الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَمِينَ عَلَى السَّيِّد فِي الْأُولَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُكَاتَبُ، وَعَتَقَ. اهـ.
وَإِنَّمَا لَمْ يَحْلِفْ السَّيِّدُ فِي إنْكَارِهِ الْكِتَابَةَ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ، فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا (ابْنُ الْحَاجِبِ) ، وَيَثْبُتُ الْأَدَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَإِنْ عَتَقَ بِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِذَا تَنَازَعَا فِي قَدْرِهَا أَوْ جِنْسِهَا أَوْ أَجَلِهَا، فَفِي قَبُولِ قَوْلِ الْمُكَاتَبِ أَوْ السَّيِّدِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ.
(التَّوْضِيحُ) ، أَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي الْقَدْرِ، فَكَمَا إذَا قَالَ السَّيِّدُ: بِأَلْفٍ وَقَالَ الْمُكَاتَبُ: بِتِسْعِمِائَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي الْجِنْسِ، فَكَمَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: بِثِيَابٍ وَقَالَ الْآخَرُ: بِخِلَافِهَا، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي الْأَجَلِ فَكَلَامُهُ مُحْتَمَلٌ؛ لَأَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمَا فِي وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ أَوْ فِي قَدْرِهِ أَوْ فِي حُلُولِهِ. اهـ.
بِاخْتِصَارٍ، وَإِلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ: وَالْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ فِي الْكِتَابَةِ وَالْأَدَاءِ لَا الْقَدْرِ وَالْأَجَلِ وَالْجِنْسِ، وَقَوْلُ النَّاظِمِ فِي مَالٍ حَصَلْ، حَصَلْ صِفَةُ مَالٍ أَيْ حَصَلَ بِيَدِ السَّيِّدِ لِقَبْضِهِ إيَّاهُ بِزَعْمِ الْعَبْدِ.
وَحُكْمُهُ كَالْحُرِّ فِي التَّصَرُّفِ
…
وَمَنْعُ رَهْنٍ وَضَمَانٍ اُقْتُفِيَ
اشْتَمَلَ الْبَيْتُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ:
(الْأُولَى) : أَنَّ حُكْمَ الْمُكَاتَبِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ كَالْحُرِّ قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله: أَقُولُ: وَالْمُكَاتَبُ، وَإِنْ كَانَتْ تَصَرُّفَاتُهُ كَالْحُرِّ، فَهُوَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ كَالْعَبْدِ، فَفِي الْمُقَرَّبِ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ فِي شَهَادَتِهِ، وَفِي حَدٍّ إنْ أَصَابَهُ، وَلَا يَرِثُ الْمُكَاتَبُ وَلَدَهُ الْحُرَّ إنْ كَانَ لَهُ، وَلَا غَيْرَهُ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ، وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ فِي ثُلُثِهِ وَسَيِّدُهُ أَوْلَى بِمِيرَاثِهِ. اهـ.
(ابْنُ عَرَفَةَ) تَصَرُّفُ الْمُكَاتَبِ كَالْحُرِّ إلَّا فِي إخْرَاجِ مَالٍ لَا عَنْ عِوَضٍ (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) ، وَلِلْمُكَاتَبِ بِلَا إذْنٍ بَيْعٌ وَشِرَاءٌ وَمُشَارَكَةٌ وَمُقَارَضَةٌ وَمُكَاتَبَةٌ وَاسْتِخْلَافُ عَاقِدٍ لِأَمَتِهِ وَإِسْلَامِهَا أَوْ فِدَائِهَا، إنْ جُنَّتْ بِالنَّظَرِ، وَسَفَرٌ لَا يَحِلُّ فِيهِ نَجْمٌ، وَإِقْرَارٌ فِي رَقَبَتِهِ وَإِسْقَاطُ شُفْعَتِهِ لَا عِتْقَ، وَإِنْ قَرِيبًا وَهِبَةٌ وَصَدَقَةٌ وَتَزْوِيجٌ وَإِقْرَارٌ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ وَسَفَرٌ بَعِيدٍ، إلَّا بِإِذْنٍ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي الْبَيْتِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَهْنٌ أَوْ ضَمَانٌ فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَهُ، وَيَرْتَهِنَ الرَّهْنَ مِنْ غَيْرِ مُكَاتَبَةٍ، فَيَكُونَ كَالْحَمَالَةِ وَالْحَمَالَةُ لَا تَجُوزُ فِي الْكِتَابَةِ (ابْنُ وَهْبٍ) قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ تَحَمَّلَ لَهُ رَجُلٌ بِالْكِتَابَةِ إنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ عَجَزَ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الْكِتَابَةِ؛ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ فَيَتَحَمَّلُ السَّيِّدُ بِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُخَلِّصْ السَّيِّدُ الْغُرَمَاءَ بِالْكِتَابَةِ.
وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، كَانَتْ دُيُونُ النَّاسِ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يَدْخُلُونَ مَعَ سَيِّدِهِ فِي رَقَبَتِهِ انْتَهَى. ابْنُ شَاسٍ مِنْ شُرُوطِ الْمَضْمُونِ أَنْ يَكُونَ حَقًّا ثَابِتًا مُسْتَقِرًّا أَوْ مَآلُهُ إلَى ذَلِكَ، فَلَا تَصِحُّ الْحَمَالَةُ بِالْكِتَابَةِ إذْ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ مُسْتَقِرٍّ، وَلَا تَئُولُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا عَجَزَ رُقَّ؛ وَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ ا. هـ.
(الْمَوَّاقُ) قِيلَ: ثَمَانِيَةٌ لَا يَجُوزُ التَّحَمُّلُ بِهَا الْكِتَابَةُ وَالصَّرْفُ وَالْقِصَاصُ وَالْحُدُودُ وَالتَّعْزِيرُ وَالْبَيْعُ بِعَيْنِهِ وَعَمَلُ أَجِيرٍ يَعْمَلُ بِنَفَقَتِهِ وَحَمُولَةُ دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا. اهـ. (قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ) : وَقَدْ كُنْت قُلْت فِي هَذِهِ النَّظَائِرِ:
وَامْنَعْ ضَمَانًا فِي ثَمَانٍ فَاعْلَمْ
…
حَدٌّ وَتَعْزِيرٌ قِصَاصٌ فِي دَمِ
صَرْفٌ كِتَابَةٌ وَفِيمَا عَيَّنَا
…
مَبِيعًا أَوْ حَمْلًا وَصُنْعًا فَافْطِنَا.
[بَابُ فِي الرُّشْدِ وَالْأَوْصِيَاءِ وَالْحَجْرِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ وَالدَّيْنِ وَالْفَلَسِ]
ِ جَمَعَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ بَيْنَ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ ثُمَّ فَصَلَ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ بِالْفُصُولِ وَبَدَأَ بِبَيَانِ الرُّشْدِ فَقَالَ
الرُّشْدُ حِفْظُ الْمَالِ مَعَ حُسْنِ النَّظَرْ
…
وَبَعْضُهُمْ لَهُ الصَّلَاحُ مُعْتَبَرْ
يَعْنِي أَنَّ حَقِيقَةَ الرُّشْدِ هِيَ حِفْظُ الْمَالِ مَعَ حُسْنِ النَّظَرِ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ زَادَ فِيهَا صَلَاحَ الْحَالِ أَيْضًا فَهِيَ عِنْدَهُ حِفْظُ الْمَالِ وَحُسْنُ النَّظَرِ فِيهِ وَصَلَاحُ الْحَالِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ قَالَ (ابْنُ سَلْمُونٍ) الرُّشْدُ هُوَ حِفْظُ الْمَالِ وَحُسْنُ النَّظَرِ فِيهِ وَاخْتُلِفَ هَلْ مِنْ شَرْطِهِ الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ قَالَ الْمَدَنِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ الرُّشْدُ هُوَ صِحَّةُ الْعَقْلِ وَصَلَاحُ الدِّينِ وَتَثْمِيرُ الْمَالِ وَحِفْظُهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا أَثْمَرَ مَالَهُ وَحَاطَهُ اسْتَوْجَبَ اسْمَ الرُّشْدِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَرْضِيِّ الْحَالِ وَبِذَلِكَ الْحُكْمُ. اهـ.
مِنْ الشَّارِحِ وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ آخِرَ الْبَابِ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ حَيْثُ قَالَ:
وَصَالِحٌ لَيْسَ يُجِيدُ النَّظَرَا
…
فِي الْمَالِ إنْ خِيفَ الضَّيَاعُ حُجِرَا
وَشَارِبُ الْخَمْرِ إذَا مَا ثَمَّرَا
…
لِمَا يَلِي مِنْ مَالِهِ لَنْ يُحْجَرَا
وَلَازِمٌ لَهُ مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ لَهُ الصَّلَاحُ بِمَعْنَى مَعَ وَقَدْ حَكَاهُ فِي الْمُغْنِي عَنْ بَعْضِهِمْ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِاللَّامِ يَعُودُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ حِفْظِ الْمَالِ وَحُسْنِ النَّظَرِ فِيهِ.
وَالِابْنُ مَا دَامَ صَغِيرًا لِلْأَبِ
…
إلَى الْبُلُوغِ حَجْرُهُ فِيمَا اُجْتُبِيَ
إنْ ظَهَرَ الرُّشْدُ وَلَا قَوْلَ لِأَبْ
…
وَبَالِغٌ بِالْعَكْسِ حَجْرَهُ وَجَبْ
كَذَاك مَنْ أَبُوهُ حَجْرًا جَدَّدَا
…
عَلَيْهِ فِي فَوْرِ الْبُلُوغِ مُشْهِدَا
وَبَالِغٌ وَحَالُهُ قَدْ جُهِلَا
…
عَلَى الرَّشَادِ حَمْلُهُ وَقِيلَ لَا
وَإِنْ يَمُتْ أَبٌ وَقَدْ وَصَّى عَلَى
…
مُسْتَوْجِبٍ حَجْرًا مَضَى مَا فَعَلَا
تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَفِيمَا بَعْدَهَا عَلَى مَا يَخْرُجُ بِهِ الْوَلَدُ مِنْ الْوِلَايَةِ وَيَصِيرُ رَشِيدًا لَا حَجْرَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فِي حَيَاةِ أَبِيهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَقَدْ وَصَّى عَلَيْهِ أَوْ تَرَكَهُ مُهْمَلًا فَأَخْبَرَ أَنَّ الِابْنَ مَا دَامَ صَغِيرًا غَيْرَ بَالِغٍ وَأَبُوهُ حَيٌّ فَإِنَّهُ مَحْجُورٌ لِأَبِيهِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ فَإِذَا بَلَغَ نُظِرَ فِيهِ فَإِنْ ظَهَرَ رُشْدُهُ خَرَجَ مِنْ الْوِلَايَةِ وَلَا قَوْلَ لِأَبِيهِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ ظَهَرَ سَفَهُهُ وَجَبَ اسْتِمْرَارُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَكَذَا يَسْتَمِرُّ عَلَيْهِ الْحَجْرُ إذَا جَدَّدَ أَبُوهُ عَلَيْهِ الْحَجْرَ فِي فَوْرِ الْبُلُوغِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ بَلَغَ مَجْهُولَ الْحَالِ بِحَيْثُ لَمْ يُتَبَيَّنْ رُشْدُهُ وَلَا سَفَهُهُ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الرَّشَادِ أَوْ عَلَى السَّفَهِ قَوْلَانِ وَكَذَا يَسْتَمِرُّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ أَبُوهُ وَكَانَ قَدْ أَوْصَى عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ أَمَّا الِابْنُ فَهُوَ فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ مَا دَامَ صَغِيرًا لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلٌ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ.
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ فَإِذَا بَلَغَ فَلَا يَخْلُو أَمْرُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الرُّشْدِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ السَّفَهِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ الْحَالِ لَا يُعْلَمُ رُشْدُهُ مِنْ سَفَهِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مَعْلُومَ الرُّشْدِ فَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ الْوِلَايَةِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا بِبُلُوغِهِ مَعَ مَا ظَهَرَ مِنْ رُشْدِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ مَعْلُومًا بِالسَّفَهِ فَلَا يُخْرِجُهُ الِاحْتِلَامُ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهِ وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا مَرْدُودَةٌ غَيْرُ جَائِزَةٍ
وَأَمَّا إنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ لَا يُعْلَمُ رُشْدُهُ مِنْ سَفَهِهِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّفَهِ حَتَّى يَثْبُتَ رُشْدُهُ، وَهُوَ نَصُّ رِوَايَةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ قَالَ فِيهَا: وَلَيْسَ الِاحْتِلَامُ بِاَلَّذِي يُخْرِجُهُ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهِ حَتَّى يُعْرَفَ حَالُهُ وَيَشْهَدَ الْعُدُولُ عَلَى صَلَاحِ أَمْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الرُّشْدِ حَتَّى يَثْبُتَ سَفَهُهُ وَيَخْرُجُ بِالِاحْتِلَامِ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ سَفَهُهُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ رُشْدُهُ. رَوَى ذَلِكَ زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا وَقَعَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِهِ إذَا احْتَلَمَ الْغُلَامُ فَلَهُ أَنْ يَذْهَبَ حَيْثُ شَاءَ إلَّا أَنْ يَتَأَوَّلَ أَنَّهُ أَرَادَ بِنَفْسِهِ لَا بِمَالِهِ كَمَا تَأَوَّلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ.
(وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَأَمَّا إذَا ذَهَبَ الْأَبُ إلَى تَسْفِيهِ ابْنِهِ الْبَالِغِ عِنْدَ حَدَاثَةِ بُلُوغِهِ جَازَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَهُوَ صَغِيرٌ وَأَوْصَى بِهِ إلَى أَحَدٍ أَوْ قَدَّمَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ وِلَايَةِ مَنْ هُوَ وَصِيُّ أَبِيهِ أَوْ مُقَدَّمُ السُّلْطَانِ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْهَا الْوَصِيُّ أَوْ السُّلْطَانُ إنْ كَانَ الْوَصِيُّ هُوَ مُقَدَّمًا مِنْ قِبَلِهِ وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا مَرْدُودَةٌ، وَإِنْ عُلِمَ رُشْدُهُ مَا لَمْ يُطْلَقْ مِنْ الْحَجْرِ. اهـ
وَقِيلَ: إنَّ مَعَ الْوَصِيِّ كَحَالِهِ مَعَ الْأَبِ، وَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ وِلَايَتِهِ إذَا عُرِفَ رُشْدُهُ أَوْ جُهِلَ حَالُهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنَّمَا الْأَوْصِيَاءُ بِسَبَبِ الْآبَاءِ فَلَا يَكُونُونَ أَشَدَّ حَالًا مِنْهُمْ وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَمَذْهَبُهُ أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ ثُبُوتُهَا إذَا عُلِمَ الرُّشْدُ وَلَا بِسُقُوطِهَا إذَا عُلِمَ السَّفَهُ وَقَدْ رَوَى أَيْضًا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى زُونَانُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَلَا تَجُوزُ أَفْعَالُهُ حَتَّى يُطْلَقَ مِنْهَا، وَإِنْ ظَهَرَ رُشْدُهُ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَكِبَارِ أَصْحَابِهِ مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ لِابْنِ رُشْدٍ وَقَدْ اشْتَمَلَتْ أَبْيَاتُ النَّاظِمِ الْخَمْسَةُ عَلَى حَالِ الِابْنِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ إذَا أَوْصَى عَلَيْهِ يَأْتِي لِلنَّاظِمِ الْكَلَامُ عَلَيْهِ إذَا تَرَكَهُ مُهْمَلًا.
وَقَوْلُهُ آخِرَ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ فِيمَا اُجْتُبِيَ أَيْ اُخْتِيرَ وَانْظُرْ هَلْ ثَمَّ قَوْلٌ آخَرُ غَيْرُ مُجْتَبًى أَوْ لَا وَقَوْلُهُ وَلَا قَوْلَ لِأَبٍ أَيْ إذَا أَرَادَ رَدَّ أَفْعَالِهِ وَقَدْ ظَهَرَ رُشْدُهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ أَوَّلَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَتَقَدَّمَ قَرِيبًا وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ مُشْهِدًا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى تَجْدِيدَ الْحَجْرِ عَلَى وَلَدِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِإِشْهَادٍ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَفُهِمَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ وَقَدْ وَصَّى عَلَى مُسْتَوْجِبٍ حَجْرًا أَيْ عَلَى مَنْ كَانَ وَقْتَ الْإِيصَاءِ عَلَيْهِ فِي حَجْرِ أَبِيهِ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَظُهُورِ رُشْدِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ الْإِيصَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ لِخُرُوجِهِ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهِ إذْ ذَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَكْتَفِي الْوَصِيُّ بِالْإِشْهَادِ
…
إذَا رَأَى مَخَايِلَ الرَّشَادِ
يَعْنِي: أَنَّ الْوَصِيَّ أَيْ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ إذَا رَأَى مِنْ الْمَحْجُورِ مَخَايِلَ الرَّشَادِ مِنْ صَلَاحِ الْحَالِ وَحُسْنِ التَّصَرُّفِ وَأَرَادَ تَرْشِيدَهُ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي فِي ذَلِكَ بِأَنْ يُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ رَشَّدَهُ وَأَطْلَقَهُ مِنْ ثِقَافِ الْحَجْرِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ لِأَحَدٍ يَعْنِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى رَشَادِهِ وَحُسْنِ تَصَرُّفِهِ قَالَ فِي (الْمُقَدِّمَاتِ) وَأَمَّا وَصِيُّ الْأَبِ فَإِطْلَاقُهُ جَائِزٌ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا يَذْكُرُ مِنْ حَالِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ
قَوْلِهِ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ رُشْدُهُ. رَوَى ذَلِكَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. اهـ.
(قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله) مَا حَاصِلُهُ إنَّمَا حَمَلْنَا كَلَامَ النَّاظِمِ عَلَى وَصِيِّ الْأَبِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ النَّاظِمِ قَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ يَلِيهِ فِي وَصِيِّ الْأَبِ وَكَلَامَهُ فِي الْبَيْتِ بَعْدَ هَذَا فِي مُقَدَّمِ الْقَاضِي أَوْ فِي وَصِيِّ الْأَبِ إذَا لَمْ يَرَ مَخَايِلَ الرَّشَادِ وَنَازَعَ فِي التَّرْشِيدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَلَّقَ تَرْشِيدَهُ عَلَى إثْبَاتِ مُوجِبِ التَّرْشِيدِ فَلَوْ حُمِلَ كَلَامُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ عَلَى شُمُولِ الْوَصِيِّ الْأَبَ حَيْثُ يَرَى مَخَايِلَ الرَّشَادِ وَلِمُقَدَّمِ الْقَاضِي كَذَلِكَ لَنَاقَضَ كَلَامُهُ هُنَا مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْإِشْهَادِ، وَفِي الْبَيْتِ بَعْدَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ مُوجِبِ التَّرْشِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي ارْتِفَاعِ الْحَجْرِ مُطْلَقًا يَجِبْ
…
إثْبَاتُ مُوجِبٍ لِتَرْشِيدٍ طُلِبْ
وَيَسْقُطُ الْإِعْذَارُ فِي التَّرْشِيدِ
…
حَيْثُ وَصِيُّهُ مِنْ الشُّهُودِ
يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ فِي ارْتِفَاعِ الْحَجْرِ عَنْ الْمَحْجُورِ وَهُوَ التَّرْشِيدُ إثْبَاتُ مُوجِبِ التَّرْشِيدِ وَهُوَ شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ بِرُشْدِهِ وَحُسْنِ حَالِهِ وَأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُخْدَعُ فِي بَيْعٍ وَلَا ابْتِيَاعٍ وَمِمَّنْ يَجِبُ أَنْ يُرَشَّدَ وَيُطْلَقَ مِنْ ثِقَافِ الْحَجْرِ وَهَذَا فِي وَصِيِّ الْأَبِ إذَا لَمْ يَرَ مَخَايِلَ الرَّشَادِ فِي التَّرْشِيدِ وَفِي مُقَدَّمِ الْقَاضِي وَبِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَسَّرَ الشَّارِحُ الْإِطْلَاقَ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ وَأَمَّا وَصِيُّ الْأَبِ إذَا رَأَى مَخَايِلَ الرَّشَادِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَيْتَيْنِ قَبْلَ هَذَيْنِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِإِثْبَاتِ مُوجِبِ التَّرْشِيدِ، وَأَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ. وَحَيْثُ اُحْتِيجَ إلَى إثْبَاتِ الرُّشْدِ فَيَسْتَكْثِرُ مِنْ الشُّهُودِ كَمَا يَأْتِي لِلنَّاظِمِ حَيْثُ قَالَ:
وَالشَّأْنُ الْإِكْثَارُ مِنْ الشُّهُودِ
…
فِي عَقْدَيْ التَّسْفِيهِ وَالتَّرْشِيدِ
(قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) وَفِي الْكَافِي لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إذَا بَلَغَ الْمَحْجُورُ مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَأُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ، وَإِنْ طَلَبَ تَرْشِيدَ نَفْسِهِ سُمِعَ مِنْ بَيِّنَتِهِ فَإِذَا شُهِدَ لَهُ شَهَادَةً فِيهَا بَعْضُ الِاسْتِفَاضَةِ بِالرُّشْدِ وَحُسْنِ النَّظَرِ وَالضَّبْطِ لِمَالِهِ أُطْلِقَ مِنْ الْوِلَايَةِ وَجَازَ أَمْرُهُ وَفِعْلُهُ فَانْظُرْهُ وَفِي (الْمُتَيْطِيَّةِ) فَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ مِمَّنْ يُقِرُّ لِلْيَتِيمِ بِالرَّشَادِ كَانَ أَقْرَبَ لَهُ وَأَسْهَلَ عَلَيْهِ وَأَقْرَبَ لِأَمْرِهِ فَإِنْ شَهِدَ لَهُ بِالرُّشْدِ اسْتَغْنَيْتَ عَنْ الْإِعْذَارِ إلَيْهِ لِشَهَادَتِهِ بِرُشْدِهِ.
قَالَ (الشَّارِحُ) وَقَدْ دَلَّ هَذَا الْكَلَامُ بِقُوَّتِهِ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ شَاهِدًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْذَرَ لَهُ فِيمَا ثَبَتَ لِمَحْجُورِهِ مِنْ حُكْمِ الِاسْتِرْعَاءِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْأَحْوَطَ فِي وَقْتِنَا هَذَا أَنْ يُعْذَرَ إلَى الْوَصِيِّ حَتَّى تَحْصُلَ مِنْ التَّرْشِيدِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ عَلَيْهِ لَمَا بَعُدَ لِمَا حَدَثَ مِنْ رُجُوعِ كَثِيرٍ مِنْ شُهُودِ التَّرْشِيدِ إذَا ظَهَرَ فِي الْخَارِجِ مَا يُنَاقِضُهَا فَإِذَا حَضَرَ الْوَصِيُّ وَوَافَقَ ارْتَفَعَ مَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ. اهـ.
وَأَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الثَّانِي إلَى قَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ فَإِنْ شُهِدَ لَهُ بِالرَّشَادِ اسْتَغْنَيْت عَنْ الْإِعْذَارِ إلَيْهِ إلَخْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْبَالِغُ الْمَوْصُوفُ بِالْإِهْمَالِ
…
مُعْتَبَرٌ بِوَصْفِهِ فِي الْحَالِ
فَظَاهِرُ الرُّشْدِ يَجُوزُ فِعْلُهُ
…
وَفِعْلُ ذِي السَّفَهِ رَدٌّ كُلُّهُ
وَذَاكَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ
…
مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لَهُ مُلَائِمِ
وَمَالِكٌ يُجِيزُ كُلَّ مَا صَدَرْ
…
بَعْدَ الْبُلُوغِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرْ
وَعَنْ مُطَرِّفٍ أَتَى مَنْ اتَّصَلْ
…
سَفَهُهُ فَلَا يَجُوزُ مَا فَعَلٌ
وَإِنْ يَكُنْ سُفِّهَ بَعْدَ الرُّشْدِ
…
فَفِعْلُهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ رَدِّ
مَا لَمْ يَبِعْ مِنْ خَادِعٍ فَيُمْنَعُ
…
وَبِاَلَّذِي أَفَاتَهُ لَا يُتْبَعُ
وَمُعْلِنُ السَّفَهِ رَدَّ ابْنُ الْفَرَجْ
…
أَفْعَالَهُ وَالْعَكْسُ فِي الْعَكْسِ انْدَرَجْ
وَفِعْلُ مَنْ يُجْهَلُ بِالْإِطْلَاقِ
…
حَالَتُهُ يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ
وَيَجْعَلُ الْقَاضِي بِكُلِّ حَالِ
…
عَلَى السَّفِيهِ حَاجِرًا فِي الْمَالِ.
ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي حُكْمِ الْبَالِغِ الْمُهْمَلِ مَعَ التَّنْصِيصِ عَلَى فَرْعٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْمَحْجُورِ وَالسَّفِيهِ حَاجِرًا يَحْجُرُهُ خَوْفَ ذَهَابِ مَالِهِ وَاعْتُمِدَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يُوصِ بِهِ إلَى أَحَدٍ وَلَا قَدَّمَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَصِيًّا وَلَا نَاظِرًا فَفِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: إلَخْ. إلَّا أَنَّ النَّاظِمَ قَدَّمَ وَأَخَّرَ فِي تَرْتِيبِهَا مَا سَمَحَ لَهُ بِهِ النَّظْمُ.
(الْقَوْلُ الْأَوَّلُ) : عَلَى تَرْتِيبِ النَّظْمِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى حَالِهِ يَوْمَ بَيْعِهِ وَابْتِيَاعِهِ فَإِنْ كَانَ رَشِيدًا جَازَتْ أَفْعَالُهُ وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا لَمْ يَجُزْ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يَتَّصِلَ سَفَهُهُ أَوْ لَا يَتَّصِلَ. اهـ.
وَبَيَانُ هَذَا التَّفْصِيلِ يَأْتِي فِي الْقَوْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَإِلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ إلَخْ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ
مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لَهُ مُلَائِمٍ
وَمَعْنَى قَوْلِهِ مُعْتَبَرٌ فِي الْحَالِ أَيْ فِي حَالِ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَتَصَرُّفِهِ ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَظَاهِرُ الرُّشْدِ إلَخْ.
(الْقَوْلُ الثَّانِي) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ مَالِكٍ وَكِبَارِ أَصْحَابِهِ إنَّ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ جَائِزَةٌ نَافِذَةٌ رَشِيدًا كَانَ أَوْ سَفِيهًا مُعْلِنًا بِالسَّفَهِ أَوْ غَيْرَ مُعْلِنٍ اتَّصَلَ سَفَهُهُ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ أَوْ سَفِهَ بَعْدَ أَنْ أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ
وَمَالِكٌ يُجِيزُ كُلَّ مَا صَدَرْ
…
بَعْدَ الْبُلُوغِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرْ
(الْقَوْلُ الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ إنَّهُ إنْ كَانَ مُتَّصِلَ السَّفَهِ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِهِ.
وَأَمَّا إنْ سَفِهَ بَعْدَ أَنْ أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ فَأَفْعَالُهُ جَائِزَةٌ عَلَيْهِ وَلَازِمَةٌ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْعُهُ بَيْعَ سَفَهٍ وَخَدِيعَةً بَيِّنَةً مِثْل أَنْ يَبِيعَ ثَمَنَ أَلْفِ دِينَارٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا يُتْبَعُ بِالثَّمَنِ إنْ أَفْسَدَهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعْلِنًا بِالسَّفَهِ أَوْ غَيْرَ مُعْلِنٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ وَعَنْ مُطَرِّفٍ الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةَ.
قَالَ (الشَّارِحُ) اقْتَصَرَ الشَّيْخُ عَلَى النِّسْبَةِ لِمُطَرِّفٍ دُونَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ اخْتِصَارًا وَكَثِيرًا مَا يَتَّفِقُ قَوْلُهُمَا حَتَّى عَبَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُمَا بِالْأَخَوَيْنِ. اهـ.
(قُلْتُ) وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْقَائِلُ فِي جُمْلَةِ أَبْيَاتٍ
كَذَا مُطَرِّفٌ وَنَجْلُ الْمَاجِشُونْ
…
حَلَّاهُمَا بِالْأَخَوَيْنِ النَّاقِلُونْ
(الْقَوْلُ الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ أَصْبَغُ إنَّهُ إنْ كَانَ مُعْلِنًا بِالسَّفَهِ فَأَفْعَالُهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْلِنًا بِالسَّفَهِ فَأَفْعَالُهُ جَائِزَةٌ. اهـ.
وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ
وَمُعْلِنُ السَّفَهِ رَدَّ ابْنُ الْفَرَجْ
…
أَفْعَالَهُ وَالْعَكْسُ فِي الْعَكْسِ انْدَرَجْ
وَمُرَادُهُ بِالْعَكْسِ أَنَّ مُعْلِنَ الرُّشْدِ أَفْعَالُهُ مَاضِيَةٌ لَا تُرَدُّ وَأَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَفِعْلُ مَنْ يَجْهَلُ بِالْإِطْلَاقِ الْبَيْتَيْنِ إلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَاتَّفَقَ جَمِيعُهُمْ أَنَّ أَفْعَالَهُ جَائِزَةٌ لَا يُرَدُّ مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنْ جُهِلَتْ حَالُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ بِسَفَهٍ وَلَا بِرُشْدٍ وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ سَفَهُهُ وَخُشِيَ ذَهَابُ مَالِهِ. اهـ. وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ فِي جَوَازِ أَفْعَالِ مَجْهُولِ الْحَالِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِعِوَضٍ أَوْ تَبَرُّعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ تَكُنْ بِنْتٌ وَحَاضَتْ وَالْأَبُ
…
حَيٌّ فَلَيْسَ الْحَجَرُ عَنْهَا يَذْهَبُ
إلَّا إذَا مَا نُكِحَتْ ثُمَّ مَضَى
…
سَبْعَةُ أَعْوَامٍ وَذَا بِهِ الْقَضَا
مَا لَمْ يُجَدَّدْ حَجْرُهَا إثْرَ الْبِنَا
…
أَوْ سَلِمَ الرُّشْدُ إذَا تُبُيِّنَا
وَحَجْرُ مَنْ وَصَّى عَلَيْهَا يَنْسَحِبْ
…
حَتَّى يَزُولَ حُكْمُهُ بِمَا يَجِبْ
وَالْعَمَلُ الْيَوْمَ عَلَيْهِ مَاضِي
…
وَمِثْلُهُ حَجْرُ وَصِيِّ الْقَاضِي
وَإِنْ تَكُنْ ظَاهِرَةَ الْإِهْمَالِ
…
فَإِنَّهَا مَرْدُودَةُ الْأَفْعَالِ
إلَّا مَعَ الْوُصُولِ لِلتَّعْنِيسِ
…
أَوْ مُكْثِ عَامٍ إثْرَ التَّعْرِيسِ
وَقِيلَ بَلْ أَفْعَالُهَا تُسَوَّغُ
…
إنْ هِيَ حَالَةَ الْمَحِيضِ تَبْلُغُ
وَالسِّنُّ فِي التَّعْنِيسِ مِنْ خَمْسِينَا
…
فِيمَا بِهِ الْحُكْمُ إلَى السِّتِّينَا
لَمَّا قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى مَا يَخْرُجُ بِهِ الذَّكَرُ مِنْ الْحَجْرِ أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ بِمَا تَخْرُجُ بِهِ الْأُنْثَى إذَا بَلَغَتْ فِي حَيَاةِ أَبِيهَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَدْ أَوْصَى عَلَيْهَا أَوْ تَرَكَهَا مُهْمَلَةً وَلَمْ يُقَدِّمْ الْقَاضِي عَلَيْهَا أَحَدًا أَوْ قَدَّمَ، فَأُخْبِرَ أَنَّ الْبِنْتَ إذَا كَانَ أَبُوهَا حَيًّا فَإِنَّهَا لَا تَزَالُ فِي حِجْرِهِ وَتَحْتَ وِلَايَةِ نَظَرِهِ وَلَا يَزُولُ عَنْهَا الْحَجْرُ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ.
(الْأَوَّلُ) أَنْ تَتَزَوَّجَ وَيَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا وَتَمْكُثَ سَبْعَةَ أَعْوَامٍ فَحِينَئِذٍ تَخْرُجُ مِنْ الْوِلَايَةِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ الْقَضَاءُ وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَمَانِيَةٍ قَالَ (ابْنُ سَلْمُونٍ) عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَهَذَا الْقَوْلُ يُعْزَى إلَى ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا ثُمَّ قَالَ:
الْقَوْلُ الثَّانِي قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَوْ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْوَاضِحَةِ مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ إنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَيَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا وَيَعْرِفَ حَالَهَا وَيَشْهَدَ الْعُدُولُ عَلَى صَلَاحِ أَمْرِهَا فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا إذَا عُلِمَ رُشْدُهَا وَظَهَرَ حَالُهَا جَازَتْ أَفْعَالُهَا وَخَرَجَتْ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِقُرْبِ بِنَاءِ زَوْجِهَا عَلَيْهَا اهـ وَعَلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ وَزِيدَ فِي الْأُنْثَى دُخُولُ زَوْجٍ وَشَهَادَةُ الْعُدُولِ عَلَى صَلَاحِ حَالِهَا وَإِلَى اسْتِمْرَارِ الْحَجْرِ عَلَى ذَاتِ الْأَبِ إلَى مُضِيِّ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ بَعْدَ دُخُولِ الزَّوْجِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ: وَخُرُوجُهَا مِنْ الْحَجْرِ بِمُضِيِّ مَا ذُكِرَ، مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُجَدَّدْ عَلَيْهَا الْحَجْرُ إثْرَ الْبِنَاءِ عَلَيْهَا يَعْنِي وَأُخْرَى قَبْلَهُ فَإِنْ جَدَّدَهُ عَلَيْهَا فَلَا تَخْرُجُ إلَّا بِالتَّرْشِيدِ.
وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
مَا لَمْ يُجَدَّدْ حَجْرُهَا إثْرَ الْبِنَا
(الْأَمْرُ الثَّانِي) مِمَّا تَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْوِلَايَةِ التَّرْشِيدُ فَإِذَا ظَهَرَ صَلَاحُ حَالِهَا وَتَبَيَّنَ وَسَلَّمَهُ الْأَبُ وَوَافَقَ عَلَيْهِ وَرَشَّدَهَا فَإِنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الْحَجْرِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ أَوْ سَلَّمَ الرُّشْدَ إذَا تَبَيَّنَّا فَقَوْلُهُ أَوْ سَلِمَ الرُّشْدُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ نُكِحَتْ ثُمَّ انْتَقَلَ لِلْكَلَامِ عَلَى الَّتِي مَاتَ أَبُوهَا وَأَوْصَى عَلَيْهَا أَوْ تَرَكَهَا مُهْمَلَةً وَقَدَّمَ عَلَيْهَا الْقَاضِي مُقَدَّمًا فَقَالَ
وَحَجْرُ مَنْ وَصَّى عَلَيْهَا يَنْسَحِبْ
الْبَيْتَيْنِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْبِنْتَ إذَا مَاتَ أَبُوهَا وَكَانَ قَدْ أَوْصَى عَلَيْهَا فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ وَلَكِنْ قَدَّمَ الْقَاضِي عَلَيْهَا مُقَدَّمًا فَإِنَّ الْحَجْرَ يَنْسَحِبُ عَلَيْهَا وَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِالتَّرْشِيدِ وَهُوَ الَّذِي يَعْنِي بِقَوْلِهِ بِمَا يَجِبُ.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْعَمَلُ قَالَ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَأَمَّا الْبِكْرُ الْيَتِيمَةُ ذَاتُ الْوَصِيِّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ السُّلْطَانِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْ الْوِلَايَةِ إنْ تَزَوَّجَتْ أَوْ عَنَسَتْ أَوْ ظَهَرَ رُشْدُهَا إلَّا بِالطَّلَاقِ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَشْهُورِ الْمَعْمُولِ بِهِ فِي الْيَتِيمِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَالِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ وَحُكْمُهَا فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ اهـ ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى الْمُهْمَلَةِ الَّتِي لَمْ يُقَدِّمْ عَلَيْهَا الْقَاضِي فَقَالَ
وَإِنْ تَكُنْ ظَاهِرَةَ الْإِهْمَالِ
الْأَبْيَاتُ الثَّلَاثَةُ فَأَخْبَرَ أَنَّ فِي الْمُهْمَلَةِ الَّتِي لَمْ يُقَدِّمْ عَلَيْهَا الْقَاضِي مُقَدِّمًا قَوْلَيْنِ:
(الْأَوَّلُ) أَنَّ أَفْعَالَهَا مَرْدُودَةٌ إلَّا إذَا بَلَغَتْ سِنَّ التَّعْنِيسِ أَوْ مَرَّ لَهَا عَامٌ إثْرَ دُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا فَإِنْ وُجِدَ هَذَيْنِ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الْوِلَايَةِ وَتَمْضِي أَفْعَالُهَا (الْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهَا إنْ بَلَغَتْ مَضَتْ أَفْعَالُهَا وَخَرَجَتْ مِنْ الْوِلَايَةِ بِالْبُلُوغِ قَالَ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَأَمَّا الْبِكْرُ الْيَتِيمَةِ الَّتِي لَا وَصِيَّ عَلَيْهَا مِنْ أَبٍ وَلَا سُلْطَانٍ فَاخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَفْعَالَهَا جَائِزَةٌ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَوْلُ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَةُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّانِي أَنَّ أَفْعَالَهَا مَرْدُودَةٌ مَا لَمْ تَعْنِسْ اهـ.
ثُمَّ بَيَّنَ سِنَّ التَّعْنِيسِ بِقَوْلِهِ وَالسِّنُّ فِي التَّعْنِيسِ الْبَيْتَ قَالَ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ التَّعْنِيسِ فِي هَذِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: قِيلَ: ثَلَاثُونَ.
وَقِيلَ: أَقَلُّ. وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ. وَقِيلَ: مِنْ الْخَمْسِينَ إلَى السِّتِّينَ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ
وَحَيْثُ رَشَّدَ الْوَصِيُّ مَنْ حُجْر
…
وِلَايَةُ النِّكَاحِ تَبْقَى بِالنَّظَرْ
يَعْنِي: أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا رَشَّدَ مَحْجُورَتَهُ فَإِنَّهُ يَبْقَى لَهُ عَلَيْهَا وِلَايَةُ النِّكَاحِ عَلَى مُقْتَضَى نَظَرِ مَنْ رَأَى ذَلِكَ مِنْ الْفُقَهَاءِ كَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي (قَالَ الشَّارِحُ) فَكَمَا أَنَّ خُرُوجَهَا مِنْ حَجْرِ الْأَبِ لَا يَقْطَعُ عَنْهَا نَظَرَهُ فِي الْوِلَايَةِ فَكَذَلِكَ خُرُوجُهَا مِنْ حَجْرِ الْوَصِيِّ الَّذِي هُوَ بِسَبَبِهِ لَا يَقْطَعُ عَنْهَا نَظَرَهُ فِي الْوِلَايَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْأَبِ فَكَذَلِكَ يَتَقَدَّمُ عَلَى وَصِيِّهِ وَفِي طُرَرِ (ابْنِ عَاتٍ) اُنْظُرْ إذَا رَشَّدَ الْوَصِيُّ مَحْجُورَتَهُ هَلْ تَسْقُطُ الْوِلَايَةُ عَنْهَا أَمْ لَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ رحمه الله لَا أَذْكُرُ فِي ذَلِكَ نَصَّ رِوَايَةٍ وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ أَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَيْهَا فِي النِّكَاحِ لَا تَسْقُطُ بِتَمْلِيكِهَا إيَّاهَا مِنْ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَائِهَا بِإِقَامَةِ الْأَبِ إيَّاهُ لَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَسْقُطَ وِلَايَتُهُ عَنْهَا إلَّا بِمَا كَانَتْ تَسْقُطُ بِهِ وِلَايَةُ الْأَبِ عَنْهَا وَالْأَبُ لَوْ رَشَّدَهَا لَمْ تَسْقُطْ بِذَلِكَ وِلَايَتُهُ عَنْهَا فَكَذَلِكَ هُوَ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ اهـ ثُمَّ بَحَثَ الشَّارِحُ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ فِي قَوْلِهِ لَا أَذْكُرُ فِي ذَلِكَ نَصَّ رِوَايَةٍ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ وَذَلِكَ فِي شَرْحِ قَوْلِ النَّاظِمِ فِي النِّكَاحِ
وَإِنْ يُرَشِّدْهَا الْوَصِيُّ مَا أَبِي
…
فِيهَا وِلَايَةُ النِّكَاحِ كَالْأَبِ.
وَلَيْسَ لِلْمَحْجُورِ مِنْ تَخَلُّصِ
…
إلَّا بِتَرْشِيدٍ إذَا مَاتَ الْوَصِيّ
وَبَعْضُهُمْ قَدْ قَالَ بِالسَّرَاحِ
…
فِي حَقِّ مَنْ يُعْرَفُ بِالصَّلَاحِ
يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْوَصِيُّ وَبَقِيَ مَنْ كَانَ فِي حَجْرِهِ مُهْمَلًا وَلَمْ يُوصِ بِهِ إلَى أَحَدٍ وَلَا قَدَّمَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَحَدًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْوِلَايَةِ إلَّا بِالتَّرْشِيدِ وَقِيلَ يَخْرُجُ مِنْهَا بِمَوْتِ وَصِيِّهِ إذَا كَانَ حَسَنَ النَّظَرِ صَالِحَ الْأَحْوَالِ قَالَ (ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَاخْتُلِفَ فِي الَّذِي يَمُوتُ وَصِيُّهُ وَلَمْ يُوصِ بِهِ إلَى أَحَدٍ وَلَا قَدَّمَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَصِيًّا، فَقِيلَ: إنَّهُ إنْ كَانَ حَسَنَ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ مَعْرُوفًا بِالرُّشْدِ
فَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ.
وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالسَّفَهِ فَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا مَرْدُودَةٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاَلَّذِي جَرَتْ بِهِ الْفَتْوَى وَعَلَيْهِ الشُّيُوخُ أَنَّ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا حُكْمُ مَنْ كَانَ وَصِيُّهُ بَاقِيًا حَتَّى يَظْهَرَ رُشْدُهُ وَيُحْكَمَ بِتَرْشِيدِهِ اهـ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ جَارِيَانِ عَلَى قَوْلَيْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فَمَالِكٌ يُرَاعِي الْوِلَايَةَ وَالْأَصْلُ انْسِحَابُهَا حَتَّى يَرْشُدَ وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فِي النَّظْمِ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُرَاعِي حَالَ الْمَحْجُورِ مِنْ صَلَاحٍ أَوْ سَفَهٍ وَلَا عِبْرَةَ عِنْدَهُ بِالْوِلَايَةِ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي وَقَدْ قُلْتُ فِي ذَلِكَ لِيُحْفَظَ
وَمَالِكٌ يَعْتَبِرُ الْحَجْرَ فَقَطْ
…
وَنَجْلُ قَاسِمٍ لِحَالٍ قَدْ فَرَطْ
قُلْتُ: إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ أَوْ الْوِلَايَةِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِمَوْتِ الْوَصِيِّ كَمَا فَرَضَهُ النَّاظِمُ، بَلْ الْقَوْلَانِ فِي حَيَاةِ الْوَصِيِّ أَوْ مَوْتِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ لُبٍّ أَنَّ الْمُهْمَلَةَ بِمَوْتِ وَصِيِّهَا إذْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَتَصَرَّفَتْ تَصَرُّفَ الرَّشِيدِ بِطُولِ الْمُدَّةِ فَهِيَ عَلَى حُكْمِ الرُّشْدِ فِي أَفْعَالِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ فِي أَفْعَالِ الْمُهْمَلِ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ:
وَالشَّأْنُ الْإِكْثَارُ مِنْ الشُّهُودِ
…
فِي عَقْدَيْ التَّسْفِيهِ وَالتَّرْشِيدِ
وَلَيْسَ يَكْفِي فِيهِمَا الْعَدْلَانِ
…
وَفِي مَرَدِّ الرُّشْدِ يَكْفِيَانِ
يَعْنِي: أَنَّ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَ الْمُوَثَّقِينَ الْإِكْثَارُ مِنْ الشُّهُودِ فِي الشَّهَادَةِ بِالتَّسْفِيهِ أَوْ التَّرْشِيدِ وَأَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِالْعَدْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ يُكْتَفَى بِهِمَا فِي الْحَجْرِ وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ النَّاظِمُ بِمَرَدِّ الرُّشْدِ أَيْ بِرَدِّهِ وَدَفْعِهِ.
وَالتَّسْفِيهُ: الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ سَفِيهٌ مُبَذِّرٌ غَيْرُ حَافِظٍ لِمَالِهِ. وَيَنْبَنِي عَلَى الشَّهَادَةِ أَنْ يُضْرَبَ عَلَى يَدِهِ وَيُمْنَعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ سَفَهَهُ إنَّمَا ثَبَتَ الْآنَ وَالشَّهَادَةُ بِالْحَجْرِ الَّتِي يَكْفِي فِيهَا عَدْلَانِ لِلشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ فِي وِلَايَةِ مَضْرُوبٍ عَلَى يَدِهِ وَقْتَ الشَّهَادَةِ وَفِيمَا قَبْلَهَا وَيَنْبَنِي عَلَيْهَا رَدُّ أَفْعَالِهِ الْمُقَدَّمَةِ عَلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهَا هَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ
بِالتَّرْشِيدِ فَهِيَ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ حَافِظٌ لِمَالِهِ حَسَنُ النَّظَرِ صَالِحُ الْحَالِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهَا إطْلَاقُهُ مِنْ ثِقَافِ الْحَجْرِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ حَجْرٌ وَمُضِيُّ أَفْعَالِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ رُشْدَهُ إنَّمَا ثَبَتَ الْآنَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَلَسْت عَلَى يَقِينٍ فِيهِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَالَ الشَّارِحُ) : وَجْهُ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْعَدْلَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسْفِيهِ أَوْ بِالتَّرْشِيدِ لَيْسَتْ مِنْ الْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ الَّتِي يُدْرِكُهَا الشَّاهِدُ بِهَا بَدِيهَةً وَإِنَّمَا تَحْصُلُ لَهُ مِنْ جُزْئِيَّاتٍ تَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْمَشْهُودِ بِهِ ضِمْنًا فَلِذَلِكَ اُسْتُكْثِرَ فِيهَا مِنْ الشُّهُودِ لِيَحْصُلَ نَوْعُ اسْتِفَاضَةٍ بِتِلْكَ الْجُزْئِيَّاتِ الَّتِي تَتَعَدَّدُ بِهَا الشَّهَادَةُ، فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ الشُّهُودِ فِي عَقْدِ التَّرْشِيدِ الْعُدُولِ وَغَيْرِهِمْ لِتَظْهَرَ اسْتِفَاضَةُ رُشْدِهِ وَلَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ شَاهِدَانِ كَمَا يُجْزِئُ فِي الْحُقُوقِ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ الشُّهُودِ فِي وَثِيقَةِ التَّسْفِيهِ اهـ.
وَلَفْظُ الْإِكْثَارِ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ يُقْرَأُ بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ لِلسَّاكِنِ قَبْلَهَا وَهِيَ لَامُ أَلْ لِلْوَزْنِ.
(تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: وَالشَّأْنُ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونَ فِي بَيَانِ اصْطِلَاحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: قَوْلُهُ وَالشَّأْنُ وَقَعَتْ فِي الْجِهَادِ فِي قَوْلِهِ: وَالشَّأْنُ قَسْمُ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَمُرَادُهُ عَمَلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَمَلُ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ وَقِيلَ مُرَادُهُ عَمَلُ الصَّحَابَةِ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ الْأَمْرُ وَالشَّأْنُ مَعْنَاهُمَا الْعَمَلُ. اهـ. وَالْمُرَادُ فِي النَّظْمِ مَا قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَجَازَ لِلْوَصِيِّ فِيمَنْ حَجَرَا
…
إعْطَاءُ بَعْضِ مَالِهِ مُخْتَبِرَا
يَعْنِي: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُعْطِيَ لِمَحْجُورِهِ بَعْضَ مَالِهِ لِيَخْتَبِرَ بِذَلِكَ تَصَرُّفَهُ وَلَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا رَأَى عَلَيْهِ مَخَايِلَ الصَّلَاحِ وَالرَّشَادِ الَّتِي تُوجِبُ عِنْدَهُ إطْلَاقَهُ مِنْ الْحَجْرِ فَيَخْتَبِرُهُ لِتَحْصُلَ لَهُ الثِّقَةُ بِمَا يَبْدُو لَهُ مِنْ السَّدَادِ فِي تَصَرُّفِهِ فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الْوَصِيُّ إلَى يَتِيمِهِ بَعْضَ مَالِهِ لِيَخْتَبِرَهُ إذَا رَأَى مِنْهُ اسْتِقَامَةً وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا، فَإِنْ تَلِفَ لَمْ يَضْمَنْ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. اهـ. زَادَ ابْنُ سَلْمُونٍ بَعْدَ قَوْلِهِ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ مِثْلُهُ لِلِاخْتِبَارِ لِشِدَّةِ سَفَهِهِ فَيَضْمَنُ، فَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي وَثِيقَةِ الدَّفْعِ لِلْمَحْجُورِ مِمَّنْ يَعْرِفُ أَنَّ الْيَتِيمَ مِمَّنْ يَصْلُحُ اخْتِبَارُهُ (الْمَوَّاقُ) اُنْظُرْ بَقِيَ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] قَالَ (ابْنُ شَاسٍ) : الِابْتِلَاءُ لِلرُّشْدِ مَطْلُوبٌ، وَفِي كَوْنِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ قَالَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَالْبَغْدَادِيُّونَ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ أَبْيَنُ لِلْآيَةِ الشَّرِيفَةِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ (الْمُتَيْطِيُّ) لِلْوَصِيِّ أَنْ يَدْفَعَ لِلْيَتِيمِ بَعْضَ مَالِهِ يَخْتَبِرُهُ بِهِ كَالسِّتِّينَ دِينَارًا وَلَا يُكْثِرُ جِدًّا إنْ رَأَى اسْتِقَامَتَهُ فَإِنْ تَلِفَ لَمْ يَضْمَنْهُ (ابْنُ حَبِيبٍ) وَالْوَصِيُّ مُصَدَّقٌ فِيمَا دَفَعَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَكُلُّ مَا أَتْلَفَهُ الْمَحْجُورُ
…
فَغُرْمُهُ فِي مَالِهِ الْمَشْهُورُ
إلَّا لِمَنْ طَوْعًا إلَيْهِ صَرَفَهْ
…
وَفِي سِوَى مَصْلَحَةٍ قَدْ أَتْلَفَهْ
وَفِعْلُهُ بِعِوَضٍ لَا يُرْتَضَى
…
وَإِنْ أَجَازَهُ وَصِيُّهُ مَضَى
وَفِي التَّبَرُّعَاتِ قَدْ جَرَى الْعَمَلْ
…
بِمَنْعِهِ وَلَا يُجَازُ إنْ فَعَلٌ
تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ عَلَى الْمَحْجُورِ إذَا فَوَّتَ شَيْئًا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ هَلْ يَضْمَنُهُ أَمْ لَا كَانَ التَّفْوِيتُ بِإِفْسَادٍ أَوْ إتْلَافٍ أَوْ كَانَ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَأَخْبَرَ أَنَّ مَا فَوَّتَهُ بِإِتْلَافِهِ وَإِفْسَادِهِ كَالْحَرْقِ وَالْكَسْرِ وَالْأَكْلِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ غُرْمُهُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا أُتْبِعَ بِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ إذَا سَلَّطَهُ عَلَيْهِ رَبُّهُ بِاخْتِيَارِهِ وَصَيَّرَهُ فِيمَا لَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِيهِ أَمَّا إنْ عَدَا عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُهُ صَرَفَهُ فِي مَصْلَحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ رَبُّهُ وَصَرَفَهُ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَغْرَمُهُ أَيْضًا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلِينَ.
وَأَمَّا مَا أَتْلَفَهُ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي ابْتِدَاءً فَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ تَوَقَّفَ إمْضَاؤُهُ عَلَى إجَازَةِ الْوَصِيِّ فَإِنْ أَمْضَاهُ مَضَى وَإِنْ رَدَّهُ رُدَّ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ وَأَمَّا مَا أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ مِنْ هِبَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُضْرَبُ عَلَى يَدَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ خَوْفَ إتْلَافِ مَالِهِ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ إجَازَةُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ سُوءُ نَظَرٍ فَإِنْ أَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ، وَيَغْرَمُهُ إنْ فَاتَ
وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الرَّابِعِ قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ حَالُهُ كَحَالِ الصَّبِيِّ إنْ كَسَرَ جَرَّةً أَوْ أَحْرَقَ شَيْئًا أَوْ أَفْسَدَ فَهُوَ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا أُتْبِعَ بِهِ دَيْنًا.
(وَفِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ سَحْنُونٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ بَعَثَ يَتِيمًا لَهُ فِي طَلَبِ عَبْدٍ آبِقٍ فَأَدْرَكَهُ وَبَاعَهُ وَأَتْلَفَ ثَمَنَهُ فَقَامَ صَاحِبُهُ فِيهِ فَقَالَ يَأْخُذُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْغُلَامِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَتْلَفَ وَلَا يَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ. فَقِيلَ لِمَالِكٍ: أَفَلَا يَكُونُ هَذَا مِثْلَ مَا فَسَدَ أَوْ كَسَرَ قَالَ: لَا.
وَفِي أُصُولِ الْفُتْيَا: وَكُلُّ مَا فَعَلَهُ الصَّبِيُّ مِمَّا يَرَى الْوَلِيُّ إجَازَتَهُ فِي أُصُولٍ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا يَكُونُ لِمَنْ عَاقَدَ الصَّبِيَّ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ إذَا أَجَازَهُ الْوَلِيُّ وَمَا بَاعَهُ الصَّبِيُّ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَمَرْدُودٌ إلَى مَالِ الصَّبِيِّ وَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي فِيمَا دُفِعَ مِنْ الثَّمَنِ إلَى الصَّبِيِّ لَا فِي ذِمَّةِ الصَّبِيِّ وَلَا فِي مَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ إنَّمَا أَنْفَقَ ذَلِكَ الثَّمَنَ فِي مَصَالِحِهِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا فَيَلْزَمُ الْوَلَدَ رَدُّ ذَلِكَ الثَّمَنِ (وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ) : لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمَحِيضَ مِنْ النِّسَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي مَالِهِ مَعْرُوفٌ مِنْ هِبَةٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَا عَطِيَّةٍ وَلَا عِتْقٍ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ إنْ كَانَ ذَا أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ.
وَإِنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ فَعَلَ مَا يُشْبِهُ الْبَيْعَ أَوْ الشِّرَاءَ مِمَّا يَخْرُجُ عَلَى عِوَضٍ وَلَا يَقْتَصِرُ فِي مَعْرُوفٍ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى نَظَرِ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ فَإِنْ رَآهُ سَدَادًا أَوْ غِبْطَةً أَجَازَهُ وَأَنْفَذَهُ، وَإِنْ رَآهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ رَدَّهُ وَأَبْطَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ قَدَّمَ السُّلْطَانُ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ فِي ذَلِكَ بِوَجْهِ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ، وَإِنْ غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يَلِيَ أَمْرَهُ كَانَ النَّظَرُ إلَيْهِ فِي إجَازَةِ إنْفَاذِ ذَلِكَ وَرَدِّهِ، (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) وَيَلْزَمُهُ مَا أَفْسَدَهُ أَوْ كَسَرَ فِي مَالِهِ مِمَّا لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِيمَا أَفْسَدَ أَوْ كَسَرَ مِمَّا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ.
(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ عُمُومِ قَوْلِهِ:
إلَّا لِمَنْ إلَيْهِ طَوْعًا صَرَفَهْ
…
وَفِي سِوَى مَصْلَحَةٍ قَدْ أَتْلَفَهْ
أَنَّ الْمَحْجُورَ لَا يَغْرَمُ مَا اسْتَعَارَ إذَا ادَّعَى تَلَفَهُ لِأَنَّ رَبَّهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ طَوْعًا وَلَمْ يَصْرِفْهُ فِي مَصْلَحَةٍ لَهُ وَلَمْ أَقِفْ الْآنَ فِيهِ عَلَى نَصٍّ.
وَظَاهِرُ السَّفَهِ جَازَ الْحُلُمَا
…
مِنْ غَيْرِ حَجْرٍ فِيهِ خُلْفٌ عُلِمَا
جَوَازُ فِعْلِهِ بِأَمْرٍ لَازِمِ
…
لِمَالِكٍ وَالْمَنْعُ لِابْنِ الْقَاسِمِ
الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ مَحْضُ تَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ:
وَالْبَالِغُ الْمَوْصُوفُ بِالْإِهْمَالِ
…
مُعْتَبَرٌ بِوَصْفِهِ فِي الْحَالِ
فَظَاهِرُ الرُّشْدِ يَجُوزُ فِعْلُهُ
…
وَفِعْلُ ذِي السَّفَهِ رَدٌّ كُلُّهُ
وَذَاكَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ
…
مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لَهُ مُلَائِمِ
وَمَالِكٌ يُجِيزُ كُلَّ مَا صَدَرْ
…
بَعْدَ الْبُلُوغِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرْ
وَإِلَى هَذَا الْخِلَافِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَتَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجَرِ مَحْمُولٌ إلَخْ. وَقَوْلُهُ هُنَا جَوَازُ فِعْلِهِ. الْبَيْتَ هُوَ بَيَانٌ لِلْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَيْتِ قَبْلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
فَظَاهِرُ الرُّشْدِ يَجُوزُ فِعْلُهُ
تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ هُنَا وَظَاهِرُ السَّفَهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ الْبَالِغُ الْمُهْمَلُ فَابْنُ الْقَاسِمِ يُرَاعِي حَالَتَهُ فَلِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَ ظَاهِرِ الرُّشْدِ وَظَاهِرِ السَّفَهِ وَمَالِكٌ يَعْتَبِرُ الْحَجْرَ. وَالْفَرْضُ أَنْ لَا حَجْرَ فَأَجَازَ فِعْلَهُ.
وَبِاَلَّذِي عَلَى صَغِيرٍ مُهْمَلِ
…
يُقْضَى إذَا صَحَّ بِمُوجِبٍ جَلِيّ
وَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ كَالْغَائِبِ
…
إلَى بُلُوغِهِ بِحُكْمٍ وَاجِبِ
وَيَدْفَعُ الْوَصِيُّ كُلَّ مَا يَجِبْ
…
مِنْ مَالِ مَنْ فِي حَجْرِهِ مَهْمَا طُلِبْ
يَعْنِي: أَنَّ الصَّغِيرَ الْمُهْمَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ وَيُحْكَمُ بِمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ إذَا كَانَ مُوجِبُ ذَلِكَ صَحِيحًا جَلِيًّا ظَاهِرًا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا بَلَغَ كَالْغَائِبِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ ثُمَّ يَقْدُمُ فَيَكُونُ عَلَى حُجَّتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي الْبَيْعِ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ لِلْمَحْجُورِ وَصِيٌّ فَهُوَ الَّذِي يَدْفَعُ مَا وَجَبَ عَلَى مَحْجُورِهِ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ الْمَذْكُورِ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ.
وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ وَبِاَلَّذِي يَتَعَلَّقُ بِيُقْضَى
وَعَلَى صَغِيرٍ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ صِلَةُ الَّذِي أَيْ ثَبَتَ أَوْ وَجَبَ عَلَى صَغِيرٍ ثُمَّ وَصَفَهُ بِالْإِهْمَالِ، وَفَاعِلُ صَحَّ يَعُودُ عَلَى مَا وَجَبَ عَلَى الصَّغِيرِ وَبِمُوجِبٍ يَتَعَلَّقُ بِصَحَّ، وَالْمُرَادُ بِالْمُوجِبِ الْبَيِّنَةُ (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ الْمُدَّعَى فِيهَا بَيْنَ صَغِيرٍ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْقَاضِي لِهَذَا الصَّغِيرِ مَنْ يَقُومُ بِحُجَّتِهِ (قَالَ الشَّارِحُ) لَازِمُ قَوْلِهِ فِي الْمُقَرَّبِ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْقَاضِي إلَخْ كَوْنُهُ تُرْجَى لَهُ الْحُجَّةُ إذَا مَلَكَ أَمْرَ نَفْسِهِ وَعَنْ هَذَا الْمَعْنَى عَبَّرَ الشَّيْخُ رحمه الله بِقَوْلِهِ: وَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ كَالْغَائِبِ الْبَيْتَ.
وفِي الْمَشْهُورِ
…
مُنْسَحِبٌ عَلَى بَنِي الْمَحْجُورِ
وَيَعْقِدُ النِّكَاحَ لِلْإِمَاءِ
…
وَالنَّصُّ فِي عَقْدِ الْبَنَاتِ جَائِي
وَعَقْدُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ جَارِ
…
بِجَعْلِهِ فِي الْبِكْرِ كَالْإِجْبَارِ
يَعْنِي: أَنَّ الْوَصِيَّ عَلَى الْمَحْجُورِ يَكُونُ وَصِيًّا أَيْضًا عَلَى أَوْلَادِ ذَلِكَ الْمَحْجُورِ وَيَنْسَحِبُ نَظَرُهُ عَلَيْهِمْ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ لَا يَنْسَحِبُ وَلَا يَكُونُ لِوَصِيِّ أَبِيهِمْ عَلَيْهِمْ نَظَرٌ، وَعَلَى الِانْسِحَابِ فَلَهُ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ عَلَى إمَاءِ مَحْجُورِهِ وَبَنَاتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا إشْكَالَ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَكَذَلِكَ إذَا جَعَلَ الْمُوصِي لَهُ الْإِجْبَارَ فَقَوْلُهُ جَارٍ بِجَعْلِهِ فِي الْبِكْرِ كَالْإِجْبَارِ يَعْنِي إنْ عَقَدَ الْوَصِيُّ نِكَاحَ الْأَبْكَارِ مِنْ بَنَاتِ مَحْجُورِهِ جَبْرًا قَبْلَ بُلُوغِهِنَّ يَجْرِي مَجْرَى الْإِجْبَارِ الْحَاصِلِ بِجَعْلِ الْمُوصِي ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ فِي أَبْكَارِ بَنَاتِهِ فَإِذَا جَعَلَ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ كَانَ لَهُ جَبْرُ بَنَاتِ الْمَحْجُورِ كَمَا يُجْبِرُ بَنَاتِ الْوَصِيِّ هَذَا مُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي لَفْظِ الْإِمَاءِ وَالْبَنَاتِ بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ الْمَحْجُورُ لَا عَلَى الْمُضَافِ الَّذِي هُوَ بَنِي، أَيْ: وَيَعْقِدُ الْوَصِيُّ نِكَاحَ إمَائِهِ وَنِكَاحَ بَنَاتِهِ.
فَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ رحمهم الله فِي الرَّجُلِ إذَا كَانَ وَصِيًّا عَلَى سَفِيهٍ فَوُلِدَ لِلسَّفِيهِ وَلَدٌ فَهَلْ لِلْمُوصِي أَنْ يَنْظُرَ عَلَى ابْنِ السَّفِيهِ كَمَا يَنْظُرُ عَلَى الْوَلَدِ أَمْ لَا، فَذَهَبَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ بْنُ بَقِيِّ بْنِ زَرْبٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ وَخَالَفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ فِي ذَلِكَ وَقَالَا: إنَّهُ يَنْظُرُ عَلَيْهِ كَمَا عَلَى أَبِيهِ، قَالَا: وَالْقَضَاءُ عِنْدَنَا بِذَلِكَ. اهـ.
وَفِي مُفِيدِ (ابْنِ هِشَامٍ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ: وَقَدْ جَاءَتْ الرِّوَايَةُ مَنْصُوصَةٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْوَصِيَّ يُنْكِحُ بَنَاتَ مَحْجُورِهِ يُرِيدُهُ فِي الْبَنَاتِ الْأَبْكَارِ الْبَالِغَاتِ وَالثَّيِّبَاتِ اللَّائِي لَمْ يَمْلِكْنَ أُمُورَ أَنْفُسِهِنَّ.
وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رَآهُ وَصِيًّا عَلَيْهِنَّ بِكَوْنِهِ وَصِيًّا عَلَى آبَائِهِنَّ وَهُوَ دَلِيلُ مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَقُولُ: إنَّ الْوَصِيَّ لَا يَكُونُ وَصِيًّا عَلَى بَنَاتِ مَحْجُورِهِ إلَّا بِتَقْدِيمِ السُّلْطَانِ فَعَلَى هَذَا لَا يُزَوِّجُ أَحَدًا مِنْ بَنَاتِهِ وَأَمَّا أُمُّهُ فَلَيْسَ لَهَا بِوَلِيٍّ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُزَوِّجَهَا فَالْوَصِيُّ يُزَوِّجُ إمَاءَ مَحْجُورِهِ بِلَا خِلَافٍ وَيُزَوِّجُ بَنَاتِهِ اللَّائِي لَمْ يَمْلِكْنَ أَمْرَ أَنْفُسِهِنَّ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ وَلَا يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ اللَّائِي قَدْ مَلَكْنَ أَنْفُسَهُنَّ وَلَا أَخَوَاتِهِ وَلَا قَرَابَاتِهِ فَإِنْ فَعَلَ مَضَى عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
(أَقُولُ) النَّصُّ الَّذِي ذَكَرَ الشَّيْخُ رحمه الله أَنَّهُ جَاءَ فِي عَقْدِ الْبَنَاتِ هُوَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهَا جَاءَتْ مَنْصُوصَةً عَنْ مَالِكٍ وَفِي وَثَائِقِ (ابْنِ فَتْحُونٍ) أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ مَوْلَيَاتِ الْمُوصِي وَأَخَوَاتِهِ وَسَائِرَ بَنَاتِهِ وَذِي قَرَابَتِهِ مِنْ كُلِّ مَنْ كَانَتْ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا إلَى الْمُوصِي ثَيِّبَاتٍ كُنَّ أَوْ أَبْكَارًا وَيَنْزِلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَنْزِلَتَهُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ مِنْ الْمَدَنِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إذَا كَانَ يَلِي الذُّكُورَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُوصِي لِأَنَّهُ يَنْظُرُ لَهُمْ وَيُنْفِذُ عَلَيْهِمْ مَا يُنْظَرُونَ فِيهِ وَيُنْفِذُونَهُ بَعْدَ رُشْدِهِمْ وَإِنْكَاحُ وَلِيَّتِهِمْ أَحَقُّ مَا يَنْظُرُ لَهُمْ فِيهِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ عَلَى الْإِنَاثِ مِنْهُمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنَاثَ لَيْسَ إلَيْهِنَّ الْإِنْكَاحُ بَعْدَ الرُّشْدِ فَافْتَرَقَا لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمِثْلُ هَذَا ذَكَرَ ابْنُ سَهْلٍ
فِي أَحْكَامِهِ. اهـ.
(قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ بِفَضْلِهِ) سَمِعْتُ مِنْ شَيْخِنَا الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَلَامَةِ الْحَافِظِ الْمُتَفَنِّنِ الْخَطِيبِ الْبَلِيغِ أَبِي الْعَبَّاسِ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْمُقْرِي التِّلْمِسَانِيِّ رحمه الله عَبْرَ مَا مَرَّ فِي حَالِ قِرَاءَةِ مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ قَالَ يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي انْسِحَابِ نَظَرِ الْوَصِيِّ عَلَى أَوْلَادِ مَحْجُورِهِ مَحِلُّهَا فِي حَيَاةِ الْمَحْجُورِ وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّفِقَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ نَظَرٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ عَلَيْهِمْ إنَّمَا كَانَ بِحَسَبِ التَّبَعِ لِأَبِيهِمْ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ إذَا عُدِمَ الْمَتْبُوعُ عُدِمَ التَّابِعُ وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْفِقْهِ مِنْهَا مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَمَاتَ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَالَهُ فَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ كَمَا يَجُوزُ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَازَالَ بِيَدِهِ، فَأَمَّا الْآنَ فَلَا يُبَاعُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ مُنْفَرِدًا وَكَذَلِكَ النَّخْلُ وَالْأَرْضُ إذَا بَاعَهُمَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ زَرْعَ الْأَرْضِ أَوْ ثَمَرَ النَّخْلِ فَاعْلَمْهُ.
وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ أُخَرُ ذُكِرَتْ فِي مَحَلِّهَا وَقَدْ قُلْتُ فِي ذَلِكَ فِي تَكْمِيلِ الْمَنْهَجِ الْمُسَمَّى بِبُسْتَانِ فِكْرِ الْمَنْهَجِ فِي تَكْمِيلِ الْمَنْهَجِ:
وَمَا يَجُوزُ فِعْلُهُ بِالتَّبَعِ
…
فَشَرْطُهُ بَقَاءُ مَتْبُوعٍ فَعِ
كَبَيْعِ خِلْفَةٍ وَمَالُ الْقِنِّ
…
وَالزَّرْعُ وَالثِّمَارُ مِنْ ذَا الْفَنِّ
خِدْمَةُ أُمِّ وَلَدٍ إذَا حَرُمْ
…
عَلَيْهِ وَطْؤُهَا لِذِي الْأَصْلِ تُضَمْ
وَشَيْخُنَا الْمُقْرِي قَاسَ نَظَرَا
…
أَوْلَادَ مَحْجُورٍ لَهُ مَوْتٌ عَرَى
لَمْ يَبْقَ لِلْوَصِيِّ عَلَيْهِمْ مِنْ نَظَرْ
…
لِفَقْدِ مَتْبُوعٍ كَمَا قَبْلُ غَبَرْ.
قَالَ النَّاظِمُ رحمه الله:
وَالنَّقْلُ لِلْإِيصَاءِ غَيْرُ مُعْمَلٍ
…
إلَّا لِعُذْرٍ أَوْ حُلُولِ أَجَلٍ
وَلَا يُرَدُّ الْعَقْدُ بَعْدَ أَنْ قَبِلْ
…
إنْ مَاتَ مُوصٍ وَلِعُذْرٍ يَنْعَزِلْ
وَلَا رُجُوعَ إنْ أَبَى تَقَدُّمَهْ
…
مِنْ بَعْدِ أَنْ مَاتَ الَّذِي قَدْ قَدَّمَهْ
اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ الثَّلَاثَةُ عَلَى مَسَائِلَ، كُلُّ بَيْتٍ عَلَى مَسْأَلَةٍ، وَالْمُنَاسِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَأْخِيرُ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى نَقْلِ الْإِيصَاءِ الْكَائِنِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَلُزُومِهِ فَيُؤَخَّرُ عَنْ الْبَيْتَيْنِ بَعْدَهُ الْمُشْتَمِلَيْنِ عَلَى مَا يَلْزَمُ بِهِ الْإِيصَاءُ، وَمَا لَا يَلْزَمُ. (فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْوَصِيَّ الَّذِي لَزِمَهُ حُكْمُ الْإِيصَاءِ لِقَبُولِهِ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا سِيَّمَا بَعْدَ التَّصَرُّفِ فِي تَرِكَةِ الْمُوصِي إذَا أَرَادَ عَزْلَ نَفْسِهِ عَنْ الْإِيصَاءِ وَجَعْلِهِ لِغَيْرِهِ فِي حَيَاتِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِعُذْرٍ حَصَلَ لَهُ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ النَّظَرُ فِي الْإِيصَاءِ الْمَذْكُورِ كَاخْتِلَالِ عَقْلٍ وَنَحْوِهِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ يَرَاهُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَكَذَا لَهُ هُوَ أَنْ يُسْنِدَ الْإِيصَاءَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى غَيْرِهِ قَالَ فِي (الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) فَإِنْ ذَهَبَ الْوَصِيُّ فِي حَيَاتِهِ أَنْ يُفَوِّضَ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَنْظُرُ بِأَمْرِهِ.
وَفِي (الْمُتَيْطِيَّةِ) وَلِلْوَصِيِّ إذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَنْ يُوصِيَ بِمَا جَعَلَ الْمُوصِي إلَيْهِ إلَى مَنْ شَاءَ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا بِالنَّظَرِ وَيَكُونُ وَصِيُّ الْوَصِيِّ كَالْوَصِيِّ. اهـ. (وَفِي مَجَالِسِ الْقَاضِي الْمِكْنَاسِيِّ مَا نَصُّهُ) فَإِنْ أَرَادَ الْوَصِيُّ أَنْ يَنْحَلَّ عَنْ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لِغَيْرِ عُذْرٍ ثَبَتَ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ . قُلْت: فَرَّقَ ابْنُ عَاتٍ بَيْنَ قَبُولِ الْوَصِيِّ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنْ كَانَ قَبُولُهُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَلَا يُحِلُّهُ الْقَاضِي إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ عُذْرٍ يُوجِبُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَبُولُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلِلْقَاضِي أَنْ يُعْفِيَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ. اهـ.
(وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا قَبِلَ الْوَصِيُّ الْإِيصَاءَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَى قَبُولِهِ إلَى مَوْتِ الْمُوصِي فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدُ فَإِنْ حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ انْعَزَلَ.
(وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا امْتَنَعَ الْوَصِيُّ مِنْ قَبُولِ الْإِيصَاءِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ثُمَّ بَدَا لَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَقْبَلَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَى هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: لَا بَعْدَهُمَا، أَيْ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ عَزْلُ نَفْسِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبُولِ الْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ قَبُولُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ إلَى مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ كَانَ قَبُولُهُ بَعْدَهُ ثُمَّ قَالَ، وَإِنْ أَبَى الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا قَبُولَ لَهُ بَعْدُ قَالَ فِي (الْمُقَرَّبِ) قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا قَبِلَ الْوَصِيُّ وَصِيَّةَ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَأَرَادَ أَنْ يَتْرُكَهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَقَدْ لَزِمَتْهُ وَفِي كِتَابِ (ابْنِ يُونُسَ) قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِذَا قَبِلَ الْوَصِيُّ الْوَصِيَّةَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.
(وَفِي مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ) وَإِذَا أَوْصَى رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ وَقَبِلَ الْمُوصَى إلَيْهِ ذَلِكَ ثُمَّ نَدِمَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَإِنْ أَقَالَهُ الْمُوصِي جَازَتْ إقَالَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُقِلْهُ أُلْزِمَ النَّظَرَ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ إنْ كَانَ قَدْ أَشْهَدَ بِالْقَبُولِ عَلَى نَفْسِهِ يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ إنْ كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ مَقْبُولٌ، (وَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ عَنْ أَشْهَبَ) وَإِذَا أَبَى مِنْ قَبُولِهَا فِي حَيَاتِهِ وَأَبَى مِنْهَا أَيْضًا بَعْدَ مَمَاتِهِ ثُمَّ أَرَادَ قَبُولَهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ السُّلْطَانُ لِحُسْنِ نَظَرِهِ. اهـ.
(ابْنُ رُشْدٍ) وَلِلْوَصِيِّ عَزْلُ نَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبُولِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي (ابْنُ عَرَفَةَ) ظَاهِرُ الْمَعُونَةِ خِلَافُ هَذَا وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَبِلَ الْوَصِيُّ الْوَصِيَّةَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (أَشْهَبُ) لَوْ قَبِلَ الْوَصِيُّ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ جَاءَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ لَهُمْ لَزِمَتْهُ الْوَصِيَّةُ. انْتَهَى عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاقِ.
(فَرْعٌ) الْوَصِيَّانِ الْمُشْتَرِكَانِ فِي الْإِيصَاءِ هَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا جُعِلَ إلَيْهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ أَوْ لَا ثَالِثُهَا لِشَرِيكِهِ فِي الْإِيصَاءِ لَا لِغَيْرِهِ وَعَلَى الثَّانِي ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ وَلَا لِأَحَدِهِمَا إيصَاءٌ اُنْظُرْ الشَّارِحَ وَالْمَوَّاقَ.
وَكُلُّ مَنْ قُدِّمَ مِنْ قَاضٍ فَلَا
…
يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْهُ بَدَلَا
كَذَاك لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَزِلَا
…
إلَّا لِعُذْرٍ بَيِّنٍ إنْ قَبِلَا
أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَجُوزُ لِمُقَدَّمِ الْقَاضِي عَلَى النَّظَرِ لِلْيَتِيمِ أَنْ يُوَكِّلَ بِمَا جُعِلَ إلَيْهِ أَحَدًا غَيْرَ حَيٍّ أَوْ مَاتَ وَلَا أَنْ يُوصِيَ إلَى أَحَدٍ وَهُوَ خِلَافُ وَصِيِّ الْأَبِ قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنُ الْهِنْدِيِّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُوَثَّقِينَ (قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِحُضُورِ أَعْيَانِ الْقُضَاةِ الْمُقَدَّمِينَ لَهُمْ، وَأَمَّا الْأَبُ فَقَدْ فَاتَتْ عَيْنُهُ فَوَصِيُّهُ بِمَنْزِلَتِهِ وَفِيهَا أَيْضًا وَإِذَا قَبِلَ الْوَصِيُّ التَّقْدِيمَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْحَلَّ عَنْ ذَلِكَ إلَّا لِعُذْرٍ يَتَبَيَّنُ لِلْقَاضِي يُوجِبُ حِلَّهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَمَاتِهِ وَلَيْسَ هُوَ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ لِلْأَبِ. اهـ. فَقَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْهُ بَدَلًا يَشْتَمِلُ التَّوْكِيلَ فِي الْحَيَاةِ وَالْإِيصَاءَ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَقُدِّمَ بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ وَيَجْعَلَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَفَاعِلُهُ يَعُودُ عَلَى مَنْ قَدَّمَ، وَبَدَلَا: مَفْعُولٌ بِيَجْعَلَ، وَضَمِيرٌ مِنْهُ يَعُودُ عَلَى قَدَّمَ أَيْضًا.
أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي إلَى قَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ فِي الرَّجُلِ يُوَكِّلُهُ السُّلْطَانُ عَلَى النَّظَرِ لِلْيَتِيمِ فَيُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْعَزِلَ عَنْ ذَلِكَ عُزِلَ ذَلِكَ السُّلْطَانُ أَوْ لَمْ يُعْزَلْ إلَّا أَنْ يُلْزِمَهُ السُّلْطَانُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَيُوَلِّي غَيْرَهُ لِحُسْنِ نَظَرِهِ. اهـ.
وَصَالِحٌ لَيْسَ يُجِيدُ النَّظَرَا
…
فِي الْمَالِ إنْ خِيفَ الضَّيَاعُ حُجِرَا
وَشَارِبُ الْخَمْرِ إذَا مَا ثَمَّرَا
…
لِمَا يَلِي مِنْ مَالِهِ لَنْ يُحْجَرَا
يَعْنِي أَنَّ الصَّالِحَ الَّذِي لَا يُحْسِنُ النَّظَرَ فِي مَالِهِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ إنْ خِيفَ عَلَى مَالِهِ الضَّيَاعُ وَشَارِبُ الْخَمْرِ إذَا كَانَ يَشْمَلُ مَا يَلِي مِنْ مَالِهِ وَيُنَمِّيه فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ مَعْصِيَتِهِ بِمَا يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فَكَلَامُ
النَّاظِمِ فِيمَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ، فَالْأَوَّلُ يَسْتَأْنِفُ حَجْرَهُ، وَالثَّانِي يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ (قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّة) وَإِذَا كَانَ الْيَتِيمُ فَاسِقًا وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ نَاظِرًا لِنَفْسِهِ ضَابِطًا لِمَالِهِ وَجَبَ إطْلَاقُهُ مِنْ الْوِلَايَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ فِي دِينِهِ وَالِاسْتِقَامَةِ فِي أَحْوَالِهِ وَلَمْ يَكُنْ نَاظِرًا فِي مَالِهِ لَمْ يَجِبْ إطْلَاقُهُ مِنْ الْوِلَايَةِ.
وَمَنْ كَانَ بِحَالِ تَبْذِيرٍ وَضَعْفِ نَظَرٍ فِي مَالِهِ مِمَّنْ لَمْ يُوَلَّ عَلَيْهِ وَكَانَ صَالِحًا فِي دِينِهِ وَجَبَ أَنْ يُوَلَّى عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَنْ كَانَ فَاسِقًا فِي دِينِهِ حَسَنَ النَّظَرِ فِي مَالِهِ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ بِالتَّقْدِيمِ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ إنَّمَا هُوَ لِضَبْطِ الْمَالِ لَا لِفَسَادِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّ فَسَادَ أَحْوَالِ الرَّجُلِ لَا تَعْدُوهُ إلَى غَيْرِهِ وَإِذَا بَذَّرَ مَالَهُ وَأَتْلَفَهُ صَارَ عَالَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَرَجَعَتْ نَفَقَتُهُ إلَى بَيْتِ مَالِهِمْ فَوَصَلَ بِتَبْذِيرِهِ إلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ضَرَرٌ فَلِهَذَا ضُرِبَ عَلَى يَدَيْهِ وَبِهَذَا الْفُتْيَا وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. اهـ.
وَأَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِ الْمُتَيْطِيِّ وَمَنْ كَانَ بِحَالِ تَبْذِيرٍ وَضَعْفِ نَظَرٍ إلَخْ، وَبِالْبَيْتِ الثَّانِي لِقَوْلِهِ: وَمَنْ كَانَ فَاسِقًا فِي دِينِهِ إلَخْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْأَوَّلِ: حُجِرَا، وَقَوْلِهِ فِي الثَّانِي: لَنْ يُحْجَرَا إذْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنْ لَا حَجْرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ.
وَاسْتَغْنَى النَّاظِمُ بِهَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ عَنْ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُمَا فِي كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ وَهُمَا إطْلَاقُ مَنْ يُجِيدُ النَّظَرَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَرْضِيِّ الْحَالِ وَاسْتِصْحَابُ الْحَجْرِ عَلَى مَنْ لَا يُجِيدُ النَّظَرَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَدَمُ إجَادَةِ النَّظَرِ فِي الْمَالِ مِنْ الصَّالِحِ مُوجِبًا لِاسْتِئْنَافِ حَجْرِهِ فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِاسْتِدَامَتِهِ وَإِذَا كَانَ تَثْمِيرُ الْمَالِ حَتَّى مِنْ غَيْرِ مَرْضِيِّ الْحَالِ مَانِعًا مِنْ ابْتِدَاءِ الْحَجْرِ فَكَذَلِكَ يُمْنَعُ مِنْ اسْتِصْحَابِهِ مِنْ بَابِ لَا فَارِقَ قَالَهُ الشَّارِحُ رحمه الله وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَلِلْوَصِيِّ جَائِزٌ أَنْ يَتَّجِرَا
…
لَكِنَّهُ يَضْمَنُ مَهْمَا غَرَّرَا
يَعْنِي: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِ الْيَتِيمِ وَلَا يُغَرِّرَ بِهِ فَإِنْ فَعَلَ وَهَلَكَ ضَمِنَهُ قَالَ الْقَلْشَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الرِّسَالَةِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِ الْيَتَامَى وَيُزَوِّجَ إمَاءَهُمْ يَعْنِي أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِ الْيَتَامَى لَهُمْ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لَهُمْ وَالْوَضِيعَةَ عَلَيْهِمْ وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ قِرَاضًا لِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّجِرَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَإِنْ فَعَلَ فَقِيلَ: الرِّبْحُ لَهُمْ وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الرِّبْحُ لَهُ وَعَلَيْهِ الْخَسَارَةُ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَلِيًّا فَالرِّبْحُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالرِّبْحُ لِلْأَيْتَامِ. اهـ.
وَفِي طُرَرِ (ابْنِ عَاتٍ) رَأَيْتُ لِبَعْضِ الْمُفْتِينَ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا كَانَ أَخًا لِلْيَتَامَى وَكَانَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا فَتَجَرَ بِهِ فَالرِّبْحُ لَهُ، قَالَ حَسَنٌ أَنْ يُوَاسِيَ مِنْهُ الْيَتَامَى وَفِي (الْمُقَرَّبِ) فِي تَفْسِيرِ ابْنِ مُزَيْنٍ قَالَ وَسَأَلْتُ عِيسَى عَنْ تَفْسِيرِ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلْهَا الزَّكَاةُ، يَعْنِي: أَنْ يُقَارِضَ بِمَالِ الْيَتَامَى أَهْلَ الثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ أَوْ يَبْضَعَ مَعَهُمْ فَتَكُونُ زَكَاةُ الْمَالِ مِنْ رِبْحِهِ قَالَ وَيُكْرَهُ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ قِرَاضًا لِنَفْسِهِ قَالَ يَحْيَى: قُلْتُ: لَهُ، فَإِنْ فَعَلَ قَالَ: إنْ أَخَذَهُ عَلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ وَلَمْ يَغُشَّ الْيَتِيمَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ ذَهَبَ الْمَالُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. اهـ. وَجَائِزٌ مُبْتَدَأٌ، وَلِلْوَصِيِّ يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَأَنْ يَتَّجِرَ فِي مَحَلِّ رَفْعِ فَاعِلٍ بِجَائِزٍ، وَمُتَعَلِّقُ يَتَّجِرُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ أَيْ بِمَالِ الْيَتِيمِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: لِلْقَاضِي أَنْ يَعْرِضَ لِلْوَصِيِّ أُجْرَةً عَلَى نَظَرِهِ اهـ.
وَعِنْدَمَا يَأْنُسُ رُشْدَ مَنْ حُجْر
…
يُطْلِقُهُ وَمَالَهُ لَهُ يَذَرْ
وَحَيْثُ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ تَصَدَّى
…
أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ لَأَنْ تَعَدَّى
يَعْنِي: أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا آنَسَ وَأَبْصَرَ وَرَأَى مِنْ مَحْجُورِهِ الرُّشْدَ وَحُسْنَ الْحَالِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ فِي حَقِّهِ أَنْ يُرْشِدَهُ وَيُطْلِقَهُ مِنْ ثِقَافِ الْحَجْرِ وَيُعْطِيَهُ مَالَهُ وَيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَضَاعَ الْمَالُ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ بِعَدَمِ تَرْشِيدِ الْمَحْجُورِ الْمَذْكُورِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى