المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في الوصية ما يجري مجراها] - شرح ميارة = الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام - جـ ٢

[ميارة]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَمَا يُمَثِّلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمَضْغُوطِ وَمَا أَشْبَهَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ عَلَى الْغَائِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُيُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغَبْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشُّفْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِسْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُعَاوَضَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّوْلِيَةِ وَالتَّصْيِيرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السَّلَمِ]

- ‌[بَابُ الْكِرَاءِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ وَفِي الْجَائِحَةِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامٍ مِنْ الْكِرَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ وَالسُّفُنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِجَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجُعْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاغْتِرَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِرَاضِ]

- ‌[بَابُ الْحَبْسِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاعْتِصَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُمْرَى وَمَا يَلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِرْفَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْحَوْزِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَالْأُمَنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ]

- ‌[بَابُ الْعِتْقِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ]

- ‌[بَابُ فِي الرُّشْدِ وَالْأَوْصِيَاءِ وَالْحَجْرِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ وَالدَّيْنِ وَالْفَلَسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ مَا يَجْرِي مَجْرَاهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقْرَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمِدْيَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَلَسِ]

- ‌[بَابٌ فِي الضَّرَرِ وَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ضَرَرِ الْأَشْجَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُسْقِطِ الْقِيَامِ بِالضَّرَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاغْتِصَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاء]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجِرَاحَاتِ]

- ‌[بَابُ التَّوَارُثِ وَالْفَرَائِضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ عَدَدِ الْوَارِثِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَحْوَالِ الْمِيرَاثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْإِرْثُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حَالَاتِ وُجُوبِ الْمِيرَاثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَهْلِ الْفَرَائِضِ وَأُصُولِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حَجْبِ الْإِسْقَاطِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حَجْبِ النَّقْلِ إلَى فَرْضٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حَجْبِ النَّقْلِ لِلتَّعْصِيبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَانِعَ الْمِيرَاثِ]

الفصل: ‌[فصل في الوصية ما يجري مجراها]

{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6](وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) الْمُشَاوِرُ فَإِنْ عَلِمَ الْوَصِيُّ بِرُشْدِهِ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مَالَهُ وَتَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ سَوَاءٌ تَلِفَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَبْسِ مَالِهِ ظَالِمٌ لَهُ وَغَاصِبٌ لِمَالِ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ وَكَذَلِكَ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِتَرْشِيدِهِ وَقْتَ تَلَفِ مَالِهِ ضَمِنَهُ الْوَصِيُّ. اهـ. وَفَاعِلُ يَأْنَسُ الْوَصِيُّ أَيْ يُبْصِرَ، وَمَالَهُ مَفْعُولُ يَذَرَ أَيْ: يَتْرُكُ لَهُ مَالَهُ

[فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ مَا يَجْرِي مَجْرَاهَا]

(ابْنُ عَرَفَةَ) الْوَصِيَّةُ: عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ لَزِمَ بِمَوْتِهِ أَوْ نِيَابَةً عَنْهُ بَعْدَهُ فَقَوْلُهُ: الْوَصِيَّةُ أَيْ: فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ لَا الْفُرَّاضِ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ خَاصَّةٌ بِمَا يُوجِبُ الْحَقَّ فِي الثُّلُثِ، وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَالْعَقْدُ جِنْسٌ لِلْوَصِيَّةِ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ عُقُودٌ كَثِيرَةٌ، وَقَوْلُهُ: يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ أَخْرَجَ بِهِ مَا يُوجِبُ حَقًّا فِي رَأْسِ مَالِهِ مِمَّا عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي صِحَّتِهِ قَوْلُهُ يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ هُوَ صِفَةٌ لِعَقْدٍ أَخْرَجَ بِهِ الْمَرْأَةَ إذَا وَهَبَتْ أَوْ الْتَزَمَتْ ثُلُثَ مَالِهَا وَلَهَا زَوْجٌ أَوْ مَنْ الْتَزَمَ ثُلُثَ مَالِهِ لِشَخْصٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْمَوْتِ قَوْلُهُ: أَوْ نِيَابَةً عَنْهُ بَعْدَهُ، نِيَابَةً: عَطْفٌ عَلَى حَقًّا، وَالْمَعْنَى أَوْ يُوجِبُ نِيَابَةً عَنْ عَاقِدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَدْخُلُ الْإِيصَاءُ بِالنِّيَابَةِ عَنْ الْمَيِّتِ (الرَّصَّاع) فَإِنْ قُلْتَ: إذَا أَوْصَى أَوْ الْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ قُلْتُ فِيهِ خِلَافٌ وَالْحَدُّ لِلْأَعَمِّ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَالِاتِّفَاقِ، وَالْحَقُّ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِّ أَعَمُّ مِنْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ الذَّاتِ أَوْ الْعِتْقِ.

فِي ثُلُثِ الْمَالِ فَأَدْنَى فِي الْمَرَضْ

أَوْ صِحَّةٍ وَصِيَّةٌ لَا تُعْتَرَضْ

حَتَّى مِنْ السَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ

إنْ عَقَلَ الْقُرْبَةَ فِي الْأُمُورِ

وَالْعَبْدُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ مُطْلَقَا

وَهْيَ مِنْ الْكَافِرِ لَيْسَتْ تُتَّقَى

يَعْنِي: أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ وَلَا يَعْتَرِضُهَا مُعْتَرِضٌ أَيْ لَا يَرُدُّهَا زَادَ إذَا كَانَتْ فِي ثُلُثِ الْمَالِ فَأَدْنَى كَانَ الْمُوصِي صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا رَشِيدًا كَانَ أَوْ سَفِيهًا بَالِغًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا إذَا عَقَلَ الْقُرْبَةَ وَالطَّاعَةَ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا لَكِنْ بِشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا تَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ قِنًّا كَانَ أَوْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ وَهُوَ الَّذِي عُنِيَ بِالْإِطْلَاقِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ مِنْ الْعَبْدِ قَالَ فِي (الْمُقَرَّبِ) :.

قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ جَازَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ، وَفِيهِ أَيْضًا وَصِيَّةُ الْأَحْمَقِ وَالسَّفِيهِ وَالْمُصَابِ الَّذِي يُفِيقُ أَحْيَانًا جَائِزَةٌ إذَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ عُقُولِهِمْ مَا يَعْرِفُونَ بِهِ الْوَصِيَّةَ قَالَ (مَالِكٌ) وَالصَّبِيُّ إذَا أَوْصَى وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ بِالشَّيْءِ الْخَفِيفِ فَوَصِيَّتُهُ أَيْضًا جَائِزَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا اخْتِلَاطٌ وَفِي (الْمَنْهَجِ السَّالِكِ) الْوَصِيَّةُ مَقْصُورَةٌ عَلَى الثُّلُثِ وَلَا تَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ (وَفِيهِ أَيْضًا) وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ السَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ الَّذِي يَعْقِلُ وُجُوهَ الْقُرَبِ وَفِي (الْجَوَاهِرِ) وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ حُرٍّ مُمَيِّزٍ مَالِكٍ، وَلَا تَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا مِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَتَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ إذْ لَا يَخَافُ الْفَقْرَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُمَيِّزِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ وَجْهَ الْقُرَبِ وَأَصَابَ وَجْهَ الْوَصِيَّةِ وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا اخْتِلَاطٌ، وَالْكَافِرُ تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لِمُسْلِمٍ

ص: 216

وَهْيَ لِمَنْ تُمْلَكُ مِنْهُ يَصِحْ

حَتَّى لِحَمْلٍ وَاضِحٍ أَوْ لَمْ يَضِحْ

لَكِنَّهَا تَبْطُلُ إنْ لَمْ يَسْتَهِلْ

وَلِلْعَبِيدِ دُونَ إذْنٍ تَسْتَقِلْ

لَمَّا ذَكَرَ فِي الْبَيْتَيْنِ قَبْلَ هَذَيْنِ وَصْفَ الْمُوصِي تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ حَتَّى لِلْحَمْلِ الْوَاضِحِ الْبَيِّنِ، أَوْ لِحَمْلٍ يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْآنَ ظَاهِرًا فَإِنْ وُلِدَ وَاسْتَهَلَّ صَارِخًا صَحَّتْ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ بَطَلَتْ وَرَجَعَتْ مِيرَاثًا، وَكَذَلِكَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْعَبِيدِ دُونَ إذْنِ سَادَتِهِمْ (وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ) وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْمِلْكُ فَلَوْ أَوْصَى لِحَمْلِ امْرَأَةٍ فَانْفَصَلَ حَيًّا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، وَلَوْ أَسْقَطَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ أَوْصَى لِحَمْلٍ سَيَكُونُ صَحَّ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْعَبْدِ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُ قَالَ: إنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ وَيَكُونُ ثَمَّ الْمُوصَى بِهِ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ إلَى أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ وَلَا يَفْتَقِرُ فِي الْقَبُولِ إلَى إذْنِ سَيِّدِهِ وَفِي (الْمُقَرَّبِ) إذْ الْإِنَاثُ وَالذُّكُورُ فِيهَا سَوَاءٌ وَإِنْ أَوْصَى وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُولَدُ لَهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. (فَرْعٌ) وَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ.

وَهْيَ بِمَا يُمْلَكُ حَتَّى الثَّمَرِ

وَالدَّيْنِ وَالْحَمْلِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ

تَكَلَّمَ فِي الْبَيْتِ عَلَى الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ لِتَقَدُّمِ الْكَلَامِ عَلَى الْمُوصِي وَالْمُوصَى لَهُ فَذَكَرَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ بِكُلِّ مَمْلُوكٍ حَتَّى الثَّمَرِ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ وَالدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَالْحَمْلِ ظَاهِرًا كَانَ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ غَرَرٌ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالْغَرَرُ فِيهِ جَائِزٌ قَالَ فِي (الْجَوَاهِرِ) وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِكُلِّ مَمْلُوكٍ يَقْبَلُ النَّقْلَ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَوْجُودًا أَوْ عَيْنًا بَلْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ وَثَمَرَةِ الشَّجَرِ وَالْمَنْفَعَةِ وَلَا كَوْنُهُ مَعْلُومًا وَلَا مَقْدُورًا عَلَيْهِ بَلْ تَصِحُّ بِالْحَمْلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَصِحُّ بِالْمَغْصُوبِ وَالْمَجَاهِيلِ وَلَا كَوْنُهُ مُعَيَّنًا إذْ تَصِحُّ بِأَحَدِ الْعَبِيدِ وَلَا تَصِحُّ بِمَا لَا تَمْلِكُهُ كَالْخَمْرِ.

ص: 217

وَامْتَنَعَتْ لِوَارِثٍ إلَّا مَتَى

إنْفَاذُ بَاقِي الْوَارِثِينَ ثَبَتَا

يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ مَمْنُوعَةٌ إلَّا إذَا أَجَازَهَا بَاقِي الْوَرَثَةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» قَالَ فِي (الْمَنْهَجِ السَّالِكِ) وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ وَهِيَ لِغَيْرِ الْوَارِثِ جَائِزَةٌ (وَفِي الْجَوَاهِرِ) وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ وَتَقِفُ عَلَى إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ وَرَدِّهِمْ فَإِنْ رَدُّوهَا رَجَعَتْ مِيرَاثًا وَإِنْ أَجَازَهَا نَفَذَتْ ثُمَّ اُخْتُلِفَ بَعْدَ تَنْفِيذِهَا بِإِجَازَتِهَا هَلْ ذَلِكَ تَنْفِيذٌ بِفِعْلِ الْمُوصِي أَوْ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ مِنْهُمْ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْقُضَاةُ الثَّلَاثَةُ أَبُو الْحَسَنِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْوَلِيدِ وَرَأَى الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ: أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. اهـ. وَتَعْبِيرُ النَّاظِمِ بِامْتَنَعَتْ كَعِبَارَةِ الْمَنْهَجِ السَّالِكِ فَلَا تَجُوزُ بِخِلَافِ عِبَارَةِ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ بِتَصِحُّ وَعَلَى أَنَّ إجَازَةَ الْوَرَثَةِ تُنَفَّذُ لَا تَفْتَقِرُ لِحَوْزٍ وَتَفْتَقِرُ عَلَى أَنَّهَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ.

(فَرْعٌ) مَنْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ وَاتُّهِمَ أَنْ يَكُونَ اتَّفَقَ مَعَ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَأْخُذَ الْوَصِيَّةَ وَيَدْفَعَهَا لِبَعْضِ وَرَثَةِ الْمُوصِي وَأَنَّ ذَلِكَ تَحَيُّلٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَحْلِفُ وَيَبْرَأُ مِنْ التُّهْمَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ تُعْطَ لَهُ الْوَصِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ اُنْظُرْ أَوَائِلَ نَوَازِلِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْمِعْيَارِ.

وَلِلَّذِي أَوْصَى ارْتِجَاعُ مَا يَرَى

مِنْ غَيْرِ مَا بَتَّلَ أَوْ مَا دُبِّرَا

يَعْنِي أَنَّ لِلْمُوصِي الرُّجُوعَ عَنْ وَصِيَّتِهِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَتْ إلَّا مَا بَتَّلَ عِتْقُهُ أَوْ عَطِيَّتُهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ لِخَبَرِ «إنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» وَإِلَّا مَا دَبَّرَهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ رُجُوعٌ.

قَالَ فِي (الرِّسَالَةِ) وَلِلرَّجُلِ الرُّجُوعُ فِي وَصِيَّتِهِ مِنْ عِتْقٍ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ أَوْصَى فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ مِنْ ذَلِكَ مَا بَدَا لَهُ وَيَصْنَعَ فِيهِ مَا شَاءَ حَتَّى يَمُوتَ وَلَهُ أَنْ يَطْرَحَ تِلْكَ الْوَصِيَّةَ وَيُبَدِّلَ غَيْرَهَا قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا بَتَّلَ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمَنْ صَدَّرَ وَصِيَّتَهُ وَكَتَبَ فِيهَا: إنَّ فُلَانًا حُرٌّ وَفُلَانٌ حُرٌّ قَالَ إذَا أَجْرَاهَا مَجْرَى الْوَصِيَّةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا.

قَالَ (ابْنُ الْقَاسِمِ) وَإِنْ كَتَبَ فِي أَمَتِهِ إنَّهَا مُدَبَّرَةٌ إنْ لَمْ أُحْدِثْ فِيهَا حَدَثًا فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ وَإِنْ قَالَ عَبْدِي مُدَبَّرٌ بَعْد مَوْتِي فَهُوَ كَالْوَصِيَّةِ وَقَالَ عَنْهُ مُحَمَّدٌ إنْ قَالَ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَعَبْدِي مُدَبَّرٌ فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ.

وَفِي الْمَعُونَةِ: الْوَصِيَّةُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءٌ لِأَنَّهَا تُنَفَّذُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَلَهُ

ص: 218

الرُّجُوعُ فِيمَا شَاءَ مِنْهَا إلَّا التَّدْبِيرَ وَلِأَنَّهُ إيجَابٌ فِي الْحَيَاةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ وَهُوَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ الْمُبَتَّلُ فِي الْمَرَضِ. اهـ وَرَاجِعْ أَوَّلَ التَّدْبِيرِ فَفِيهِ أَلْفَاظٌ مِنْ التَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ وَقَدْ أَطَالَ الشَّارِحُ هُنَا بِالْكَلَامِ عَلَى تَبْدِئَةِ بَعْضِ الْوَصَايَا عَلَى بَعْضٍ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْتَ. (تَنْبِيهٌ) فِي اسْتِثْنَاءِ النَّاظِمِ مَا أَبْتَلَهُ أَوْ دَبَّرَهُ مَا لَا يَخْفَى إذْ لَيْسَا مِنْ الْوَصِيَّةِ

وَفِي الَّذِي عَلِمَ مُوصٍ تُجْعَلُ

وَدَيْنُ مَنْ عَنْ الْيَمِينِ يَنْكُلُ

يَعْنِي: أَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تُؤْخَذُ وَتَخْرُجُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي عَلِمَ بِهِ الْمُوصِي سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ وَلَا تَخْرُجُ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَكَذَلِكَ تَخْرُجُ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُوصِي إذَا نَكَلَ طَالِبُهُ عَنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ أَوْ عَنْهَا وَعَنْ يَمِينِ النِّصَابِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَإِذَا بَطَل وَرَجَعَ لِلْوَرَثَةِ فَيُجْمَعُ لِبَقِيَّةِ مَالِهِ وَتَخْرُجُ الْوَصَايَا مِنْ الْمَجْمُوعِ قَالَ (الشَّارِحُ) لِأَنَّ مَحْمَلَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ وَقَدْ كَانَ الْمُوصِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَفِي الْمُقَرَّبِ:

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ يَوْمَ أَوْصَى ثُمَّ أَفَادَ مَالًا فَمَاتَ فَإِنْ عَلِمَ الْمَيِّتُ بِمَا أَفَادَ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ أَوْصَى وَلَهُ مَالٌ ثُمَّ نَفَذَ مَالُهُ ثُمَّ أَفَادَ مَالًا بَعْدَهُ وَمَاتَ فَوَصِيَّتُهُ تَدْخُلُ فِيمَا أَفَادَ إذَا عَلِمَ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَأَقَرَّ وَصِيَّتَهُ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي كُلِّ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَهُ مَالٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مِثْلُ الْمِيرَاثِ يَكُونُ لَهُ بِأَرْضٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَمَاتَ فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَالَ لَا تَدْخُلُ فِيهِ الْوَصَايَا لَا عِتْقٌ وَلَا غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ مَا أَوْصَى وَسَوَاءٌ فِي هَذَا عَلِمَ بِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ فِي غَيْرِ مَرَضِهِ فَإِنَّ الْوَصَايَا تَدْخُلُ فِيهِ إذَا عَلِمَ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ.

وَمِنْ (طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) فِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ قَالَ ابْنُ زَرْبٍ رحمه الله فَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِوَارِثٍ وَأَوْصَى بِوَصَايَا فَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ بَطَلَ وَكَانَتْ الْوَصَايَا فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ مَالِهِ وَرَجَعَ الدَّيْنُ مِيرَاثًا وَلَمْ تَدْخُلْ وَصَايَا فِيهِ وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِمَنْ يَجِبُ إقْرَارُهُ لَهُ بِهِ فَكُلِّفَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَ الْقَضَاءِ فَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْوَصَايَا تَدْخُلُ فِيهِ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَبَضَهُ ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ مُغِيثٍ. اهـ. وَإِلَى قَوْلِهِ فِي الطُّرَرِ وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِمَنْ يَجِبُ إلَخْ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:

وَدَيْنُ مَنْ عَنْ الْيَمِينِ يَنْكُلُ

(وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ) وَلَا مَدْخَلَ لِلْوَصِيَّةِ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مِنْ إرْثٍ وَلَا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ وَلَوْ فِي مَرَضِهِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أَوْصَى بِهِ لِوَارِثٍ وَلَوْ رُدَّ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ وَمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ تَعْمِيرٍ وَحَبْسٍ أَيْ فَالْوَصَايَا تَدْخُلُ فِيهِ. وَفِي الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ إنْ اشْتَهَرَ مَوْتُهُمَا ثُمَّ ظَهَرَتْ السَّلَامَةُ قَوْلَانِ كَغَرَقِ السَّفِينَةِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَفِي سَفِينَةٍ أَوْ عَبْدٍ شُهِرَ تَلَفُهُمَا ثُمَّ ظَهَرَتْ السَّلَامَةُ قَوْلَانِ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ أَوْصَى بِهِ لِوَارِثٍ.

(قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَسَمَحَ لَهُ) وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى: الْأُولَى: رَجُلٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ أَوْصَى بِثُلُثِهِ يُقْسَمُ أَثْلَاثًا لِأَوْلَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ ثُلُثُ الثُّلُثِ الْمَذْكُورِ فَمَاتَ الْمُوصِي ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ أَنْ يُولَد لَهُ فَرَجَعَ نَصِيبُهُ وَهُوَ ثُلُثُ الثُّلُثِ لِلْوَرَثَةِ وَتَزَايَدَ لِلْوَلَدَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ أَوْلَادٌ فَهَلْ يَدْخُلُونَ فِيمَا رَجَعَ لِلْوَرَثَةِ أَمْ لَا.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) رَجُلٌ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ وَتَرَكَ الْوَلَدُ أَوْلَادًا فَأَنْزَلَهُمْ جَدُّهُمْ مَنْزِلَةَ أَبِيهِمْ يَرِثُونَ مِنْهُ مَا يَرِثُهُ أَبُوهُمْ

ص: 219

وَلِلرَّجُلِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ عَرْصَةٌ تُسَاوِي ثَمَنًا مُعْتَبَرًا ثُمَّ بَعْدَ سِنِينَ عَدِيدَةٍ حَبَسَ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ الْعَرْصَةَ الْمَذْكُورَةَ عَلَى بَنِيهِ الذُّكُورِ وَعَقِبِهِمْ وَهُوَ إذْ ذَاكَ سَاكِنٌ بِمِصْرِيَّةٍ خَارِجَةٍ عَنْ الْعَرْصَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ مَاتَ الْمُحْبِسُ الْمَذْكُورُ فَاسْتَظْهَرَ بَاقِي وَرَثَتِهِ مِمَّنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّحْبِيسِ الْمَذْكُورِ سَاكِنًا فِيهَا إلَى أَنْ مَاتَ عَفَا اللَّهُ عَنَّا وَعَنْهُ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِمُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ الْمَذْكُورَةِ وَفَسَخَ الْحَبْسَ الْمَذْكُورَ وَصَارَتْ الْعَرْصَةُ مِلْكًا تُبَاعُ وَتُشْتَرَى فَهَلْ يَدْخُلُ الْأَحْفَادُ الْمُنَزَّلُونَ مَنْزِلَةَ أَبِيهِمْ فِي الْعَرْصَةِ الْمَذْكُورَةِ أَمْ لَا لِكَوْنِ التَّنْزِيلِ وَصِيَّةً وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا عَلِمَهُ الْمُوصِي وَرُجُوعُ الْعَرْصَةِ مِلْكًا كَمَالٍ حَدَثَ لِلْمُوصِي لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَصَايَا.

وَالْجَوَابُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ أَوَّلَ نَوَازِلِ الْوَصَايَا وَأَحْكَامِ الْمَحَاجِيرِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي سَعِيدٍ عُثْمَانَ بْنِ مَنْظُورٍ وَنَصُّهُ وَسُئِلَ رحمه الله هَلْ يَدْخُلُ الْمُوصَى لَهُمْ فِيمَا بَطَلَ وَفَسَدَ مِنْ الْهِبَاتِ أَمْ لَا؟ . فَأَجَابَ: تَأَمَّلْتُ - حَفِظَ اللَّهُ أُخُوَّتَكُمْ - السُّؤَالَ الْوَاقِعَ فِي قَضِيَّةِ بَنِي رِزْقٍ وَأَحْضَرْتُ أَهْلَ الشُّورَى فَانْفَصَلَ الْمَجْلِسُ عَلَى أَنَّ دُخُولَ الْمُوصَى لَهُمْ بِالثُّلُثِ فِيمَا فَسَدَ مِنْ الْهِبَةِ يَجْرِي فِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُمْ الدُّخُولَ لِأَنَّ بَقَاءَ الْمَوْهُوبِ تَحْتَ يَدِ الْوَاهِبِ حَتَّى مَاتَ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُمْ وَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَالٌ مِنْ أَمْوَالِ الْوَاهِبِ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مِلْكِهِ بَعْدُ حَتَّى مَاتَ فَدَخَلَتْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ كَمَا دَخَلَتْ فِي سَائِرِ مُمْتَلَكَاتِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: عَدَمُ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْهِبَةِ إنَّمَا حَصَلَ بِالْمَوْتِ فَكَانَ الْمَوْهُوبُ بِمَنْزِلَةِ مَالٍ حَدَثَ لِلْمُوصِي بَعْدَ وَفَاتِهِ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَمْ يَقْصِدْهُ بِالْوَصِيَّةِ إذْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ نَقَلَهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَلَمْ تُحَزْ عَنْهُ حَتَّى تُوُفِّيَ وَكَانَ قَدْ عَهِدَ بِالثُّلُثِ وَعَلَّلَ الدُّخُولَ بِعَدَمِ الْحَوْزِ لِلْمُتَصَدِّقِ بِهِ وَعَدَمُهُ بِأَنَّ الْإِبْطَالَ إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْمُتَصَدَّقُ بِهِ بَعْدَ إبْطَالِ الصَّدَقَةِ بِالْمَوْتِ كَمَالٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُوصِي.

وَكَذَلِكَ نَقَلَ ابْنُ حَارِثٍ وَغَيْرُهُ فِيهَا الْخِلَافَ وَزَادَ اللَّخْمِيُّ فَنَقَلَ اخْتِلَافًا فِي دُخُولِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُوصِي مِنْ مَالِهِ فِي وَصِيَّتِهِ وَلِمَا اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى وُجُودِ الْقَوْلَيْنِ فِي الصَّدَقَةِ الَّتِي لَمْ تُحَزْ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهَا عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ افْتَرَقُوا فِي الِاخْتِيَارِ فَمِنْهُمْ مِنْ اخْتَارَ الدُّخُولَ وَمِنْهُمْ مِنْ اخْتَارَ عَدَمَهُ وَتَأَكَّدَ عِنْدِي الْقَوْلُ بِالدُّخُولِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِمَا أَشَرْتُمْ إلَيْهِ مِنْ كَوْنِ الْوَاهِبِ كَانَ مُسْتَوْلِيًا عَلَى تِلْكَ الْأَمْلَاكِ الْمَوْهُوبَةِ يَسْتَغِلُّهَا وَيَمْنَعُ الْمَوْهُوبَ لَهُمْ مِنْهَا حَتَّى تُوُفِّيَ وَهَذَا الْفِعْلُ مِمَّا يُوهِنُ الْهِبَةَ وَيُصَيِّرُهَا كَأَنْ لَمْ تَكُنْ. انْتَهَى مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي دُخُولِ الْمُوصَى لَهُمْ فِيمَا بَطَلَ مِنْ الْهِبَاتِ يَجْرِي فِيمَا بَطَلَ مِنْ الْمُحْبَسَاتِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِجَامِعِ اخْتِلَالِ شَرْطِهِمَا وَهُوَ الْحَوْزُ وَاخْتِلَالُهُ إمَّا حِسًّا وَحُكْمًا كَمَا إذَا بَقِيَ الشَّيْءُ بِيَدِ وَاهِبِهِ أَوْ مُحْبِسِهِ حَتَّى مَاتَ وَإِمَّا حُكْمًا فَقَطْ كَمَا إذَا حِيزَ مُدَّةً لَا تَكْفِي فِي الْحَوْزِ فَهُوَ كَالْعَدَمِ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا.

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَلَمْ أَقِفْ فِيهَا الْآنَ عَلَى نَصٍّ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الدُّخُولِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِبْطَالَ إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهُوَ كَمَالٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَا يُجْرَى فِي هَذِهِ مَا عَلَّلُوا بِهِ الدُّخُولَ مِنْ عَدَمِ الْحَوْزِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ لَا تَفْتَقِرُ لِحَوْزٍ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

وَصُحِّحَتْ لِوَلَدِ الْأَوْلَادِ

وَالْأَبُ لِلْمِيرَاثِ بِالْمِرْصَادِ

يَعْنِي أَنَّهَا تَصِحُّ لِوَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ وَعَنْ وُجُودِ الْوَلَدِ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ:

وَالْأَبُ لِلْمِيرَاثِ بِالْمِرْصَادِ

أَيْ: يَرْصُدُ مِيرَاثَ أَبِيهِ الْمُوصِي وَيَرْتَقِبُهُ (ابْنُ يُونُسَ) قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِوَلَدِ وَلَدِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانُوا غَيْرَ وَرَثَةٍ اهـ.

(وَاعْلَمْ) أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ اتَّسَعَ فِيهَا الْكَلَامُ وَاخْتَلَفَتْ فِيهَا الْأَفْهَامُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا مَجْمُوعَةً فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ مِنْ كُتُبِ الْأَحْكَامِ، فَجَمَعْت مِنْهَا مَا حَضَرَنِي وَالْتَقَطْت مِنْهَا مَا وَسِعَنِي وَهَذَّبْته وَرَتَّبْته فَسَرَّنِي فَأَقُولُ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَالتُّكْلَانُ

ص: 220

لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا حَضَرَنِي مِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ.

(الْأَوَّلُ) : إذَا قَالَ الْمُوصِي: أَوْصَيْتُ لِوَلَدِ وَلَدِي لِمَنْ يُزَادُ أَوْ يُولَدُ لِوَلَدِي فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ تَشْمَلُ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي مِنْ الْأَحْفَادِ وَمَنْ عَسَى أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ وَإِنْ قَالَ: لِوَلَدِ وَلَدِهِ وَلَمْ يَقُلْ وَلِمَنْ يُزَادُ أَوْ يُولَدُ لِوَلَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهِ وَلَدٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا يَشْمَلُ الْإِيصَاءُ كُلَّ مَنْ يُولَدُ لِوَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَفِيدٌ وَاحِدٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ أَوْ أَكْثَرُ فَهَلْ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِلْمَوْجُودِ مِنْهُمْ إذْ ذَاكَ أَوْ لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا وَلِمَنْ سَيُوجَدُ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْمِزْجَادِيُّ اُنْظُرْ الْمِعْيَارَ.

(الثَّانِي) إذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْوَصِيَّةِ لَفْظُ تَحْبِيسٍ وَلَا صَدَقَةٍ فَتُحْمَلُ عَلَى التَّمَالُكِ لِلْمُوصَى لَهُمْ وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ قِسْمَةَ مِلْكٍ عَلَى السَّوَاءِ لَا يُؤْثَرُ فِيهِ فَقِيرٌ عَلَى غَنِيٍّ، نَقَلَهُ فِي الْمِعْيَارِ أَيْضًا عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ النُّورِ الْعِمْرَانِيِّ.

(الثَّالِثُ) إنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ أَصْلًا فَذَلِكَ الْمُرَادُ لِيَبْقَى أَصْلُهُ وَيَنْتَفِعَ بِغَلَّتِهِ الْمُوصَى لَهُمْ بِهِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا اُشْتُرِيَ بِهِ أَصْلٌ وَكَذَا إنْ كَانَ عَرَضًا بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِهِ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْأَصْلِ مُعَرَّضٌ لِلضَّيَاعِ. وَقِيلَ: يُتَّجَرُ بِهِ لِمَنْ وُلِدَ مِنْهُمْ، وَجَمَعَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ: إنْ كَانَ كَثِيرًا يَكْفِي لِشِرَاءِ أَصْلٍ يُنْتَفَعُ بِهِ اُشْتُرِيَ وَإِلَّا اُتُّجِرَ بِهِ، وَإِذَا وُجِدَتْ غَلَّةٌ فَهَلْ تُقْسَمُ عَلَى الْمَوْجُودِ مِنْ الْأَحْفَادِ فَإِنْ ازْدَادَ غَيْرُهُمْ دَخَلَ مَعَهُمْ أَوْ تُوُقِّفَ إلَى أَنْ تَنْقَطِعَ وِلَادَةُ أَوْلَادِ الصُّلْبِ فِي ذَلِكَ رَأْيَانِ لِلشُّيُوخِ اُنْظُرْ أَوَائِلَ نَوَازِلِ الْأَحْبَاسِ مِنْ الْمِعْيَارِ أَيْضًا.

(الرَّابِعُ) مَا يُوجَدُ مِنْ الْغَلَّةِ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لِوَلَدِ الصُّلْبِ أَفْتَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِأَنَّ الْغَلَّةَ إذْ ذَاكَ لِلْوَرَثَةِ إلَى أَنْ يُوجَدَ أَحَدُ الْأَحْفَادِ، وَأَفْتَى ابْنُ عَلْوَانَ بِأَنَّهَا تُوقَفُ لِلْمُوصَى لَهُ إلَى أَنْ يُوجَدَ.

(الْخَامِسُ) إذَا قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ: نِصْفُهَا لِأَوْلَادِ زَيْدٍ وَنِصْفُهَا لِأَوْلَادِ عَمْرٍو أَوْ: ثُلُثُهَا لِأَوْلَادِ زَيْدٍ وَثُلُثُهَا لِأَوْلَادِ عَمْرٍو وَثُلُثُهَا لِأَوْلَادِ بَكْرٍ قُسِمَتْ الْغَلَّةُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ نِصْفَيْنِ: نِصْفُهَا لِأَوْلَادِ زَيْدٍ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ وَنِصْفُهَا لِوَلَدِ عَمْرٍو كَذَلِكَ، وَتُقْسَمُ أَثْلَاثًا فِي الْمِثَالِ الثَّانِي: ثُلُثٌ لِأَوْلَادِ كُلِّ وَاحِدٍ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَحَظُّهُ لِمَنْ بَقِيَ لَا لِوَارِثِهِ فَإِنْ كَانَ لِفَرِيقٍ أَوْ أَكْثَرَ أَرْبَعَةٌ مَثَلًا مِنْ الْوَلَدِ فَمَاتَ وَاحِدٌ قَسَمُوا عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ ازْدَادَ وَاحِدٌ قَسَمُوا عَلَى خَمْسٍ وَهَكَذَا فَإِنْ ازْدَادَ وَلَدٌ عِنْدَ فَرِيقٍ أُعْطِيَ مِنْ غَلَّةٍ تُسْتَقْبَلُ لَا مِمَّا قُسِمَ قَبْلَ وِلَادَتِهِ.

وَيُقْسَمُ نَصِيبُ كُلِّ فَرِيقٍ عَلَى أَوْلَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ الْغَنِيُّ كَالْفَقِيرِ وَالذَّكَرُ كَالْأُنْثَى إلَّا بِنَصٍّ مِنْ الْمُوصِي وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْغَلَّةَ لِمَنْ وُجِدَ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَإِنَّ الْغَلَّةَ كُلَّهَا تُوقَفُ إلَى أَنْ تَنْقَطِعَ وِلَادَةُ أَبِي ذَلِكَ الْفَرِيقِ فَتُقْسَمُ عَلَى الْحَيِّ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِ وَيَحْيَا الْمَيِّتُ بِالذِّكْرِ وَيُقْسَمُ مَنَابُهُ عَلَى وَرَثَتِهِ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِئُ الْقَوْلَ بِقَسْمِ الْغَلَّةِ عَلَى مَنْ حَضَرَ قَائِلًا إنَّهُ ظَاهِرُ قَصْدِ الْمُوصِي وَأَمَّا إنْ أَجَّلَ فِي وَصِيَّتِهِ وَقَالَ ثُلُثِي لِأَوْلَادِ وَلَدِي فُلَانٍ وَوَلَدِي فُلَانٍ وَوَلَدِي فُلَانٍ فَإِنَّ الْغَلَّةَ تُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الْأَحْفَادِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِمَا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْلَادِ وَيُجْرَى فِي قِسْمَتِهَا عَلَى مَنْ وُجِدَ أَوْ إيقَافُهَا إلَى انْقِطَاعِ وِلَادَةِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ، الْقَوْلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ، وَيُجْرَى أَيْضًا مَا تَقَدَّمَ مِنْ انْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ بِمَوْتِ وَاحِدٍ أَوْ وِلَادَتِهِ لَكِنْ لَا بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ أَوْ ازْدَادَ لَهُ فَقَطْ كَمَا فِي الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ بَلْ يُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْوَجْهُ الْمَجْمُوعُ مِنْ الْأَحْفَادِ.

(السَّادِسُ) لَا يُبَاعُ الْأَصْلُ الْمُوصَى بِهِ أَوْ الْمُشْتَرَى بِالْعَيْنِ أَوْ بِقِيمَةِ الْعَرَضِ الْمُوصَى بِهِمَا حَتَّى تَنْقَطِعَ وِلَادَةُ أَوْلَادِ الصُّلْبِ اتِّفَاقًا فَإِذَا بِيعَ بَعْدَ انْقِطَاعِهَا أَوْ لَمْ يُبَعْ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ الْأَصْلُ مِلْكًا لِلْأَخِيرِ مِنْ الْأَحْفَادِ وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ انْقِطَاعِ وِلَادَةِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ إنَّمَا لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْغَلَّةِ فَقَطْ أَوْ هُوَ مِلْكٌ لِجَمِيعِ الْأَحْفَادِ فَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ كَالْغَلَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِإِيقَافِهَا قَوْلَانِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ أُخَرُ يَطُولُ بِنَا ذِكْرُهَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ.

وَقَدْ جَمَعْتُ مِنْ أَطْرَافِ الْمَسْأَلَةِ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ آخِرَ نَظْمِنَا الْمُسَمَّى بُسْتَانُ فِكْرِ الْمُهَجِ فِي تَذْيِيلِ الْمَنْهَجِ فِيمَا يَقْرَبُ مِنْ خَمْسِينَ بَيْتًا، وَرَاجِعْ ذَلِكَ أَيْضًا فِي شَرْحِ النَّظْمِ الْمَذْكُورِ الْمُسَمَّى بِالرَّوْضِ الْمُبْهِجِ فِي شَرْحِ تَكْمِيلِ الْمَنْهَجِ نَفَعَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْجَمِيعَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.

وَإِنْ أَبٌ مِنْ مَالِهِ قَدْ أَنْفَقَا

عَلَى ابْنِهِ فِي حَجْرِهِ تَرَفَّقَا

فَجَائِزٌ رُجُوعُهُ فِي الْحَالِ

عَلَيْهِ مِنْ حِينِ اكْتِسَابِ الْمَالِ

ص: 221

تَكَلَّمَ فِي الْبَيْتَيْنِ عَلَى مَا إذَا أَنْفَقَ الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ، وَفِي الْأَبْيَاتِ بَعْدَهُمَا عَلَى مَا إذَا أَنْفَقَ الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ فَطَالَبَ بَقِيَّةُ وَرَثَةِ الْأَبِ فِيمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُوهُ.

قَوْلُهُ: وَإِنْ أَبٌ إلَخْ، يَعْنِي: الْأَبُ إذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ الَّذِي فِي حَجْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ مِنْ وَقْتِ كَسْبِهِ وَمِلْكِهِ الْمَالَ فَمَا بَعْدَهُ، وَأَمَّا مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ وَالِابْنُ مُعْدِمٌ لَا مَالَ عِنْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ فِيهِ رُجُوعٌ أَمَّا عَدَمُ رُجُوعِهِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ قَبْلَ كَسْبِهِ لِلْمَالِ فَظَاهِرُهُ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ حِينَئِذٍ وَاجِبَةٌ عَلَى أَبِيهِ.

وَقَالَ فِي (الْمُدَوَّنَةِ) يَلْزَمُ الْأَبَ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الذُّكُورِ حَتَّى يَحْتَلِمُوا وَالْإِنَاثِ حَتَّى يَدْخُلَ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلصَّبِيِّ كَسْبٌ يَسْتَغْنِي بِهِ أَوْ مَالٌ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ. اهـ.

(وَفِي الْقَلْشَانِيِّ مَا نَصُّهُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّوَايَاتُ وَاضِحَةٌ بِعَدَمِ اتِّبَاعِ الْأَبِ وَلَدَهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِمَا وَقَيَّدَ ابْنُ الْحَاجِبِ وُجُوبَ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ بِمَا إذَا كَانَ الْأَبُ حُرًّا أَمَّا الْعَبْدُ وَمَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ فَلَا نَفَقَةَ لِوَلَدِهِ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَكَذَلِكَ لَا نَفَقَةَ أَيْضًا لِلْوَلَدِ الرَّقِيقِ عَلَى أَبِيهِ. اهـ. يَعْنِي وَإِنَّمَا نَفَقَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَأَمَّا رُجُوعُ الْأَبِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الْوَلَدِ بَعْدَ اكْتِسَابِهِ الْمَالَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا الْأَبُ إذَا أَنْفَقَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَهُ مَالُ عَيْنٍ أَوْ عَرَضٍ ثُمَّ قَالَ حَاسِبُوهُ حُوسِبَ بِذَلِكَ. اهـ.

نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ فِي بَابِ اللُّقَطَةِ (وَفِي شَرْحِ الْقَلْشَانِيِّ مَا نَصُّهُ) : وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَنْفَقَ عَلَى صَغِيرٍ لَمْ يُرْجَعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ حِينَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ فَيُرْجَعُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. اهـ. قَوْلُهُ: وَإِنْ أَبٌ فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ أَنْفَقَ وَقَيَّدْنَا الِابْنَ بِالصَّغِيرِ كَمَا قَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فِي حَجْرِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَالِغًا لَرَجَعَ عَلَيْهِ، مَلِيًّا كَانَ الِابْنُ أَوْ مُعْدَمًا، وَتَرَفُّقًا أَيْ: رِفْقًا بِهِ كَأَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ وَلَعَلَّ التَّرَفُّقَ رَاجِعٌ لِكَوْنِهِ فِي حَجْرِهِ إذْ لَوْ رَدَدْنَاهُ إلَى الْإِنْفَاقِ لَكَانَ نَصًّا فِي عَدَمِ قَصْدِ الرُّجُوعِ.

وَإِنْ يَمُتْ وَالْمَالُ عَيْنٌ بَاقِ

وَطَالَبَ الْوَارِثُ بِالْإِنْفَاقِ

فَمَا لَهُمْ إلَيْهِ مِنْ سَبِيلِ

وَهُوَ لِلِابْنِ دُونَ مَا تَعْلِيلِ

إلَّا إذَا أَوْصَى عَلَى الْحِسَابِ

وَقَيَّدَ الْإِنْفَاقَ بِالْكِتَابِ

وَإِنْ يَكُنْ عَرْضًا وَكَانَ عِنْدَهُ

فَلَهُمْ الرُّجُوعُ فِيهِ بَعْدَهُ

إلَّا إذَا مَا قَالَ لَا تُحَاسِبُوا

وَتَرَكَ الْكَتْبَ فَلَنْ يُطَالِبُوا

وَكَالْعُرُوضِ الْحَيَوَانُ مُطْلَقَا

فِيهِ الرُّجُوعُ بِاَلَّذِي قَدْ أَنْفَقَا

وَإِنْ يَكُنْ عَيْنًا وَرَسْمًا أَصْدَرَا

بِأَنَّهُ ذِمَّتَهُ قَدْ عَمَّرَا

فَمَا تَحَاسُبٌ بِمُسْتَحَقِّ

وَهُوَ كَالْحَاضِرِ دُونَ فَرْقِ

وَإِنْ يَكُنْ فِي مَالِهِ قَدْ أَدْخَلَهْ

مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ بِذَاكَ أَعْمَلَهْ

مَعْ عِلْمِ أَصْلِهِ فَهَهُنَا يَجِبْ

رُجُوعُ وَارِثٍ بِإِنْفَاقٍ طُلِبْ

ص: 222

يَعْنِي إذَا أَنَفَقَ الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ وَلِلِابْنِ وَقْتَ إنْفَاقِ أَبِيهِ عَلَيْهِ مَالٌ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ الْمُنْفِقُ فَطَالَبَ بَقِيَّةُ وَرَثَةِ الْأَبِ الِابْنَ الْمُنْفَقَ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ فَلَا يَخْلُو مَالُ الِابْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا وَفِي كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُوجَدَ مَالُ الِابْنِ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِ أَمْ لَا فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ فَإِنْ كَانَ مَالُ الِابْنِ عَيْنًا وَوُجِدَ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ فَلَا يُحَاسَبُ الِابْنُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُوهُ لِأَنَّ إبْقَاءَ الْوَالِدِ مَالَ وَلَدِهِ الْعَيْنَ مَعَ عَدَمِ كَتْبِ النَّفَقَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَبَرُّعِهِ عَلَيْهِ بِهَا لِسُهُولَةِ الْأَخْذِ مِنْ الْعَيْنِ لَوْ كَانَ قَصَدَ الْمُحَاسَبَةَ فَإِنْ أَوْصَى الْأَبُ بِمُحَاسَبَةِ الِابْنِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ.

وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ فَلَا إشْكَالَ فِي مُحَاسَبَتِهِ بِهَا لِأَنَّ كَتْبَ النَّفَقَةِ عَلَى الِابْنِ تَصْرِيحٌ بِعِمَارَةِ ذِمَّتِهِ فَهُوَ أَقْوَى مِنْ قَرِينَةِ الْحَالِ وَهِيَ وُجُودُ الْمَالِ الْعَيْنِ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:

وَإِنْ يَمُتْ وَالْمَالُ عَيْنٌ بَاقِ

الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ، فَفَاعِلُ يَمُتْ يَعُودُ عَلَى الْأَبِ، وَجُمْلَةُ وَالْمَالُ عَيْنٌ بَاقِ: حَالِيَّةٌ، وَبَاقٍ: صِفَةُ عَيْنٍ أَيْ مَوْجُودٌ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ وَالْوَارِثُ فَاعِلُ طَالَبَ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ سِيَاقِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ أَيْ: الِابْنُ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ وَجَمَعَ ضَمِيرَ لَهُمْ الْعَائِدَ عَلَى الْوَارِثِ بِاعْتِبَارِ مَصْدُوقِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِنْسُ الْوَارِثِ وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ، وَضَمِيرُ إلَيْهِ وَضَمِيرُ هُوَ لِلِابْنِ يَعُودَانِ عَلَى الْإِنْفَاقِ، وَالْمُرَادُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اسْمُ الْمَفْعُولِ أَيْ: الْمَالُ الْمُنْفَقُ فَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ مَالِ الِابْنِ عَيْنًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِ فَلَا يَخْلُو الْحَالُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْهَدَ الْأَبُ بِعِمَارَةِ ذِمَّةِ نَفْسِهِ بِمَالِ وَلَدِهِ فَلَا يُحَاسَبُ الِابْنُ بِالنَّفَقَةِ أَيْضًا لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ كَالْحَاضِرِ الْمَوْجُودِ حِسًّا وَقَدْ قَدَّمَ أَنَّهُ إنْ وُجِدَ فِي التَّرِكَةِ لَمْ يُحَاسَبْ الِابْنُ إلَّا إذَا أَوْصَى بِالْمُحَاسَبَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَإِنْ يَكُنْ عَيْنًا وَرَسْمًا أَصْدَرَا

الْبَيْتَيْنِ

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ لَا يُوجَدَ مَالُ الِابْنِ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ وَلَا أَشْهَدَ بِعِمَارَةِ ذِمَّتِهِ وَلَكِنْ عُلِمَ أَصْلُ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي تَقَرَّرَ فِي ذِمَّةِ الْأَبِ مِنْ غَيْرِ إشْهَادِ الْأَبِ بِذَلِكَ بِلَا بَيِّنَةٍ مَثَلًا فَإِنَّ الِابْنَ يُحَاسَبُ بِالنَّفَقَةِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْوَارِثُ بِهَا وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَإِنْ يَكُنْ فِي مَالِهِ قَدْ أَدْخَلَهْ

الْبَيْتَيْنِ، فَاسْمُ يَكُنْ يَعُودُ عَلَى الْأَبِ وَمَفْعُولُ أَدْخَلَهُ يَعُودُ عَلَى مَالِ الِابْنِ الْعَيْنِ وَجُمْلَةُ أَعْمَلَهُ صِفَةُ إشْهَادٍ، وَجُمْلَةُ طُلِبَ صِفَةُ إنْفَاقٍ أَيْ: طُلِبَ مِنْ الِابْنِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِيمَا إذَا كَانَ مَالُ الِابْنِ عَيْنًا إنْ وُجِدَ فِي التَّرِكَةِ لَمْ يُحَاسَبْ إلَّا إذَا أَوْصَى بِالْحِسَابِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَإِنْ عَمَّرَ بِهِ الْأَبُ ذِمَّتَهُ لَمْ يُحَاسَبْ الِابْنُ وَإِنْ لَمْ يُعَمِّرْهَا حُوسِبَ.

وَأَمَّا إنْ كَانَ مَالُ الِابْنِ عَرَضًا كَأَنْ تَتْرُكَ أُمُّهُ أَثَاثًا وَلِبَاسًا وَفِرَاشًا فَيُوجَدُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ فَلِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَلَدِ بِالنَّفَقَةِ إلَّا إذَا أَوْصَى وَقَالَ لَا تُحَاسِبُوهُ وَلَمْ يَكْتُبْ نَفَقَتَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ مُحَاسَبَتِهِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يُوصِ فَيُحَاسَبُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَيْنِ إذَا وُجِدَتْ لَا يُحَاسَبُ وَبَيْنَ الْعَرَضِ فَيُحَاسَبُ أَنَّ النَّفَقَةَ مِنْ الْعَيْنِ سَهْلَةٌ لَا كُلْفَةَ فِيهَا فَتَرْكُ الْأَخْذِ مِنْهَا دَلِيلُ إرَادَةِ التَّبَرُّعِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَرَضُ إذْ فِي بَيْعِهِ كُلْفَةٌ وَلَا سِيَّمَا بَعْضُ النَّاسِ يَأْنَفُونَ مِنْ الْبَيْعِ.

وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَا دَلِيلَ فِي بَقَائِهِ عَلَى إرَادَةِ التَّبَرُّعِ وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:

وَإِنْ يَكُنْ عَرْضًا وَكَانَ عِنْدَهُ

الْبَيْتَيْنِ وَكَذَا إنْ كَانَ مَالُ الِابْنِ حَيَوَانًا سَوَاءٌ كَانَ عَاقِلًا كَالرَّقِيقِ أَوْ غَيْرَ عَاقِلٍ كَالْأَنْعَامِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الِابْنَ يُحَاسَبُ بِالنَّفَقَةِ أَيْضًا إلَّا إذَا أَوْصَى بِعَدَمِ مُحَاسَبَتِهِ وَلَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ نَفَقَةً فَلَا يُحَاسَبُ إذْ ذَاكَ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَكَالْعُرُوضِ الْحَيَوَانُ مُطْلَقَا

فِيهِ الرُّجُوعُ بِاَلَّذِي قَدْ أَنْفَقَا

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ النَّاظِمُ حُكْمَ مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ الْعَرَضُ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ وَلَمْ يَشْهَدْ بِعِمَارَةِ ذِمَّتِهِ بِثَمَنِهِ، وَالْحُكْمُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الِابْنَ يُحَاسَبُ بِالنَّفَقَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى مِمَّا إذَا وُجِدَ، وَانْظُرْ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يُحْمَلَ. قَوْلُهُ:

وَإِنْ يَكُنْ فِي مَالِهِ قَدْ أَدْخَلَهْ

عَلَى الْعَيْنِ وَالْعَرَضِ مَعًا فَيَكُونُ النَّاظِمُ اسْتَوْفَى الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ أَوَّلَ الْكَلَامِ فِي تَقْسِيمِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، هَذَا كُلُّهُ فِيمَا قَبَضَهُ الْأَبُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَدَخَلَ بِيَدِهِ.

وَأَمَّا مَا كَانَ لِلِابْنِ مِنْ مَالٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْأَبُ وَلَا دَخَلَ بِيَدِهِ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ

وَغَيْرُ مَقْبُوضٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ

كَالْعَرْضِ فِي الرُّجُوعِ بِالْإِنْفَاقِ

يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ إذَا أَنْفَقَ عَلَى ابْنِهِ وَكَانَ لِلِابْنِ إذْ ذَاكَ مَالٌ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ الْأَبُ وَلَا دَخَلَ يَدَهُ حَتَّى

ص: 223

مَاتَ الْأَبُ فَإِنَّ الِابْنَ يُحَاسَبُ بِالنَّفَقَةِ كَمَا إذَا كَانَ مَالُهُ عَرَضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُحَاسَبُ إلَّا إذَا أَوْصَى بِعَدَمِ مُحَاسَبَتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْمَالُ الَّذِي لَمْ يَقْبِضْهُ الْأَبُ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْإِطْلَاقِ.

وَمَوْتُ الِابْنِ حُكْمُهُ كَمَوْتِ لَابْ

وَقِيلَ فِي يُسْرِ أَبٍ حَلِفٌ وَجَبْ

لَمَّا قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى مَوْتِ الْأَبِ تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى مَوْتِ الِابْنِ فَأَخْبَرَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمُتَقَدِّمَ فِي مُحَاسَبَةِ الِابْنِ وَعَدَمِ مُحَاسَبَتِهِ يَجْرِي هُنَا أَيْضًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: كَمَوْتِ الْأَبِ، أَيْ: يَنْظُرُ إلَى مَالِ الِابْنِ فَإِمَّا عَيْنٌ أَوْ عَرَضٌ وَإِمَّا أَنْ يُوجَدَ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ أَوْ لَا، أَجْرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ مُوسِرًا فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ إلَّا إذَا حَلَفَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْآبَاءِ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَى بُنَيِّهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ.

قَالَ فِي (الْمُقَرَّبِ) قَالَ مُحَمَّدٌ وَلِمَالِكٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمُوتُ وَلَدُهُ وَقَدْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ فَتَقُومُ جَدَّتُهُ أَوْ أُمُّهُ تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ الْأَبُ قَدْ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ فِي كَذَا وَكَذَا أَيَرَى عَلَيْهِ يَمِينًا فَقَالَ إنْ كَانَ رَجُلًا مُقِلًّا مَأْمُونًا فَلَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا غَيْرَ مَأْمُونٍ أَرَى أَنْ يَحْلِفَ لِأَنَّ جُلَّ الْآبَاءِ يُنْفِقُونَ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ اهـ.

وَيُقْرَأُ لَفْظُ الْأَبِ بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ) وَإِذْ فَرَغْنَا مِنْ حَلِّ أَلْفَاظِ النَّظْمِ فَلْنَرْجِعْ إلَى نَقْلِ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ الْآنَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَنْقُلْ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَاَلَّذِي وَقَفْتُ عَلَيْهِ الْآنَ مَا فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ وَنَصُّهُ فِيمَا إذَا أَنْفَقَ الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلَهُ مَالٌ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ هَلْ يُحَاسَبُ الِابْنُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: مَالُ الِابْنِ لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عَيْنًا بِيَدِ الْأَبِ، وَالثَّانِيَ: أَنْ يَكُونَ عَرَضًا قَائِمًا فِي يَدِهِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ لَمْ يَصِلْ بَعْدُ إلَى يَدِهِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ عَيْنًا وَأُلْفِيَ عَلَى حَالِهِ فِي تَرِكَتِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ كَتَبَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكْتُبْهَا فَإِنْ كَانَ كَتَبَهَا عَلَيْهِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْهِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ أَوْصَى وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَالُ عَرَضًا بِعَيْنِهِ أُلْفِيَ فِي تَرِكَتِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ كَتَبَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكْتُبْهَا فَإِنْ كَتَبَهَا حُوسِبَ بِهَا الِابْنُ وَإِنْ أَوْصَى أَنْ لَا يُحَاسَبَ بِهَا؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ أَنْ لَا يُحَاسَبَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْهِ حُوسِبَ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ أَوْصَى أَنْ لَا يُحَاسَبَ بِهَا.

وَأَمَّا الْحَالُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ قَدْ اسْتَهْلَكَ الْمَالَ وَحَصَلَ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّ الِابْنَ يُحَاسَبُ كَتَبَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ أَوْ لَمْ يَكْتُبْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ كَتَبَ لِابْنِهِ بِذَلِكَ ذِكْرَ حَقٍّ وَأَشْهَدَ لَهُ بِهِ فَلَا يُحَاسَبُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْحَالُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ قَبَضَ الْمَالَ وَلَا صَارَ بِيَدِهِ بَعْدُ فَسَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا هِيَ بِمَنْزِلَةِ إذَا كَانَ عَرَضًا بِيَدِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَوْتِ الْأَبِ وَمَوْتِ الِابْنِ فِيمَا يَجِبُ مِنْ مُحَاسَبَتِهِ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُوهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اُنْظُرْهُ فِي ع. ع مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ.

وَذَكَرَ ابْنُ فَتْحُونٍ فِي وَثَائِقِهِ: إنَّهُ إذَا كَانَ لِلِابْنِ مَالٌ وَأَنْفَقَ الْأَبُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَأَبْقَى مَالَ ابْنِهِ عَلَى حَالِهِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، وَأَرَادَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ مُحَاسَبَتَهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقُولَ الْأَبُ عِنْدَ مَوْتِهِ حَاسِبُوهُ أَوْ يَقُولَ لَا تُحَاسِبُوهُ أَوْ يَسْكُتَ فَأَمَّا إنْ قَالَ حَاسِبُوهُ أَوْ قَالَ لَا تُحَاسِبُوهُ فَيَكُونُ عَلَى مَا قَالَ وَأَمَّا إنْ سَكَتَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ كَتَبَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكْتُبْهُ فَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ شَيْئًا فَلَا يُحَاسَبُ الِابْنُ وَإِنْ كَتَبَ فَإِنْ كَانَ مَالُ الِابْنِ عَيْنًا لَمْ يُحَاسَبْ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَرَضًا حَاسَبُوهُ بِذَلِكَ قَالَ ذَلِكَ كُلُّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ. اهـ.

وَنَقَلَ الْحَطَّابُ كَلَامَ ابْنِ فَتْحُونٍ هَذَا وَزَادَ فِيهِ إثْرَ قَوْلِهِ: وَإِنْ قَالَ لَا تُحَاسِبُوهُ فَكَذَلِكَ مَا نَصُّهُ وَلَا يُشْبِهُ الْوَصِيَّةَ لِأَنَّ الْآبَاءَ يُنْفِقُونَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ. اهـ. وَزَادَ أَيْضًا إثْرَ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَتَبَ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا فَلَا يُحَاسَبُ أَيْضًا مَا نَصُّهُ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَنْفَقَ مِنْهُ وَيُحْمَلُ كَتْبُهُ عَلَى الِارْتِيَاءِ وَالنَّظَرِ ثُمَّ قَالَ قَالَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. اهـ. فَانْظُرْهَا فِي الْحَطَّابِ أَوْ فِي مَحَلِّهَا الْمَذْكُورِ مِنْ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ وَتَأَمَّلْ هَذَا النَّقْلَ مَعَ نَقْلِ النَّاظِمِ هَلْ بَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ أَمْ لَا إنْ كَانَ مَعَك سَعَةٌ فِي الْوَقْتِ وَنَقَلَ الْحَطَّابُ أَيْضًا عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي وَصِيٍّ عَلَى يَتِيمَةٍ أَشْهَدَ عِنْدَ مَوْتِهِ

ص: 224