الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالشِّرَاءِ وَضَمِيرُ مِنْهُ يَعُودُ عَلَى الْمَأْمُورِ الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرِي وَسَمَّاهُ مَأْمُورًا بِاعْتِبَارِ دَعْوَاهُ الْأَمْرَ، وَضَمِيرُ مَالِهِ لِلْآمِرِ وَمَأْثُورٌ صِفَةُ ارْتِجَاعُ وَضَمِيرُ مَالَهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَاسْمُ يَكُنْ لِلْبَائِعِ وَاسْمُ يَكُونُ فِي الْبَيْتِ الرَّابِعِ لِرَبِّ الْمَالِ.
(تَنْبِيهٌ) مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ هَذِهِ هِيَ إذَا أَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَخْذَ مَالِهِ وَلَمْ يُرِدْ أَخْذَ مَا اشْتَرَى بِهِ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَالَهُ هَلْ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَحَبَّ رَبُّ الْمَالِ أَخْذَ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَنَازَعَهُ الْمُشْتَرِي وَأَرَادَهُ لِنَفْسِهِ وَيُعْطِي لِرَبِّ الْمَالِ مِثْلَ دَنَانِيرِهِ أَوْ دَرَاهِمِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُتَعَدِّيًا فِي الصَّرْفِ فِي الْمَالِ كَالْغَاصِبِ وَالْمُودِعِ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ إلَّا مِثْلُ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ كَالْمُقَارِضِ وَالْوَكِيلِ يَتَعَدَّى، فَرَبُّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهِ وَأَخْذِ مَالِهِ اُنْظُرْ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الشَّرِكَةِ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ الْمَالِ جَارِيَةً لِنَفْسِهِ خُيِّرَ الْآخَرُ فِي رَدِّهَا شَرِكَةً كَالْمُقَارَضَةِ لَا كَالْمُودِعِ
[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ عَلَى الْغَائِبِ]
ِ
لِطَالِبِ الْحُكْمِ عَلَى الْغِيَابِ
…
يَنْظُرُ فِي بُعْدٍ وَفِي اقْتِرَابِ
فَمَنْ عَلَى ثَلَاثَةِ الْأَيَّامِ
…
وَنَحْوِهَا يُدْعَى إلَى الْأَحْكَامِ
وَيَعْذُرُ الْحَاكِمُ فِي وُصُولِهِ
…
بِنَفْسِهِ لِلْحُكْمِ أَوْ وَكِيلِهِ
فَإِنْ تَمَادَى وَالْمَغِيبُ حَالُهُ
…
بِيعَ بِإِطْلَاقٍ عَلَيْهِ مَالُهُ
بَعْدَ ثُبُوتِ الْمُوجِبَاتِ الْأُوَلِ
…
كَالدَّيْنِ وَالْغَيْبَةِ وَالتَّمَوُّلِ
وَمَا مِنْ الدَّيْنِ عَلَيْهِ قُضِيَا
…
وَكَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ أُمْضِيَا
وَمَالَهُ لِحُجَّةٍ إرْجَاءُ
…
فِي شَأْنِ مَا جَرَى بِهِ الْقَضَاءُ
إلَّا مَعَ اعْتِقَالِهِ مِنْ عُذْرِ
…
مِثْلِ الْعَدُوِّ وَارْتِجَاجِ الْبَحْرِ
قَوْلُهُ فِي التَّرْجَمَةِ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ عَلَى الْغَائِبِ الْأَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ لِيَشْمَلَ الْبَيْعَ عَلَيْهِ، وَالتَّطْلِيقَ، وَالْإِعْتَاقَ، لِعَدَمِ النَّفَقَةِ كَمَا يَقُولُ بَعْدُ
وَكَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، أُمْضِيَا
وَوَجْهُ مَا فُعِلَ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْبَيْعُ عَلَى الْغَائِبِ وَغَيْرُهُ إنَّمَا ذُكِرَ اسْتِطْرَادًا فَقَطْ وَلِذَا ذَكَرَهُ خِلَالَ تَرَاجُمِ الْبُيُوعِ.
قَوْلُهُ لِطَالِبِ الْحُكْمِ إلَخْ إذَا حَضَرَ الطَّالِبُ وَحْدَهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا يَخْلُو الْمَطْلُوبُ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَحْتَ إيَالَةِ الْقَاضِي الْمُتَدَاعَى إلَيْهِ أَوْ خَارِجًا عَنْهَا فَإِنْ كَانَ تَحْتَ إيَالَتِهِ فَلَا يَخْلُو مِنْ إحْدَى ثَلَاثٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا مَعَهُ فِي مِصْرٍ فَالْعَمَلُ الْجَارِي أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهِ أَحَدُ الْوَزَعَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حَالًّا عَلَى يَسِيرِ الْأَمْيَالِ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ فَالْعَمَلُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ الْقَاضِي بِالْأَمْرِ بِالْحُضُورِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا بُعْدًا حِسِّيًّا مِنْ جِهَةِ الْمَسَافَةِ أَوْ مَعْنَوِيًّا مِنْ جِهَةِ الْخَوْفِ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكْتُبَ الْقَاضِي لِأَمْثَلَ مَنْ هُنَالِكَ بِفِعْلِ مَا يَجِبُ مِنْ النَّظَرِ الْمُؤَدِّي لِلتَّنَاصُفِ بَيْنَهُمَا إمَّا بِالصُّلْحِ أَوْ بِالْغُرْمِ أَوْ بِالْعَزْمِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فِي الْوُصُولِ لِمَحَلِّ الْحُكْمِ، وَالرَّفْعُ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ مُقَيَّدٌ بِظُهُورِ مَخَايِلِ صِدْقِ الطَّالِبِ وَهَذَا كُلُّهُ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ فِي تَرْجَمَةِ رَفْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ خَارِجًا عَنْ إيَالَةِ الْقَاضِي الْمُتَدَاعَى إلَيْهِ فَلَهُ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ غَيْبَتُهُ عَارِضَةً لِسَفَرٍ أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْغَائِبِ هُنَا وَالْحَالَةُ الثَّانِيَة أَنْ تَكُونَ غَيْبَتُهُ أَصْلِيَّةً بِمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَحَلَّ الَّذِي هُوَ فِيهِ هُوَ وَطَنُهُ وَمَحَلُّ قَرَارِهِ فَيُرِيدُ الطَّالِبُ أَنْ يَأْتِيَهُ لِمَوْضِعِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ هَلْ يُرَاعَى مَحَلُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ الْمُدَّعِي. وَتَقَدَّمَ لِلنَّاظِمِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ حَيْثُ قَالَ:
وَالْحُكْمُ فِي الْمَشْهُورِ حَيْثُ الْمُدَّعَى
…
عَلَيْهِ فِي الْأُصُولِ وَالْمَالِ مَعَا
وَحَيْثُ يُلْفِيه بِمَا فِي الذِّمَّهْ
…
يَطْلُبهُ وَحَيْثُ أَصْلٌ ثَمَّهْ
قَوْلُهُ لِطَالِبِ الْحُكْمِ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ الْغَائِبَ الَّذِي أُرِيدَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا
قَالَ فِي الْمُفِيدِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ: الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا: غَائِبٌ قَرِيبُ الْغَيْبَةِ عَلَى مَسِيرَةِ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَهَذَا يُكْتَبُ إلَيْهِ وَيُعْذَرُ إلَيْهِ فِي كُلِّ حَقٍّ فَإِمَّا وَكَّلَ وَإِمَّا قَدِمَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حُكِمَ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ وَبِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ مِنْ أَصْلٍ وَغَيْرِهِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْأُصُولِ وَجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ تُرْجَ لَهُ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ
(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) فِي نَوَازِلِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِّ الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ هُوَ مَعَ الْأَمْنِ وَالطَّرِيقِ الْمَسْلُوكَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ وَلَا مَسْلُوكَةٍ فَيُحْكَمُ عَلَى الْغَائِبِ فِيهَا وَإِنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ وَتُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ، وَمَنْ خَلْفَ الْبَحْرِ بِالْجَوَازِ الْقَرِيبِ الْمَأْمُونِ كَالْبَرِّ الْوَاحِدِ إلَّا فِي الْأَمَدِ الَّذِي يُمْتَنَعُ رُكُوبُهُ فَيَكُونُ لِلْقَرِيبِ فِيهِ حُكْمُ الْبَعِيدِ هَذَا الَّذِي أَرَاهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ رحمه الله اهـ عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ رحمه الله وَإِيَّاهُ اعْتَمَدَ النَّاظِمُ فِيمَا ذُكِرَ وَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا قَوْلُهُ وَيَعْذُرُ الْحَاكِمُ أَيْ يَقْطَعُ عُذْرَهُ وَحُجَّتَهُ بِالْكَتْبِ إلَيْهِ فَإِمَّا وَكَّلَ أَوْ قَدِمَ كَمَأ ذُكِرَ وَقَوْلُهُ بِإِطْلَاقٍ أَيْ أَصْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ثُبُوتٍ يَتَعَلَّقُ بِبَيْعٍ، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلِ نَعْتٌ لِلْمُوجِبَاتِ وَمَعْنَى كَوْنِهَا مُوجِبَاتٍ أَنَّهَا مُقْتَضِيَةٌ لِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ وَمَعْنَى أَوَّلِيَّتِهَا أَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ فَلَا يُبَاعُ مَالُهُ حَتَّى يَثْبُتَ الدَّيْنُ الْمُوجِبُ لِعِمَارَةِ ذِمَّتِهِ، وَغَيْبَتُهُ الْمُوجِبَةُ لِإِنْفَاذِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ وَالْإِعْذَارُ إلَيْهِ الْمُوجِبُ لِتُفِيدَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِعَدَدِ الْمَالِ، وَالْمِلْكُ الْمُوجِبُ لِنُفُوذِ الْحُكْمِ بِالْبَيْعِ فِي هَذَا الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ قَوْلُهُ
وَمَا مِنْ الدَّيْنِ عَلَيْهِ قُضِيَا
مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِيعَ بِإِطْلَاقٍ عَلَيْهِ مَالُهُ.
وَقَوْلُهُ:
وَكَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، أُمْضِيَا
يَعْنِي وَكَمَا يُحْكَمُ عَلَى الْغَائِبِ بِبَيْعِ مَالِهِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ، كَذَلِكَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ لِزَوْجَتِهِ، وَالْعِتْقِ لِرَقِيقِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمُوجِبَاتِ لِذَلِكَ فَفِي الطَّلَاقِ بَعْدَ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَثُبُوتِ الشَّرْطِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بِهِ أَوْ ثُبُوتِ الْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بِهِ، وَالْيَمِينُ عَلَى نَصِّهِ، وَالْإِعْذَارُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ بَعْدَ ثُبُوتِ غَيْبَةِ السَّيِّدِ وَمِلْكِهِ لِهَذَا الْمَمْلُوكِ وَثُبُوتِ حُرِّيَّتِهِ بِالْأَصَالَةِ، أَوْ الشَّهَادَةِ عَلَى السَّيِّدِ بِالْعِتْقِ وَعَدَمِ النَّفَقَةِ لِأُمِّ وَلَدِهِ الَّتِي لَا صَنْعَةَ لَهَا أَوْ لَهَا صَنْعَةٌ لَا تَقُومُ بِنَفَقَتِهَا، وَالْإِعْذَارُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَوْلُهُ:
وَمَا لَهُ لِحُجَّةٍ إرْجَاءُ
الْبَيْتَيْنِ. تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا تُرْجَى لَهُ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ وَإِنَّ مَنْ خَلْفَ الْبَحْرِ بِالْجَوَازِ الْقَرِيبِ الْمَأْمُونِ كَالْبَرِّ الْوَاحِدِ إلَّا فِي الْأَمَدِ الَّذِي يَمْتَنِعُ رُكُوبُهُ فَيَكُونُ لِلْقَرِيبِ فِيهِ حُكْمُ الْبَعِيدِ أَيْ فَتُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ وَتُسْمَعُ مِنْهُ.
فَرْعٌ اُخْتُلِفَ هَلْ يُسْتَأْنَى فِي الْبَيْعِ عَلَيْهِ إنْ خِيفَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا فَقِيلَ لَا يُسْتَأْنَى بِهِ لِأَنَّ لَهُ ذِمَّةً وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَقِيلَ يُسْتَأْنَى بِهِ كَالْمَيِّتِ الَّذِي لَا ذِمَّةَ لَهُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا الْبَعِيدُ الْغَيْبَةِ، فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الِاسْتِينَاءِ بِهِ إذَا خُشِيَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الطُّرَرِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي
وَالْحُكْمُ مِثْلُ الْحَالَةِ الْمُقَرَّرَة
…
فِيمَنْ عَلَى مَسَافَةٍ كَالْعَشَرَةِ
وَفِي سِوَى اسْتِحْقَاقِ أَصْلٍ أُعْمِلَا
…
وَالْخُلْفُ فِي التَّفْلِيسِ مَعَ عِلْمِ الْمَلَا
وَذَا لَهُ الْحُجَّةُ تُرْجَى وَاَلَّذِي
…
بِيعَ عَلَيْهِ مَالُهُ مِنْ مُنْقِذِ
وَيَقْتَضِي بِمُوجِبِ الرُّجُوعِ
…
مِنْ الْغَرِيمِ ثَمَنُ الْمَبِيعِ
هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْغِيَابِ وَهُوَ ذُو الْغَيْبَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَهُوَ مَنْ عَلَى الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ وَنَحْوِهَا وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَرِيبِ الْغَيْبَةِ فِي كَوْنِهِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي اسْتِحْقَاقِ الْأُصُولِ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ هَلْ يُفَلَّسُ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ لَا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا عُلِمَ كَوْنُهُ مَلِيًّا وَأَمَّا إنْ جُهِلَ حَالُهُ يُفَلَّسُ اتِّفَاقًا وَإِذَا فُلِّسَ فَتُحَلُّ دُيُونُهُ، وَمَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ عِنْدَهُ أَخَذَهَا فَإِذَا أَتَى بِحُجَّةٍ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ بِخِلَافِ قَرِيبِ الْغَيْبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا تُرْجَى لَهُ حُجَّةٌ فَإِنْ أَثْبَتَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي بِيعَ فِيهِ مَالُهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ عَلَى الْغَرِيمِ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَلَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ وَإِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَشَارَ بِالْأَبْيَاتِ الْأَرْبَعَةِ
(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) فِي تَقْسِيمِ الْغَيْبَةِ
مَا نَصُّهُ وَالثَّانِي غَائِبٌ بَعِيدُ الْغَيْبَةِ عَلَى مَسِيرَةِ الْعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَشَبَهِهَا فَهَذَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِيمَا عَدَا اسْتِحْقَاقِ الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَتُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ وَفِي الطُّرَرِ وَأَمَّا تَفْلِيسُهُ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَ مَنْ لَمْ يَحِلَّ دَيْنُهُ، وَيَكُونُ مَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ أَحَقَّ بِهَا فَإِنْ عُلِمَ مِلَاؤُهُ فَقِيلَ يُفَلَّسُ وَقِيلَ لَا يُفَلَّسُ.
(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا الْغَيْبَةُ الْبَعِيدَةُ كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ تَفْلِيسِهِ فِيهَا وَإِنْ عُلِمَ مِلَاؤُهُ، فَإِنْ جُهِلَتْ حَالَتُهُ فِي غَيْبَتِهِ فَلَا اخْتِلَافَ بِأَنَّهُ يُقْضَى بِذَلِكَ فِي غَيْبَتِهِ إذَا كَانَتْ بَعِيدَةً وَلَا أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِذَلِكَ فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ حَتَّى يُكْتَبَ فِي أَمْرِهِ وَيُكْشَفَ عَنْ حَالِهِ اهـ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ لِمُحَاذَاةِ كَلَامِ النَّاظِمِ. قَوْلُهُ
وَالْحُكْمُ مِثْلُ الْحَالَةِ الْمُقَرَّرَهْ
أَيْ الْحُكْمُ عَلَى مَنْ عَلَى مَسَافَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا مِثْلَ الْحُكْمِ فِي الْحَالَةِ الْمُقَرَّرَةِ أَوَّلًا وَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْغَائِبُ عَلَى مَسَافَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا وَنَائِبُ أَعُمِلَا لِلْحُكْمِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ مَعَ عِلْمِ الْمَلَا أَنَّهُ إذَا جُهِلَ مِلَاؤُهُ وَعَدَمُهُ فَإِنَّهُ يُفَلَّسُ اتِّفَاقًا كَمَا تَقَدَّمَ وَالْإِشَارَةُ بِذَا لِلْغَائِبِ غَيْبَةً مُتَوَسِّطَةً وَمَعْنَى " مَالَهُ مِنْ مُنْقِذِ " أَيْ لَا يُسْتَرْجَعُ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فَمَا، نَافِيَةٌ، وَضَمِيرُ لَهُ لِلْمَبِيعِ، وَالْمُنْقِذُ، اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَنْقَذَ، وَفَاعِلُ يَقْتَضِي لِلْغَائِبِ وَبَاءُ بِمُوجِبٍ سَبَبِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِيَقْتَضِي، وَمُوجِبُ الرُّجُوعِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ الْغَرِيمِ يَتَعَلَّقُ بِيَقْتَضِي، وَالْمُرَادُ بِهِ رَبُّ الدَّيْنِ
وَغَائِبٍ مِنْ مِثْلِ قُطْرِ الْمَغْرِبِ
…
لِمِثْلِ مَكَّةَ وَمِثْلِ يَثْرِبَ
مَا الْحُكْمُ فِي شَيْءٍ عَلَيْهِ يَمْتَنِعْ
…
وَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ مَا تَنْقَطِعْ
وَالْحُكْمُ مَاضٍ أَبَدًا لَا يُنْقَضْ
…
وَمَا بِهِ أُفِيتَ لَا يُنْتَقَضُ
لَكِنَّ مَعَ بَرَاءَةٍ يُقْضَى لَهُ
…
بِأَخْذِهِ مِنْ الْغَرِيمِ مَالَهُ
، هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ ذُو الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ مِثْلَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِيَثْرِبَ وَمِثْلَ مِصْرَ وَالشَّامِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَمِثْلَ تُونُسَ مِنْ الْأَنْدَلُسِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَالْحُكْمُ يَمْضِي عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ اسْتِحْقَاقِ أَصْلٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَالْحُكْمُ فِيهِ مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ فِيمَا بِيعَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ، وَيَرْجِعُ عَلَى غَرِيمِهِ إذَا ثَبَتَتْ بَرَاءَتُهُ مِنْ الدَّيْنِ
(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) فِي التَّقْسِيمِ السَّابِقِ: وَالثَّالِثُ غَائِبٌ مُنْقَطِعُ الْغَيْبَةِ مِثْلَ مَكَّةَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ الْأَنْدَلُسِ وَخُرَاسَانَ فَهَذَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الدُّيُونِ، وَالْحَيَوَانِ، وَالْعُرُوضِ، وَالرِّبَاعِ، وَالْأُصُولِ، وَتُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ: وَإِذَا بِيعَ عَلَى الْغَائِبِ مِلْكُهُ فِي دَيْنٍ ثَابِتٍ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَدِمَ وَأَثْبَتَ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ كَانَ الْبَيْعُ فِي الْمِلْكِ ثَابِتًا وَيَرْجِعُ عَلَى الْغَرِيمِ بِمَا قَبَضَهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَلَا يُعَدَّى فِي الْمِلْكِ بِشَيْءٍ اهـ
(قَالَ الشَّارِحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْجَارِيَةُ الْوَاقِعَةُ لِشَيْخِنَا قَاضِي الْجَمَاعَةِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ سِرَاجٍ وَوَقَعَ فِيهَا الْخِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَثِيرِ مِنْ مُعَاصِرِيهِ وَصُورَتُهَا أَنَّ تَاجِرًا كَانَ تَسَرَّى جَارِيَةً بِغِرْنَاطَةَ وَغَابَ إلَى نَاحِيَةِ تُونُسَ، فَطَالَتْ غَيْبَتُهُ بِهَا وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ تَدَّعِي أَنَّهَا بِحَالِ ضَيَاعٍ، فَكَفَلَهَا بَعْضُ حَاشِيَةِ السُّلْطَانِ مِمَّنْ لَهُ وَجَاهَةٌ فِي الدَّوْلَةِ، وَكَتَبَ عَلَى سَيِّدِهَا النَّفَقَةَ، إلَى أَنْ تُحُمِّلَ لَهُ قِبَلَهُ قَرِيبٌ مِنْ مِقْدَارِ ثَمَنِهَا فَرُفِعَ أَمْرُهُ لِلْقَاضِي وَأَثْبَتَ دَيْنَهُ ذَلِكَ الْمُتَرَتِّبَ مِنْ النَّفَقَةِ، وَغَيْبَةَ مَالِكِ الْجَارِيَةِ وَصِحَّةَ مِلْكِهِ إيَّاهَا وَحَلَفَ عَلَى الْمُتَحَمِّلِ لَهُ وَقُوِّمَتْ الْجَارِيَةُ وَصُيِّرَتْ فِي النَّفَقَةِ لِكَافِلِهَا فَأَعْتَقَهَا، وَتَزَوَّجَهَا، وَوَقَفَ لِلتَّاجِرِ مَا فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهَا، ثُمَّ قَدِمَ التَّاجِرُ مَالِكُهَا الْأَوَّلُ، وَبَعْدَ بَيْعِهَا بِأَشْهُرٍ.
فَتَظَلَّمَ مِنْ بَيْعِ الْجَارِيَةِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَادَّعَى أَنَّهُ تَرَكَ لَهَا مَا تَقُومُ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ وَأَنَّ لَهَا صَنْعَةً يُمْكِنُهَا إتْمَامُ نَفَقَتِهَا بَعْد مَا تَرَكَ لَهَا مِنْ صَنْعَةِ يَدِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الدَّعَاوَى الَّتِي رُبَّمَا لَمْ تَثْبُت لَهُ وَكَانَ يَتَعَلَّقُ مِنْ الدَّوْلَةِ بِجِهَةٍ لَا تَقْصُرُ عَنْ تَعَلُّقِ خَصْمِهِ فَكَانَ هَذَا الْخِصَامُ مُتَكَافِئًا فِي الِاسْتِظْهَارِ بِالْوَجَاهَةِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْخَصْمَيْنِ وَثَبَتَ الشَّيْخُ عَلَى حُكْمِهِ أَيْ مِنْ تَصْيِيرِ الْجَارِيَةِ لِلَّذِي أَنْفَقَ عَلَيْهَا فِي نَفَقَتِهِ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يُلِمَّ شَيْخُنَا الْقَاضِي رحمه الله بِإِثْبَاتِ عَجْزِهَا عَنْ النَّفَقَةِ مِنْ صَنْعَتِهَا وَلَا إثْبَاتِ كَوْنِ مَالِكِهَا لَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً. وَقَدْ وَقَعَتْ لِابْنِ عَبْدِ الرَّفِيعِ فِي مُفِيدِهِ قَالَ: إذَا قَامَتْ مَمْلُوكَةٌ عِنْدَ الْقَاضِي وَذَكَرَتْ
غَيْبَةَ مَالِكِهَا عَنْهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً كَلَّفَهَا إثْبَاتَ غَيْبَتِهِ وَمِلْكِهِ لَهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً وَلَا بَعَثَ لَهَا بِشَيْءٍ وَزَادَ غَيْرُهُ أَنَّهُ يُكَلِّفُهَا أَيْضًا إثْبَاتَ كَوْنِهَا عَاجِزَةً عَنْ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مِثْلُهَا لِتُنْفِقَ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهَا قَالَهُ ابْنُ عَتَّابٍ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، فَالْمَمْلُوكَةُ أَحْرَى وَأَوْلَى بِهَذَا الْحُكْمِ الْحَاكِمِ.
قَالَ الشَّارِحُ وَقَدْ أَوْجَبَ النَّظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالِاسْتِقْرَاءَ لِأَمْثَالِهَا عَلَيَّ أَنْ قَيَّدْتُ مَا نَصُّهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى أُمُورٍ مَنْظُومَةٍ ثُمَّ يَنْجَلِي الْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ كَمَسْأَلَةِ زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ إذَا ضُرِبَ لَهَا الْأَجَلُ وَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ قَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ ثُمَّ اسْتَطْرَدَ نَحْوَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً مِنْ هَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ إنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِمَا يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِيهِ النَّظَرُ الَّذِي يُرْفَعُ عَنْهُ التَّنَاقُضُ الَّذِي يَظْهَرُ لِبَادِئِ الرَّأْيِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَذَلِكَ يَقْسِمُ التَّقْسِيمَ الْحَاصِرَ لِصُوَرِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا وَلَعَلَّهُ يُنْتِجُ قَاعِدَةً تَرْجِعُ إلَيْهَا أَفْرَادُهَا فَأَقُولُ لَا يَخْلُو حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي أَمْثَالِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى مُوجِبٍ قَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُعَارِضَهُ قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَوُجُودُهُ خَالٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ قِطْعَتَيْنِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا يَنْهَضُ أَنْ يُنْقَضَ بِمُوجِبٍ ظَنِّيٍّ مَا ثَبَتَ أَوَّلًا بِمُوجِبٍ قَطْعِيٍّ وَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِثَالٌ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ بِوَجْهٍ.
وَأَمَّا الثَّانِي مِنْ التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِمُوجِبٍ ظَنِّيٍّ فَلَا يَخْلُو أَنَّهُ يُعَارِضُهُ قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ وَأَيًّا مَا كَانَ مِنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ أَوْ يَطْرَأَ فَوْتٌ أَوْ خَوْفُ فَوْتِ مَصْلَحَةٍ نُصِّبَ الْحَاكِمُ أَوْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا عَارَضَ فِيهِ الْقَطْعِيُّ الظَّنِّيَّ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَلَا طَرَأَ فَوْتٌ وَلَا غَيْرُهُ فَالظَّاهِرُ فِي هَذَا نَقْصُ الْحُكْمِ وَذَلِكَ كَإِتْيَانِ الزَّوْجِ الْمَفْقُودِ بَعْد أَنْ اعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ وَقَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ أَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَقَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَكَانْفِشَاشِ الْحَمْلِ بَعْدَ دَفْعِ النَّفَقَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ إذَا عَارَضَ الْقَطْعِيُّ الظَّنِّيَّ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، أَوْ طَرَأَ فَوْتٌ وَذَلِكَ كَإِتْيَانِ الزَّوْجِ الْمَفْقُودِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ أَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ فَقَطْ عَلَى قَوْلٍ فَالظَّاهِرُ هُنَا عَدَمُ نَقْضِ الْحُكْمِ وَالْقِيَاسُ النَّقْضُ وَعَدَمُهُ اسْتِحْسَانٌ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ إذَا عَارَضَ الظَّنِّيُّ الظَّنِّيَّ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَلَا طَرَأَ فَوْتٌ فَلَا إشْكَالَ هُنَا فِي نَقْضِ الْحُكْمِ كَمَا إذَا بِيعَتْ دَارُ الْمَدِينِ الْغَائِبِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَمَّا قَدِمَ أَثْبَتَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ أَبْطَلَ أَصْلَهُ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُنَا تَنْزِيلُ مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ لَوْ لَمْ يَحْدُثْ فِيهَا فَوْتٌ بِالْعِتْقِ وَالتَّزْوِيجِ وَأَمَّا بَعْدَ حُدُوثِهِمَا فَهِيَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الرَّابِعِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ وَهُوَ إذَا عَارَضَ الظَّنِّيُّ الظَّنِّيَّ وَتَعَلَّقَ حَقُّ الْغَيْرِ أَوْ طَرَأَ فَوْتٌ كَبَيْعِ دَارِ الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَيَمْضِي الْحُكْمُ وَلَا تُرَدُّ لِلْغَائِبِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقَوْلُ بِالنَّقْضِ أَقْيَسُ. انْتَهَى كَلَامُ الشَّارِحِ بِاخْتِصَارٍ.
(قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ) وَقَدْ كُنْتُ نَظَمْتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِأَقْسَامِهَا تَقْرِيبًا لِلْحِفْظِ فَقُلْتُ فِي أَوَاخِرِ نَظْمِنَا الْمُسَمَّى " بُسْتَانُ فِكَرِ الْمُهَجِ فِي تَكْمِيلِ الْمَنْهَجِ "
إنْ حَكَمَ الْقَاضِي فَبَانَ خُلْفُ مَا
…
اسْتَنَدَ الْحُكْمُ لَهُ فَأُعْلِمَا
فَمَا انْتَمَى لِلْقَطْعِ فَالْمُعَارِضُ
…
قَطْعِي امْنَعْنَ وَالظَّنُّ لَا يُنَاقِضُ
وَلَيْسَ يُوجَدُ لِهَذَيْنِ مِثَالْ
…
وَإِنَّمَا التَّقْسِيمُ أَفْضَى لِلْمَقَالْ
وَمَا انْتَمَى لِلظَّنِّ فَاَلَّذِي أَتَى
…
إمَّا بِقَطْعٍ أَوْ بِظَنٍّ ثَبَتَا
إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْغَيْرِ حَقٌّ لَا وَلَا
…
طَارِئُ فَوْت فَانْقُضَنَّ مُسْجَلَا
وَذَا كَمَفْقُودٍ أَتَى وَلَا نِكَاحَ
…
أَوْ أَخَذَ الدَّارَ الَّذِي الدَّيْنَ اسْتَبَاحَ
فَثَبَتَتْ بَرَاءَةُ الْمِدْيَانِ
…
وَإِنْ يَكُنْ أَثْبَتَ بِاسْتِحْسَانِ
كَأَنْ أَتَى بَعْدَ النِّكَاحِ أَوْ أَخَذْ
…
دَارِهِ أَجْنَبِيٌّ بِبَيْعٍ قَدْ نَفِذْ
وَنَقْضُهُ الْقِيَاسُ وَالْبَسْطُ لَدَى
…
شَرْحِ ابْنِ عَاصِمٍ لِمَنْ قَدْ وُلِدَا
فِي بَيْعِ مَالِ غَائِبٍ ذَاكَ ذَكَرْ
…
فَرَاجِعْنَهُ ثُمَّ حَقِّقْ النَّظَرْ.