الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَكُونُ لِوَاجِدِهِ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ مِنْ عَنْبَرٍ أَوْ لُؤْلُؤٍ، فَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ، وَلَا نَظَرَ فِيهِ لِلْإِمَامِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ زَكَاةٌ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ. ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ فِي اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالْخَرَزِ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ اهـ.
[فَصْلٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ]
ِ (ابْنُ عَرَفَةَ) الِاسْتِحْقَاقُ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ بِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ أَوْ حُرِّيَّةٍ، كَذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ قَوْلُهُ: قَبْلَهُ أَخْرَجَ بِهِ رَفْعَ الْمِلْكِ بِمِلْكٍ بَعْدَهُ كَالْبَيْعِ أَوْ مَعَهُ كَطُرُوِّ وَارِثٍ عَلَى وَارِثٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ حُرِّيَّةٍ عَطْفٌ عَلَى مِلْكٍ يَعْنِي أَوْ رَفْعُ مِلْكٍ بِحُرِّيَّةٍ وَقَوْلُهُ كَذَلِكَ، يَعْنِي بِثُبُوتِ حُرِّيَّةٍ قَبْلَهُ وَأَشَارَ بِهِ إلَى حُصُولِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْحُرِّيَّةِ وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ عِوَضٍ أَخْرَجَ بِهِ مَا وُجِدَ فِي الْمَغَانِمِ بَعْدَ بَيْعِهِ أَوْ قَسْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ إلَّا بِالثَّمَنِ، فَلَوْلَا زِيَادَةُ هَذَا الْقَيْدِ، لَكَانَ الْحَدُّ غَيْرَ مُطَّرِدٍ، ثُمَّ قَالَ: فَيُخْرِجُ الْعِتْقَ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ لَكِنْ لَا بِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحَدَّ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ إذَا اُسْتُحِقَّ مِلْكٌ بِحَبْسٍ، فَإِنَّ الْمِلْكَ يَرْتَفِعُ بِالْحَبْسِ.
(قُلْت) : يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَبْسَ إذَا ثَبَتَ، فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهِ إمَّا لِلْمُحَبِّسِ أَوْ لِلْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ وَتَأَمَّلْ إذَا اسْتَحَقَّ حُرٌّ بِمِلْكٍ، كَيْفَ تَدْخُلُ هَذِهِ الصُّورَةُ فِي كَلَامِهِ؟ مِنْ الرَّصَّاعِ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ وَقَوْلُهُ: وَتَأَمَّلْ إذَا اسْتَحَقَّ إلَخْ هِيَ عَكْسُ صُورَةِ قَوْلِهِ: فِي الْحَدِّ أَوْ حُرِّيَّةٍ، كَذَلِكَ.
الْمُدَّعِي اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ يُلْزَمُ
…
بَيِّنَةً مُثْبِتَةً مَا يَزْعُمُ
مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفٍ لِمَنْ تَمَلَّكَهْ
…
مِنْ قَبْلِ ذَا بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَّكَهْ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ بِيَدِ غَيْرِهِ أَيْ مِلْكِيَّته، فَإِنَّهُ يُلْزَمُ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ تُثْبِتُ لَهُ مَا ادَّعَى، وَلَا يُكَلَّفُ مَنْ الشَّيْءُ بِيَدِهِ مُدَّعِيًا مِلْكِيَّتَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مُلِّكَهُ، وَعَبَّرَ بِشَيْءٍ لِيَشْمَلَ الْأُصُولَ وَالْعُرُوضَ وَالْحَيَوَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ.
(قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَمَنْ ادَّعَى فِي شَيْءٍ بِيَدِ غَيْرِهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ، فَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَذْكُرَ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ تَمَلَّكَهُ وَعَلَى الْمُدَّعِي إثْبَاتُ تَمَلُّكِهِ لَهُ اهـ. وَالْإِشَارَةُ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي بِذَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَبِأَيِّ يَتَعَلَّقُ بِتَكْلِيفٍ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : الَّذِي مَضَى بِهِ الْعَمَلُ، وَأَفْتَى بِهِ شُيُوخُنَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَقَارًا بِيَدِ غَيْرِهِ زَعَمَ أَنَّهُ صَارَ عَمَّنْ وَرِثَهُ عَنْهُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ لَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ، حَتَّى يُثْبِتَ الطَّالِبُ مَوْتَ مُوَرِّثِهِ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ وَرِثَ ذَلِكَ عَنْهُ وَوِرَاثَتُهُ لَهُ، فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَقَفَ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ خَاصَّةً، وَلَمْ يُسْأَلْ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ فَإِنْ أَنْكَرَ.
وَقَالَ الْمَالِكُ: مَالِي وَالْمِلْكُ مِلْكِي وَدَعْوَاكَ فِيهِ بَاطِلَةٌ اُكْتُفِيَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُلْزِمْهُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَكُلِّفَ الطَّالِبُ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِلَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ وَرِثَهُ عَنْهُ، وَمَوْتَهُ وَوِرَاثَتَهُ لَهُ، فَإِنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ عَلَى مَا يَجِبُ سُئِلَ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ مِنْ أَيْنَ صَارَ لَهُ، وَكُلِّفَ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ صَارَ لَهُ مِنْ غَيْرِ مَوْرُوثِ الطَّالِبِ الَّذِي ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ، لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ، وَلَا يَنْفَعُهُ إثْبَاتُهُ، وَإِنْ أَثْبَتَهُ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ صَارَ مِنْ قِبَلِ مَوْرُوثِ الطَّالِبِ بِوَجْهٍ يَذْكُرُهُ كُلِّفَ إثْبَاتَ ذَلِكَ، فَإِنْ أَثْبَتَهُ وَعَجَزَ الطَّالِبُ عَنْ الدَّفْعِ فِي ذَلِكَ بَطَلَتْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِ ذَلِكَ قُضِيَ لِلطَّالِبِ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ أَحْفَظُهُ، وَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْعَطَّارِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى مَضَتْ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ يَلْزَمُهُ ابْتِدَاءً قَبْلَ إثْبَاتِ الْمُدَّعِي الْمِلْكَ لِمَوْرُوثِهِ الْجَوَابُ، هَلْ صَارَ إلَيْهِ بِسَبَبِهِ أَوْ بِسَبَبِ مَوْرُوثِهِ الَّذِي أَثْبَتَ مَوْتَهُ وَوِرَاثَتَهُ لَهُ؟ بَعِيدٌ لَا يَصِحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
وَهَذَا الْكَلَامُ يَثْبُتُ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ سَلْمُونٍ دُونَ بَعْضٍ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَم إنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ الْحَائِزِ لِلشَّيْءِ الْمُسْتَحِقِّ أُصُولٌ، أَمَّا إنْ كَانَتْ بِيَدِهِ الْأُصُولُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ وَانْتِقَالِهَا، وَحِكَايَاتِهَا، فَإِنَّ مَا بِيَدِ الْحَائِزِ مُقَدَّمٌ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي التَّرَاجِيحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ: أَنَّ الْحَوْزَ مِمَّا يَقَعُ بِهِ التَّرَاجِيحُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِيَّةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَيُفَضَّلُ لِلْحَائِزِ الْحَوْزُ.
قَالَ الْحَطَّابُ أَوَّلَ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ:
لَمْ يُبَيِّنْ الْمُؤَلِّفُ يَعْنِي الشَّيْخَ خَلِيلًا حَقِيقَتَهُ وَلَا حُكْمَهُ وَسَبَبَهُ وَشُرُوطَهُ وَمَوَانِعَهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَهُوَ مِنْ تَرَاجِمَ كَتَبَهَا، أَمَّا حَقِيقَتُهُ، فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، هُوَ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ التَّرْجَمَةِ، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: حُكْمُهُ الْوُجُوبُ عِنْدَ تَيَسُّرِ أَسْبَابِهِ فِي الرَّفْعِ عَلَى الْقَوْلِ بَعْدَ يَمِينٍ مُسْتَحَقَّةٍ، وَعَلَى الْيَمِينِ هُوَ مُبَاحٌ كَغَيْرِ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ مَشَقَّةٌ، وَأَمَّا سَبَبُهُ، فَهُوَ قِيَامُ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَيْنِ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُدَّعِي، لَا يَعْلَمُونَ خُرُوجَهُ، وَلَا خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْهُ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى الْآنَ، وَالشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِ، ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَعْمُولِ بِهِ، قَالَهُ فِي اللُّبَابِ.
وَأَمَّا شُرُوطُهُ فَثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِهِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَبِحِيَازَتِهِ، وَهِيَ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي عَدْلَيْنِ وَقِيلَ أَوْ عَدْلًا مَعَ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْمِلْكِيَّةِ فَإِذَا كَانَتْ دَارًا مَثَلًا، قَالُوا: لَهُمَا هَذِهِ الدَّارُ هِيَ الَّتِي شَهِدْنَا بِهَا عِنْدَ الْقَاضِي فُلَانٍ، الشَّهَادَةَ الْمُقَيَّدَةَ أَعْلَاهُ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ، وَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَجُوزُ عَلَى النَّعْتِ وَالِاسْمِ وَقَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ آخِرَ بَابِ الْقَضَاءِ، وَحَكَمَ بِمَا يَتَمَيَّزُ غَائِبًا بِالصِّفَةِ.
الثَّانِي: الْإِعْذَارُ فِي ذَلِكَ لِلْحَائِزِ، فَإِنْ ادَّعَى مَدْفَعًا أَجَّلَهُ فِيهِ بِحَسَبِ، مَا يَرَاهُ. الثَّالِثُ: يَمِينُ الِاسْتِبْرَاءِ، وَاخْتُلِفَ فِي لُزُومِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: ثَالِثُهَا: لَا يَحْلِفُ فِي الْعَقَارِ، وَيَحْلِفُ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ، وَفِي سِجِلَّاتِ الْبَاجِيِّ لَوْ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ مِنْ يَدِ غَاصِبٍ لَمْ يَحْلِفْ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَلَا يَمِينَ عَلَى مُسْتَحِقِّ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ خَصْمُهُ مَا يُوجِبُهَا، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ اهـ.
وَأَمَّا مَوَانِعُهُ فَفِعْلٌ وَسُكُوتٌ، فَالْفِعْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ يَدِ حَائِزِهِ، فَلَوْ قَالَ: إنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ خَوْفَ أَنْ يَغِيبَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَثْبَتَهُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَقَالٌ وَقَالَ أَصْبَغُ إلَّا أَنْ تَكُونَ بَيِّنَتُهُ بَعِيدَةً جِدًّا أَوْ يُشْهِدَ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ لِذَلِكَ، فَذَلِكَ يَنْفَعُهُ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ، وَهُوَ يَرَى أَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ، ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً، فَلَهُ الْقِيَامُ وَأَخْذُ الثَّمَنِ مِنْهُ، قَالَ أَصْبَغُ وَالْقَوْلُ: قَوْلُهُ، وَأَمَّا السُّكُوتُ فَمِثْلُ أَنْ يَتْرُكَ الْقِيَامَ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ أَمَدَ الْحِيَازَةِ. قَالَهُ فِي اللُّبَابِ اهـ
وَلَا يَمِينَ فِي أُصُولِ مَا اُسْتُحِقَّ
…
وَفِي سِوَاهَا قَبْلَ الْإِعْذَارِ يَحِقْ
وَحَيْثُمَا يَقُولُ مَا لِي مَدْفَعُ
…
فَهْوَ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُ يَرْجِعُ
وَإِنْ يَكُنْ لَهُ مَقَالٌ أُجِّلَا
…
فَإِنْ أَتَى بِمَا يُفِيدُ أُعْمِلَا
وَمَا لَهُ فِي عَجْزِهِ رُجُوعُ
…
عَلَى الَّذِي كَانَ لَهُ الْمَبِيعُ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا، وَشَهِدَتْ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ بَيِّنَةٌ، فَإِنَّهُ، إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسْتَحَقُّ أَصْلًا مِنْ الْأُصُولِ كَالدَّارِ وَالْحَانُوتِ وَالْأَرْضِ وَنَحْوِهِمَا، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَصْلٍ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لَهُ، وَأَنَّهُ مَا بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ وَلَا فَوَّتَهُ وَلَا فُوِّتَ عَلَيْهِ، وَمَا زَالَ عَلَى مِلْكِهِ إلَى الْآنَ؛ لَأَنْ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا شَهِدَتْ عَلَى الْعِلْمِ، فَيَحْلِفُ هُوَ عَلَى الْبَيْتِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِظَاهِرِ الْحَالِ، فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ قَبْلَ الْإِعْذَارِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ يَدِهِ، لِأَنَّ الْإِعْذَارَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الثُّبُوتِ، وَكَمَالُ الثُّبُوتِ هُوَ بِحَلِفِهِ قَالَ فِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ:.
وَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِالِاسْتِحْقَاقِ إلَّا بَعْدَ الْإِعْذَارِ لِلْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ الْحَطَّابِ أَنَّ فِي يَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: ثَالِثُهَا: تَجِبُ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ، وَلَا تَجِبُ فِي الْأُصُولِ وَإِنَّ بِهَذَا الْقَوْلِ الْعَمَلَ (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ)
مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَانْعَقَدَتْ بِهِ الْأَحْكَامُ، وَأَخَذَ بِهِ الشُّيُوخُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَى مَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا مِنْ الرَّيْعِ وَالْأُصُولِ، ثُمَّ قَالَ: وَاتَّفَقُوا فِي غَيْرِ الْأُصُولِ بِأَنَّهُ لَا يُقْضَى لِمُسْتَحِقٍّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَحْلِفَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَحَيْثُمَا يَقُولُ: مَا لِي مَدْفَعٌ
الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةَ إلَى أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُسَلِّمَ ذَلِكَ وَلَا يُنَازِعَ فِيهِ، وَلَا يَدَّعِي فِيهِ مَدْفَعًا، وَحِينَئِذٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الَّذِي بَاعَ لَهُ بِمَا دَفَعَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ ذَلِكَ، وَيَدَّعِي أَنَّ لَهُ مَدْفَعًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ الْمَذْكُورِ.
وَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْقَاضِيَ يَضْرِبُ لَهُ أَجَلَهُ لِثُبُوتِ مَا ادَّعَى مِنْ الْمَدْفَعِ، فَإِنْ انْقَضَى الْأَجَلُ، وَأَتَى بِالْمَدْفَعِ الَّذِي يُبْطِلُ الِاسْتِحْقَاقَ بَقِيَ شَيْؤُهُ بِيَدِهِ، وَلَا إشْكَالَ إنْ عَجَزَ عَنْهُ، أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ شَيْأَهُ، وَلَا رُجُوعَ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْ يَدِهِ عَلَى الْبَائِعِ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ رُجُوعِهِ عَلَيْهِ هُوَ الِاسْتِحْقَاقُ، وَهُوَ قَدْ كَذَّبَ شُهُودَهُ بِدَعْوَاهُ الدَّفْعَ فِي شَهَادَتِهِمْ، وَمُقِرٌّ بِصِحَّةِ مِلْكِ الْبَائِعِ لَهُ، وَأَنَّ الْقَائِمَ عَلَيْهِ ظَالِمٌ لَهُ، فَكَيْفَ يَرْجِعُ بِمَا يَعْتَقِدُ بُطْلَانَهُ؟ ، وَكَذِبَ شُهُودِهِ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : فَإِنْ ادَّعَى مَدْفَعًا، أَجَّلَهُ فِي ذَلِكَ مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي التَّأْجِيلِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمَدْفَعٍ حَكَمَ بَعْدَ يَمِينِ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ قِيَامٌ بَعْدَ ادِّعَائِهِ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُ إذْ قِيَامُهُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي شَهِدَتْ، فَإِذَا كَذَّبَ الْبَيِّنَةَ لَمْ يَجِبْ لَهُ بِهَا قِيَامٌ، وَإِنْ قَالَ لَا مَدْفَعَ عِنْدِي إلَّا أَنِّي أُرِيدُ الرُّجُوعَ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنِّي، عُقِدَ ذَلِكَ مِنْ مَقَالِهِ، وَاسْتُحْلِفَ الْمُسْتَحِقُّ لَهَا عَلَى مَا وَيُقْضَى لَهُ بِهَا اهـ.
وَالْأَصْلُ لَا تَوْقِيفَ فِيهِ إلَّا
…
مَعْ شُبْهَةٍ قَوِيَّةٍ تَجَلَّى
وَفِي سِوَى الْأَصْلِ بِدَعْوَى الْمُدَّعِي
…
بَيِّنَةً حَاضِرَةً فِي الْمَوْضِعِ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى مِلْكِيَّةَ شَيْءٍ بِيَدِ غَيْرِهِ، وَطَلَبَ أَنْ يُوقَفَ لَهُ، وَأَنْ تُرْفَعَ يَدُ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ عَنْهُ إلَى أَنْ يُقِيمَ هُوَ بَيِّنَةً، وَيُسَمَّى ذَلِكَ تَوْقِيفًا، وَحَيْلُولَةً، فَإِنَّهُ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، بَلْ لَا يُوقَفُ لَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ، وَأَجْمَلَ فِي الشُّبْهَةِ الْقَوِيَّةِ اعْتِمَادًا مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى مَا قَدَّمَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ، وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ التَّوْقِيفَ، أَنَّ التَّوْقِيفَ فِي الْأُصُولِ يَكُونُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا أَنْ يَشْهَدَ بِمِلْكِيَّةِ الشَّيْءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ عَدْلَانِ، وَبَقِيَ لِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ الْإِعْذَارُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ عَدْلٌ وَاحِدٌ. الثَّالِثُ: أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ رَجُلَانِ يُنْظَرُ فِي تَزْكِيَتِهِمَا، وَإِنَّمَا يُوقَفُ فِي هَذَا الْوَجْهِ فَائِدَةُ الْأَصْلِ، لَا الْأَصْلُ نَفْسُهُ، فَلَا يُوقَفُ بِهِ بِخِلَافِ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، فَإِنَّهُ يُوقَفُ بِهِمَا الْأَصْلُ نَفْسُهُ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْوَقْفِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَصْدُقُ كَلَامُ النَّاظِمِ هُنَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيفَ حَاصِلٌ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالتَّوْقِيفُ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ يَكُونُ بِدَعْوَى بَيِّنَةٍ حَاضِرَةٍ، وَقَدْ أَشَارَ لَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ:
وَمُدَّعِي كَالْعَبْدِ وَالنِّشْدَانِ
إلَى أَنْ قَالَ:
حَيْثُ ادَّعَى بَيِّنَةً حُضُورَا
وَأَشَارَ لَهُ هُنَا بِالْبَيْتِ الثَّانِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فَرَاجِعْهُ، ثَمَّةَ.
وَقَوْلُهُ تَجَلَّى: هُوَ عَلَى حَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْنِ أَصْلُهُ تَتَجَلَّى وَجُمْلَةُ تَجَلَّى: أَيْ تَظْهَرُ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِشُبْهَةٍ، وَقَوْلُهُ: بِدَعْوَى الْمُدَّعِي: يَتَعَلَّقُ بِمُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ تُوقَفَ بِدَعْوَى الْمُدَّعِي.
وَمَا لَهُ عَيْنٌ عَلَيْهَا يُشْهَدُ
…
مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ تُوجَدُ
يَعْنِي أَنَّ الشَّيْءَ الْمُسْتَحَقَّ إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلًا، بَلْ مِمَّا يُنْقَلُ مِنْ مَوْضِعٍ لِآخَرَ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَكُونُ عَلَى عَيْنِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِسُهُولَةِ إحْضَارِهِ عِنْدَهُ، وَأَمَّا الْأُصُولُ، فَيُكْتَفَى فِيهَا بِالْحِيَازَةِ
عَنْ إحْضَارِهَا لِتَعَذُّرِهِ، كَمَا يَقُولُهُ قَرِيبًا فَقَوْلُهُ: عَيْنٌ: أَيْ ذَاتٌ، وَكَأَنَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى حَذْفِ الصِّفَةِ وَهِيَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ أَيْ ذَاتٍ تُنْقَلُ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ بِالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَمُقَابَلَتِهِ بِالْأَصْلِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ قَالَ: ابْنُ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ ابْتَاعَ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ، ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ آخَرُ، فَادَّعَاهُ، وَأَتَى بِكِتَابٍ بَدَلِهِ، وَقَدْ فَاتَ الْكِتَابُ فَقَالَ: لَا يُتَوَجَّهُ الْحُكْمُ لِمُسْتَحِقِّ الشَّيْءِ إلَّا بَعْدَ شَهَادَةِ الْعُدُولِ، عَلَى عَيْنِهِ، وَالْإِعْذَارِ إلَى الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ، وَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ دُونَ تَعْيِينِ الْمَشْهُودِ فِيهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَإِذَا ثَبَتَ الِاسْتِرْعَاءُ، وَالْيَمِينُ أَعْذَرَ إلَى الَّذِي أُلْفِيَ ذَلِكَ بِيَدِهِ، فَإِنْ ادَّعَى مَدْفَعًا أَجَّلَهُ، ثُمَّ لَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُ، إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَلِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَكْذَبَ مَا ثَبَتَ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ مَدْفَعًا، وَذَهَبَ إلَى الرُّجُوعِ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ.
وَيُكْتَفَى فِي حَوْزِ الْأَصْلِ الْمُسْتَحَقّْ
…
بِوَاحِدٍ عَدْلٍ وَالِاثْنَانِ أَحَقْ
يَعْنِي أَنَّ الشَّيْءَ الْمُسْتَحَقَّ إنْ كَانَ مِمَّا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، فَإِنَّ الشُّهُودَ يَشْهَدُونَ عَلَى عَيْنِهِ عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ هَذَا، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْقَلُ، وَهُوَ الْأُصُولُ كَالدَّارِ، وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ حَوْزَهَا بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّ كَافٍ عَنْ حُضُورِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لِتَعَذُّرِهِ عَقْلًا، وَذَهَابُ الْقَاضِي إلَيْهَا؛ لِيَشْهَدَ عَلَى عَيْنِهَا بِمَحْضَرِهِ مُتَعَذِّرٌ أَيْضًا عَادَةً؛ لِشُغْلِ الْقَاضِي عَنْ ذَلِكَ، وَبُعْدِ مَوَاضِعِهَا غَالِبًا فَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ، فَجُعِلَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ عَدْلَيْنِ، تُحَازُ بِمَحْضَرِهِمَا، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ وَالِاثْنَانِ أَوْلَى، يَتَنَزَّلُ ذَلِكَ النَّائِبُ الْوَاحِدُ أَوْ الِاثْنَانِ مَنْزِلَةَ الْقَاضِي، وَكَأَنَّ هَذَا الْأَصْلُ شُهِدَ عَلَى عَيْنِهِ بِمَحْضَرِ الْقَاضِي، وَإِلَى اسْتِنَابَةِ الْقَاضِي مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الشَّهَادَةِ بِمَحْضَرِهِ عَلَى عَيْنِ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ، أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ، إلَّا أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا، يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ أَيْ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَحُوزُ عَنْهُ، وَيَكْفِي الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ أَوْلَى. وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ إذَا
شَهِدَ شَاهِدَانِ بِمِلْكِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّ لِلدَّارِ الْفُلَانِيَّةِ مَثَلًا، وَاسْتِمْرَارِهَا أَنَّ الْقَاضِي يُوَجِّهُ عَدْلَيْنِ يَحُوزَانِ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ، إمَّا اللَّذَيْنِ شَهِدَا بِمِلْكِيَّتِهَا أَوْ غَيْرُهُمَا، وَعَدْلَيْنِ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ عَلَى الْقَاضِي بِأَمْرَيْنِ: بِصِحَّةِ رَسْمِ ثُبُوتِ الْمَكْلِيَّةِ، وَبِتَوْجِيهِ الْعَدْلَيْنِ لِلْحِيَازَةِ، وَعَلَى عَدْلَيْ الْحِيَازَةِ بِالْحِيَازَةِ إذْ لَا يَشْهَدَانِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْمُوَجَّهَانِ لِلْحِيَازَةِ هُمَا اللَّذَانِ شَهِدَا بِالْمِلْكِيَّةِ لِلْمُسْتَحِقِّ، فَالْمَجْمُوعُ أَرْبَعَةُ عُدُولٍ، اثْنَانِ شَهِدَا بِالْمِلْكِ وَحَازَا، وَاثْنَانِ شَهِدَا عَلَيْهِمَا بِالْحَوْزِ، وَعَلَى الْقَاضِي بِصِحَّةِ رَسْمِ الْمِلْكِيَّةِ، وَتَوْجِيهِ الْحَائِزَيْنِ لِلْحِيَازَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُوَجَّهَانِ لِلْحِيَازَةِ غَيْرَ اللَّذَيْنِ شَهِدَا بِالْمِلْكِيَّةِ، فَالْمَجْمُوعُ سِتَّةٌ: اثْنَانِ شَهِدَا بِالْمِلْكِيَّةِ وَاثْنَانِ وُجِّهَا لِلْحِيَازَةِ فَحَازَا وَاثْنَانِ شَهِدَا عَلَى الْحَائِزَيْنِ بِالْحِيَازَةِ، فَإِذَا حَازَ الشَّاهِدَانِ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ، وَتَطَوَّفَا عَلَيْهِمَا، فَيَقُولَانِ لِلْعَدْلَيْنِ الْمُوَجَّهَيْنِ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا: بِالْحَوْزِ هَذِهِ الدَّارُ الَّتِي حُزْنَاهَا، هِيَ الَّتِي شَهِدْنَا بِمِلْكِهَا لِفُلَانٍ عِنْدَ الْقَاضِي فُلَانٍ، هَذَا إنْ كَانَ الْحَائِرَانِ، هُمَا اللَّذَانِ شَهِدَا بِالْمِلْكِ.
وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا، فَيَقُولُ الْحَائِزَانِ لِلْمُوَجَّهَيْنِ لِلشَّهَادَةِ بِالْحِيَازَةِ: هَذِهِ الدَّارُ الَّتِي حُزْنَاهَا هِيَ الَّتِي شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ الْأُولَى بِمِلْكِهَا لِفُلَانٍ عِنْدَ الْقَاضِي فُلَانٍ، (قَالَ فِي أَقْضِيَةِ الْمُتَيْطِيَّةِ) : إذَا ثَبَتَتْ الْحِيَازَةُ عِنْدَ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ الْمُوَجَّهَيْنِ لِحُضُورِهَا، أَعْذَرَ لِلْمَطْلُوبِ فِي مِثْلِ هَذَا الْفَصْلِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يُعْذِرُ إلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحِيَازَةِ أَمْ لَا، وَبِتَرْكِ الْإِعْذَارِ فِيهَا جَرَى الْعَمَلُ؛ لِأَنَّ حِيَازَةَ الشُّهُودِ لِلْمِلْكِ وَتَعْيِينَهُمْ إيَّاهُ إنَّمَا وَجْهُهُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي نَفْسُهُ حَسْبَمَا يَلْزَمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُعَيِّنُهُ الشُّهُودُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ كُلِّهَا إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي فَلَمَّا تَعَذَّرَ حُضُورُهُ حِيَازَةَ الْأَمْلَاكِ لِشُغْلِهِ عَنْهُ، وَبُعْدِ أَكْثَرِهَا مِنْهُ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ اسْتَنَابَ مَكَانَ نَفْسِهِ عَدْلَيْنِ؛ لِيُعَيِّنَ ذَلِكَ لَهُمَا حَسْبَمَا كَانَ يُعَيِّنُ لَهُ، وَإِنْ اجْتَزَأَ بِوَاحِدٍ أَجْزَأَهُ وَالِاثْنَانِ أَفْضَلُ وَالْوَاحِدُ
وَالِاثْنَانِ إنَّمَا يَقُومَانِ مَقَامَهُ، فَتَرْكُ الْإِعْذَار فِيهِمَا أَوْلَى، كَمَا لَا يُعْذِرُ فِي نَفْسِهِ اهـ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ حِيَازَةَ الشُّهُودِ إلَخْ. وَرَاجِعْ شِفَاءَ الْغَلِيلِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ آخِرَ النَّفَقَاتِ، ثُمَّ بَيِّنَةٌ بِالْحِيَازَةِ قَائِلَةٌ هَذَا الَّذِي حُزْنَاهُ إلَخْ. وَرَاجِعْ مَجَالِسَ الْقَاضِي الْمِكْنَاسِيِّ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي خَتَمَ بِهَا كِتَابَهُ. (وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ) لَا إعْذَارَ فِي شُهُودِ الْحِيَازَةِ؛ لِأَنَّهُمَا نَائِبَانِ عَنْ الْقَاضِي وَإِنْ وَجَّهَ شَاهِدًا وَاحِدًا لِذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَالِاثْنَانِ أَوْلَى. اهـ. وَتَقَدَّمَ لِلنَّاظِمِ فِي فَصْلِ الْإِعْذَارِ فِيمَنْ لَا يُعْذَرُ فِيهِ
وَلَا الَّذِي وَجَّهَهُ الْقَاضِي إلَى
…
مَا كَانَ كَالتَّحْلِيفِ مِنْهُ بَدَلَا.
وَنَابَ عَنْ حِيَازَةِ الشُّهُودِ
…
تَوَافُقُ الْخَصْمَيْنِ فِي الْحُدُودِ
يَعْنِي أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَوْجِيهِ الْقَاضِي لِعَدْلَيْنِ يَحُوزَانِ الْأَصْلَ الْمُسْتَحَقَّ إنَّمَا مَحَلُّهُ مَا اخْتَلَفَ الْخَصْمَانِ فِي حُدُودِهِ، أَمَّا مَا اتَّفَقَا عَلَى حُدُودِهِ كَدُورِ الْحَاضِرَةِ الَّتِي الدَّارُ بِهَا مُلَاصِقَةٌ لِلْأُخْرَى، فَلَا يَقَعُ غَالِبًا اخْتِلَافٌ فِي حُدُودِهَا، فَلَا يُحْتَاجُ فِي اسْتِحْقَاقِهَا إلَى حِيَازَةٍ.
(قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قَالَ مُحَمَّدٌ: الَّذِي تَجْرِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ بِفُتْيَا مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَشْيَاخِنَا، أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ حَتَّى يَحُوزَا مَا شَهِدَا فِيهِ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ الْخَصْمَانِ عَلَى صِفَةِ الْأَرْضِ وَحُدُودِهَا أَوْ الدَّارِ، وَيُقِرُّ الْمُقَوَّمُ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ بِيَدِهِ، فَتَسْقُطُ حِينَئِذٍ الْحِيَازَةُ، وَلَا يُكَلَّفُ الْقَائِمُ إثْبَاتَ الْحِيَازَةِ فِيمَا شَهِدَ لَهُ بِهِ الشُّهُودُ. .
وَوَاجِبٌ إعْمَالُهَا، إنْ الْحَكَمْ
…
بِقِسْمَةٍ عَلَى الْمَحَاجِيرِ حَكَمْ
يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ إعْمَالُ الْحِيَازَةِ إنْ أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِالْقِسْمَةِ عَلَى الْمَحَاجِيرِ، فَلَا يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ حِيَازَةُ مَوْرُوثِهِمْ، لِمَا يُرَادُ قَسْمُهُ.
(قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي إذَا سَأَلَهُ الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ، أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ دَارًا وَرِثُوهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ أَنْ يَأْمُرَ بِقَسْمِ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ، حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ كَانَ لِلْمَالِكِ مِلْكًا لَهُ وَمَالًا، حَتَّى هَلَكَ عَنْهُ، وَأَنَّ الْهَالِكَ كَانَ سَاكِنًا فِي تِلْكَ الدَّارِ إنْ كَانَتْ دَارًا، كَمَا يَسْكُنُ الرَّجُلُ فِي دَارِ نَفْسِهِ، حَتَّى هَلَكَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةً، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِقَسْمِهَا بَيْنَهُمْ، حَتَّى يَأْتُوهُ بِحَوْزِ مَا كَانَ لِلْهَالِكِ مِنْهَا وَصِفَتِهِ بِكِتَابٍ وَشُهُودٍ يَعْرِفُونَهُ مِلْكًا لِلْهَالِكِ أَوْ فِي يَدَيْهِ وَعِمَارَتِهِ، حَتَّى هَلَكَ خِيفَةَ أَنْ يُدْخِلُوا فِي قِسْمَتِهِمْ مَا لَيْسَ لَهُمْ بِحَقٍّ. اهـ.
وَجَازَ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكًا شُهِدَا
…
وَبِالْحِيَازَةِ سِوَاهُمْ شَهِدَا
إنْ كَانَ ذَا تَسْمِيَةٍ مَعْرُوفَهْ
…
وَنِسْبَةٍ مَشْهُورَةٍ مَأْلُوفَهْ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى مِلْكًا بِيَدِ غَيْرِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَهُ أَوْ لِمَوْرُوثِهِ إلَّا أَنَّ الْبَيِّنَةَ، لَمْ تُعَرِّفْ حُدُودَ ذَلِكَ الْمِلْكِ وَلَمْ تَشْهَدْ بِهَا، وَشَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِحُدُودِ ذَلِكَ الْمِلْكِ، فَحَازَتْهُ وَتَطَوَّفَتْ عَلَيْهِ وَعَرَّفَتْ حُدُودَهُ وَمُنْتَهَاهُ، وَلَمْ تَعْرِفْ لِمَنْ هُوَ، فَإِنَّ الشَّهَادَتَيْنِ تُلَفَّقُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُدَّعِي الْمَذْكُورِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ لَهُ تَسْمِيَةٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ تَسْمِيَةٌ مَشْهُورَةٌ عِنْدَهُمْ فَالتَّسْمِيَةُ، مِثْلُ بَعْضِ الْأَجِنَّةِ عِنْدَنَا اُشْتُهِرَتْ بِأَسْمَاءٍ صَارَتْ عَلَمًا عَلَيْهَا، كَابْنِ الصَّفَّارِ وَابْنِ قَضِيبٍ وَحَجَّاجَةٍ وَاللَّهَبِ وَجِنَانِ الْخَادِمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالنِّسْبَةُ، مِثْلُ الْجِنَانِ الَّذِي بَابُهُ أَوَّلًا عَلَى يَمِينِ الدَّاخِلِ لِلزَّنْقَةِ الْفُلَانِيَّةِ أَوْ الْحَانُوتِ
الْخَامِسَةِ عَنْ يَسَارِ الْخَارِجِ مِنْ سُوقٍ كَذِمَارِ الْكَذَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَإِنْ أَشْهَدَ بَعْضَ أَهْلِ الْمَوْضِعِ بِأَنَّ الْجِنَانَ الْمَعْرُوفَ بِاسْمٍ مِثْلِ مَا ذَكَرْنَا؛ هُوَ لِذَوِي فُلَانٍ يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ الْمُحَصِّلِ لِلْعِلْمِ وَرُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ الشَّاهِدُ جَارًا لِمَالِكِهِ أَوْ صَدِيقًا لَهُ، وَيُهْدِي لَهُ مِنْ غَلَّتِهِ وَفَاكِهَتِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ حُدُودَهُ وَمُنْتَهَاهُ؛ لِكَوْنِهِ إنَّمَا رَآهُ وَدَخَلَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَرُبَّمَا يَكُونُ لَمْ يَدْخُلْهُ قَطُّ، وَلَكِنْ يَتَحَقَّقُ، وَيَعْلَمُ أَنَّ الْجِنَانَ الْمَعْرُوفَ بِكَذَا هُوَ لِفُلَانٍ، وَشَهِدَ آخَرُونَ بِمَعْرِفَةِ حُدُودِهِ وَمُنْتَهَاهُ، وَمَا هُوَ مِنْ حَقِّهِ وَمَرَافِقِهِ، وَلَا يَعْلَمُونَ لِمَنْ هُوَ كَالْخَدَمِ الَّذِينَ يَسْتَأْجِرُهُمْ الْمُسَاقِي فِي الْجِنَانِ، وَيَخْدُمُونَ مَعَهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَلَمْ تَدْعُهُمْ حَاجَةٌ لِمَعْرِفَةِ رَبِّهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ لَهُمْ غَرَضٌ بِهِمَا، فَتُلَفَّقُ الشَّهَادَتَانِ، وَيَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ، وَيَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَنِسْبَةٍ: بِمَعْنَى أَوْ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ التَّسْمِيَةِ وَالنَّسَبِ كَافٍ وَحْدَهُ فِي اعْتِمَادِ الشَّاهِدِ عَلَيْهِ فِي شَهَادَتِهِ (قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ) : وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ هَلَكَ وَلَهُ وَرَثَةٌ وَوَلَدٌ وَتَرَكَ أَرْضًا فَخَاصَمَ وَلَدَهُ قَوْمٌ، فَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أَرْضُهُمْ، وَلَمْ يُشْهِدُوا عَلَى الْحُدُودِ وَشَهِدَ قَوْمٌ عَلَى حُدُودِ تِلْكَ الْأَرْضِ، وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهَا لَهُمْ. وَقَالُوا: لَا عِلْمَ لَنَا، لِمَنْ هِيَ؟
قَالَ: مَالِكٌ إذَا شَهِدُوا عَلَى الْحُدُودِ وَثَبَتَتْ شَهَادَةُ الَّذِينَ شَهِدُوا أَنَّهَا لَهُمْ رَأَيْتُهَا لَهُمْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ: مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي الْأَرْضِ عَلَى الْمَالِكِ تُلَفَّقُ إلَى الشَّهَادَةِ فِيهَا عَلَى الْحَوْزِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الْأَرْضُ الْمَشْهُورَةُ الْمَعْلُومَةُ الْمُسَمَّاةُ الَّتِي تَتَمَيَّزُ بِالنِّسْبَةِ أَوْ التَّسْمِيَةِ عَنْ سِوَاهَا عِنْدَ مَنْ عَرَفَ حُدُودَهَا فَإِذَا قَالَ الشُّهُودُ: نَعْلَمُ أَنَّ الْأَرْضَ الْفُلَانِيَّةَ لِفُلَانٍ، وَلَا نَحُوزُهَا، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: نَحْنُ نَعْلَمُ حُدُودَهَا، وَلَا نَدْرِي لِمَنْ هِيَ وَجَبَ أَنْ تُلَفَّقَ الشَّهَادَةُ فِي ذَلِكَ إذْ لَا يَقْدَحُ فِي عِلْمِ مَنْ شَهِدَ أَنَّهَا لِفُلَانٍ جَهْلُهُ بِحُدُودِهَا، وَلَا يَقْدَحُ فِي عِلْمِ مِنْ شَهِدَ بِمَعْرِفَةِ حُدُودِهَا جَهْلُهُ بِمُلَّاكِهَا اهـ.
(قَالَ الشَّارِحُ) : أَقُولُ: تَعْيِينُ الْعُرُوضِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالسِّلَاحِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْحَيَوَانُ كُلُّهُ، الدَّوَابُّ وَالْأَنْعَامُ وَالرَّقِيقُ وَغَيْرُهَا، هُوَ نَظِيرُ الْحِيَازَةِ فِي الْأُصُولِ، وَهَلْ يُمْكِنُ تَلْفِيقُ التَّعْيِينِ فِيهَا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ بِهِ مَعَ شَهَادَةِ مِثْلِهَا بِالْمِلْكِ؟ هَذَا مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ، وَهُوَ فِي الْعُرُوضِ مُسْتَبْعَدُ الْوُقُوعِ وَلَكِنَّهُ مُمْكِنٌ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ فِي الدَّوَابِّ أَقْرَبُ كَمَا إذَا فَرَضْنَا فَرَسًا لَهُ اسْمُ عَلَمٍ يَتَمَيَّزُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ فِي الرَّقِيقِ أَقْرَبُ مِنْ هَذَا التَّمْيِيزِ الدَّقِيقِ بِالْعَلَمِيَّةِ وَالصِّفَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إثْبَاتُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ عَلَى الصِّفَةِ.
(قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : وَإِنْ كَانَتْ يَعْنِي الْجَارِيَةَ غَائِبَةً، فَالشَّهَادَةُ فَبِهَا عَلَى النَّعْتِ وَالصِّفَةِ وَالِاسْمِ جَائِزَةٌ، وَيَكْتُبُ الْحَكَمُ الَّذِي شُهِدَ عَلَى الصِّفَةِ فِيهَا عِنْدَهُ عَلَى الصِّفَةِ إلَى الْحَكَمِ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي فِيهَا الْجَارِيَةُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ الْمِلْكِ فِيهَا عَلَى الصِّفَةِ، وَيُرْسِلُ كِتَابَهُ مَعَ شَاهِدَيْنِ يُشْهِدُهُمَا عَلَى كِتَابِهِ الَّذِي يَكْتُبُ فِيهِ الْحُكْمَ بِالثُّبُوتِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنْ وُجِدَ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ جَوَارٍ كَبِيرَةٌ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، كَلَّفَهُ الْحَاكِمُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ أَيَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا فِي الْبَلْدَةِ لَمْ يُكَلِّفْهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
(قَالَ الشَّارِحُ) أَقُولُ حَيْثُ لَمْ تُوجَدْ إلَّا وَاحِدَةٌ، فَهِيَ الَّتِي عَيَّنَهَا الِاسْمُ وَالصِّفَةُ.
وَمُشْتَرِي الْمِثْلِيِّ مَهْمَا يُسْتَحَقْ
…
مُعْظَمُ مَا اشْتَرَى لَهُ التَّخْيِيرُ حَقْ
فِي الْأَخْذِ لِلْبَاقِي مِنْ الْمَبِيعِ
…
بِقِسْطِهِ وَالرَّدِّ لِلْجَمِيعِ
وَإِنْ يَكُنْ مِنْهُ الْيَسِيرُ مَا اُسْتُحِقَّ
…
يَلْزَمُهُ الْبَاقِي بِمَا لَهُ يَحِقْ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مِثْلِيًّا مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ كَالْقَمْحِ وَالزَّيْتِ وَالْجَوْزِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ إنْ اُسْتُحِقَّ مُعْظَمُهُ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ التَّمَسُّكِ بِمَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَبَيْنَ رَدِّ الْجَمِيعِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْقَلِيلُ مِنْهُ فَقَطْ، فَيَلْزَمُهُ التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي بِحِصَّتِهِ، أَيْضًا قَالَ: الشَّارِحُ وَالْيَسِيرُ هُنَا الثُّلُثُ فَأَدْنَى قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَلَوْ كَانَ مَا ابْتَاعَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، فَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْقَلِيلُ مِنْهُ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ
الثَّمَنِ وَلَزِمَهُ مَا بَقِيَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يَحْبِسَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدَّهُ وَكَذَلِكَ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ قَبْلَ الرِّضَا بِهِ. اهـ.
وَمَسْأَلَةُ اسْتِحْقَاقِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ تَأْتِي فِي قَوْلِ النَّاظِمِ:
وَالْخَلَفُ فِي تَمَسُّكٍ بِمَا بِقِي
…
بِقِسْطِهِ مِمَّا انْقِسَامُهُ اُتُّقِيَ
وَتَأَمَّلْ عِبَارَةَ ابْنِ يُونُسَ حَيْثُ قَالَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَبِيرِ: فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَحْبِسَ مَا بَقِيَ أَوْ يَرُدَّهُ فَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ وَالرَّدُّ لِلْجَمِيعِ، فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَخَذَ جُزْأَهُ، وَانْصَرَفَ، وَلَمْ يَبْقَ الْكَلَامُ إلَّا فِي الْبَاقِي، وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاظِمُ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ عَلَى اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ، وَفِي الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَهَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمُقَوَّمِ مَعَ كَوْنِ الْمُسْتَحَقِّ مُعَيَّنًا، وَفِي الْبَيْتَيْنِ بَعْدَهَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ مِمَّا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ، وَمَا لَا يَقْبَلُهَا.
وَمَا لَهُ التَّقْوِيمُ بِاسْتِحْقَاقِ
…
أَنْفَسِهِ يُرَدُّ بِالْإِطْلَاقِ
إنْ كَانَ فِي مُعَيَّنٍ وَلَا يَحِلْ
…
إمْسَاكُ بَاقِيهِ لِمَا فِيهِ جُهِلْ
وَإِنْ يَكُنْ أَقَلَّهُ فَالْحُكْمُ أَنْ
…
يَرْجِعَ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنْ
لَمَّا قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ تَكَلَّمَ هُنَا عَنْ اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمُقَوَّمِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مُقَوَّمًا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ جُزْءًا شَائِعًا كَثُلْثٍ أَوْ رَبْعٍ مَثَلًا، فَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَيْتَيْنِ بَعْدَ هَذِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَثَوْبٍ بِعَيْنِهِ مِنْ أَثْوَابٍ، فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ، وَأَفْضَلَ مَا فِيهَا، فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْجَمِيعَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ وَجْهِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الصَّفْقَةِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فِي الْحِسِّ، فَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْمَعْنَى وَغَيْرُهُ قَلِيلٌ.
وَالْأَقَلُّ يَتْبَعُ الْأَكْثَرَ، فَيُفْسَخُ الْجَمِيعُ فَإِذَا تَمَسَّكَ بِالْأَقَلِّ فَكَأَنَّهُ ابْتَدَأَ شِرَاءَهُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ غَيْرَ وَجْهِ الصَّفْقَةِ، فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ مَا اسْتَحَقَّ، يَتَمَسَّكُ بِالْبَاقِي؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَمْ تَنْفَسِخْ، كَمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْجُلِّ.
(قَالَ ابْنُ يُونُسَ) : قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ اشْتَرَى ثِيَابًا كَثِيرَةً أَوْ صَالَحَ بِهَا عَنْ دَعْوَاهُ، فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا أَوْ وُجِدَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ قَبْضِهَا أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَافِهًا رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ وَجُهَ الصَّفْقَةَ، مِثْل أَنْ يَقَعَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ انْتَقَصَ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِمَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ إذْ لَا يُعْرَفُ، حَتَّى يُقَوَّمَ، وَقَدْ وَجَبَ الرَّدُّ فَصَارَ بَيْعًا مُؤَقَّتًا. اهـ.
فَقَوْلُهُ: بِاسْتِحْقَاقٍ يَتَعَلَّقُ بِيَرُدُّ، وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْأَنْفَسَ، فَيُرَدُّ الْبَاقِي، وَلَوْ رَدِّ رَضِيَ الْمُتَبَايِعَانِ بِعَدَمِ الرَّدِّ، وَأَحْرَى فِي الْجَمِيعِ إذَا أَرَادَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، فَالْقَوْلُ لِمَنْ أَرَادَ الرَّدَّ، وَاسْمُ كَانَ يَعُودُ عَلَى اسْتِحْقَاقٍ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ فِي مُعَيَّنٍ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ وَيَأْتِي حُكْمُهُ قَرِيبًا وَمَا مِنْ قَوْلِهِ لِمَا فِيهِ جُهِلْ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ لِلْجُلِّ الْحَاصِلِ فِيهِ لِمَا يَنُوبُ الْبَاقِي مِنْ الثَّمَنِ وَاسْمُ يَكُنْ: ضَمِيرُ الْمُسْتَحَقِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِيرُ أَقَلِّهِ لِلْمَبِيعِ الْمُقَوَّمِ، وَفَاعِلُ يَرْجِعُ ضَمِيرُ الْمُشْتَرِي، وَضَمِيرُ حِصَّتِهِ لِلْمُسْتَحَقِّ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ يَكُنْ عَلَى الشِّيَاعِ الْمُسْتَحَقّْ
…
وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ فَالْقَسْمُ أَحَقْ
وَالْخُلْفُ فِي تَمَسُّكٍ بِمَا بَقِيَ
…
بِقِسْطِهِ مِمَّا انْقِسَامُهُ اُتُّقِيَ
يَعْنِي أَنَّهُ، إذَا كَانَ الْمُسْتَحَقُّ جُزْءًا شَائِعًا كَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بَعْضُهُ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ بِلَا ضَرَرٍ، فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يُفِدْ الْحُكْمَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ إنْ اُسْتُحِقَّ الْقَلِيلُ، فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ مَا اُسْتُحِقَّ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْكَثِيرُ خُيِّرَ فِي التَّمَاسُكِ بِمَا بَقِيَ، أَوْ رَدِّهِ قَالَ: الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ: أَوْ اسْتَحَقَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْأَجْزَاءِ فِيمَا يَنْقَسِمُ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ مَا اُسْتُحِقَّ اهـ يَعْنِي، وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْجُزْءَ الْكَثِيرَ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ التَّمَاسُكِ بِمَا بَقِيَ أَوْ رَدِّهِ.
وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَلَى فِقْهِ هَذَا الْبَيْتِ قَوْلَ الْمُقَرَّبِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَحْبِسَ مَا سُلِّمَ فِي يَدَيْهِ، وَيَرْجِعَ بِثَمَنِ مَا اُسْتُحِقَّ، فَإِنْ كَانَ مَا اشْتَرَى مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ عَلَى الْعَدَدِ، وَكَانَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى الْأَجْزَاءِ، نِصْفَ مَا اشْتَرَى أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَذَلِكَ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَا رَضِيَ بِهِ يَصِيرُ لَهُ بِثَمَنٍ مَعْرُوفٍ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ فِي رَدِّ الْبَاقِي بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَاقِي قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا مَعَ أَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمِثْلِيِّ، فَتَأَمَّلْهُ مَعَ نَقْلِ الْحَطَّابِ الْمُتَقَدِّمِ، وَمَعَ مَا قَدَّمَ النَّاظِمُ فِي الْمِثْلِيِّ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَقَوْلُهُ
وَالْخَلَفُ فِي تَمَسُّكٍ بِمَا بَقِيَ
الْبَيْتَ يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيمَا إذَا اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ شَائِعٌ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ هَلْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَمَاسَكَ بِمَا بَقِيَ أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؟ وَيَتَعَيَّنُ الرَّدُّ لِلْبَاقِي هَذَا ظَاهِرُ لَفْظِ الْبَيْتِ وَنَقَلَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فِي التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي أَوْ رَدِّهِ دُونَ تَحَتُّمِ الرَّدِّ فَلَمْ يُنْقَلْ عَلَيْهِ نَصًّا وَلَفْظُهُ، وَفِي الْمُقَرَّبِ، وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَمَّنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ، مِثْلُ الشَّجَرَةِ أَوْ الثَّوْبِ، فَاسْتَحَقَّ بَعْضَ ذَلِكَ فَقَالَ: لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ إنْ شَاءَ، كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَهَذَا مِثْلُ الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ اهـ.
وَتَقَدَّمَ نَحْوُ هَذَا عَنْ ابْنِ يُونُسَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ، وَفِي الْحَطَّابِ فِي الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ مَا نَصُّهُ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ الْيَسِيرِ مِنْ الْأَجْزَاءِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ هَذَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْجَمِيعِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَالْيَسِيرُ النِّصْفُ فَأَقَلُّ. اهـ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ فَكَالْعَيْبِ، مَا نَصُّهُ: وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ حُكْمِ اسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ، فَنَقُولُ: إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ فَلَا يَخْلُو
إمَّا أَنْ يَكُونَ شَائِعًا أَوْ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ شَائِعًا فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي التَّمَسُّكِ، وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْجُزْءِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الثَّمَنِ وَفِي رَدِّهِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، سَوَاءٌ اسْتَحَقَّ الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلِيًّا فَإِنْ كَانَ مُقَوَّمًا كَالْعَرْضِ وَالرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ، فَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْبَعْضُ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ بِالْقِيمَةِ لَا بِالتَّسْمِيَةِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ وَجْهُ الصَّفْقَةِ تَعَيَّنَ رَدُّ الْبَاقِي، وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْأَقَلَّ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْأَكْثَرَ خُيِّرَ فِي التَّمَاسُكِ وَالرُّجُوعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَفِي الرَّدِّ زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَثَرَ هَذَا الْقِسْمِ الْأَخِيرِ وَكَذَلِكَ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ قَبْلَ الرِّضَا بِهِ. اهـ.
أَيْ فَيَتَخَيَّرُ فِي التَّمَاسُكِ وَالرَّدِّ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَوَّاقِ لِقَوْلِ الشَّيْخ خَلِيلٍ أَوْ اُسْتُحِقَّ شَائِعٌ، وَإِنْ قَلَّ مَا نَصُّهُ اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ قَالَ عِيسَى قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا اُسْتُحِقَّ عَبْدٌ مِنْ الرَّقِيقَ أَوْ عَبْدَانِ أَوْ شَيْءٌ يَكُونُ مِنْ الرَّقِيقِ يَسِيرًا فِي عَدَدِهِمْ، أَيَلْزَمُ الْمَبِيعُ إذَا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ عَبِيدٍ بِأَعْيَانِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: أَرَأَيْت إنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ الْيَسِيرُ سَهْمًا اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ فِي جَمِيعِ الرَّقِيقِ بَعْدَ مَنْعِ الْوَطْءِ إنْ كَانَ فِيهَا جَارِيَةٌ قَالَ: سَوَاءٌ اسْتَحَقَّ فِي جَمِيعِهَا سَهْمًا أَوْ عَبِيدًا بِأَعْيُنِهِمْ إنْ كَانَ يَسِيرًا لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَقِيلَ: لَهُ قَاسِمْ شَرِيكَكَ أَنْظِرْهُ أَبَدًا، كُلُّ شَيْءٍ يُسْتَحَقُّ، وَهُوَ يُقَسِّمُ رَقِيقًا كَانَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي اسْتَحَقَّ مِنْهُ يَسِيرًا لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَإِذَا كَانَ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ فِي الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ رَدَّهُ إنْ شَاءَ كَانَ الَّذِي اسْتَحَقَّ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، قِيلَ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ، مِثْلُ الشَّجَرَةِ قَالَ: هُوَ كَاسْتِحْقَاقِ الْيَسِيرِ مِنْ الْعَدَدِ لَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ مَا اُسْتُحِقَّ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ الْيَسِيرِ مِنْ الْأَجْزَاءِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ هَذَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْجَمِيعِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِسَائِرِ الرِّوَايَاتِ، وَالْيَسِيرُ النِّصْفُ فَأَقَلُّ، وَالْكَثِيرُ الْجُلُّ، وَمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ، وَهَذَا فِي الْعُرُوضِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ، وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، فَإِنَّهُ يَرَى فِيهِ اسْتِحْقَاقَ الثُّلُثِ فَمَا زَادَ كَثِيرًا. اهـ.
وَفِي شَرْحِ شَيْخِ شُيُوخِنَا الْعَالِمِ الْمُتَفَنِّنِ أَبِي الْعَبَّاسِ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْمَنْجُور لِلنَّظْمِ الْمُسَمَّى بِالْمَنْهَجِ الْمُنْتَخَبِ فِي قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ لِلْإِمَامِ سَيِّدِي عَلِيِّ بْنِ قَاسِمٍ الزَّقَّاقِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ
هَلْ الْيَسَارَةُ بِنَفْسٍ تُعْتَبَرْ
إلَى آخِرِ مَا نَصَّهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالدَّارُ إنْ اُسْتُحِقَّ عُشْرُهَا أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ، وَكَانَتْ لَا تَنْقَسِمُ أَعْشَارًا، فَلَهُ رَدُّ جَمِيعِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَنْقَسِمُ، وَفِي التَّقْيِيدِ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْبَيَانِ وَالرَّدُّ يَجِبُ إذَا اُسْتُحِقَّ مَا هُوَ كَثِيرُ كَثُلُثِ الدَّارِ أَوْ مَا فِيهِ ضَرَرٌ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا كَالْعُشْرِ، فَإِنْ اشْتَرَى دَارًا وَاسْتُحِقَّ عُشُرُهَا، فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لَا تَتَجَزَّأُ أَعْشَارًا أَوْ كَانَتْ تَتَجَزَّأُ، وَلَمْ يَكُنْ لِكُلِّ جُزْءٍ مَدْخَلٌ وَمَخْرَجٌ عَلَى حِدَةٍ أَوْ كَانَ لِكُلِّ جُزْءٍ مَدْخَلٌ وَمَخْرَجٌ عَلَى حِدَةٍ إلَّا أَنَّ التَّجَزِّيَ يُنْقِصُ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِنَّ لَهُ الرَّدَّ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا، فَإِنْ كَانَتْ تَتَجَزَّأُ أَعْشَارًا لِكُلِّ جُزْءٍ مَدْخَلٌ، وَمَخْرَجٌ عَلَى حِدَةٍ، وَلَمْ يُنْقِصْ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِهَا، فَلَا رَدَّ لَهُ، وَهَذَا فِي دَارِ السُّكْنَى، وَأَمَّا دَارُ الْغَلَّةِ فَلَا تُرَدُّ إلَّا بِاسْتِحْقَاقِ الثُّلُثِ.
وَأَمَّا إنْ كَانَتْ دُورًا عَدَدًا، فَاسْتُحِقَّ بَعْضُ أَعْيَانِهَا، فَإِنَّهَا إذْ ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ إنْ اُسْتُحِقَّ الْجُلُّ، فَأَكْثَرُ كَانَ لَهُ الرَّدُّ، ثُمَّ قَالَ: فِي تَعْدَادِ الْمَسَائِلِ الَّتِي النِّصْفُ فِيهَا يَسِيرٌ وَالْكَثِيرُ مَا فَوْقَهُ مِنْهَا مَا إذَا تَعَدَّدَ الْمَبِيعُ فَاسْتُحِقَّ أَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَجُهَ الصَّفْقَةِ، وَهُوَ مَا فَوْقَ النِّصْفِ كَخَمْسَةِ أَثْوَابٍ مُتَسَاوِيَةِ الْقِيمَةِ يُسْتَحَقُّ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ أَوْ يَثْبُتُ عَيْبُهَا، فَفِي الْعَيْبِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْجَمِيعِ أَوْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ يَتَعَيَّنُ رَدُّ الْبَاقِي عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي النِّصْفِ فَأَقَلَّ، فَفِي الْعَيْبِ لَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّ الْمَعِيبِ بِحِصَّتِهِ يَوْمَ عَقْدِهِ، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ يَرْجِعُ بِمَا يَنُوبُ الْمُسْتَحَقّ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي. اهـ.
ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي النَّظْمِ الْمَذْكُورِ
كَذَاكَ جُزْءُ عُرُوضٍ يُسْتَحَقُّ فَخُذْ
…
إنْ أَمْكَنَ الْقَسْمُ وَخُيِّرَ إنْ عُدِمْ
مَا نَصُّهُ يَعْنِي بِالْجُزْءِ الشَّائِعِ وَبِالْعُرُوضِ مَا عَدَا الدُّورَ وَالطَّعَامَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْعَرْضَ إذَا اُسْتُحِقَّ مِنْهُ جُزْءٌ شَائِعٌ وَالْعَرَضُ مِمَّا يَنْقَسِمُ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ النِّصْفَ فَأَقَلَّ، فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ مَا اُسْتُحِقَّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ
فِي التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي أَوْ الرَّدِّ بِخِلَافِ مَا لَا يَنْقَسِمُ فَلَهُ الرَّدُّ مُطْلَقًا، كَانَ السَّهْمُ الْمُسْتَحَقُّ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا، وَتَقَدَّمَ هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ. اهـ.
وَإِنْ يَكُنْ فِي الْفَيْءِ مَالُ الْمُسْلِمِ
…
فَهْوَ لَهُ مِنْ قَبْلِ قَسْمِ الْمُغْنَمِ
وَإِنْ يَقُمْ مِنْ بَعْدِ مَا قَدْ قُسِّمَا
…
فَهُوَ بِهِ أَوْلَى بِمَا تَقَوَّمَا
يَعْنِي أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا غَنِمُوا غَنِيمَةً فَوَجَدُوا فِيهَا مَالَ مُسْلِمٍ مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو، فَإِنْ عُرِفَ ذَلِكَ قَبْلَ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ، فَهُوَ لِرَبِّهِ مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، فَلَا يَأْخُذْهُ رَبُّهُ إنْ شَاءَهُ إلَّا بِالثَّمَنِ الَّذِي قُوِّمَ بِهِ حِينَ الْقَسْمِ، وَكَذَلِكَ مَا عُرِفَ أَنَّهُ لِذِمِّيٍّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْغَنِيمَةِ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ قَبْلَ الْقَسْمِ، فَإِنْ عُلِمَ رَبُّهُ بِعَيْنِهِ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا رُدَّ مَجَّانًا، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِعَيْنِهِ قُسِّمَ، وَلَمْ يُوقَفْ.
(التَّوْضِيحُ) إذَا عُرِفَ رَبُّهُ، وَكَانَ حَاضِرًا، وَلَمْ يُقْسَمْ، فَإِنَّهُ يُدْفَعُ إلَيْهِ مَجَّانًا أَيْ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ حَمْلُهُ خَيْرًا لِرَبِّهِ فَعَلَ ذَلِكَ وَأَخَذَ مِنْهُ الْكِرَاءَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَمْلُهُ أَرْفَقَ بِيعَ وَيُنْفِذُ فِيهِ الْإِمَامُ الْبَيْعَ وَلَا يَكُونُ لِرَبِّهِ غَيْرُ الثَّمَنِ، وَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَلَكِنْ لَمْ يُعْرَفْ بِعَيْنِهِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُقْسَمُ تَغْلِيبًا لِحَقِّ الْمُجَاهِدِينَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ: يُوقَفُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَكِنْ مَذْهَبُ ابْنِ الْمَوَّازِ: يُوقَفُ مَا رُجِيَ الْعِلْمُ بِصَاحِبِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَقْفُهُ مُطْلَقًا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِنْ ثَبَتَ بَعْدَ الْقَسْمِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِثَمَنِهِ إنْ عُلِمَ، وَإِلَّا فَبِقِيمَتِهِ (التَّوْضِيحُ) هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ قَبْلَ الْقَسْمِ يَعْنِي إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مَالُ مُسْلِمٍ مُعَيَّنٍ بَعْدَ الْقَسْمِ فَلِمَالِكِهِ أَخْذُهُ إنْ شَاءَ بِالثَّمَنِ أَيْ بِالْقَدْرِ الَّذِي قُوِّمَ بِهِ فِي الْغَنِيمَةِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ لِرَبِّ السِّلْعَةِ أَنْ يَأْخُذَهَا إنْ شَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ الْقَدْرَ، أَوْ لَمْ يَشْتَرِهِ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ ابْنُ رُشْدٍ، وَتَكُونُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقِسْمَةِ. اهـ. بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ.
وَفِي الشَّارِحِ عَنْ الْمُقَرَّبِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا إنْ كَانُوا عَبِيدًا أَوْ أَحْرَزَهُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ وَأَبَقَ الْعَبِيدُ إلَيْهِمْ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوا أَصْحَابَهُ اقْتَسَمُوا، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا أَحْرَزَ أَهْلُ الشِّرْكِ جَارِيَةً لِمُسْلِمٍ، ثُمَّ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ، فَلَا يَحِلُّ لِمَنْ صَارَتْ إلَيْهِ سِهَامُهُ أَنْ يَطَأَهَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا لِمُسْلِمٍ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ الْعَدُوِّ لَا أُحِبُّ أَنْ يَطَأَهَا، اشْتَرَاهَا فِي بِلَادِ الْحَرْبِ أَوْ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ وَطِئَهَا فَحَمَلَتْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَا تُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَهَا مَضَى عِتْقُهُ. اهـ.
(تَنْبِيهٌ) أَطْلَقَ النَّاظِمُ الْفَيْءَ عَلَى الْغَنِيمَةِ، وَالِاصْطِلَاحُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ مَالَ الْحَرْبِيِّ إمَّا غَنِيمَةٌ أَوْ مُخْتَصٌّ بِآخِذِهِ أَوْ فَيْءٌ فَالْغَنِيمَةُ مَا كَانَ بِقِتَالٍ أَوْ بِحَيْثُ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ مَا كَانَ بِقِتَالٍ أَيْ مَا مُلِكَ بِقِتَالٍ احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا مُلِكَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَزَادَ قَوْلَهُ: أَوْ بِحَيْثُ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ لِيُدْخِلَ فِيهِ مَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ بَعْدَ نُزُولِ الْجَيْشِ، وَأَمَّا مَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْجَيْشِ، فَهُوَ فَيْءٌ وَالْمُخْتَصُّ بِآخِذِهِ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ غَيْرِ مُؤْمِنٍ عَلِمَهُ أَوْ كُرْهًا دُونَ صُلْحٍ وَلَا قِتَالِ مُسْلِمٍ وَلَا قَصَدَهُ بِخُرُوجِهِ إلَيْهِ مِثَالُهُ مَا هَرَبَ بِهِ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَخَرَجَ بِمَالِهِ أَوْ مَا غَنِمَهُ الذِّمِّيُّونَ.
وَالْفَيْءُ مَا سِوَاهُمَا أَيْ مَا سِوَى الْغَنِيمَةِ، وَسِوَى الْمُخْتَصِّ بِآخِذِهِ الْمَذْكُورَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْفِقْهُ الْمَذْكُورُ فِي مَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ يُوجَدُ فِي الْغَنِيمَةِ يَجْرِي فِيهِ إذَا وُجِدَ فِي الْفَيْءِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُخِذَ مَالُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَأَهْلُهَا مَحْصُورُونَ، وَهُمْ الْغَانِمُونَ، فَأَحْرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْفَيْءِ الَّذِي هُوَ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَتَعْبِيرُ النَّاظِمِ بِالْفَيْءِ صَحِيحٌ، وَيُقَالُ: وَكَذَا إنْ وُجِدَ فِي الْغَنِيمَةِ أَوْ أَنَّهُ تَوَسُّعٌ، وَأَطْلَقَ الْفَيْءَ وَالْغَنِيمَةَ مَعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ مُوَافِقًا، فَلَا يَخْفَى مَا فِي تَعْبِيرِهِ بِالْفَيْءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ النَّاظِمَ أَطْلَقَ الْفَيْءَ عَلَى الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ إنَّمَا يُعَبِّرُونَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ بِالْغَنِيمَةِ لَا بِالْفَيْءِ، وَتَفْصِيلُهُمْ بَيْنَ أَنْ يَعْرِفَ الْمَالَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ بَعْدَهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ الْغَنِيمَةُ إذْ هِيَ الَّتِي تُقْسَمُ لَا الْفَيْءُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
وَمُشْتَرٍ وَحَائِزٌ مَا سَاقَ مَنْ
…
أُمِّنَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالثَّمَنْ
يَعْنِي أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا قَدِمَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ، وَفِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَبَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، فَلَيْسَ لِمَالِكِهِ الْمُسْلِمِ نَزْعُهُ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهِ أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالثَّمَنِ، وَلَا بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِغَيْرِ مَالِكِهِ شِرَاءُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ وَهِيَ مَا قَدِمُوا بِهِ لِبَلَدِنَا، وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ لِبَلَدِهِمْ، وَاشْتَرَى ذَلِكَ مِنْهُمْ أَوْ وَهَبُوهُ لَهُ، وَقَدِمَ بِهِ، فَإِنَّ لِرَبِّهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، وَمِمَّنْ وُهِبَ لَهُ بِلَا ثَمَنٍ.
(قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : نَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: عَلَى أَنَّهُ إنْ اشْتَرَى مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ أَحَدٌ، أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ، وَلَوْ بِالثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا يَشْتَرِيه مِنْ الْحَرْبِيِّ بِبَلَدِ الْحَرْبِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ وُهِبَ عَبِيدَ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ، فَقَدِمَ بِهِمْ كَانَ لِرَبِّهِمْ أَخْذُهُمْ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَاَلَّذِي قَدِمَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ لَوْ وَهَبَهُمْ لِأَحَدٍ لَمْ يَأْخُذْهُمْ سَيِّدُهُمْ. اهـ. فَقَوْلُهُ: إذَا اشْتَرَى مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ أَيْ اشْتَرَى مِنْهُ فِي بَلَدِنَا، وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ مُسْتَأْمَنًا، وَقَابَلَهُ بِالْمُشْتَرِي مِنْ الْحَرْبِيِّ بِبَلَدِ الْحَرْبِ وَقَوْلُهُ: عَبِيدًا لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْعَبِيدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنَّمَا هُوَ فَرْضُ مِثَالٍ، وَفِي الشَّارِحِ عَنْ الْمُقَرَّبِ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ دَخَلَ إلَيْنَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَعَهُ عَبِيدٌ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، كَانَ الْعَدُوُّ قَدْ أَسَرَهُمْ، لَمْ يُؤْخَذُوا مِنْهُ لَا بِالثَّمَنِ وَلَا بِالْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَمَا دَخَلَ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ بِيَدِهِ لِمُسْلِمٍ، وَإِنْ بَاعَ مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ نَفَذَ بَيْعُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمُوا عَلَى رَأْسٍ مِنْ أَهْلِ ذِمَّتِنَا كَانُوا رَقِيقًا لَهُمْ، وَأَهْلُ ذِمَّتِنَا فِي هَذَا كَعَبِيدِنَا. اهـ.
فَقَوْلُهُ: وَإِنْ بَاعَ مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ، هِيَ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ، وَتَقَدَّمَتْ مَسْأَلَةُ الْهِبَةِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ آخِرَ كَلَامِ التَّوْضِيحِ الْمَنْقُولِ آنِفًا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ اشْتَرَى مِنْهُمْ أَوْ وَهَبُوهُ بِبَلَدِهِمْ، فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ دَخَلْت إلَى بَلَدِ الْحَرْبِ فَابْتَعْتَ عَبْدَ الْمُسْلِمِ مِنْ حَرْبِيٍّ أَسَرَهُ وَأَبَقَ إلَيْهِ أَوْ وَهَبَهُ لَك الْحَرْبِيُّ وَكَافَأْتَهُ عَلَيْهِ فَلِسَيِّدِهِ أَخْذُهُ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْكَ مَا أَدَّيْتَ فِيهِ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ عِوَضٍ، وَإِنْ لَمْ تُثِبْ وَاهِبَكَ أَخَذَهُ رَبُّهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ. اهـ.
عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاقِ فَقَوْلُ النَّاظِمِ: مَا سَاقَ، مَا: اسْمُ مَوْصُولٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ يَتَنَازَعُ فِيهِ مُشْتَرٍ وَحَائِزٌ وَقَوْلُهُ: وَحَائِزٌ: أَيْ بِغَيْرِ شِرَاءٍ وَهُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ سَاقَهُ مِنْ فَاعِلِ سَاقَ وَأُمِّنَ: بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَشَدِّ الْمِيمِ مَكْسُورَةً صِلَةُ مَنْ وَجُمْلَةُ لَا يُؤْخَذُ: خَبَرُ مُشْتَرٍ وَبِالثَّمَنِ: يَتَعَلَّقُ بِيُؤْخَذْ الْمَنْفِيِّ
وَيُؤْخَذُ الْمَأْخُوذُ مِنْ لِصٍّ بِلَا
…
شَيْءٍ وَمَا يُفْدَى بِمَا قَدْ بَذَلَا
يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَالَ غَيْرِهِ بِيَدِ لِصٍّ، فَأَخَذَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لِيَرُدَّهُ لِرَبِّهِ، فَإِنَّ لِرَبِّهِ أَخْذَهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ مِنْ اللِّصِّ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَيْضًا، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَيُؤْخَذُ الْمَأْخُوذُ مِنْ لِصٍّ بِلَا
شَيْءٍ، وَأَمَّا إنْ أَخَذَهُ مِنْ اللِّصِّ بِفِدَاءٍ وَعِوَضٍ، فَلَا يَأْخُذُهُ رَبُّهُ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْعِوَضَ الَّذِي فَدَاهُ بِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَمَا يُفْدَى بِمَا قَدْ بَذَلَا (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَكَذَلِكَ مَا أَخَذَهُ مِنْ أَيْدِي اللُّصُوصِ، فَلَهُ أَخْذُهُ بِلَا ثَمَنٍ فَإِنْ فُدِيَ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ فَعَلَيْهِ أَدَاءُ مَا فُدِيَ بِهِ. اهـ.
(الْمَوَّاقُ) عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ فِي رُجُوعِ مَنْ فَدَى مَا بِيَدِ لِصٍّ بِفِدَائِهِ عَلَى رَبِّهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ (ابْنُ عَرَفَةَ) كَثِيرٌ عُرُوضُ هَذِهِ النَّازِلَةِ بِإِقْلِيمِنَا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِدَاهُ بِحَيْثُ يُرْجَى لِرَبِّهِ خَلَاصُهُ مِنْ اللِّصِّ بِأَمْرٍ حِرْمَانُ فَادِيهِ، وَمَا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ إلَّا أَخْذَهُ بِالْفِدَاءِ. اهـ.
وَفِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِابْنِ نَاجِي وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيمَا فُدِيَ مِنْ أَيْدِي اللُّصُوصِ هَلْ يَأْخُذُهُ رَبُّهُ مَجَّانًا أَوْ بِالثَّمَنِ الَّذِي فَدَاهُ؟ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يُرْتَضَى مِنْ شُيُوخِنَا لِكَثْرَةِ النَّهْبِ فِي بِلَادِنَا، فَيَحِلُّ مَنْ لَهُ وَجَاهَةٌ عِنْدَ الْأَعْرَابِ أَوْ مَنْ يَعْتَقِدُونَ فِيهِ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ، فَيَفْتَدِي مِنْ أَيْدِيهمْ مِنْ بَعْضِ مَا يَنْتَهِبُونَهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ، فَلَوْ أَخَذَهُ مَالِكُهُ مِنْ يَدِ مَنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَانَ سَدًّا لِهَذَا الْبَابِ مَعَ شِدَّةِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ.
(قُلْت) : وَبِهِ كَانَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّبِينِيُّ يُفْتِي، وَيُوَجِّهُهُ بِمَا تَقَدَّمَ قَائِلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّهَا يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادَ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي (قَالَ ابْنُ هَارُونَ) : وَالْقَوْلَانِ إذَا قَصَدَ بِهِ الْفِدَاءَ لِرَبِّهِ وَأَمَّا إنْ قَصَدَ بِهِ
الْفِدَاءَ لِنَفْسِهِ، وَقَصَدَ بِذَلِكَ تَمَلُّكَهُ، فَلَا يُخْتَلَفُ أَنَّ لِرَبِّهِ أَخْذَهُ مَجَّانًا كَالِاسْتِحْقَاقِ (قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) : وَكَثِيرٌ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ بَعْضُ مَنْ هُوَ مُنْتَصِبٌ لِتَخْلِيصِ مَا بِأَيْدِي الْمُنْتَهَبِينَ، هَلْ يَكُونُ لِلْآخِذِ الْأُجْرَةُ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إنْ دَفَعَ الْفِدَاءَ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَا تَجُوزُ لَهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ، وَإِجَارَةٌ، وَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ غَيْرَهُ، فَفِي إجَازَةِ ذَلِكَ مَجَالٌ لِلنَّظَرِ. اهـ.
فَقَوْلُهُ: بِلَا شَيْءٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقُ بِ " يُؤْخَذُ " أَيْ يَأْخُذُ رَبُّ الشَّيْءِ بِلَا شَيْءٍ أَيْ ثَمَنٍ، وَلَا عِوَضِ الشَّيْءَ الْمَأْخُوذِ مِنْ اللِّصِّ يَعْنِي إذَا لَمْ يَدْفَعْ آخِذُهُ لِلِّصِّ شَيْئًا بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ: وَمَا يُفْدَى بِمَا قَدْ بَذَلَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَأْخُوذِ أَيْ أَنَّ الْمَأْخُوذَ بِلَا ثَمَنٍ مِنْ اللِّصِّ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ أَيْ كَذَلِكَ بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يُعْطِ آخِذُهُ لِلِّصِّ شَيْئًا بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ كَمَا مَرَّ، وَالْبَذْلُ: الْعَطَاءُ، أَيْ بِمَا قَدْ أَعْطَى وَدَفَعَ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.