الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَوْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ ابْنَةٌ حَاضِرَةٌ وَابْنٌ غَائِبٌ بَعِيدُ الْغَيْبَةِ فَقَالَتْ الِابْنَةُ: أَنَا أَحْلِفُ وَآخُذُ حَقِّي. فَقَالَ: إنْ حَلَفْتِ خَمْسِينَ يَمِينًا أَخَذْت ثُلُثَ الدِّيَةِ وَإِنْ قَدِمَ الْأَخُ حَلَفَ ثُلُثَيْ الْأَيْمَانِ وَأَخَذَ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ.
وَسُوِّغَتْ قَسَامَةُ الْوُلَاةِ
…
فِي غَيْبَةِ الْجَانِي عَلَى الصِّفَاتِ
وَيُنْفِذُ الْقِصَاصَ إنْ بِهِ ظُفِرْ
…
إقْرَارٌ أَوْ وِفَاقُ مَا مِنْهَا ذُكِرْ
(قَالَ الشَّارِحُ) : يُسَوَّغُ أَنْ يُقْسِمَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ فِي غَيْبَةِ الْقَاتِلِ عَلَى صِفَاتِهِ وَيُنْفِذُ الْقِصَاصَ وَإِنْ ظُفِرَ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إقْرَارُهُ أَنَّهُ هُوَ أَوْ وِفَاقُ الصِّفَاتِ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا لِمَا ذُكِرَ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي وَقَعَتْ الْقَسَامَةُ عَلَيْهَا. اهـ وَعَلَى الصِّفَاتِ يَتَعَلَّقُ بِقَسَامَةٍ " وَالْقِصَاصَ " مَفْعُولُ يُنْفِذُ وَضَمِيرُ بِهِ لِلْجَانِي وَإِقْرَارٌ فَاعِلُ يُنْفِذُ وَضَمِيرُ مِنْهَا لِلصِّفَاتِ
[فَصْلٌ فِي الْجِرَاحَاتِ]
ِ
جُلُّ الْجُرُوحِ عَمْدُهَا فِيهِ الْقَوَدْ
…
وَدِيَةٌ مَعْ خَطَرٍ فِيهَا فُقِدْ
وَفِي جِرَاحِ الْخَطَأِ الْحُكُومَهْ
…
وَخَمْسَةٌ دِيَتُهَا مَعْلُومَهْ
فَنِصْفُ عُشْرِ دِيَةٍ فِي الْمُوضِحَةِ
…
وَهِيَ الَّتِي تُلْغَى لِعَظْمٍ مُوضِحَهْ
فِي رَأْسٍ أَوْ وَجْهٍ كَذَا الْمُنَقِّلَةُ
…
عُشْرٌ بِهَا وَنِصْفُ عُشْرٍ مُعَدِّلَهْ
فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُطْلَقًا وَهِيَ الَّتِي
…
كَسْرَ فِرَاشِ الْعَظْمِ قَدْ تَوَلَّتْ
وَعُشُرٌ وَنِصْفُهُ فِي الْهَاشِمَهْ
…
وَهِيَ لِعَظْمِ الرَّأْسِ تُلْفَى هَاشِمَهْ
وَقِيلَ نِصْفُ الْعُشْرِ أَوْ حُكُومَهْ
…
وَثُلُثُ الدِّيَةِ فِي الْمَأْمُومَهْ
وَمَا انْتَهَتْ لِلْجَوْفِ وَهِيَ الْجَائِفَهْ
…
كَذَاكَ وَالْأُولَى الدِّمَاغَ كَاشِفَهْ
وَلِاجْتِهَادِ حَاكِمٍ مَوْكُولُ
…
فِي غَيْرِهَا التَّأْدِيبُ وَالتَّنْكِيلُ
وَجَعَلُوا الْحُكُومَةَ التَّقْوِيمَا
…
فِي كَوْنِهِ مَعِيبًا أَوْ سَلِيمًا
وَمَا تَزِيدُ حَالَةُ السَّلَامَهْ
…
يَأْخُذُهُ أَرْشًا وَلَا مَلَامَهْ
الْجِرَاحَاتُ جَمْعُ جِرَاحَةٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى جِرَاحٍ. يُقَالُ: جَرَحَهُ وَالِاسْمُ الْجُرْحُ بِالضَّمِّ وَالْجَمْعُ جُرُوحٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وَلَمْ يَقُولُوا: أَجْرَاحٌ إلَّا عَلَى مَا جَاءَ فِي الشِّعْرِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُفْرَدَ لَفْظَانِ أَحَدُهُمَا: جِرَاحَةٌ بِالْكَسْرِ وَالْهَاءِ فِي آخِرِهِ وَلَهُ جَمْعَانِ جِرَاحَاتٌ بِالْأَلِفِ وَالتَّاءِ كَمَا فِي التَّرْجَمَةِ، وَجِرَاحٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْضًا بِوَزْنِ كِتَابٍ وَاللَّفْظُ الثَّانِي جُرْحٌ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَجَمْعُهُ: جُرُوحٌ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) الْمُتَبَادَرُ فِي الِاصْطِلَاحِ أَنَّ الْجُرُوحَ كُلُّ مَا دُونَ النَّفْسِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] إلَى أَنْ قَالَ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] اهـ.
(وَاعْلَمْ) أَنَّ الْجُرُوحَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَمَا كَانَ مِنْهَا عَمْدًا فَجُلُّهُ وَالْكَثِيرُ مِنْهُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالْقَوَدِ يَعْنِي أَوْ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَبَعْضُهُ إنَّمَا فِيهِ الدِّيَةُ فَقَطْ أَيْ شَيْءٌ قَدَّرَهُ الشَّارِعُ إمَّا مَعْلُومٌ
كَثُلُثِ الدِّيَةِ فِي الْجَائِفَةِ مَثَلًا أَوْ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَهُوَ الْحُكُومَةُ فِيمَا يَعْظُمُ فِيهِ الْخَطَرُ إذَا بَرَأَ عَلَى شَيْنٍ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْ الشَّارِحِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ، وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ مَا فِيهِ خَطَرٌ وَغَرَرٌ فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَمَا لَا خَطَرَ فَفِيهِ الْقِصَاصُ. ثُمَّ جِرَاحُ الْعَمْدِ إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الرَّأْسِ أَوْ فِيمَا عَدَاهُ وَهِيَ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِجِرَاحِ الْجَسَدِ، فَجِرَاحُ الرَّأْسِ يُقْتَصُّ فِيهَا مِنْ سَبْعٍ وَهِيَ الْمُوضِحَةُ وَهِيَ مَا أَفْضَى إلَى الْعَظْمِ مِنْ الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ وَالْخَدَّيْنِ وَلَوْ بِقَدْرِ مَدْخَلِ إبْرَةٍ.
وَكَذَا مَا قَبْلَهَا مِنْ الدَّامِيَةِ وَهِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ وَالْحَارِصَةِ وَهِيَ الَّتِي تُشَقِّقُ الْجِلْدَ وَالسِّمْحَاقِ وَهِيَ الْكَاشِطُ لِلْجِلْدِ وَالْبَاضِعَةِ وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ أَيْ تَشُقُّهُ وَالْمُتَلَاحِمَةِ وَهِيَ الَّتِي تَغُوصُ فِي اللَّحْمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَالْمِلْطَاةِ وَهِيَ الَّتِي يَبْقَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَظْمِ سِتْرٌ رَقِيقٌ، فَالْوَاجِبُ فِي هَذِهِ السَّبْعِ الْقِصَاصُ أَوْ مَا يَصْطَلِحَانِ عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَلَا قِصَاصَ فِيمَا بَعْدَ الْمُوضِحَةِ مِنْ جِرَاحِ الرَّأْسِ. وَذَلِكَ أَرْبَعٌ: الْهَاشِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَهْشِمُ الْعَظْمَ، وَالْمُنَقِّلَةُ وَهِيَ الَّتِي أَطَارَتْ فِرَاشَ الْعَظْمِ وَإِنْ صَغُرَ، وَالْآمَّةُ وَهِيَ مَا أَفْضَى إلَى الدِّمَاغِ وَلَوْ بِقَدْرِ مَدْخَلِ إبْرَةٍ وَالدَّامِغَةُ وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ.
وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَسْقُطُ ذِكْرُ الْهَاشِمَةِ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ أَنْ تَصِيرَ مُنَقِّلَةً عِنْدَهُ وَالْمُنَقِّلَةُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَحُكِيَ فِيهَا الْفَتْحُ وَفِرَاشُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَيُقَالُ لَلْآمَّةِ الْمَأْمُومَةُ أَيْضًا وَبَعْدَ كَوْنِ هَذِهِ الْأَرْبَعِ لَا قِصَاصَ فِيهَا فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا شَيْءٌ مُقَدَّرٌ فَفِي الْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةُ عُشْرُ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا وَفِي الْآمَّةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَلَمْ أَقِفْ الْآنَ عَلَى مَا يَجِبُ فِي الدَّامِغَةِ عَمْدًا وَلَعَلَّ سُكُوتَهُمْ عَنْهَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَعُونَةِ وَالتَّلْقِينِ أَنَّ الدَّامِغَةَ مُرَادِفَةٌ لِلْمَأْمُومَةِ فَيَكُونُ فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَقَدْ تَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ جِرَاحَ الرَّأْسِ إحْدَى عَشَرَةَ سَبْعَةٌ فِيهَا الْقِصَاصُ يَعْنِي أَوْ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ وَيَجِبُ الْأَدَبُ، اُقْتُصَّ مِنْهَا أَوْ لَا وَأَرْبَعَةٌ لَا قِصَاصَ فِيهَا وَإِنَّمَا فِيهَا مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَعَلَى هَذَا فَيَسْتَوِي فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي عَمْدِهَا وَهُوَ مَا ذُكِرَ الْآنَ هُوَ الْوَاجِبُ فِي خَطَئِهَا أَيْضًا كَمَا يَأْتِي لِلنَّاظِمِ قَرِيبًا إلَّا فِي الْأَدَبِ، فَإِنَّ الْمُتَعَمِّدَ يُؤَدَّبُ اُقْتُصَّ مِنْهُ أَوْ لَا دُونَ الْمُخْطِئِ وَلَوْ بَرِئَتْ، هَذِهِ الْأَرْبَعُ عَلَى شَيْنٍ وَعَيْبٍ فَلَا يُزَادُ عَلَى مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ فِيهَا. اهـ (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَلَوْ كَانَ أَرْشُ الْجِرَاحِ مُقَدَّرًا انْدَرَجَ الشَّيْنُ وَفِي شَيْنِ الْمُوضِحَةِ قَوْلَانِ. اهـ ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى انْدِرَاجِ شَيْنِ الْمُوضِحَةِ كَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ وَإِنْ بِشَيْنٍ فِيهِنَّ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ مَالِكٌ مَا عَلِمْتُ أَجْرَ الطَّبِيبِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ. (وَفِي التَّوْضِيحِ) عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ يَرَوْنَ الْقَضَاءَ بِأَجْرِ الطَّبِيبِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ.
وَأَمَّا جِرَاحُ الْجَسَدِ عَمْدًا مِنْ الْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَغَيْرِهِمَا كَالظُّفْرِ وَالْعَضُدِ وَالتَّرْقُوَةِ عِيَاضٌ: هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَهُوَ عَظْمٌ أَعْلَى الصَّدْرِ الْمُتَّصِلِ بِالْعُنُقِ فَفِيهَا الْقِصَاصُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَعْظُمَ الْخَطَرُ، فَإِنْ عَظُمَ كَعِظَامِ أَعْلَى الصَّدْرِ وَالْعُنُقِ وَالصُّلْبِ وَالْفَخِذِ وَكَذَلِكَ الْقَطْعُ إنْ كَانَ مَخُوفًا فَلَا قِصَاصَ. قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَكَذَا لَا قِصَاصَ فِي الْجَائِفَةِ وَلَوْ عَمْدًا وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الْجَوْفِ مِنْ الْبَطْنِ أَوْ مِنْ الظَّهْرِ وَلَوْ بِقَدْرِ مَدْخَلِ إبْرَةٍ، وَإِنَّمَا فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ كَمَا فِي الْخَطَأِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيُقْتَصُّ فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْعَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ وَالسِّنِّ وَالذَّكَرِ وَالْأَجْفَانِ وَالشَّفَتَيْنِ وَفِي اللِّسَانِ رِوَايَتَانِ. وَفِيهَا إنْ كَانَ مُتْلِفًا لَمْ يُقَدْ مِنْهُ، وَفِيهَا فِي الْأُنْثَيَيْنِ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مُتْلِفًا وَلَا أَدْرِي مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ؟ وَبَعْدَ سُقُوطِ الْقِصَاصِ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ يُنْظَرُ فَإِنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا الْأَدَبُ وَإِنْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ فَفِيهِ الْأَدَبُ وَالْحُكُومَةُ مَعًا إلَّا الْجَائِفَةَ فَلَا يُزَادُ فِيهَا عَلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ. وَلَوْ بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ، وَهُوَ الْعَيْبُ. وَالْحُكُومَةُ (قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَمَعْنَى الْحُكُومَةِ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَبْدًا سَالِمًا بِعَشَرَةٍ مَثَلًا ثُمَّ يُقَوَّمَ مَعَ الْجِنَايَةِ بِتِسْعَةٍ، وَالتَّفَاوُتُ عَشَرَةٌ فَيَجِبُ عُشْرُ الدِّيَةِ وَذَلِكَ بَعْدَ انْدِمَالِ الْجُرْحِ فَلَوْ لَمْ يَبْقَ شَيْنٌ فَلَا شَيْءَ. اهـ وَسَيَأْتِي هَذَا لِلنَّاظِمِ.
هَذَا كُلُّهُ فِي الْعَمْدِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِجْمَالِ، وَأَمَّا جِرَاحُ الْخَطَأِ فَلَا قِصَاصَ فِيهَا وَلَا أَدَبَ وَلَا إشْكَالَ ثُمَّ هِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ، خَمْسَةٌ مِنْهَا فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ فَفِي الْمُوضِحَةِ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَفِي
الْمُنَقِّلَةِ عُشْرُ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا وَفِي الْهَاشِمَةِ كَذَلِكَ وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَكَذَا فِي الْجَائِفَةِ وَمَا عَدَا هَذِهِ الْخَمْسَ إنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَمَا بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ وَعَيْبٍ فَفِيهِ الْحُكُومَةُ، وَهِيَ تَقْدِيرُهُ عَبْدًا فَرْضًا وَتَقْدِيرًا وَيُقَوَّمُ سَالِمًا وَمَعِيبًا وَتُحْفَظُ نِسْبَةُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَتِلْكَ النِّسْبَةُ هِيَ اللَّازِمَةُ لِلْجَانِي مِنْ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ.
وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَفِي جِرَاحِ الْخَطَأِ الْحُكُومَهْ
…
وَخَمْسَةٌ دِيَتُهَا مَعْلُومَهْ
أَيْ وَخَمْسَةٌ مِنْ جِرَاحِ الْخَطَأِ دِيَتُهَا أَيْ الْوَاجِبُ فِيهَا مَعْلُومٌ فِي الشَّرْعِ ثُمَّ فَسَّرَهَا وَذَكَرَ مَا يَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَقَالَ: وَنِصْفُ عُشْرِ دِيَةٍ فِي الْمُوضِحَةِ إلَخْ فَالْمُوضِحَةُ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِلْجُرْحِ وَمُوضِحَةُ آخِرِ الْبَيْتِ فَاعِلٌ مُؤَنَّثٌ أَيْ مُبِينَةٌ وَكَاشِفَةٌ لِعَظْمِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ. زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخُ خَلِيلٌ وَالْجَبْهَةِ. وَقَوْلُهُ: كَذَا الْمُنَقِّلَةُ عُشْرٌ بِهَا يَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الشِّينِ تَخْفِيفًا مِنْ ضَمٍّ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ عَشْرٍ وَيَصِحُّ فَتْحُ الْعَيْنِ ضِعْفُ خَمْسَةٍ، وَكَذَا يَجُوزُ الْوَجْهَانِ فِي قَوْلِهِ نِصْفُ عُشْرٍ إلَّا أَنَّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ إنَّمَا يَجْرِيَانِ فِي دِيَةِ الْإِبِلِ وَأَمَّا دِيَةُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَا يَصِحُّ فِيهِمَا إلَّا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالشِّينِ، إلَّا أَنْ تُخَفَّفَ الشِّينُ بِالسُّكُونِ لِلْوَزْنِ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِيَجْرِيَ فِي الْجَمِيعِ.
وَقَوْلُهُ مُعَدِّلَهْ. أَيْ أَنَّ الْعُشْرَ وَنِصْفَ الْعُشْرِ يَعْدِلُ جُرْحَ الْمُنَقِّلَةِ وَيُسَاوِي جِنَايَتَهَا، وَيَعْنِي بِالْمَوْضِعَيْنِ الرَّأْسَ وَالْجَبْهَةَ، وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ ذَلِكَ الْمَذْكُورَ يَجِبُ فِيهَا، وَلَوْ صَغُرَتْ جِدًّا كَإِبْرَةٍ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : وَالْمُوضِحَةُ مَا أَفْضَى إلَى الْعَظْمِ وَلَوْ بِقَدْرِ إبْرَةٍ، وَكَسْرَ مَفْعُولُ تَوَلَّتْ وَالْهَاشِمَةُ الْأُولَى فِي الْبَيْتِ اسْمٌ لِلْجُرْحِ وَهَاشِمَةٌ الثَّانِيَةُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ هَشَمَ إذَا كَسَرَ كَسْرًا بَلِيغًا ثُمَّ أَفَادَ أَنَّ فِي الْهَاشِمَةِ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا نِصْفُ الْعُشْرِ. الثَّانِي: الْحُكُومَةُ لَا غَيْرُ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورُهَا الْأَوَّلُ. وَقَوْلُهُ: وَمَا انْتَهَتْ لِلْجَوْفِ أَيْ وَصَلَتْ إلَيْهِ يَعْنِي إمَّا مِنْ الْبَطْنِ أَوْ مِنْ الظَّهْرِ وَمَا مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ وَانْتَهَتْ صِلَتُهَا وَكَذَاكَ خَبَرُ مَا أَيْ فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةُ وَجُمْلَةُ وَهِيَ الْجَائِفَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرِهِ.
وَقَوْلُهُ: الْأُولَى أَيْ الْمَأْمُومَةُ مُبْتَدَأٌ وَكَاشِفَةٌ خَبَرُهُ وَالدِّمَاغَ مَفْعُولُ كَاشِفَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْجِرَاحَاتِ فِي جِرَاحِ الرَّأْسِ مَا عَدَا الْجَائِفَةَ. وَقَوْلُهُ:
وَلِاجْتِهَادِ حَاكِمٍ مَوْكُولٌ
…
فِي غَيْرِهَا التَّأْدِيبُ وَالتَّنْكِيلُ
يَعْنِي أَنَّ التَّأْدِيبَ وَالتَّنْكِيلَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ بِقَدْرِ عِظَمِ الْجِنَايَةِ وَخِفَّتِهَا وَاعْتِيَادِ الْجَانِي لِذَلِكَ وَوُقُوعِهِ فَلْتَةً. وَضَمِيرُ وَغَيْرِهَا الْجِرَاحُ الْخَطَأُ وَغَيْرِهَا هِيَ جِرَاحُ الْعَمْدِ فَالْأَدَبُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَمْدِ لَا فِي الْخَطَأِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: لَا بُدَّ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ مِنْ تَأْدِيبِ الْقَاضِي لِلْجَارِحِ اُقْتُصَّ مِنْهُ أَوْ لَمْ يُقْتَصَّ. اهـ وَقَوْلُهُ: وَجَعَلُوا الْحُكُومَةَ إلَخْ. لَمَّا قَدَّمَ ذِكْرَ الْحُكُومَةِ فِي قَوْلِهِ:
وَفِي جِرَاحِ الْخَطَأِ الْحُكُومَهْ
احْتَاجَ إلَى بَيَانِهَا فَذَكَرَهُ فِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ وَالتَّقْوِيمَ مَفْعُولٌ لِجَعَلَ، وَفِي كَوْنِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فِي حَالِ كَوْنِهِ " وَحَالَةُ " فَاعِلُ " تَزِيدُ " أَيْ عَلَى حَالَةِ الْعَيْبِ يَأْخُذُهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ الْجَانِي حَالَةَ كَوْنِهِ أَرْشًا لِجُرْحِهِ.
وَلَفْظُهُ فِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ: فَمَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ جُعِلَ جُزْءًا مِنْ دِيَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ. اهـ قَالَ الشَّارِحُ: وَلَوْ قَالَ:
يَأْخُذُهُ أَرْشًا لِمَا قَدْ ذَامَهْ
لَكَانَ أَكْثَرَ فَائِدَةً؛ لِأَنَّ (ذَامَهْ) مُرَادِفٌ لِ (عَابَهُ) .
وَتَثْبُتُ الْجِرَاحُ لِلْمَالِ بِمَا
…
يَثْبُتُ مَالِيُّ الْحُقُوقِ فَاعْلَمَا
وَفِي ادِّعَاءِ الْعَفْوِ مِنْ وَلِيِّ دَمْ
…
أَوْ مِنْ جَرِيحٍ الْيَمِينُ تُلْتَزَمْ
اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: (الْأُولَى) أَنَّ الْجِرَاحَ تَثْبُتُ بِمَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ وَهُوَ عَدْلٌ أَوْ عَدْلٌ وَيَمِينٌ أَوْ امْرَأَتَانِ وَيَمِينٌ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قُلْتُ: فَشَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَجِرَاحَاتِ الْخَطَأِ أَتَجُوزُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدْنَ مَعَ رَجُلٍ عَلَى مُنَقِّلَةٍ عَمْدًا أَوْ مَأْمُومَةٍ عَمْدًا جَازَتْ شَهَادَتُهُنَّ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَةَ وَالْمُنَقِّلَةَ لَا قَوَدَ فِيهِمَا وَإِنَّمَا فِيهِمَا الدِّيَةُ. اهـ
وَعَلَّلَ النَّاظِمُ ثُبُوتَ الْجِرَاحِ بِمَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ بِكَوْنِ الْوَاجِبِ فِيهَا مَالًا؛ لِقَوْلِهِ: لِلْمَالِ. فَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ يَتَعَلَّقُ بِ (تَثْبُتُ) وَيَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ جِرَاحُ الْعَمْدِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ
مَعَ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِذَلِكَ أَيْضًا عَلَى مَا اسْتَحْسَنَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ رضي الله عنه فَلَوْ أَسْقَطَ النَّاظِمُ قَوْلَهُ: لِلْمَالِ. لَكَانَ أَشْمَلَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : وَلَا قَسَامَةَ فِي الْجُرْحِ وَلَكِنْ مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا عَلَى جُرْحٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلْيَحْلِفْ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً يَقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ وَيَأْخُذُ الْعَقْلَ فِي الْخَطَأِ. قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ لِمَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ؟ قَالَ: كَلَّمْتُ مَالِكًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ لَشَيْءٌ اسْتَحْسَنَّاهُ وَمَا سَمِعْتُ فِيهِ شَيْئًا. اهـ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْبَيْتَانِ، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا ادَّعَى عَلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَنَّهُ عَفَا عَنْهُ، وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَمْ يَعْفُ عَنْهُ وَيَبْقَى عَلَى حَقِّهِ، وَلَهُ أَنْ يَقْلِبَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي لِلْعَفْوِ فَيَحْلِفُ وَيَبْرَأُ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : فَإِنْ ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ عَفَا عَنْهُ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْقَاتِلِ. اهـ وَلَمْ يَنْقُلْ الشَّارِحُ فِقْهًا عَلَى دَعْوَى الْجَارِحِ عَلَى الْمَجْرُوحِ الْعَفْوَ عَنْهُ، وَهُوَ فِي النَّظْمِ صَرِيحًا. وَقَوْلُهُ: أَوْ مِنْ جَرِيحٍ عَطْفٌ عَلَى وَلِيٍّ.
(تَنْبِيهٌ) اُسْتُشْكِلَ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَئُولُ إلَى الْمَالِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا تَتَوَجَّهُ فِيهِ الْيَمِينُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى بَلْ إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا فَحِينَئِذٍ تَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ وَالْعَبْدِ الْعِتْقَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ دَعْوَى الْعَفْوِ مِنْ دَعْوَى التَّبَرُّعِ، وَقَدْ قَدَّمَ النَّاظِمُ فِيهَا فِي بَابِ الْيَمِينِ أَنَّ دَعْوَى التَّبَرُّعِ لَا تُوجِبُ يَمِينًا إلَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ تَحْتَ يَدِ الْمُدَّعِي، أَوْ فِي دَعْوَى الْإِقَالَةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَتَّابٍ (وَأُجِيبَ) عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ تَوَجُّهَ الْيَمِينِ احْتِيَاطًا إذْ قَدْ يَكُونُ الْوَلِيُّ عَفَا ثُمَّ بَدَا لَهُ، وَأَرَادَ أَنْ يَقْتَصَّ فَاحْتِيطَ بِالْيَمِينِ لِعِظَمِ أَمْنِ النَّفْسِ. (قُلْتُ) : وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَنْ ادَّعَى التَّبَرُّعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ تَحْتَ يَدِهِ، كَمَا قَالَ النَّاظِمُ فِي بَابِ الْيَمِينِ:
أَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ عِنْدَ الْمُدَّعِي.
وَقَوَدٌ فِي الْقَطْعِ لِلْأَعْضَاءِ
…
فِي الْعَمْدِ مَا لَمْ يُفْضِ لِلْفَنَاءِ
وَالْخَطَأُ الدِّيَةُ فِيهِ تُقْتَفَى
…
بِحَسَبِ الْعُضْوِ الَّذِي قَدْ أُتْلِفَا
وَدِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي الْمُزْدَوِجْ
…
وَنِصْفُهَا فِي وَاحِدٍ مِنْهُ انْتُهِجْ
وَفِي اللِّسَانِ كَمُلَتْ وَالذَّكَرِ
…
وَالْأَنْفِ وَالْعَقْلِ وَعَيْنِ الْأَعْوَرِ
وَفِي الْإِزَالَةِ لِسَمْعٍ أَوْ بَصَرْ
…
وَالنِّصْفُ فِي النِّصْفِ وَشَمٌّ كَالنَّظَرْ
وَالنُّطْقُ وَالصَّوْتُ كَذَا الذَّوْقُ وَفِي
…
إذْهَابِ قُوَّةِ الْجِمَاعِ ذَا اُقْتُفِيَ
وَكُلُّ سِنٍّ فِيهِ مِنْ جِنْسِ الْإِبِلْ
…
خَمْسٌ وَفِي الْأُصْبُعِ ضِعْفُهَا جُعِلْ
تَكَلَّمَ فِي الْأَبْيَاتِ عَلَى الْوَاجِبِ فِي قَطْعِ الْأَعْضَاءِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَتَالِفِ.
وَعَنْ ذَلِكَ عَبَّرَ بِيُفْضِ أَيْ يَئُولُ إلَى الْفَنَاءِ أَيْ الْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَ مِنْهَا كَالْفَخِذِ وَاللِّسَانِ وَالْأُنْثَيَيْنِ فَلَا قِصَاصَ ثُمَّ إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ كَاللِّسَانِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَقَطْعِ الرِّجْلِ وَالْفَخِذَ أَوْ كَسْرِهِ مِنْهُ فَذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى الْجَانِي مَعَ الْأَدَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ فَالْحُكُومَةُ مَعَ الْأَدَبِ أَيْضًا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ كَانَ قَطْعُ الْعُضْوِ عَلَى وَجْهِ الْخَطَأِ فَيُقْتَفَى فِيهِ وَيُتَّبَعُ مَا وَرَدَ عَنْ الشَّارِعِ فِي ذَلِكَ الْعُضْوِ الَّذِي قَدْ أُتْلِفَ بِقَطْعِهِ وَإِبَانَتِهِ.
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَالْخَطَأُ الدِّيَةُ فِيهِ تُقْتَفَى
(الْبَيْتَ) وَفِيهِ إجْمَالٌ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: إنَّ كُلَّ مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْ الْمُزْدَوِجِ كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ، فَإِنَّ فِي إتْلَافِهِمَا مَعًا الدِّيَةَ كَامِلَةً. وَفِي إتْلَافِ أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ كَقَطْعِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ أَوْ ذَهَابِ بَصَرِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمَعْنَى اُنْتُهِجَ أَيْ سُلِكَ وَاتُّبِعَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً أَيْضًا فِي قَطْعِ اللِّسَانِ، وَفِي قَطْعِ الذَّكَرِ وَالْأَنْفِ وَفِي الْعَقْلِ إذَا ضَرَبَهُ فَزَالَ عَقْلُهُ وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمُزْدَوِجِ لِلسُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ تَجِبُ فِي ذَهَابِ السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ كُلِّهِ وَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي ذَهَابِ نِصْفِ السَّمْعِ أَوْ نِصْفِ الْبَصَرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالنِّصْفُ فِي النِّصْفِ. وَذَهَابُ الشَّمِّ كَذَهَابِ الْبَصَرِ، إنْ ذَهَبَ كُلُّهُ وَجَبَتْ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَإِنْ ذَهَبَ نِصْفُهُ وَجَبَ فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَكَذَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي ذَهَابِ النُّطْقِ وَالصَّوْتِ وَالذَّوْقِ وَذَهَابِ قُوَّةِ الْجِمَاعِ.
وَيَجِبُ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ كَامِلَةً فِي اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ الْأَعْضَاءِ، وَفِي عَشْرِ مَنَافِعَ، فَقَالَ: وَالْمُقَدَّرُ مِنْ الْأَعْضَاءِ اثْنَا عَشَرَ: الْأُذُنَانِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْعَيْنَانِ وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، بِخِلَافِ كُلِّ زَوْجٍ فِي الْإِنْسَانِ؛ لِمَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ، وَالْأَنْفُ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مَارِنِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالشَّفَتَانِ وَلِسَانُ النُّطْقِ، فَإِنْ قُطِعَ مِنْهُ مَا لَا يَمْنَعُ مِنْ النُّطْقِ شَيْئًا فَحُكُومَةٌ، وَالْأَسْنَانُ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَأَمَّا الْعَمْدُ فَالْقِصَاصُ، وَالْيَدَانِ مِنْ الْعَضُدِ إلَى الْأَصَابِعِ قَطْعًا أَوْ شَلَلًا فَيَنْدَرِجُ مَا زَادَ عَلَى الْأَصَابِعِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ، وَفِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ ثُلُثُ الْعُشْرِ، إلَّا فِي الْإِبْهَامِ فَنِصْفُهُ، وَالثَّدْيَانِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَحَلَمَتُهُمَا مِثْلُهُمَا إنْ بَطَلَ اللَّبَنُ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَانِ، وَمَهْمَا قَطَعَ أَحَدَهُمَا فَدِيَةٌ، وَالشَّفْرَانِ إذَا بَدَا الْعَظْمُ، وَالرِّجْلَانِ كَالْيَدَيْنِ أَيْ فِيهِمَا الدِّيَةُ مِنْ الْأَصَابِعِ وَمِنْ الْوَرِكِ، وَيَنْدَرِجُ مَا فَوْقَ الْأَصَابِعِ قَطْعًا أَوْ شَلَلًا. ثُمَّ قَالَ: وَالْمُقَدَّرُ مِنْ الْمَنَافِعِ عَشْرٌ الْعَقْلُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالنُّطْقُ وَالصَّوْتُ وَالذَّوْقُ وَقُوَّةُ الْجِمَاعِ وَيَحْلِفُ وَالْإِفْضَاءُ وَالْقِيَامُ وَالْجُلُوسُ. انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ.
(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنَافِعَ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ: الْعَقْلُ، فَلَوْ زَالَ بِمَا فِيهِ دِيَةٌ تَعَدَّدَتْ، وَذَلِكَ كَمَا إذَا قَطَعَ يَدَيْهِ فَجُنَّ فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ، وَلَكِنَّ التَّعَدُّدَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ مَا زَالَ الْعَقْلُ بِسَبَبِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْعَقْلِ، أَمَّا لَوْ كَانَ فِي مَحَلِّهِ، كَمَا لَوْ أَصَمَّهُ أَوْ جَدَعَ أَنْفَهُ فَزَالَ عَقْلُهُ، وَقُلْنَا: إنَّ مَحَلَّهُ الدِّمَاغُ. فَلَيْسَ لَهُ إلَّا دِيَةُ الْعَقْلِ. (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) : وَإِنْ أُصِيبَ بِمَأْمُومَةٍ، فَذَهَبَ مِنْهَا عَقْلُهُ فَلَهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَيْ الَّذِي يَقُولُ: إنَّ مَحَلَّ الْعَقْلِ الْقَلْبُ دِيَةُ الْعَقْلِ، وَدِيَةُ الْمَأْمُومَةِ، وَلَا يَدْخُلُ بَعْضُ ذَلِكَ فِي بَعْضٍ؛ إذْ لَيْسَ الرَّأْسُ عِنْدَهُ مَحَلًّا لِلْعَقْلِ، كَمَنْ أَذْهَبَ سَمْعَ رَجُلٍ، وَفَقَأَ عَيْنَهُ فِي ضَرْبَةٍ، أَيْ فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ، وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ مَحَلَّهُ الرَّأْسُ، إنَّمَا لَهُ دِيَةُ الْعَقْلِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمَأْمُومَةِ، كَمَنْ أَذْهَبَ بَصَرَ رَجُلٍ، وَفَقَأَ عَيْنَيْهِ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ.
(قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الشَّرْعِ. وَمَذْهَبُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَحَلَّهُ الرَّأْسُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفَلَاسِفَةِ. اهـ وَإِلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَا تَتَعَدَّدُ فِيهِ الدِّيَةُ، وَمَا لَا أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَتَعَدَّدَتْ الدِّيَةُ بِتَعَدُّدِهَا إلَّا الْمَنْفَعَةَ بِمَحَلِّهَا. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ مِنْ الْمَنَافِعِ الشَّمَّ. (قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَيَنْدَرِجُ فِي الْأَنْفِ كَالْبَصَرِ مَعَ الْعَيْنِ وَالسَّمْعِ مَعَ الْأُذُنِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : فَإِنْ قَطَعَ أَنْفَهُ، وَأَذْهَبَ شَمَّهُ فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَيَنْدَرِجُ الشَّمُّ فِي الْأَنْفِ كَمَا يَنْدَرِجُ الْبَصَرُ فِي الْعَيْنِ، وَكَمَا يَنْدَرِجُ السَّمْعُ فِي الْأُذُنِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي الصَّوْتِ الدِّيَةُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: النُّطْقُ أَخَصُّ مِنْ الصَّوْتِ. اهـ وَالْكَلَامُ أَخَصُّ مِنْ النُّطْقِ فَكُلُّ كَلَامٍ نُطْقٌ وَصَوْتٌ وَكُلُّ نُطْقٍ صَوْتٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَمَّا لَوْ ذَهَبَ النُّطْقُ وَالصَّوْتُ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ.