَيْتِ مَالٍ
…
فَحَاكِمُنَا يُجَنِّبُ مَا يُسَاءُ
وَأَشَرْتُ بِقَوْلِي (إذَا انْفَرَدْنَ) إلَى أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ لَا عَاصِبَ وَأَمَّا النِّسَاءُ مَعَ الْعَاصِبِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُمْ فِي الْأَبْيَاتِ قَبْلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحَيْثُ تَقْوَى تُهْمَةٌ فِي الْمُدَّعَى
…
عَلَيْهِ فَالسَّجْنُ لَهُ قَدْ شُرِّعَا
يَعْنِي أَنَّ مَنْ اُتُّهِمَ بِالْقَتْلِ، وَقَوِيَتْ التُّهْمَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَلَمْ تَنْتَهِ إلَى حَدِّ اللَّوْثِ الْمُوجِبِ لِلْقَسَامَةِ، فَإِنَّهُ يُسْجَنُ حَتَّى يُسْتَبْرَأَ أَمْرُهُ فَيُفْعَلَ مَا يَظْهَرُ مِنْ ثُبُوتِ اللَّوْثِ فَتَجِبَ أَحْكَامُهُ أَوْ اضْمِحْلَالِ التُّهْمَةِ فَيُطْلَقَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ. (قَالَ الشَّارِحُ مَا مَعْنَاهُ) : وَإِذَا سُجِنَ بِالتُّهْمَةِ الْقَاصِرَةِ عَنْ اللَّوْثِ فَأَحْرَى أَنْ يُسْجَنَ مَعَ ثُبُوتِ اللَّوْثِ إذَا لَمْ يُقَمْ بِأَحْكَامِهِ مِنْ الْقَسَامَةِ؛ إمَّا لِعَدَمِ مَنْ يَقُومُ بِهَا أَوْ لِتَوَقِّيهِ مِنْ الْقِيَامِ بِهَا، إنْ كَانَ. فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ أُلْطِخَ بِالدَّمِ وَوَقَعَتْ التُّهْمَةُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْ ذَلِكَ مَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسَامَةُ بِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَرْبُ مِائَةٍ وَسَجْنُ سَنَةٍ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْحَبْسُ الطَّوِيلُ جِدًّا، وَلَا يُعَجَّلُ بِإِخْرَاجِهِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ بَرَاءَتُهُ، أَوْ تَأْتِيَ عَلَيْهِ السُّنُونَ الْكَثِيرَةُ، وَلَقَدْ
كَانَ الرَّجُلُ يُحْبَسُ بِاللَّطْخِ وَالشُّبْهَةِ، وَيُطَالُ حَبْسُهُ حَتَّى أَنَّ أَهْلَهُ لَيَتَمَنَّوْنَ لَهُ الْمَوْتَ مِنْ طُولِ حَبْسِهِ. اهـ
(فَرْعٌ) وَكَذَلِكَ يُسْجَنُ الْقَاتِلُ إذَا كَانَ مُسْتَحِقُّ الدَّمِ غَائِبًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ كَفِيلٌ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَيُحْبَسُ، وَلَا يُكْفَلُ؛ إذْ لَا كَفَالَةَ فِي قِصَاصِ نَفْسٍ وَلَا جُرْحٍ، وَكَذَلِكَ يُسْجَنُ الْقَاتِلُ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ كَفِيلٌ إذَا شَهِدَ وَاحِدٌ فِي الْعَمْدِ، فَيُسْجَنُ حَتَّى يُزَكَّى بِخِلَافِ قَتْلِ الْخَطَأِ وَجِرَاحِهِ، فَإِنَّهُ مَالٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، أَوْ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِذَا كَانَ مَالًا فَيُقْبَلُ الْكَفِيلُ، وَهُوَ إمَّا عَلَى الْعَاقِلَةِ إنْ بَلَغَ الثُّلُثَ، أَوْ عَلَى الْجَانِي إنْ لَمْ يَبْلُغْهُ، وَكَذَلِكَ يُسْجَنُ الْقَاتِلُ إذَا كَانَ فِي الْمُسْتَحِقِّينَ صَغِيرٌ حَتَّى يَكْبُرَ الصَّغِيرُ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ، حَكَاهَا ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا
وَالْعَفْوُ لَا يُغْنِي مِنْ الْقَرَابَهْ
…
فِي الْقَتْلِ بِالْغِيلَةِ وَالْحِرَابَهْ
يَعْنِي أَنَّ الْقَتْلَ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْغِيلَةِ أَوْ الْحِرَابَةِ، فَإِنَّ عَفْوَ الْوَلِيِّ لَا يُسْقِطُهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِلْوَلِيِّ وَالْحِرَابَةُ أَعَمُّ مِنْ الْغِيلَةِ، فَكُلُّ غِيلَةٍ حِرَابَةٌ، وَلَيْسَ كُلُّ حِرَابَةٍ غِيلَةً. قَالَ الشَّيْخُ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: حَقِيقَةُ الْغِيلَةِ قَالَ الْبَوْنِيُّ هِيَ الْغَدْرُ وَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَقْتُلَهُ عَلَى مَالِهِ أَوْ عَلَى زَوْجَتِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الزَّنَّاقُ الْغِيلَةُ الْقَتْلُ بِحِيلَةٍ وَالْإِتْيَانُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ لَا يَتَوَهَّمُهُ. قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَقَتْلُ الْغِيلَةِ لَا عَفْوَ فِيهِ. قَالَ الْجُزُولِيُّ يَعْنِي لَا لِلْمَقْتُولِ وَلَا لِأَوْلِيَائِهِ، وَلَا لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى. اهـ ثُمَّ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ أَيْضًا: وَلِلرَّجُلِ الْعَفْوُ عَنْ دَمِهِ الْعَمْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ قُتِلَ غِيلَةً، وَلِكَوْنِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ إذَا قَتَلَ الذِّمِّيَّ قَتْلَ غِيلَةٍ أَوْ حِرَابَةٍ.
وَالْحِرَابَةُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْخُرُوجُ لِإِخَافَةِ سَبِيلٍ؛ لِأَخْذِ مَالٍ مُحْتَرَمٍ بِمُكَابَرَةِ قِتَالٍ أَوْ خَوْفِهِ أَوْ إذْهَابِ عَقْلٍ أَوْ قَتْلِ خُفْيَةٍ، أَوْ لِمُجَرَّدِ قَطْعِ الطَّرِيقِ، لَا لِإِمْرَةٍ وَلَا نَائِرَةٍ، وَلَا عَدَاوَةٍ. (ابْنُ شَاسٍ) لَوْ دَخَلَ بِاللَّيْلِ وَأَخَذَ الْمَالَ بِالْمُكَابَرَةِ، وَمَنَعَ مِنْ الِاسْتِغَاثَةِ فَهُوَ مُحَارِبٌ. ابْنُ شَاسٍ قَتْلُ الْغِيلَةِ أَيْضًا مِنْ الْحِرَابَةِ، وَهُوَ أَنْ يَغْتَالَ رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا
فَيَخْدَعَهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ مَوْضِعًا فَيَأْخُذَ مَا مَعَهُ، فَهُوَ كَالْحِرَابَةِ. اهـ (وَفِي الْمُدَوَّنَةِ) : سَاقِي السَّكْرَانِ مُحَارِبٌ. اهـ فَقَوْلُهُ: (وَالْعَفْوُ) مُبْتَدَأٌ، وَ (مِنْ الْقَرَابَةِ) أَيْ قَرَابَةِ الْمَقْتُولِ وَأَوْلِيَائِهِ صِفَةٌ لِلْعَفْوِ، وَجُمْلَةُ (لَا يُغْنِي) أَيْ لَا يَكْفِي خَبَرُ الْعَفْوِ وَ (فِي الْقَتْلِ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ فِي سُقُوطِ الْقَتْلِ، يَتَعَلَّقُ بِ (يُغْنِي) .
وَ (بِالْغِيلَةِ) يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ، أَوْ صِفَةٌ لَهُ، وَالتَّقْدِيرُ: وَالْعَفْوُ الصَّادِرُ مِنْ الْقَرَابَةِ، يَعْنِي أَوْ مِنْ الْمَقْتُولِ عَنْ الْقَاتِلِ لَا يَكْفِي فِي سُقُوطِ الْقَتْلِ الْكَائِنِ بِالْغِيلَةِ، أَوْ الْحِرَابَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِائَةً يُجْلَدُ بِالْأَحْكَامِ
…
مَنْ عَنْهُ يُعْفَى مَعَ حَبْسِ عَامِ
وَالصُّلْحُ فِي ذَاكَ مَعَ الْعَفْوِ اسْتَوَى
…
كَمَا هُمَا فِي حُكْمِ الْإِسْقَاطِ سَوَا
يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الْقَاتِلِ عَمْدًا أَنَّهُ يُضْرَبُ مِائَةَ جَلْدَةٍ وَيُسْجَنُ سَنَةً، سَوَاءٌ عُفِيَ عَنْهُ مَجَّانًا أَوْ صَالَحَ بِمَالٍ فَالصُّلْحُ فِي ذَلِكَ مُسَاوٍ لِلْعَفْوِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:(وَالصُّلْحُ فِي ذَاكَ) أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الضَّرْبِ وَالسَّجْنِ.
قَوْلُهُ: (كَمَا هُمَا) إلَخْ، أَيْ كَمَا اسْتَوَى الْعَفْوُ وَالصُّلْحُ فِي لُزُومِ الضَّرْبِ وَالسَّجْنِ، كَذَلِكَ هُمَا سَوَاءٌ فِي سُقُوطِ الدَّمِ، فَيَسْقُطُ بِالْعَفْوِ وَالصُّلْحِ، فَضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ لِلْعَفْوِ وَالصُّلْحِ. (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : فَإِنْ عَفَوْا أَوْ صَالَحُوا عَلَى الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ، كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَيَضْرِبُهُ السُّلْطَانُ بَعْدَ الْعَفْوِ عَنْهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَيَسْجُنُهُ عَامًا مُسْتَقْبَلًا. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتْلًا عَمْدًا، وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ وَكَانَ الْمَقْتُولُ حُرًّا مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا، أَوْ عَبْدًا، فَعَفَا عَنْهُ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ، فَإِنَّهُ سَيُجْلَدُ مِائَةً وَيُحْبَسُ عَامًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا، أَوْ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ (وَفِي الْمُقَرَّبِ أَيْضًا) قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْقَسَامَةُ فَعُفِيَ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَقْسَمُوا عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَحَبْسُ سَنَةٍ مُسْتَأْنَفَةً بَعْدَ الضَّرْبِ وَلَا يُعْتَدُّ فِيهَا بِمَا كَانَ مِنْ السِّجْنِ قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنْ طَالَ. (قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ) : قَالَ لِي مُطَرِّفٌ: قَالَ مَالِكٌ النَّفَرُ يُرْمَوْنَ بِالدَّمِ فَتَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَتَخَيَّرُهُ الْوَرَثَةُ، وَيُقْسِمُونَ عَلَيْهِ أَنَّ عَلَى جَمِيعِ أَصْحَابِهِ ضَرْبَ مِائَةٍ وَسَجْنَ سَنَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عُفِيَ عَنْهُ، فَلَمْ يُقْسِمْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الضَّرْبِ وَالسَّجْنِ.
(وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) : إذَا أَدْمَى عَلَى جَمَاعَةٍ
سُجِنُوا كُلُّهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ عَلَى مَنْ يُقْسِمُ مِنْهُمْ، وَيُسْجَنُونَ عَامًا إذَا مَاتَ الْمَقْتُولُ مُطْلَقِينَ مِنْ غَيْرِ حَدِيدٍ، فَإِنْ كَانَ جَرِيحًا أَوْ مَرِيضًا سُجِنُوا مُحَدَّدِينَ بِالْحَدِيدِ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ لَا بُدَّ لِلْمَسْجُونِ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَدِيدِ؛ حَتَّى يُرَى مَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِ فَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ بِعَفْوٍ أَوْ قَسَامَةٍ عَلَى غَيْرِهِ، أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ مِنْ الْحَدِيدِ، وَضَرَبَهُ مِائَةً، وَسَجَنَهُ عَامًا مُسْتَقْبَلًا مِنْ غَيْرِ حَدِيدٍ. اهـ
وَدِيَةُ الْعَمْدِ كَذَاتِ الْخَطَأِ
…
أَوْ مَا تَرَاضَى فِيهِ بَيْنَ الْمَلَإِ
وَهْيَ إذَا مَا قُبِلَتْ وَسُلِّمَتْ
…
بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ قَدْ تَقَسَّمَتْ
تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ هُوَ قِصَاصٌ فَإِذَا عَفَا مَنْ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى شَيْءٍ مُقَدَّرٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَرَضِيَ الْقَاتِلُ بِذَلِكَ لَزِمَ، وَإِذَا عَفَا عَلَى الدِّيَةِ هَكَذَا مُبْهَمَةً فَتُحْمَلُ عَلَى الدِّيَةِ الْمُقَدَّرَةِ فِي الْخَطَأِ، وَهِيَ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ إلَّا أَنَّهَا تُغَلَّظُ فَتَكُونُ مُرَبَّعَةً كُلُّهَا إنَاثٌ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً فَإِذَا قُبِلَتْ مِنْ الْقَاتِلِ فَسَلَّمَهَا لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ، فَإِنَّهَا تُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ بِحَسَبِ مِيرَاثِهِمْ. قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ: قُلْتُ لَهُ: فَدِيَةُ الْعَمْدِ إذَا تَصَالَحُوا عَلَيْهَا مِمَّنْ تُؤْخَذُ؟ قَالَ: مِنْ الْقَاتِلِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ اصْطَلَحُوا عَلَى شَيْءٍ مَعْرُوفٍ جَازَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ اصْطَلَحُوا عَلَى دِيَةٍ مُبْهَمَةٍ كَانَ فِي ذَلِكَ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَلَا تُقَطَّعُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، كَمَا تُقَطَّعُ دِيَةُ الْخَطَأِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِوَلِيٍّ أَنْ يَعْمَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] كَذَلِكَ رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : فَإِنْ قَبِلَ الْوَلَدُ الدِّيَةَ، أَوْ صَالَحَ عَلَيْهَا، أَوْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، دَخَلَتْ زَوْجَةُ الْمَيِّتِ وَبَنَاتُهُ مَعَهُ فِيهَا عَلَى قَدْرِ فَرَائِضِهِمْ. اهـ فَقَوْلُهُ: كَذَاتِ الْخَطَأِ. هَذَا عِنْدَ الْإِبْهَامِ وَعَدَمِ التَّعْيِينِ لِقَدْرِهَا. وَالتَّشْبِيهُ فِي الْقَدْرِ لَا فِي الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ مُخَمَّسَةٌ، وَهَذِهِ مُرَبَّعَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ: أَوْ مَا تَرَاضَى فِيهِ بَيْنَ الْمَلَإِ هَذَا عِنْدَ تَعْيِينِ قَدْرِهَا مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَالْمَلَأُ الْجَمَاعَةُ يَعْنِي بِهِمْ الْقَاتِلَ وَالْأَوْلِيَاءَ
وَجُعِلَتْ دِيَةُ مُسْلِمٍ قُتِلْ
…
عَلَى الْبَوَادِي مِائَةً مِنْ الْإِبِلْ
وَالْحُكْمُ بِالتَّرْبِيعِ فِي الْعَمْدِ وَجَبْ
…
وَأَلْفُ دِينَارٍ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبْ
وَقَدْرُهَا عَلَى أُولِي الْوَرْقِ اثْنَا
…
عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَا أَدْنَى
وَنِصْفُ مَا ذُكِرَ فِي الْيَهُودِ
…
وَفِي النَّصَارَى ثَابِتُ الْوُجُودِ
وَفِي النِّسَاءِ الْحُكْمُ تَنْصِيفُ الدِّيَهْ
…
وَحَالُهُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مُغْنِيَهْ
تَكَلَّمَ فِي الْأَبْيَاتِ عَلَى جِنْسِ الدِّيَةِ وَقَدْرِهَا، فَأَخْبَرَ أَنَّ دِيَةَ الْمُسْلِمِ إنْ كَانَ الْجَانِي مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ كَالشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ أَلْفُ دِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ كَالْعِرَاقِيِّ وَالْفَارِسِيِّ وَالْخُرَاسَانِيِّ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
وَالْمِائَةُ مِنْ الْإِبِلِ إنْ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ مُخَمَّسَةٌ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ ذُكُورٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعَمْدِ فَهِيَ مُغَلَّظَةٌ بِإِسْقَاطِ ابْنِ اللَّبُونِ، فَتَكُونُ مُرَبَّعَةً خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً. (فَإِنْ قُلْتَ) : وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي الْعَمْدِ عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ مِنْ كَوْنِ الْوَاجِبِ الْقِصَاصَ لَا غَيْرُ أَوْ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، فَأَيْنَ تُتَصَوَّرُ الدِّيَةُ؟ (فَالْجَوَابُ) : أَنَّ لِوُجُوبِهَا فِي الْعَمْدِ سَبَبَيْنِ: الْعَفْوُ عَلَى دِيَةٍ مُبْهَمَةٍ، أَوْ عَفْوُ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ فَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ. نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْجَوَاهِرِ، وَقَالَ قَبْلَهُ: وَلَا يُؤْخَذُ عِنْدَنَا فِي الدِّيَةِ غَيْرُ هَذَا لَا بَقَرٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا عَرَضٌ. اهـ
فَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْبَوَادِي: نَحْنُ نُعْطِي الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ. أَوْ قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: نَحْنُ نُعْطِي الذَّهَبَ. قَالَ مَالِكٌ لَا يُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ إلَّا الذَّهَبُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ إلَّا الْوَرِقُ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ إلَّا الْإِبِلُ. قَالَهُ فِي الْمُقَرَّبِ. هَذَا فِي دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا مَنْ قَتَلَ عَبْدًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا
أَوْ كَافِرًا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَدِيَةُ الْكِتَابِيِّ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَدِيَتُهُ ثُلُثُ خُمُسِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَذَلِكَ فِي الذَّهَبِ سِتٌّ وَسِتُّونَ دِينَارًا وَثُلُثَا دِينَارٍ لِأَنَّ خُمُسَ أَلْفِ دِينَارٍ مِائَتَا دِينَارٍ وَثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ مَا ذُكِرَ، وَمِنْ الْفِضَّةِ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ خُمُسَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا أَلْفَانِ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَثُلُثُهَا ثَمَانِمِائَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ دِيَةَ الْمَجُوسِيِّ.
وَهَذَا كُلُّهُ فِي دِيَةِ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَدِيَتُهَا نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ مِنْ دِينِهَا، فَدِيَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ، وَدِيَةُ الْكِتَابِيَّةِ نِصْفُ دِيَةِ الْكِتَابِيِّ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيَّةِ نِصْفُ دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ، هَذَا حَاصِلُ الْأَبْيَاتِ. فَقَوْلُهُ: مُسْلِمٌ أَيْ حُرٌّ وَقَوْلُهُ: قُتِلَ أَيْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَتَقَدَّمَ مَحَلُّ تَصَوُّرِهَا فِي الْعَمْدِ، عَلَى الْبَوَادِي عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَهْلِ الْبَوَادِي، وَمِائَةً مَفْعُولٌ ثَانٍ لِجُعِلَ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْحُكْمُ بِالتَّرْبِيعِ فِي الْعَمْدِ أَنَّهَا فِي الْخَطَأِ غَيْرُ مُرَبَّعَةٍ، أَيْ بَلْ مُخَمَّسَةٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْمُرَبَّعَةِ وَالْمُخَمَّسَةِ، وَأُولِي أَيْ أَصْحَابِ، وَسَكَّنَ رَاءَ الْوَرِقَ ضَرُورَةً.
وَقَوْلُهُ: لَا أَدْنَى. تَأْكِيدٌ لِلْعَدَدِ وَتَكْمِيلٌ لِلْبَيْتِ. وَقَوْلُهُ: وَنِصْفُ مَا ذُكِرَ، أَيْ فِي الْإِبِلِ وَالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (فِي الْيَهُودِيِّ) أَيْ وَاجِبٌ أَوْ ثَابِتٌ فِي الْيَهُودِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالْيَهُودِيِّ الْجِنْسُ لَا الْوَاحِدُ، وَيَاؤُهُ لِلنَّسَبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَفِي النَّصَارَى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَإِلَا قَالَ:" النَّصْرَانِيِّ " بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فِي الْيَهُودِيِّ. وَأَعَادَ حَرْفَ الْجَرِّ لِلْوَزْنِ وَثَابِتُ الْوُجُودِ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْخَبَرِ الْمُسْتَتِرِ مُؤَكِّدَةٌ، وَشَمِلَ قَوْلُهُ فِي النِّسَاءِ الْمُسْلِمَاتِ وَالْكِتَابِيَّاتِ وَالْمَجُوسِيَّاتِ، وَضَمِيرُ (حَالُهُ) لِلتَّصْنِيفِ، وَفِي كُلِّ صِنْفٍ أَيْ مِنْ أَصْنَافِ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمُغْنِيَةٌ أَيْ عَنْ بَيَانِهَا الْمُبْهَمَاتِ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَهُوَ خَبَرُ (حَالُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي لَفْظِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ مَا يُغْنِي عَنْ الِاسْتِظْهَارِ عَلَى مَا فِي النَّظْمِ بِغَيْرِهِ، وَلَفْظُهُ: وَدِيَةُ الْخَطَأِ عَلَى الْبَادِي مُخَمَّسَةً بِنْتُ مَخَاضٍ وَوَلَدَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ.
وَرُبِّعَتْ فِي عَمْدٍ بِحَذْفِ ابْنِ اللَّبُونِ ثُمَّ قَالَ، وَعَلَى الشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى الْعِرَاقِيِّ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. ثُمَّ قَالَ: وَلِلْكِتَابِيِّ وَالْمُعَاهَدِ نِصْفُهُ وَلِلْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ ثُلُثُ خُمُسٍ وَأُنْثَى كُلٍّ كَنِصْفِهِ. وَفِي الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ وَإِنْ زَادَتْ أَيْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ.
(تَفْرِيعٌ) قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ: قَالَ سَحْنُونٌ قُلْتُ: فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ فَجَنَى جِنَايَةً لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ أَتَكُونُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ مِنْ الْإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْ كَانَ مَا جَنَاهُ أَقَلَّ مِنْ بَعِيرٍ، لَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِبِلِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْأُصْبُعِ إذَا قَطَعَهَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ: أَنَّ عَلَيْهِ ابْنَتَيْ مَخَاضٍ وَاِبْنَتَيْ لَبُونٍ وَابْنَيْ لَبُونٍ وَحِقَّتَيْنِ وَجَذَعَتَيْنِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ قُلْتُ لِعِيسَى: فَإِنْ أُصِيبَتْ لَهُ أُنْمُلَةٌ؟ قَالَ: يَأْتِي بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ سِنٍّ فَيَكُونُ فِيهَا شَرِيكًا لِلْمَجْرُوحِ ثُلُثَا كُلِّ بَعِيرٍ، وَلِلْجَارِحِ ثُلُثُ كُلِّ بَعِيرٍ مِنْهَا. وَإِنْ أُصِيبَ لَهُ أُنْمُلَتَانِ كَانَ عَلَى الْجَارِحِ أَنْ يَأْتِيَ بِعَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ فَيَكُونَ شَرِيكًا مَعَهُ، لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ثُلُثَا كُلِّ بَعِيرٍ وَلِلْجَانِي ثُلُثُ كُلِّ بَعِيرٍ. (قُلْتُ) : فَإِنْ أُصِيبَتْ أُصْبُعُ رَجُلٍ عَمْدًا فَصَالَحَ مِنْهَا عَلَى الدِّيَةِ مُبْهَمَةً فَوَجَبَ عَلَيْهِ دِيَةُ الْأُصْبُعِ؟ فَقَالَ: عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَانِيَةِ أَبْعِرَةٍ مِنْ أَسْنَانِ الْعَمْدِ الْأَرْبَعِ، مِنْ كُلِّ سِنٍّ بَعِيرَانِ، فَيَكُونَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ثُمَّ يَأْتِي بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مِنْ كُلِّ سِنٍّ فَيَكُونَانِ فِيهَا شَرِيكَيْنِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ كُلِّ بَعِيرٍ. اهـ وَوَجْهُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَمْدٌ، وَدِيَتَهُ مُرَبَّعَةٌ فَثَمَانِيَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَمْكَنَ التَّرْبِيعُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَشْرِيكٍ، وَاثْنَانِ عَلَى صِفَةِ التَّرْبِيعِ، لَا يُمْكِنُ إلَّا مِنْ أَرْبَعَ فَيَكُونَ لِلْجَانِي نِصْفُ كُلِّ بَعِيرٍ مِنْ الْأَرْبَعِ وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَذَلِكَ.
وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَا
…
وَالْإِبِلُ التَّخْمِيسُ فِيهَا قُسِّطَا
تَحْمِلُهَا عَاقِلَةٌ لِلْقَاتِلِ
…
وَهْيَ الْقَرَابَاتُ مِنْ الْقَبَائِلِ
حَيْثُ ثُبُوتُ قَتْلِهِ بِالْبَيِّنَهْ
…
أَوْ بِقَسَامَةٍ لَهَا مُعَيِّنَهْ
يَدْفَعُهَا الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى بِحَسَبْ
…
أَحْوَالِهِمْ وَحُكْمُ تَنْجِيمٍ وَجَبْ
مِنْ مُوسِرٍ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ذَكَرْ
…
مُوَافِقٍ فِي نِحْلَةٍ وَفِي مَقَرْ
يَعْنِي أَنَّ الْوَاجِبَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ الدِّيَةُ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ، فَتَكُونُ مُخَمَّسَةً عِشْرُونَ مِنْ كُلِّ سِنٍّ، كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا بَيَانُهُ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَيُعْطِي هَذِهِ الدِّيَةَ عَاقِلَةُ الْقَاتِلِ وَالْقَاتِلُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ.
(ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَالْعَاقِلَةُ الْعَصَبَةُ، وَأُلْحِقَ بِالْعَصَبَةِ أَهْلُ الدِّيوَانِ لِعِلَّةِ التَّنَاصُرِ. (التَّوْضِيحُ)
هَكَذَا قَالَ مَالِكٌ: إنَّ الْعَاقِلَةَ هِيَ الْعَصَبَةُ. (ابْنُ الْجَلَّابِ) : قَرُبُوا أَوْ بَعُدُوا. (ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ) : وَكَانَتْ الدِّيَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْإِسْلَامِ وَكَانُوا يَتَعَاقَلُونَ بِالنُّصْرَةِ فَجَرَى الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جَعَلَ عُمَرُ الدِّيوَانَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ أَشْهَبُ بِشَرْطِ قِيَامِ الْعَطَاءِ أَيْ إنَّمَا يُلْحَقُ بِشَرْطِ قِيَامٍ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمَوَالِي الْأَعْلَوْنَ وَبَيْتُ الْمَالِ. (التَّوْضِيحُ) أَيْ لِمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ كَمَا يَرِثُونَهُ يَعْقِلُونَ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيَبْدَأُ بِأَهْلِ الدِّيوَانِ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى مَعُونَةٍ أَعَانَهُمْ عَصَبَتُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ دِيوَانٍ فَعَصَبَتُهُ وَيَبْدَأُ بِالْفَخِذِ ثُمَّ الْبَطْنِ ثُمَّ الْعِمَارَةِ ثُمَّ الْفَصِيلَةِ ثُمَّ الْقَبِيلَةِ ثُمَّ أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ فَمَوَالِي فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَبَيْتُ الْمَالِ إنْ كَانَ الْجَانِي مُسْلِمًا.
وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَأَهْلُ إقْلِيمِهِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ ثُمَّ يَضُمُّ الْأَقْرَبَ الَّذِي مِنْ كُوَرِهِمْ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ فَأَهْلُ ذَلِكَ الصُّلْحِ. (التَّوْضِيحُ) : هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ وَحَاصِلُهُ الْبَدْءُ، بِالْأَقْرَبِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَاجِعٌ إلَى اللُّغَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ كَوْثَرٍ وَابْنُ أَبِي جَمْرَاءَ فِي وَثَائِقِهِمَا عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ حَدَّ الْعَاقِلَةِ سَبْعُمِائَةٍ يَنْتَمُونَ إلَى أَبٍ وَاحِدٍ. وَفِي الْبَيَانِ فِي رِوَايَةِ سَحْنُونٍ إذَا كَانَتْ الْعَاقِلَةُ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَلْفًا، فَهُمْ قَلِيلٌ وَيُضَمُّ لَهُمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ اهـ. وَإِلَى بَيَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
تَحْمِلُهَا عَاقِلَةٌ لِلْقَاتِلِ
…
وَهِيَ الْقَرَابَاتُ مِنْ الْقَبَائِلِ
ثُمَّ قَالَ فِي الْبَيْتِ الرَّابِعِ: يَدْفَعُهَا الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَإِنَّمَا تَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا ثَبَتَ الدَّمُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِاللَّوْثِ مَعَ الْقَسَامَةِ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: حَيْثُ ثُبُوتُ قَتْلِهِ بِالْبَيِّنَةِ الْبَيْتَ.
وَأَمَّا إنْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِاعْتِرَافِ الْجَانِي، فَذَلِكَ فِي مَالِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّاظِمُ فِي الْبَيْتَيْنِ بَعْدَ هَذَا. (قَالَ فِي الرِّسَالَةِ) : وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ قَتْلَ عَمْدٍ وَلَا اعْتِرَافًا بِهِ. (ابْنُ شَاسٍ) : وَمَا اعْتَرَفَ بِهِ الْجَانِي حَمَلَهُ، وَلَا تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ لَهُ، وَتَكُونُ حَالَّةً. وَقَوْلُهُ: يَدْفَعُهَا الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى. رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَهِيَ الْقَرَابَاتُ مِنْ الْقَبَائِلِ. وَقَوْلُهُ: بِحَسَبِ أَحْوَالِهِمْ. أَيْ مِنْ غَنِيٍّ وَدُونَهُ، فَيُوَظِّفُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَا لَا يَضُرُّ بِهِ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا يَضْرِبُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ مَا يَضُرُّ بِمَالِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيِّ بِقَدْرِهِ وَمِمَّنْ دُونَهُ بِقَدْرِهِ. اهـ ثُمَّ أَشَارَ إلَى شُرُوطِ مَنْ تُضْرَبُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
مِنْ مُوسِرٍ مُكَلَّفِ حُرٍّ ذَكَرْ
فَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَا تُضْرَبُ عَلَى فَقِيرٍ وَلَا عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ وَلَا عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَلَا تُضْرَبُ عَلَى فَقِيرٍ وَلَا عَلَى مُخَالِفٍ فِي الدِّينِ، وَلَا عَلَى عَبْدٍ وَلَا عَلَى صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ. اهـ
وَزَادَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ فِيمَنْ لَا تُضْرَبُ عَلَيْهِ الْمَجْنُونَ وَالْغَارِمَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ مَا بِيَدِهِ، وَيَفْضُلُ لَهُ مَا يَكُونُ بِهِ فِي عِدَادِ الْفُقَرَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَا شَيْءَ بِيَدِهِ فَهُوَ فَقِيرٌ. اهـ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:
مُوَافِقٍ فِي نِحْلَةٍ وَفِي مَقَرٍّ
إلَيَّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ تُضْرَبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ أَنْ يَكُونُوا مُتَّفِقِينَ فِي النِّحْلَةِ أَيْ فِي الْمَنْحُولِ وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي يُنْحَلُ وَيُعْطَى فِي الدِّيَةِ بِحَيْثُ يَكُونُونَ كُلُّهُمْ أَصْحَابَ إبِلٍ، أَوْ كُلُّهُمْ أَصْحَابَ ذَهَبٍ، أَوْ كُلُّهُمْ أَصْحَابَ فِضَّةٍ أَيْ وَرِقٍ فَلَا يَدْخُلُ بَدْوِيٌّ ذُو إبِلٍ مَعَ حَضَرِيٍّ ذِي ذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ وَكَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ بَلَدٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَدْخُلُ شَامِيٌّ مَثَلًا مَعَ مِصْرِيٍّ، وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَهْلَ ذَهَبٍ.
وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَفِي مَقَرٍّ. أَيْ فِي مَوْضِعِ الْقَرَارِ وَالسُّكْنَى. وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ قَبِيلَةً وَاحِدَةً، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ: لِأَنَّ السَّاكِنَ بِمَحَلٍّ غَيْرِ مَحَلِّ الْقَاتِلِ لَا تَلْزَمُهُ. اهـ وَقَدْ جَمَعَ النَّاظِمُ بَيْنَ اشْتِرَاطِ الِاتِّفَاقِ فِي النِّحْلَةِ، وَفِي الْمَقَرِّ مَعَ أَنَّ الِاتِّفَاقَ فِي الْمَقَرِّ يَلْزَمُ مِنْهُ الِاتِّفَاقُ فِي النِّحْلَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الِاتِّفَاقِ فِي النِّحْلَةِ الِاتِّفَاقُ فِي الْمَقَرِّ، كَالشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ مَعَ أَنَّهُمَا مَعًا أَهْلُ ذَهَبٍ، فَالِاتِّفَاقُ فِي الْمَقَرِّ كَافٍ عَنْ الِاتِّفَاقِ فِي النِّحْلَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَلَا دُخُولَ لِلْبَدَوِيِّ مَعَ الْحَضَرِيِّ، وَإِنْ كَانَتْ قَبِيلَةً عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ كَمَا لَا يَدْخُلُ أَهْلُ مِصْرَ مَعَ أَهْلِ الشَّامِ. وَإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ وَيُعَدُّ كَالْمَعْدُومِ.
(التَّوْضِيحُ) : هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلَّلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ فِي دِيَةٍ وَاحِدَةٍ إبِلٌ وَعَيْنٌ وَأَجَازَ ذَلِكَ أَشْهَبُ قَالَ: وَيُخْرِجُ أَهْلُ الْبَادِيَةِ مَا يَلْزَمُهُمْ إبِلًا وَإِنْ كَانَ الْجَارِحُ لَيْسَ مِنْهُمْ وَيُخْرِجُ أَهْلُ الْقُرَى حِصَّتَهُمْ عَيْنًا وَإِنْ كَانَ الْجَارِحُ لَيْسَ مِنْهُمْ ا. هـ
(وَفِي الْمُقَرَّبِ) قُلْتُ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ جَنَى جِنَايَةً بِمِصْرَ وَلَيْسَ
بِمِصْرَ مِنْ قَوْمِهِ أَحَدٌ وَهُمْ بِالْعِرَاقِ أَوْ بِالْيَمَنِ كَيْفَ يَكُونُ عَقْلُ مَا جَنَاهُ مِنْ الْقَتْلِ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ إذَا انْقَطَعَ الْبَدَوِيُّ إلَى الْحَضَرِ فَسَكَنَ الْحَضَرَ عُقِلَ مَعَ أَهْلِ الْحَضَرِ وَلَا يُعْقَلُ أَهْلُ الْحَضَرِ مَعَ أَهْلِ الْبَدْوِ وَلَا أَهْلُ الْبَدْوِ مَعَ أَهْلِ الْحَضَرِ وَلَا يُعْقَلُ أَهْلُ مِصْرَ مَعَ أَهْلِ الشَّامِ وَلَا أَهْلُ الشَّامِ مَعَ أَهْلِ مِصْرَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ مَسْكَنُهُ مِصْرُ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ مِصْرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمِصْرَ مِنْ قَوْمِهِ أَحَدٌ يَحْمِلُ جِنَايَةً ضُمَّ إلَيْهِ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَى قَوْمِهِ فَيَحْمِلُونَ جَرِيرَتَهُ.
ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ إنَّ الْبَدْوِيَّ لَا يَدْخُلُ مَعَ الْحَضَرِيِّ وَلَا الْحَضَرِيُّ مَعَ الْبَدَوِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ فِي دِيَةٍ وَاحِدَةٍ دِيَةُ إبِلٍ وَدَنَانِيرَ أَوْ إبِلٍ وَدَرَاهِمَ أَوْ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ فَهُمْ أَجْنَادٌ قَدْ جُنِّدَتْ فَكُلُّ جُنْدٍ عَلَيْهِمْ جَرَائِرُهُمْ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْأَجْنَادِ. اهـ وَأَمَّا قَوْلُ النَّاظِمِ وَحُكْمُ تَنْجِيمٍ وَجَبَ فَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الدِّيَةَ أَيْ دِيَةَ الْخَطَأِ لَا تُعْطَى حَالَّةً بَلْ مُنَجَّمَةً فَإِنْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً فَتُنَجَّمُ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ ثُلُثُهَا آخِرَ كُلِّ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ لَا مِنْ يَوْمِ الْقَتْلِ وَلَا مِنْ يَوْمِ الْخِصَامِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْكَامِلَةِ فَقِيلَ: تَكُونُ حَالَّةً. وَالْمَشْهُورُ التَّنْجِيمُ فَالثُّلُثُ فِي سَنَةٍ كَمَا فِي الْجَائِفَةِ وَالثُّلُثَانِ فِي سَنَتَيْنِ كَمَا فِي جَائِفَةٍ وَآمَّةٍ.
وَأَمَّا إنْ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ فَالثُّلُثُ فِي سَنَةٍ وَالسُّدْسُ الْبَاقِي فِي سَنَةٍ أَيْضًا. وَكَذَا إنْ وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا فَلِلثُّلُثَيْنِ سَنَتَانِ وَلِنِصْفِ السُّدْسِ الْبَاقِي سَنَةٌ أَيْضًا. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالْمَشْهُورُ التَّنْجِيمُ بِالْأَثْلَاثِ وَلِلزَّائِدِ سَنَةٌ فَالنِّصْفُ وَالرُّبُعُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَنُجِّمَ فِي النِّصْفِ وَالثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ بِالتَّثْلِيثِ ثُمَّ لِلزَّائِدِ سَنَةٌ. وَإِنَّمَا أَخَّرْتُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهَا فَلَمْ يَصْلُحْ تَوْزِيعُ الْكَلَامِ الْمُرْتَبِطِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَكَوْنُهَا مِنْ مَالِ جَانٍ إنْ تَكُنْ
…
أَقَلَّ مِنْ ثُلْثٍ بِذَا الْحُكْمُ حَسُنْ
كَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مُعْتَرِفِ
…
تُؤْخَذُ أَوْ مِنْ عَامِدٍ مُكَلَّفِ
يَعْنِي أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ تُؤَدِّيهَا مُنَجَّمَةً إنَّمَا ذَلِكَ بِشُرُوطٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ إمَّا الدِّيَةُ كَامِلَةً أَوْ بَعْضُهَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ الْبَعْضُ ثُلُثَ الدِّيَةِ سَوَاءٌ بَلَغَ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ الْجَانِي عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا إذَا قَطَعَ مُسْلِمٌ إصْبَعَيْ مُسْلِمَةٍ فَذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَتِهَا لِأَنَّهَا تُسَاوِي الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ دِيَتِهِ فَالْوَاجِبُ فِي أُصْبُعَيْهَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ.
وَالْعِشْرُونَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَتِهَا بِالْأَصَالَةِ الَّتِي هِيَ خَمْسُونَ، وَثُلُثُهَا سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ فَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ ثُلُثَ دِيَةِ أَحَدِهِمَا كَمَا لَوْ قَطَعَ لَهَا أُصْبُعًا وَاحِدَةً فَالْوَاجِبُ عَشْرٌ، وَتَكُونُ عَلَى الْجَانِي لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَحَالَّةً لَا مُنَجَّمَةً وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ ثَابِتَةً بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِاللَّوْثِ وَالْقَسَامَةِ أَمَّا إنْ ثَبَتَتْ بِاعْتِرَافِ الْقَاتِلِ فَعَلَى الْجَانِي حَالَّةً أَيْضًا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ كَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مُعْتَرِفٍ تُؤْخَذُ. (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنَّ ذَلِكَ فِي الْخَطَأِ وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ وَالْجَانِي عَاقِلٌ بَالِغٌ فَذَلِكَ حَالٌّ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَوْ مِنْ عَامِدٍ مُكَلَّفٍ وَاحْتَرَزَ بِالْمُكَلَّفِ مِنْ غَيْرِهِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّ عَمْدَهُمَا كَالْخَطَأِ إلَّا أَنَّ النَّاظِمَ صَرَّحَ بِكَوْنِهَا فِي مَالِ الْجَانِي دُونَ الْعَاقِلَةِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِكَوْنِهَا حَالَّةً غَيْرَ مُنَجَّمَةٍ، وَبِذَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ وَ (الْحُكْمُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (حَسُنَ) وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ كَوْنِ
وَفِي الْجَنِينِ غُرَّةٌ مِنْ مَالِهِ
…
أَوْ قِيمَةٌ كَالْإِرْثِ فِي اسْتِعْمَالِهِ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ ضَرَبَ امْرَأَةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَأُمُّهُ حَيَّةٌ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْغُرَّةُ مِنْ مَالِهِ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، أَوْ قِيمَةُ الْغُرَّةِ وَيُوَرَّثُ ذَلِكَ عَنْ الْجَنِينِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى. ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْغُرَّةُ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ مِنْ الْحُمْرِ عَلَى الْأَحْسَنِ أَوْ مِنْ وَسَطِ السُّودَانِ (التَّوْضِيحُ) الْحُمْرُ هُمْ الْبِيضُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «بُعِثَتْ إلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ» (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِي سِنِّ الْغُرَّةِ حَدًّا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَقَلُّهُ سَبْعُ سِنِينَ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَهْمَا بَذَلَ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ غُرَّةً تُسَاوِي أَحَدَهُمَا وَجَبَ الْقَبُولُ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا.
(التَّوْضِيحُ) ظَاهِرُهُ وَتَخْيِيرُ الْجَانِي، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّ الْجَانِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَغْرَمَ الْغُرَّةَ أَوْ يَأْتِيَ بِعُشْرِ دِيَةِ الْأُمِّ مِنْ كَسْبِهِمْ إمَّا ذَهَبٌ أَوْ وَرِقٌ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاسْتَشْكَلَ اللَّخْمِيُّ اشْتِرَاطَ أَنْ تَكُونَ الْغُرَّةُ تُسَاوِي هَذَا الْقَدْرَ، قَالَ: لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ الْغُرَّةُ وَلَمْ تُعْتَبَرْ الْقِيمَةُ، وَأَثْمَانُ الْعَبِيدِ تَخْتَلِفُ فِي الْبُلْدَانِ فَلَوْ وَجَبَتْ الْغُرَّةُ بِمَوْضِعٍ لَا يُسَاوِي ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ بِأَكْثَرَ. اهـ (وَفِي الْمُقَرَّبِ مَا مَعْنَاهُ) أَنَّهَا لَا تَكُونُ مِنْ الْإِبِلِ وَلَا مِنْ الْعَيْنِ قَالَ: وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَتْ الْخَمْسُونَ دِينَارًا فِي الْغُرَّةِ وَلَا السِّتُّمِائَةِ الدِّرْهَمِ كَالسُّنَّةِ الْقَائِمَةِ، وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ. اهـ
وَهَذَا إذَا كَانَ الْجَنِينُ مَحْكُومًا لَهُ بِالْإِسْلَامِ لِكَوْنِ أَبِيهِ مُسْلِمًا وَكَانَ حُرًّا لِكَوْنِ أُمِّهِ حُرَّةً سَوَاءٌ كَانَ أَبُوهُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ضُرِبَتْ أُمُّهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَكَذَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا الْحُرِّ وَيَجِبُ فِي جَنِينِ الْكِتَابِيِّ نِصْفُ دِيَةِ جَنِينِ الْمُسْلِمِ، وَدِيَةُ جَنِينِ الْمَجُوسِيِّ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَفِي جَنِينِ الرَّقِيقِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ وَقِيلَ مَا نَقَصَهَا. (التَّوْضِيحُ) الْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى حُرِّيَّةِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأُمِّهِ فِي الرِّقِّ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِابْنِ وَهْبٍ.
(تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغُرَّةُ الْجَنِينِ مُشْتَرَطَةٌ بِانْفِصَالِهِ مَيِّتًا قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. (التَّوْضِيحُ) : اُتُّفِقَ عَلَى وُجُوبِ الْغُرَّةِ إذَا انْفَصَلَ فِي حَيَاةِ أُمِّهِ وَاخْتُلِفَ إذَا انْفَصَلَ بَعْدَ مَوْتِهَا فَالْمَشْهُورُ لَا غُرَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَعُضْوٍ مِنْ الْمَيِّتَةِ. وَالشَّاذُّ لِأَشْهَبَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. اهـ وَقَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ: فِي حَيَاةِ أُمِّهِ أَوْ انْفَصَلَ بَعْدَ مَوْتِهَا. يُرِيدُ مَيِّتًا فِي الْوَجْهَيْنِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) الْمُرَادُ بِالْجَنِينِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا تُلْقِيهِ الْمَرْأَةُ مِمَّا يُعْرَفُ أَنَّهُ وَلَدٌ مُضْغَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : هَذَا الْبَابُ وَمَا تَكُونُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ وَمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُعْتَدَّةُ وَاحِدٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ خِلَافُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدَّمِ الْمُجْتَمِعِ الَّذِي لَا يَذُوبُ بِالْمَاءِ السُّخْنِ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِذَا تَعَدَّدَ الْجَنِينُ تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ مِنْ غُرَّةٍ وَدِيَةٍ. (التَّوْضِيحُ) مِنْ غُرَّةٍ يَعْنِي إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ وَدِيَةٍ إنْ اسْتَهَلَّ
وَغُلِّظَتْ فَثُلِّثَتْ فِي الْإِبِلِ
…
وَقُوِّمَتْ لِلْعَيْنِ فِي الْقَوْلِ الْجَلِيِّ
وَهُوَ بِالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ
…
يَخْتَصُّ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ
تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ الضَّرْبَ إمَّا عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ: إنْ ضَرَبَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الضَّرْبُ مِنْ زَوْجٍ وَمُؤَدِّبٍ وَأَبٍ لَيْسَ هُوَ عَمْدًا وَإِنَّمَا هُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَأَنْكَرَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَقَالَ: شِبْهُ الْعَمْدِ بَاطِلٌ لَا أَعْرِفُهُ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ. وَعَلَى ثُبُوتِهِ فَفِيهِ طَرِيقَتَانِ طَرِيقَةُ الْبَاجِيِّ تَحْكِي الِاتِّفَاقَ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ، وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ تَحْكِي ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ قِيلَ: هُوَ عَمْدٌ وَقِيلَ: خَطَأٌ. ثَالِثُهَا هُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ لَا عَمْدٌ حَقِيقَةً فَتُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ. (وَفِي التَّوْضِيحِ) : لَمْ يُنْكِرْ مَالِكٌ شِبْهَ الْعَمْدِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ بَلْ أَنْكَرَهُ فِيمَا عَدَا الْأَبَ وَحَكَى الْعِرَاقِيُّونَ إثْبَاتَهُ فِيمَا عَدَا الْأَبَ أَيْضًا. (الْبَاجِيُّ) وَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِهِ فِي حَقِّ الْأَبِ (اللَّخْمِيُّ) وَشِبْهُ الْعَمْدِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: الْقَتْلُ بِغَيْرِ آلَةِ الْقَتْلِ كَالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْبُنْدُقَةِ وَاللَّطْمَةِ وَالْوَكْزَةِ.
وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بِآلَةٍ لِلْقَتْلِ لَكِنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَى قَصْدِ الْقَتْلِ كَفِعْلِ الْمُدْلِجِيِّ بِوَلَدِهِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ أُبِيحَ لَهُ ذَلِكَ كَمُعَلِّمِ الثِّقَافِ وَالطَّبِيبِ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ عَلَى صِفَةٍ يُرَادُ بِهَا الْقَتْلُ وَيَتَقَدَّمُهُ بِسَاطٌ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلَ كَالْمُتَصَارَعِينَ وَالْمُتَلَاعَبِينَ. اهـ وَعَلَى تَغْلِيظِ الدِّيَةِ عَلَى مَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَى قَصْدِ الْقَتْلِ تَكَلَّمَ النَّاظِمُ هُنَا فَأَخْبَرَ أَنَّ الْأَبَ وَالْأُمَّ أَوْ مَنْ فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ إذَا ضَرَبَ وَلَدَهُ بِحَدِيدَةٍ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَمْدًا بِدَلِيلِ أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِذَلِكَ وَأَنَّ الْقَاتِلَ كَذَلِكَ لَا يَرِثُ الْمَقْتُولَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ تَغْلِيظُ الدِّيَةِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتُغَلَّظُ الدِّيَةُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ دُونَ غَيْرِهِمْ فِي الْعَمْدِ الَّذِي لَا يَقْتُلُونَ بِهِ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ بِحَدِيدَةٍ وَشَبَهِهَا وَهُوَ عَمْدٌ وَلِذَلِكَ لَا يَرِثُ مِنْ مَالِهِ وَيُقْتَلُ غَيْرُهُمْ كَفِعْلِ الْمُدْلِجِيِّ بِابْنِهِ.
(قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : جَمَعَ الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ لِتَدْخُلَ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ كَمَا تَقَدَّمَ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَعْمَامِ وَنَحْوِهِمْ. اهـ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ لِلْأَبِ كَالْأَبِ وَفِي كَوْنِهِمَا مِنْ الْأُمِّ كَالْأُمِّ أَوْ كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ اهـ وَقَالَ قَبْلَهُ: وَلِلْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ أَثَرٌ فِي الدَّرْءِ بِاحْتِمَالِ الشُّبْهَةِ إذَا ادَّعَيَا عَدَمَ الْقَصْدِ كَمَا لَوْ حَذَفَهُ بِالسَّيْفِ وَادَّعَى أَدَبَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ حَتَّى لَوْ شَرَكَهُ أَحَدٌ فِي قَتْلٍ، أَمَّا لَوْ قَتَلَ مَعَ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ اُقْتُصَّ مِنْهُ كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ أَوْ شَقَّ بَطْنَهُ أَوْ حَزَّ يَدَهُ فَقَطَعَهَا أَوْ وَضَعَ أُصْبُعَهُ فِي عَيْنِهِ فَأَخْرَجَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ اعْتَرَفَ بِالْقَصْدِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُقْتَلُ الْأَبُ بِابْنِهِ بِحَالٍ. (التَّوْضِيحُ) وَأَشَارَ بِقِصَّةِ الْمُدْلِجِيِّ إلَى مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ حَذَفَ ابْنَهُ بِالسَّيْفِ فَأَصَابَ سَاقَهُ فَنُزِيَ فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ اُعْدُدْ لِي عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْكَ فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً ثُمَّ قَالَ: أَيْن أَخُو الْمَقْتُولِ؟ قَالَ هَا أَنَا. قَالَ: خُذْهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ» . اهـ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَتَغْلِيظُهَا بِالتَّثْلِيثِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا. وَإِلَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:
وَغُلِّظَتْ فَثُلِّثَتْ فِي الْإِبِلِ
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَقُوِّمَتْ لِلْعَيْنِ فِي الْقَوْلِ الْجَلِيّ
إلَى أَنَّ الدِّيَةَ تُغَلَّظُ أَيْضًا إذَا كَانَتْ عَيْنًا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً عَلَى الْقَوْلِ الْجَلِيّ الظَّاهِرِ.
وَتَغْلِيظُهَا هُوَ بِتَقْوِيمِ دِيَةِ الْإِبِلِ الْمُخَمَّسَةِ وَالْمُرَبَّعَةِ أَوْ الْمُثَلَّثَةِ فَمَا كَانَ مِنْ خُمُسٍ أَوْ رُبُعٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أُخِذَ ذَلِكَ الْجُزْءُ مِنْ الْأَلْفِ دِينَارٍ أَوْ مِنْ الِاثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَيُزَادُ عَلَيْهِ وَالْمَجْمُوعُ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ غُلِّظَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. فَإِذَا قُوِّمَتْ الْمُثَلَّثَةُ بِمِائَةٍ وَالْمُخَمَّسَةُ أَوْ الْمُرَبَّعَةُ بِثَمَانِينَ فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا بِالْخُمُسِ فَيُزَادُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ خُمُسُهَا وَعَلَى الِاثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ خُمُسُهَا وَيَلْزَمُ الْمَجْمُوعُ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَتُغَلَّظُ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَتُقَوَّمُ الدِّيَتَانِ وَيُزَادُ نِسْبَةُ مَا بَيْنَهُمَا. اهـ فَقَوْلُ النَّاظِمِ وَقُوِّمَتْ لِلْعَيْنِ أَيْ وَقُوِّمَتْ دِيَةُ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً لِأَجْلِ تَغْلِيظِهَا فِي الْعَيْنِ إذْ بِالتَّقْوِيمِ وَمَعْرِفَةِ الْجُزْءِ الَّذِي بَيْنَ الْمُغَلَّظَةِ وَغَيْرِهَا يُعْرَفُ مَا يُزَادُ عَلَى دِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَضَمِيرُ هُوَ لِلتَّغْلِيظِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ يَخْتَصُّ. وَبِالْآبَاءِ يَتَعَلَّقُ بِيَخْتَصُّ، وَالْأَجْدَادُ عَطْفٌ عَلَى الْآبَاءِ. (فَرْعٌ) الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ هِيَ فِي مَالِ الْجَانِي حَالَّةً لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا مُنَجَّمَةً
وَيَحْلِفُ الذُّكُورُ كَالْإِنَاثِ
…
بِنِسْبَةِ الْحُظُوظِ فِي الْمِيرَاثِ
وَإِنْ يَمِينٌ عِنْدَ ذَا تَنْكَسِرُ
…
يَحْلِفُهَا مَنْ حَظُّهُ مُوَفَّرُ
وَوَاحِدٌ يَجُوزُ أَنْ يُحَلَّفَا
…
حَيْثُ انْفِرَادُهُ بِمَا تَخَلَّفَا
وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ طَرًّا تُعْتَمَدْ
…
بِحَيْثُمَا يَسْقُطُ بِالشَّرْعِ الْقَوَدْ
يَعْنِي أَنَّهُ إذَا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ فِي الْخَطَأِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُهَا مَنْ يَرِثُ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ مَا يَرِثُ فَمَنْ وَرِثَ ثُمُنًا كَانَ عَلَيْهِ ثُمُنُ الْأَيْمَانِ وَمَنْ وَرِثَ سُدُسًا كَانَ عَلَيْهِ سُدُسُ الْأَيْمَانِ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. فَإِنْ انْكَسَرَتْ عَلَيْهِمْ يَمِينٌ حَلَفَهَا أَكْثَرُهُمْ نَصِيبًا مِنْهَا فَإِنْ انْفَرَدَ الْوَارِثُ كَابْنٍ، حَلَفَ الْخَمْسِينَ. وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ جَمِيعُهَا هِيَ فِي الْخَطَأِ لَا فِي الْعَمْدِ، وَعَنْ الْخَطَأِ عَبَّرَ بِمَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ فِيهِ بِالشَّرْعِ وَأَمَّا الْعَمْدُ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ مِنْ الْعَصَبَةِ وَلَا يَحْلِفُ فِيهِ وَاحِدٌ وَلَا امْرَأَةٌ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) .
وَالْقَسَامَةُ أَنْ يَحْلِفَ الْوَارِثُونَ الْمُكَلَّفُونَ فِي الْخَطَأِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى خَمْسِينَ يَمِينًا مُتَوَالِيَةً عَلَى الْبَتِّ، وَلَوْ كَانَ أَعْمَى أَوْ غَائِبًا، وَتُوَزَّعُ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمِيرَاثِ وَيُجْبَرُ كَسْرُ الْيَمِينِ عَلَى ذِي الْأَكْثَرِ مِنْ الْكَسْرِ، وَقِيلَ: عَلَى الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ تَسَاوَى الْكَسْرُ عَلَيْهِمْ. اهـ وَمِثَالُ انْكِسَارِ الْيَمِينِ وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرُ نَصِيبًا مِنْهَا الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِ النَّاظِمِ: مَنْ حَظُّهُ مُوَفَّرٌ وَبِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُجْبَرُ كَسْرُ الْيَمِينِ عَلَى ذِي الْأَكْثَرِ مِنْ الْكَسْرِ كَمَا إذَا كَانَ الْوَارِثُ ابْنًا وَابْنَةً فَيَحْلِفُ الِابْنُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَتَحْلِفُ الْبِنْتُ سَبْعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهَا نَابَهَا مِنْ الْيَمِينِ الْمُنْكَسِرَةِ ثُلُثَاهَا وَذَلِكَ أَنَّكَ إذَا قَسَّمْتَ الْخَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى ثَلَاثَةٍ خَرَجَ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ فَيَجْتَمِعُ لِلِابْنِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَالْبِنْتِ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ فَتَحْلِفُ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَأَمَّا إذَا انْكَسَرَتْ الْيَمِينُ عَلَى السَّوَاءِ كَثَلَاثَةِ بَنِينَ فَإِنَّهَا تُكَمَّلُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ سَبْعَةَ عَشَرَ.
(وَفِي الْمُقَرَّبِ) قُلْتُ: وَكَيْفَ يَحْلِفُ وُلَاةُ الدَّمِ فِي الْخَطَأِ؟ قَالَ: عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَيُقْسِمُ النِّسَاءُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَلَا يُقْسِمْنَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ. قُلْتُ: فَلَوْ أَنَّ قَتِيلًا خَطَأً لَمْ يَدَعْ إلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً وَلَيْسَ لَهُ عَصَبَةٌ؟ قَالَ: تَحْلِفُ الِابْنَةُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَأْخُذُ نِصْفَ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ عَصَبَةٌ حَلَفَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا وَحَلَفَ الْعَصَبَةُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ عَلَى مَوَارِيثِهِمْ. وَإِنْ نَكَلَ الْعَصَبَةُ لَمْ تَأْخُذْ الِابْنَةُ مِيرَاثَهَا حَتَّى تَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا لِأَنَّ الدَّمَ لَا يُسْتَحَقُّ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ يَمِينًا. قُلْتُ: