المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في الصدقة والهبة وما يتعلق بهما] - شرح ميارة = الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام - جـ ٢

[ميارة]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَمَا يُمَثِّلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمَضْغُوطِ وَمَا أَشْبَهَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ عَلَى الْغَائِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُيُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغَبْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشُّفْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِسْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُعَاوَضَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّوْلِيَةِ وَالتَّصْيِيرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السَّلَمِ]

- ‌[بَابُ الْكِرَاءِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ وَفِي الْجَائِحَةِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامٍ مِنْ الْكِرَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ وَالسُّفُنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِجَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجُعْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاغْتِرَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِرَاضِ]

- ‌[بَابُ الْحَبْسِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاعْتِصَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُمْرَى وَمَا يَلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِرْفَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْحَوْزِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَالْأُمَنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ]

- ‌[بَابُ الْعِتْقِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ]

- ‌[بَابُ فِي الرُّشْدِ وَالْأَوْصِيَاءِ وَالْحَجْرِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ وَالدَّيْنِ وَالْفَلَسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ مَا يَجْرِي مَجْرَاهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقْرَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمِدْيَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَلَسِ]

- ‌[بَابٌ فِي الضَّرَرِ وَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ضَرَرِ الْأَشْجَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُسْقِطِ الْقِيَامِ بِالضَّرَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاغْتِصَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاء]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجِرَاحَاتِ]

- ‌[بَابُ التَّوَارُثِ وَالْفَرَائِضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ عَدَدِ الْوَارِثِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَحْوَالِ الْمِيرَاثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْإِرْثُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حَالَاتِ وُجُوبِ الْمِيرَاثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَهْلِ الْفَرَائِضِ وَأُصُولِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حَجْبِ الْإِسْقَاطِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حَجْبِ النَّقْلِ إلَى فَرْضٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حَجْبِ النَّقْلِ لِلتَّعْصِيبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَانِعَ الْمِيرَاثِ]

الفصل: ‌[فصل في الصدقة والهبة وما يتعلق بهما]

الِانْتِفَاعُ بِهِ لِخَرَابِهِ أَوْ خَرَابِ مَوْضِعِهِ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ أَمَّا بَيْعُ غَيْرِ الْأُصُولِ فَقَالَ الْمُقْرِي فِي كُلِّيَّاتِهِ الْفِقْهِيَّةِ كُلُّ مَا سِوَى الْعَقَارِ إذَا ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ الَّتِي وُقِفَ لَهَا فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي مِثْلِهِ أَوْ يُعَانُ بِهِ فِيهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ.

وَنَحْوَهُ فِي الْمُقَرَّبِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا ضَعُفَ مِنْ الدَّوَابِّ الْمُحَبَّسَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْلَى مِنْ ثِيَابٍ وَأَمَّا مَنْعُ بَيْعِ الْأَصْلِ الْمُحَبَّسِ فَهُوَ الْمَشْهُورُ (ابْنُ عَرَفَةَ) عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا يُمْنَعُ بَيْعُ مَا خَرِبَ مِنْ رَبْعٍ حُبِّسَ مُطْلَقًا قَالَ ابْنُ الْجَهْمِ إنَّمَا لَمْ يُبَعْ الرَّبْعُ الْمُحَبَّسُ إذَا خَرِبَ لِأَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يُصْلِحُهُ بِإِجَارَتِهِ سِنِينَ فَيَعُودُ كَمَا كَانَ (ابْنُ رُشْدٍ) وَفِيهَا الرَّبِيعَةُ أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الرَّبْعَ إذَا رَأَى ذَلِكَ لِخَرَابِهِ وَهُوَ إحْدَى رِوَايَتَيْ ابْنِ الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ اهـ.

(قَالَ الشَّارِحُ) وَقَدْ قِيلَ بِبَيْعِ مَا عُدِمَتْ مَنْفَعَتُهُ مِنْ ذَلِكَ فَأَفْتَى الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْحَفَّارُ بِبَيْعِ فَدَّانٍ مُحَبَّسٍ عَلَى مَصْرِفٍ مِنْ مَصَارِفِ الْبِرِّ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ فَدَّانٌ آخَرُ يُحَبَّسُ وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ فِي الْمَصْرِفِ الَّذِي حُبِّسَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْكَثِيرُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا النَّحْوِ.

وَأَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ فِي أَرْضٍ مُحَبَّسَةٍ عُدِمَتْ مَنْفَعَتُهَا بِسَبَبِ ضَرَرِ جِيرَانٍ أَنْ تُبَاعَ وَيُعَوَّضُ بِثَمَنِهَا مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ عَلَى مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي الرَّبْعِ الْمُحَبَّسِ إذَا خَرِبَ وَبِكَوْنِ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْقَاضِي بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ لُغَةً لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ قَالَهُ مُحَمَّدٌ الْحَفَّارُ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ أَفْتَى الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ اهـ.

(ابْنُ عَرَفَةَ) وَفِي جَوَازِ الْمُنَاقَلَةِ بِرَبْعٍ غَيْرِ خَرِبٍ قَوْلُ الشَّيْخِ فِي رِسَالَتِهِ وَابْنُ شَعْبَانَ وَعِبَارَةُ الرِّسَالَةِ وَلَا يُبَاعُ فِي الْحَبْسِ وَإِنْ خَرِبَ ثُمَّ قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُعَاوَضَةِ بِالرَّبْعِ الْخَرِبِ بِرَبْعٍ غَيْرِ خَرِبٍ.

(وَفِي الطُّرَرِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَوَاضِعِ الْمَسَاجِدِ الْخَرِبَةِ لِأَنَّهَا وَقْفٌ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ نَقْضِهَا إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ لِلضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ وَأَفْتَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي جَوَامِعَ خَرِبَتْ وَأَيِسَ مِنْ عِمَارَتِهَا بِدَفْعِ أَنْقَاضِهَا إلَى مَسَاجِدَ عَامِرَةٍ احْتَاجَتْ إلَيْهَا اهـ

وَلَا تُبَتُّ قِسْمَةٌ فِي حَبْسِ

وَطَالِبُ قِسْمَةِ نَفْعٍ لَمْ يُسِي

يَعْنِي أَنَّ الْحَبْسَ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمْ قِسْمَتَهُ فَأَنَّهُ يَجُوزُ قَسْمُهُ قِسْمَةَ اغْتِلَالٍ وَلَا يَجُوزُ قَسْمَهُ قِسْمَةَ بَتٍّ اهـ.

(قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ مُحَمَّد وَإِذَا دَعَا بَعْضُ أَهْلِ الْحَبْسِ إلَى قِسْمَتِهِ قِسْمَةَ اغْتِلَالٍ وَاعْتِمَارٍ وَأَبَى مِنْ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَذَلِكَ لِمَنْ دَعَا إلَى الْقِسْمَةِ إذَا كَانَ مَا حُبِّسَ أَرْضًا بَيْضَاءَ وَإِنْ كَانَتْ أُصُولَ شَجَرٍ لَمْ تَجُزْ أَنْ تُقْسَمَ الْأُصُولُ وَإِنَّمَا يَقْتَسِمُونَ الْغَلَّةَ فِي أَوَانِهَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اقْتِسَامِ الْحَبْسِ اقْتِسَامَ اغْتِلَالٍ وَانْتِفَاعٍ فَكَرِهَهُ قَوْمٌ وَأَجَازَهُ آخَرُونَ وَقَدْ جَرَى الْعَمَلُ بِاقْتِسَامِهِ لِمَا فِي الْإِشَاعَةِ مِنْ التَّعْطِيلِ وَالتَّضْيِيعِ قَالَ الْقَاضِي فِي وَثَائِقِهِ يُرِيدُ قِسْمَةَ الْغَلَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ لَا قِسْمَةَ الْأُصُولِ قَالَ وَبِذَلِكَ جَاوَبَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إذْ خَاطَبْته فِي قِسْمَةِ دَارٍ مُحَبَّسَةٍ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فَقَالَ تُقْسَمُ قِسْمَةَ انْتِفَاعٍ وَلَا يُقْسَمُ الْبُنْيَانُ اهـ.

هَذَا كُلُّهُ فِيمَا كَانَ حَبْسًا كُلَّهُ، أَمَّا مَا كَانَ بَعْضُهُ حَبْسًا وَبَعْضُهُ مَمْلُوكًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِسْمَتُهُ قِسْمَةَ بَتٍّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ حَبَّسَ جُزْءًا شَائِعًا وَلَمْ يَرْضَ بِشَرِيكِهِ شَرِكَةَ الْحَبْسِ وَكَانَ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ قِسْمَةِ مَا بَعْضُهُ مَمْلُوكٌ وَبَعْضُهُ حُبِّسَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[فَصْلٌ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

ص: 150

تَرْجَمَ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا بِكِتَابِ الْعَطِيَّةِ وَحَدَّهَا بِقَوْلِهِ: " تَمْلِيكٌ مُتَمَوَّلٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ إنْشَاءً " فَقَوْلُهُ: " مُتَمَوَّلٍ " أَخْرَجَ بِهِ تَمْلِيكَ غَيْرِ الْمُتَمَوَّلِ كَتَمْلِيكِ الْإِنْكَاحِ لِلْمَرْأَةِ أَوْ تَمْلِيكِ الطَّلَاقِ " وَبِغَيْرِ عِوَضٍ " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ وَقَوْلُهُ: " إنْشَاءً " أَخْرَجَ بِهِ الْحُكْمَ بِاسْتِحْقَاقِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ مُتَمَوَّلٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَكِنَّهُ تَقْرِيرٌ لِمَا ثَبَتَ إرْثُهُ، وَالْعَطِيَّةُ أَنْشَأَتْ التَّمْلِيكَ؛ لِأَنَّهَا قُرِّرَتْ، وَيَدْخُلُ فِي الْعَطِيَّةِ الْعَارِيَّةُ وَالْحَبْسُ وَالْعُمْرَى وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ، وَإِنَّمَا تَدْخُلُ الْعَارِيَّةُ وَالْحَبْسُ وَالْعُمْرَى فِي الْعَطِيَّةِ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ التَّمْلِيكَ أَعَمُّ مِنْ تَمْلِيكِ الذَّاتِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ انْتِفَاعٍ كَمَا فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الْحَبْسِ وَأَمَّا إنْ خُصِّصَ بِتَمْلِيكِ الذَّاتِ فَلَا تَدْخُلُ ثُمَّ حَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ الْهِبَةَ لِغَيْرِ ثَوَابٍ وَالصَّدَقَةَ بِقَوْلِهِ: تَمْلِيكُ ذِي مَنْفَعَةٍ لِوَجْهِ الْمُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالصَّدَقَةُ كَذَلِكَ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَخْرَجَ بِالتَّمْلِيكِ الْعَارِيَّةَ وَنَحْوَهَا إنْ أُرِيدَ تَمْلِيكُ الذَّاتِ كَمَا مَرَّ وَتَمْلِيكٌ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ أَيْ أَنْ يَمْلِكَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَلِوَجْهِ الْمُعْطَى أَخْرَجَ بِهِ الصَّدَقَةَ؛ لِأَنَّهَا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِغَيْرِ عِوَضٍ أَخْرَجَ بِهِ هِبَةَ الثَّوَابِ ثُمَّ حَدَّ هِبَةَ الثَّوَابِ بِقَوْلِهِ: عَطِيَّةٌ قُصِدَ بِهَا عِوَضٌ مَالِيٌّ

صَدَقَةٌ تَجُوزُ إلَّا مَعْ مَرَضْ

مَوْتٍ وَبِالدَّيْنِ الْمُحِيطِ تُعْتَرَضْ

وَلَا رُجُوعَ بَعْدُ لِلْمُصَّدِّقِ

وَمِلْكُهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ اُتُّقِيَ

كَذَاكَ مَا وُهِبَ لِلْأَيْتَامْ

وَالْفُقَرَاءِ وَأُولِي الْأَرْحَامْ

يَعْنِي أَنَّ الصَّدَقَةَ وَهِيَ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى وَثَوَابُ الدَّارِ الْآخِرَةِ تَجُوزُ أَيْ تَصِحُّ، وَتَلْزَمُ إلَّا إنْ وُجِدَ مَانِعٌ، وَهُوَ إمَّا مَرَضُ الْمَوْتِ أَوْ الدَّيْنُ الْمُحِيطُ بِمَالِهِ، فَإِذَا تَصَدَّقَ وَهُوَ مَرِيضٌ مَرَضًا مَخُوفًا وَاسْتَمَرَّ مَرِيضًا إلَى أَنْ مَاتَ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تَبْطُلُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فِي الْمَالِ وَتَصِيرُ وَصِيَّةً تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَتَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْوَصِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ نُفِّذَتْ، وَلَا تَفْتَقِرُ لِحَوْزٍ.

وَإِنْ كَانَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لِوَارِثٍ تَوَقَّفَتْ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ صِحَّةً بَيِّنَةً صَحَّتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِوَارِثٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا حِيزَتْ، وَجَرَتْ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْهِبَةِ، وَكَذَا تَبْطُلُ إنْ بِصَدَقَةٍ تَصَدَّقَ وَعَلَيْهِ إذْ ذَاكَ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِيهِ وَيَأْخُذُهَا الْغُرَمَاءُ مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ إلَّا إذَا لَمْ تُؤْخَذْ وَبَقِيَتْ إلَى أَنْ تَخَلَّصَ الْغُرَمَاءُ فَإِنَّهَا تَنْفُذُ وَتَلْزَمُ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) وَالصَّدَقَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَلَمْ تَكُنْ مِمَّنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ جَائِزَةٌ وَلَا رُجُوعَ فِيهَا لِلْمُتَصَدِّقِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ:

وَلَا رُجُوعَ بَعْدُ لِلْمُصَّدِّقِ

يَعْنِي أَنَّ الصَّدَقَةَ إذَا وَقَعَتْ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ، فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ لَهُ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَنْهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا لِنَدَمٍ وَنَحْوِهِ، وَسَوَاءٌ حِيزَتْ أَوْ لَمْ تُحَزْ إذْ لَا يَلْزَمُ فِيهَا وَلَا فِي الْهِبَةِ التَّحْوِيزُ عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالتَّحْوِيزُ: تَسْلِيمُ الْعَطِيَّةِ أَوْ الرَّهْنِ مِنْ الْمُعْطِي أَوْ الرَّاهِنِ لِمَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ (التَّوْضِيحَ) الْمَعْرُوفَ أَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ يَلْزَمَانِ بِالْقَوْلِ وَلَا يَتِمَّانِ إلَّا بِالْقَبْضِ، ثُمَّ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ. وَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيهَا وَإِنَّمَا تَلْزَمُ بِالْقَبْضِ وَحَكَى أَبُو تَمَّامٍ عَنْ الْمَذْهَبَ أَنَّ الصَّدَقَةَ وَالْحَبْسَ يَتِمَّانِ بِالْقَوْلِ وَلَا يَفْتَقِرَانِ إلَى حِيَازَةٍ، وَالْهِبَةُ تَفْتَقِرُ إلَى الْحِيَازَةِ اهـ.

وَفِي أُصُولِ الْفُتْيَا لِابْنِ حَارِثٍ قَالَ مُحَمَّدٌ أَصْلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ الرُّوَاةِ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ مَنْ وَهَبَ هِبَةً أَوْ أَعْطَى عَطِيَّةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْمَوْهُوبِ

ص: 151

لَهُ وَلَا الْمُعْطَى، وَلَهُمْ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ فِي قَبْضِهَا فَيُجِيزَهُ السُّلْطَانُ عَلَى دَفْعِهَا اهـ.

وَهَذَا الْحُكْمُ جَارٍ فِي الْحَبْسِ أَيْضًا فَفِي مَجَالِسِ الْمِكْنَاسِيِّ أَوَّلَ بَابِ الْحَبْسِ: وَلَيْسَ لِلْمُحَبِّسِ الرُّجُوعُ فِي حُبُسِهِ وَيَلْزَمُ إقْبَاضُهُ لِلْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ حِيزَ عَلَيْهِ وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِتَأْخِيرِ الْقَبْضِ مَا لَمْ يَمُتْ الْمُحَبِّسُ أَوْ بِتَرَاخِي الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ فِي الْقَبْضِ حَتَّى فَوَّتَهُ الْمُحَبِّسُ انْتَهَى قَوْلُهُ.

وَمِلْكُهَا بِغَيْرِ إرْثٍ اُتُّقِيَ

يَعْنِي أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا لِلْمُتَصَدِّقِ بِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ شِرَاؤُهَا وَلَا قَبُولُ هِبَتِهَا إنْ وُهِبَتْ لَهُ إلَّا إذَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ جَبْرًا كَأَنْ يُتَصَدَّقَ عَلَى قَرِيبٍ لَهُ فَيَمُوتَ ذَلِكَ الْقَرِيبُ فَيَكُونَ ذَلِكَ الْمُتَصَدِّقُ وَارِثَهُ فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ تَمَلُّكُهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ رُجُوعًا فِي الصَّدَقَةِ وَقَوْلُهُ:

كَذَاكَ مَا وُهِبَ لِلْأَيْتَامِ

الْبَيْتَ يَعْنِي أَنَّ مَا وُهِبَ لِنَحْوِ الْأَيْتَامِ وَالْفُقَرَاءِ وَأُولِي الْأَرْحَامِ لَا رُجُوعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ إرَادَةَ الصَّدَقَةِ وَعَدَمَ قَصْدِ الْمُعَاوَضَةِ فِيهَا ظَاهِرٌ مُتَمَحِّضٌ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : مَا قُصِدَ بِهِ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صِلَةِ رَحِمٍ أَوْ صِلَةٍ لِفَقِيرٍ أَوْ يَتِيمٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ، فَلَا يَجُوزُ رُجُوعٌ فِي ذَلِكَ لِأَبٍ وَلَا لِأُمٍّ لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْعَوْدِ فِي الصَّدَقَةِ.

وَاخْتُلِفَ إذَا اشْتَرَطَ الرُّجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ فَقِيلَ: لَا رُجُوعَ لِأَنَّ سُنَّتَهَا عَدَمُ الرُّجُوعِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْبَاجِيُّ فِي وَثَائِقِهِ وَابْنُ الْهِنْدِيِّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَيَلْحَقُ بِالصَّدَقَةِ فِي عَدَمِ الِارْتِجَاعِ لَوْ وَهَبَ هِبَةً لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ أَوْ ابْنٌ أَوْ ابْنَةٌ مُحْتَاجًا أَوْ صَغِيرًا فِي حَجْرِهِ أَوْ كَبِيرًا نَائِيًا عَنْهُ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِوَجْهٍ إلَّا بِمِيرَاثٍ (التَّوْضِيحُ) الضَّمِيرُ فِي يَتَمَلَّكُهَا عَائِدٌ عَلَى الصَّدَقَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَلَا يَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْأَصْلُ فِي «قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ فِي الْفَرَسِ تَصَدَّقْ بِهِ: وَلَا تَشْتَرِهِ وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ» (اللَّخْمِيُّ) وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى النَّدْبِ وَحَمَلَهُ الدَّاوُدِيُّ عَلَى التَّحْرِيمِ وَتَخْصِيصُهُ الصَّدَقَةَ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فِي الْهِبَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الْوَهَّابِ كَالصَّدَقَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.

وَالْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي الصَّدَقَةِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهَا مِمَّنْ حَصَلَتْ لَهُ مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ اهـ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِصَدَقَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَلَا يُكْرِيَهَا وَلَا يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَأَمَّا الْأَبُ وَالْأُمُّ إذَا احْتَاجَا فَيُنْفِقُ عَلَيْهِمَا مِمَّا تَصَدَّقَا بِهِ عَلَى الْوَلَدِ ا. هـ.

وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْجَوَاهِرِ فِي تَعْلِيلِ النَّهْيِ عَنْ ارْتِجَاعِهَا بِعِوَضٍ قَالَ: لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ الرُّجُوعِ فِيهَا لِأَنَّ الْمُعْطَى يَسْتَحْيِي مِنْهُ فَيَحُطُّ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِهَا مَا لَا يَحُطُّ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ رُجُوعًا فِي ذَلِكَ (قَالَ الشَّارِحُ) : ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُنْهَى مُطْلَقًا وَلَوْ وَفَّاهُ الثَّمَنَ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّلَ بِالْمَظِنَّةِ فَلَا يَتَخَلَّفُ الْحُكْمُ بِتَخَلُّفِهَا.

(فَرْعٌ) سُئِلَ الْإِمَامُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ عَمَّنْ وَهَبَ فِي مَرَضِهِ وَضَمِنَ كَاتِبُ الْوَثِيقَةِ أَوْ الْوَاهِبُ بِحَالِ مَرَضٍ مُزْمِنٍ وَهُوَ مَعَهُ صَحِيحُ الْعَقْلِ ثُمَّ تُوُفِّيَ الْوَاهِبُ الْمَذْكُورُ فَأَثْبَتَ وَرَثَتُهُ أَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا فِي تَارِيخِ الْهِبَةِ وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ، فَأَثْبَتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنَّ الْوَاهِبَ أَصَابَهُ مَرَضٌ مُزْمِنٌ وَاتَّصَلَ بِهِ مُدَّةً مِنْ عَامٍ وَسَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَزَلْ مَرِيضًا بِطُولِ الْمُدَّةِ إلَى أَنْ وَهَبَ؟ فَأَجَابَ مُنْذُ كَانَ الْوَاهِبُ وَقْتَ الْهِبَةِ مُلْتَزِمًا وَاتَّصَلَ لِلْفِرَاشِ، وَاتَّصَلَ حَالُهُ كَذَلِكَ وَلَمْ تَظْهَرْ لَهُ إفَاقَةٌ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْأَشْهُرِ الْيَسِيرَةِ؛ فَهِبَتُهُ لِوَرَثَتِهِ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ شُهُودٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَمْرَاضِ أَنَّ مَرَضَهُ كَانَ وَقْتَ أَنْ وَهَبَ مَرَضًا غَيْرَ مَخُوفٍ وَحَدَثَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَرَضٌ آخَرُ تُوُفِّيَ مِنْهُ قَالَهُ فَرَجٌ انْتَهَى مِنْ الشَّارِحِ بِاخْتِصَارٍ.

وَالْأَبُ حَوْزُهُ لِمَا تَصَدَّقَا

بِهِ عَلَى مَحْجُورِهِ لَنْ يُتَّقَى

ص: 152

يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى مَنْ فِي حِجْرِهِ مِنْ أَوْلَادِهِ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَحُوزُ لَهُ، وَلَيْسَ فِي حَوْزِهِ لَهُ مَا يُتَّقَى، وَيُحْذَرُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ كَبِيرًا مُوَلًّى عَلَيْهِ أَوْ صَغِيرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ أَرَأَيْتَ مَا وَهَبَ الْأَبُ لِوَلَدِهِ الصِّغَارِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ أَيَجُوزُ أَنْ يَحُوزَ ذَلِكَ لَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ: مَالِكٌ فَإِذَا بَلَغُوا وَآنَسَ مِنْهُمْ الرُّشْدَ فَلَمْ يَقْبِضُوا حَتَّى مَاتَ الْأَبُ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَإِنْ مَاتَ وَهُمْ فِي حَالَةِ السَّفَهِ، فَحَوْزُ أَبِيهِمْ لَهُمْ حَوْزٌ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ بَلَغُوا وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنَتِهِ الْبِكْرِ فَهُوَ الْحَائِزُ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ وَهِيَ مَرْضِيَّةُ الْحَالِ، وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا مَا دَامَتْ بِحَالِ السَّفَهِ، وَلَا يَقْطَعُ الزَّوَاجَ حِيَازَةُ الْأَبِ فَإِذَا صَارَتْ فِي حَالٍ تَحُوزُ لِنَفْسِهَا فَلَا تَجُوزُ حِيَازَةُ الْأَبِ عَلَيْهَا اهـ.

وَكَلَامُ النَّاظِمِ يَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ، أَعْنِي صُورَةَ حَوْزِ الْأَبِ لِابْنَتِهِ مَا لَمْ تَرْشُدْ

وَلِلْمُعَيَّنِينَ بِالْحَوْزِ تَصِحّْ

وَجَبْرُهُ مَهْمَا أَبَاهُ مُتَّضِحْ

وَفِي سِوَى الْمُعَيَّنِينَ يُؤْمَرُ

بِالْحَوْزِ وَالْخُلْفُ أَتَى هَلْ يُجْبَرُ

وَالْجَبْرُ مَحْتُومٌ بِذِي تَعَيُّنِ

لِصِنْفِهِمْ مِنْ جِهَةِ الْمُعَيَّنِ

نَوَّعَ النَّاظِمُ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ جَبْرِ الْمُتَصَدِّقِ عَلَى الْحَوْزِ وَعَدَمِ جَبْرِهِ عَلَيْهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَإِنْ كَانَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو، فَيُجْبَرُ الْمُتَصَدِّقُ عَلَى الْحَوْزِ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْحَوْزِ، وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ؟ قَوْلَانِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَلَكِنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ مِنْ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ نَظَرًا لِلْمَنْقُولِ عَنْهُ. فَقَوْلُهُ: وَلِلْمُعَيَّنِينَ الْبَيْتَ يَعْنِي أَنَّ الصَّدَقَةَ تَصِحُّ عَلَى الْمُعَيَّنِينَ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو بِشَرْطِهَا الَّذِي هُوَ الْحَوْزُ، فَلَامُ لِلْمُعَيَّنِينَ بِمَعْنَى عَلَى وَجَبْرُ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهَا إنْ امْتَنَعَ مُتَّضِحٌ جَلِيٌّ؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ بِالْقَوْلِ.

وَقَوْلُهُ: " وَفِي سِوَى الْمُعَيَّنِينَ: الْبَيْتَ يَعْنِي أَنَّ الصَّدَقَةَ إذَا كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَإِنَّ الْمُتَصَدِّقَ يُؤْمَرُ بِالْحَوْزِ وَفِي جَبْرِهِ عَلَيْهِ خِلَافٌ وَقَوْلُهُ؛ " وَالْجَبْرُ مَحْتُومٌ " الْبَيْتَ بَاءُ (بِذِي) : ظَرْفِيَّةٌ، وَذِي التَّعَيُّنِ: صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ مُتَصَدَّقٌ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنُ وَلِصِنْفِهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْتُومٍ وَضَمِيرُ الْجَمَاعَةِ لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ يَعْنِي أَنَّ جَبْرَ الْمُتَصَدِّقِ عَلَى الْحَوْزِ مُتَحَتِّمٌ لِصِنْفِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ، أَيْ أَنَّهُ حَقٌّ لَهُمْ لِانْتِقَالِ الصَّدَقَةِ لَهُمْ عَنْ

ص: 153

الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ ذِي التَّعَيُّنِ أَوْ الْمُتَعَيَّنِ وَقَوْلُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُعَيَّنِ تَعْلِيلٌ لِيَكُونَ الْجَبْرُ حَقًّا لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ وَإِذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ فِي غَيْرِ يَمِينٍ فَإِنْ كَانَتْ لِمُعَيَّنِينَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُعَيَّنِينَ كَالْمَرْضَى وَنَحْوِهِمْ فَفِيهَا قَوْلَانِ فِي حُبْسِ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْهِبَةِ مِنْهَا اهـ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَنَقَلَ الشَّارِحُ مَا نَصُّهُ وَسُئِلَ ابْنُ الْحَاجِّ أَيْضًا فِي رَجُلٍ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ عَلَى ابْنِهِ ثُمَّ بَعْدَهُ لِلْمَرْضَى وَمَاتَ الِابْنُ فَطَلَبَهُ الْمَرْضَى فَقَالَ إنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ مِنْ مُعَيَّنٍ اهـ وَأَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِّ لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ مِنْ مُعَيَّنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَلِلْأَبِ التَّقْدِيمُ لِلْكَبِيرِ

لِقَبْضِ مَا يَخْتَصُّ بِالصَّغِيرِ

يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدَيْهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فَإِنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُقَدِّمَ الْكَبِيرَ لِقَبْضِ نَصِيبِ الصَّغِيرِ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ عَلَى ذَلِكَ أَجْنَبِيًّا كَمَا فِي الْحَبْسِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي الْحَبْسِ

وَالْأَخُ لِلصَّغِيرِ قَبْضُهُ

وَجَبْ

مَعَ اشْتِرَاكٍ وَبِتَقْدِيمٍ مِنْ أَبْ

الْأَبْيَاتَ الْأَرْبَعَ (قَالَ فِي الْمُفِيدِ) وَإِنْ تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِصَدَقَةٍ عَلَى ابْنَيْنِ لَهُ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ فَإِنَّ الْكَبِيرَ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ وَلِأَخِيهِ بِتَوْكِيلِ الْأَبِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَصِحُّ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ لَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ حَتَّى مَاتَ الِابْنُ فَإِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ لَا تَجُوزُ جَمِيعُ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَتَبْطُلُ وَكَذَلِكَ الْحَبْسُ أَيْضًا ذَلِكَ كُلُّهُ إلَى وَرَثَةِ الْمُتَوَفَّى وَوَافَقَهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحُبُس لِأَنَّ الْحَبْسَ لَا يَنْقَسِمُ وَخَالَفُوهُ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَأَجَازَ لِلصَّغِيرِ نَصِيبَهُ لِأَنَّ الْأَبَ يَجُوزُ لَهُ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْعَمَلُ وَبِهِ الْقَضَاءُ اهـ

وَحَوْزُ حَاضِرٍ لِغَائِبٍ إذَا

كَانَا شَرِيكَيْنِ بِهَا قَدْ أُنْفِذَا

يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا حَاضِرٌ وَالْآخَرُ غَائِبٌ فَحَازَ الْحَاضِرُ الْجَمِيعَ لِنَفْسِهِ وَلِلْغَائِبِ فَذَلِكَ حَوْزٌ لَهُمَا فِيهَا وَكَافٍ لِلْغَائِبِ (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ:) قُلْت: فَإِنْ وُهِبَتْ أَرْضٌ لِرَجُلَيْنِ أَجْنَبِيَّيْنِ أَحَدُهُمَا حَاضِرٌ، وَالْآخَرُ غَائِبٌ فَقَبَضَ الْحَاضِرُ جَمِيعَ الْأَرْضِ أَيَكُونُ قَبْضُهُ قَبْضًا لِلْغَائِبِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْهِبَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ اهـ. وَبَاءُ (بِهَا) ظَرْفِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِشَرِيكَيْنِ وَالضَّمِيرُ لِلْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْبَدَلِ، وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُعَيِّنْ هَلْ ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ؛ لِيَكُونَ الْحُكْمُ شَامِلًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ لَهُمَا مَعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمَا عَلَى الْبَتِّ لِشَخْصٍ عُيِّنَا

فَهُوَ لَهُ وَمَنْ تَعَدَّى ضُمِّنَا

وَغَيْرُ مَا يُبَتُّ إذْ يُعَيَّنُ

رُجُوعُهُ لِلْمِلْكِ لَيْسَ يَحْسُنُ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخَذَ شَيْئًا وَنَوَى أَنْ يُعْطِيَهُ لِمِسْكِينٍ مُعَيَّنٍ سَمَّاهُ بِلِسَانِهِ أَوْ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ، فَإِنْ بَتَّهُ لَهُ أَوْ أَمْضَاهُ لَهُ بِقَوْلِهِ: أَوْ نِيَّةٍ جَازِمًا بِذَلِكَ غَيْرَ مُتَرَوٍّ فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ لِغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ، وَيَغْرَمُهُ لِذَلِكَ الْمِسْكِينِ الْمُعَيَّنِ، وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ سَمَّى الْمِسْكِينَ وَنَوَى أَنْ يُعْطِيَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَبُتَّ لَهُ وَلَا نِيَّةَ، فَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى مَالِهِ، وَلَا يُعْطِيهِ لِمَنْ عَيَّنَهُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) فِي نَوَازِلِهِ: إنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَخْرَجَ مَالًا لِلصَّدَقَةِ فَعَزَلَ عَنْهُ شَيْئًا أَسْمَاهُ بِلِسَانِهِ لِمِسْكِينٍ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَدَا لَهُ فَصَرَفَهُ لِمِسْكِينٍ آخَرَ هَلْ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي عَزَلَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَخْرَجَهُ لِلصَّدَقَةِ شَيْئًا مِنْهُ لِمِسْكِينٍ بِعَيْنِهِ سَمَّاهُ لَهُ وَنَوَى أَنْ يُعْطِيَهُ وَلَمْ يُبَتَّ لَهُ بِقَوْلٍ وَلَا نِيَّةٍ، فَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ بَتَّ لَهُ بِقَوْلٍ أَوْ نِيَّةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ إنْ فَعَلَ وَكَذَلِكَ مَا جُعِلَ إلَيْهِ تَنْفِيذُهُ مِمَّا أَخْرَجَهُ غَيْرُهُ لِلصَّدَقَةِ سَوَاءٌ وَمِثْلُهُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي يَأْمُرُ لِلسَّائِلِ بِشَيْءٍ أَوْ يَخْرُجُ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَجِدُهُ، يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى مَالِهِ، وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، إنْ كَانَ إنَّمَا نَوَى أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ، وَلَمْ يُبَتَّ لَهُ بِقَوْلٍ وَلَا نِيَّةٍ اهـ.

وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ أَوَّلًا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ لِغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: ثَانِيًا: يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى مَالِهِ كَرَاهَةَ

ص: 154

الْوَجْهَيْنِ مَعًا، أَعْنِي دَفْعَهُ لِغَيْرِ مَنْ نَوَى أَوْ حَبْسَهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُعْطِيهِ لِمَنْ نَوَاهُ لَهُ وَالنَّاظِمُ إنَّمَا قَبَّحَ رُجُوعَهُ لِلْمِلْكِ فَقَطْ دُونَ إعْطَائِهِ لِلْغَيْرِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا: مُبْتَدَأٌ وَاقِعَةٌ عَلَى الصَّدَقَةِ وَهِيَ مَوْصُولٌ صِلَتُهُ (عُيِّنَ) وَعَلَى الْبَتِّ يَتَعَلَّقُ بِ (عُيِّنَ) وَكَذَا الشَّخْصُ، وَجُمْلَةُ (فَهُوَ لَهُ) خَبَرُ مَا، وَمَا مِنْ قَوْلِهِ:(وَغَيْرُ مَا يُبَتُّ) وَاقِعَةٌ عَلَى الصَّدَقَةِ أَيْضًا وَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ: (وَمَا عَلَى الْبَتِّ) وَنَائِبُ يُعَيَّنُ لِلشَّخْصِ لِأَنَّهُ مُقَابِلُ قَوْلِهِ:

وَمَا عَلَى الْبَتِّ لِشَخْصٍ عُيِّنَا

فَالشَّخْصُ الْمُرَادُ بِهِ الْمِسْكِينُ وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ مُعَيَّنٌ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَّا أَنَّهُ بَطَلَتْ لَهُ الصَّدَقَةُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي

وَلِلْأَبِ الْقَبْضُ لِمَا قَدْ وَهَبَا

وَلَدَهُ الصَّغِيرَ شَرْعًا وَجَبَا

إلَّا الَّذِي يَهَبُ مِنْ نَقْدَيْهِ

فَشَرْطُهُ الْخُرُوجُ مِنْ يَدَيْهِ

إلَى أَمِينٍ وَعَنْ الْأَمِينِ

يُغْنِي اشْتِرَاءٌ هَبْهُ بَعْدَ حِينِ

وَإِنْ يَكُنْ مَوْضِعَ سُكْنَاهُ يَهَبْ

فَإِنَّ الْإِخْلَاءَ لَهُ حُكْمٌ وَجَبْ

يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ إذَا وَهَبَ شَيْئًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَحُوزُهُ لَهُ وَلَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ تَحْتَ يَدِ الْأَبِ الْوَاهِبِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا الْمَعْنَى تَقَدَّمَ لِلنَّاظِمِ حَيْثُ قَالَ:

وَالْأَبُ حَوْزُهُ لِمَا تَصَدَّقَا

بِهِ عَلَى مَحْجُورِهِ لَنْ يُتَّقَى

إلَّا أَنَّهُ عَبَّرَ هُنَاكَ بِالْمَحْجُورِ الشَّامِلِ لِلصَّغِيرِ وَالْبَالِغِ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ هُنَا: لِلصَّغِيرِ وَعَبَّرَ هُنَاكَ أَيْضًا بِالصَّدَقَةِ وَهُنَا بِالْهِبَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، يَحُوزُ مَا أَعْطَى لِوَلَدِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مَعًا (التَّوْضِيحُ) فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَّا فِي صَدَقَةِ أَبٍ عَلَى صَغِيرٍ وَتَخْصِيصُهُ الصَّغِيرَ وَالْأَبَ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ فِي هَذَا كَالصَّغِيرِ.

وَالْوَصِيُّ وَمُقَدَّمُ الْقَاضِي مُشَارِكَانِ لِلْأَبِ فِي ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ إلَّا فِي عَطِيَّةِ أَبٍ لِيَشْمَلَ الْهِبَةَ وَغَيْرَهَا لَكَانَ أَحْسَنَ ا. هـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ مَعَ تَقَدُّمِهَا كَمَا ذَكَرْنَا؛ لِيَسْتَثْنِيَ مِنْهَا مَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَهُوَ شَيْئَانِ.

(أَحَدُهُمَا) أَنْ يَهَبَ لِوَلَدِهِ الْمَحْجُورِ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالنَّقْدَيْنِ وَالْمِثْلِيَّاتِ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ فَلَا يَكْفِي أَنْ يَحُوزَ هُوَ ذَلِكَ لِوَلَدِهِ بَلْ يُخْرِجَهُ مِنْ يَدِهِ إلَى أَمِينٍ، أَوْ يَشْتَرِيَ لِوَلَدِهِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ، أَوْ بِثَمَنِهِ شَيْئًا بِاسْمِ الْوَلَدِ الْمَذْكُورِ كَانَ الشِّرَاءُ حِينَئِذٍ أَوْ بَعْدَ زَمَانٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

إلَّا الَّذِي يَهَبُ مِنْ نَقْدَيْهِ

الْبَيْتَيْنِ إلَّا أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا النَّقْدَيْنِ، فَإِنَّ الْمِثْلِيَّاتِ كُلَّهَا كَذَلِكَ لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي كَوْنِهِ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) : أَنْ يَهَبَ لِوَلَدِهِ دَارَ سُكْنَاهُ، فَلَا يَحُوزُهَا لَهُ بِسُكْنَاهُ فِيهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ مِنْهَا وَإِخْلَائِهَا مِنْ أَثَاثِهِ وَأَسْبَابِهِ ثُمَّ يُكْرِيهَا لِلْغَيْرِ وَيَصْرِفُ الْكِرَاءَ فِي مَنَافِعِ الْوَلَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَإِنْ سَكَنَهَا الْأَبُ الْمَذْكُورُ فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ.

أَمَّا حَوْزُ الْأَبِ لِمَا وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَفِي الْجَوَاهِرِ، رَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالُوا: لَا تَجُوزُ صَدَقَةٌ وَلَا عَطِيَّةٌ إلَّا بِحَوْزٍ إلَّا الصَّغِيرَ مِنْ وَلَدِ الْمُتَصَدِّقِ فَإِنَّ أَبَاهُ يَحُوزُ لَهُ (وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ)، وَسَمِعْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: فِي الَّذِي يَتَصَدَّقُ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِصَدَقَةٍ لَهَا غَلَّةٌ وَكِرَاءٌ وَيُكْرِي ذَلِكَ بِاسْمِهِ، إنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ صَدَقَتَهُ إذَا كَانَ قَدْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى أَصْلِ الصَّدَقَةِ وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: لَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ إذَا كَتَبَ الْأَبُ الْكِرَاءَ بِاسْمِ نَفْسِهِ، وَقَالَ: مَنْ يُكْرِي لِلصَّغِيرِ وَيَشْتَرِي لَهُ وَيَبِيعُ إلَّا أَبَوَاهُ ا. هـ.

وَأَمَّا هِبَةُ الْأَبِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَحْجُورِ مَالًا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، فَقَالَ: فِي التَّوْضِيحِ وَاخْتُلِفَ فِي هِبَةِ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ أَخَذَ الْمِصْرِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ الْحَوْزُ وَلَوْ خَتَمَ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ إلَّا بِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَذَهَبَ الْمَدَنِيُّونَ إلَى أَنَّهُ يَتِمُّ الْحَوْزُ فِيهَا بِوَضْعِهَا عَلَى يَدِهِ إذَا أَحْضَرَهَا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَخَتَمَ عَلَيْهَا بِخَاتِمِهِ، قَالُوا: وَتَصِحُّ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَخْتِمْهَا الشُّهُودُ، وَلَوْ خَتَمُوا عَلَيْهَا لَكَانَ خَيْرًا وَأَحْسَنَ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَقَرِيبٌ مِنْهُ فِي الْمُوَطَّأِ، أَنَّهُ يَحُوزُ إذَا أَبْرَزَهُ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ قِيلَ وَبِالْأَوَّلِ جَرَى الْعَمَلُ وَهُوَ مَذْهَبُ الرِّسَالَةِ لِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ اهـ.

(وَفِي الْعُتْبِيَّة مِنْ سَمَاعِ عِيسَى) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قُلْتُ لِمَالِكٍ أَرَأَيْتَ

ص: 155

الدَّنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا الرَّجُلُ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ كَيْفَ تُحَازُ؟ قَالَ: يَضَعُهَا عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَهَا مِثْلَ الْعُرُوضِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ وَيُشْهِدُ أَنَّهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ؟ فَقَالَ: هُوَ لِلِابْنِ وَلَا يَدْخُلُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ اهـ.

وَجْهُ ذَلِكَ، كَأَنَّهُ وَهَبَهُ الثَّمَنَ، ثُمَّ اشْتَرَى لَهُ بِهِ الْعَبْدَ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ: أَنَّ ابْنَ دَحُونَ سَأَلَ ابْنَ زَرْبٍ عَمَّنْ ابْتَاعَ لِابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ دَارًا بِمَالٍ وَهَبَهُ لَهُ ثُمَّ بَلَغَ الِابْنُ وَمَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَقْبِضْ الِابْنُ الدَّارَ هَلْ تَنْفُذُ لَهُ أَمْ يَبْطُلُ أَمْرُهَا؟ قَالَ: لَا تَبْطُلُ، وَقَدْ تَمَّتْ الْحِيَازَةُ لِلْهِبَةِ بِالِابْتِيَاعِ لِلدَّارِ اهـ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا تَلِيهَا مِنْ بَابِ الِاشْتِرَاءِ لِلْوَلَدِ بِالشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَأَمَّا هِبَةُ دَارِ السُّكْنَى لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ، فَفِي وَثَائِقِ الْبَاجِيِّ إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ فِي دَارٍ يَسْكُنُهَا الْأَبُ فَلَا تَجُوزُ حَتَّى يُخْلِيَهَا الْأَبُ مِنْ أَهْلِهِ وَثِقْلِهِ وَتَكُونُ فَارِغَةً، وَيُكْرِيهَا لِلِابْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذَا لَمْ تَجُزْ الصَّدَقَةُ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا فَقَدْ قِيلَ إذَا بَقِيَ خَارِجًا عَنْهَا سَنَةً ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهَا أَوْ أَكْرَاهَا مِنْ نَفْسِهِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى رِوَايَةِ عِيسَى (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) إذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ عَلَى ابْنِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ بِدَارٍ يَسْكُنُهَا الْأَبُ، فَلَا بُدَّ مِنْ إخْلَائِهَا مِنْ نَفْسِهِ وَثِقْلِهِ وَأَهْلِهِ وَتُعَايِنُهَا الْبَيِّنَةُ خَالِيَةً فَارِغَةً مِنْ أَثْقَالِهَا، وَيُكْرِيهَا الْأَبُ لِلِابْنِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ مَضَتْ سَنَةٌ، فَلَا بَأْسَ بِعَوْدَةِ الْأَبِ إلَى سُكْنَاهَا، وَيُكْرِيهَا الْأَبُ مِنْ نَفْسِهِ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا الْمُتَيْطِيّ فِي قَوْلِهِ: وَيُكْرِيهَا الْأَبُ مِنْ نَفْسِهِ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيمًا، وَاخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ بِغَرْنَاطَةَ فَمِنْ مَانِعٍ وَمِنْ مُجِيزٍ.

وَسُئِلَ عَنْهَا الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْعَبْدُوسِيُّ فِي رَجُلٍ وَهَبَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ فَدَّانًا وَحَازَهُ لَهُ نَفْسه كَمَا يَجِبُ ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَكْرَى لِنَفْسِهِ عَلَى ابْنِهِ الْفَدَّانَ الْمَذْكُورَ قَبْلَهُ بِكَذَا وَكَذَا فِي الْعَامِ بِتَقْوِيمِ أَرْبَابِ الْبَصَرِ أَنَّ الْكِرَاءَ الَّذِي ذَكَرَ هُوَ كِرَاءُ مِثْلِ الْفَدَّانِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَاتَ الْوَاهِبُ، فَهَلْ تَصِحُّ الْهِبَةُ أَمْ تَبْطُلُ؟ فَأَجَابَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَحَكَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ أَنَّ الْأَبَ لَوْ تَمَادَى عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ بِغَيْرِ حِيَازَةٍ لَا تَعْيِينِ كِرَاءٍ مَا ضَرَّ ذَلِكَ فِي الْحِيَازَةِ فَأُجْرِيَ مَعَ الْحِيَازَةِ وَتَعْيِينِ الْكِرَاءِ، فَإِنَّ حِيَازَةَ هَذَا يَكْفِي فِيهَا الْإِشْهَادُ خَاصَّةً خِلَافَ حِيَازَةِ الْمَسْكُونِ وَالْمَلْبُوسِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يُحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ: هُوَ كَحِيَازَةِ الْمَسْكُونِ وَالْمَلْبُوسِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إذَا أَكْرَاهُ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَبْطُلْ بِخِلَافِ الرَّهْنِ، فَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ. حَكَى هَذَا الْكَلَامَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ زُونَانَ مِنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَفِي غَيْرِهِ وَكَتَبَ مُسَلِّمًا عَلَيْكُمْ أَبُو الْقَاسِمِ الْعَبْدُوسِيُّ لَطَفَ اللَّهُ بِهِ.

وَمَنْ يَصِحُّ قَبْضُهُ وَمَا قَبَضْ

مُعْطَاهُ مُطْلَقًا لِتَفْرِيطٍ عَرَضْ

يَبْطُلُ حَقُّهُ بِلَا خِلَافِ

إنْ فَاتَهُ فِي ذَلِكَ التَّلَافِي

يَعْنِي أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ قَبْضُهُ وَحِيَازَتُهُ لِمَا أُعْطِيَهُ، وَلَمْ يَقْبِضْ ذَلِكَ؛ لِتَفْرِيطِهِ فِي قَبْضِهِ وَتَرْكِهِ اخْتِيَارًا مِنْهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَقْبِضَهُ لَقَبَضَهُ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ فَاتَهُ تَلَافِي الْقَبْضِ، وَاسْتَدْرَكَهُ لِمَوْتِ الْمُعْطِي أَوْ تَفْلِيسِهِ أَوْ فَوْتِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمُفِيتَةِ لَهُ، كَأَنْ يَهَبَهُ الْوَاهِبُ لِرَجُلٍ آخَرَ وَقَبَضَهُ هَذَا الثَّانِي فَإِنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ يَبْطُلُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ:

إنْ فَاتَهُ فِي ذَلِكَ التَّلَافِي

أَنَّهُ إنْ لَمْ يَفُتْهُ التَّلَافِي؛ لِكَوْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ

ص: 156