الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّجُلِ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ الْإِمَامُ فِي أَمْرِهِ فَيَسْجُنُهُ وَيَتَجَسَّسُ عَنْ أَمْرِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ صِحَّةُ دَعْوَى الْمَرْأَةِ لَزِمَهُ الصَّدَاقُ أَوْ بُطْلَانُ دَعْوَاهَا بَرِئَ.
وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ أَمْرِهِ شَيْءٌ حَلَفَ أَنَّهُ مَا وَطِئَ وَبَرِيءَ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَوَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ صَدَاقُ مِثْلِهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ:
وَإِنْ يَكُنْ مَجْهُولَ حَالٍ فَيَجِبْ
(الْبَيْتَ) فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَحَلَّهُ قَبْلَ أَوَّلِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ مُتَّصِلًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُشْتَهَرِ بِالْفِسْقِ، وَالْمُشْتَهَرُ بِالْفِسْقِ لَيْسَ مَجْهُولَ الْحَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ:) وَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْفِسْقِ وَلَا تَأْتِيَ مُتَعَلِّقَةً بِهِ فَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِيهِ حَدُّ الْقَذْفِ لِلرَّجُلِ وَلَا حَدُّ الزِّنَا لِنَفْسِهَا، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَا صَدَاقَ لَهَا وَيَنْظُرُ الْإِمَامُ فِي أَمْرِهِ فَيَسْجُنُهُ وَيَتَجَسَّسُ عَنْ أَمْرِهِ، وَيَفْعَلُ فِيهِ مَا يَكْشِفُ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْكَشِفْ مِنْ أَمْرِهِ شَيْءٌ اُسْتُحْلِفَ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَاسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ صَدَاقَ مِثْلِهَا.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْفِسْقِ وَتَأْتِيَ مُتَعَلِّقَةً بِهِ مُتَشَبِّثَةً تَدْمَى إنْ كَانَتْ بِكْرًا فَهَذَا الْوَجْهُ يُسْقِطُ عَنْهَا حَدَّ الْقَذْفِ لِلرَّجُلِ وَحَدَّ الزِّنَا، وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ. وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الصَّدَاقِ لَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَجِبُ وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ لِلْأَمَةِ مَا نَقَصَهَا فَأَحْرَى أَنْ يُوجِبَ لِلْحُرَّةِ صَدَاقَ مِثْلِهَا. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ وَهِيَ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ فِي الْقَذْفِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ أَشَرَّ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْرَقِ فِي زَمَانِهِ. وَالثَّالِثُ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ إنَّهُ يَجِبُ لَهَا الصَّدَاقُ إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَلَا شَيْءَ لَهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً.
وَاخْتُلِفَ إذَا وَجَبَ لَهَا الصَّدَاقُ بِدَعْوَاهَا مَعَ مَا بَلَغَتْ إلَيْهِ مِنْ فَضِيحَةِ نَفْسِهَا: هَلْ يَجِبُ بِيَمِينٍ أَوْ بِغَيْرِ يَمِينٍ؟ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَأْخُذُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهَا لَا تَأْخُذُ إلَّا بَعْدَ الْيَمِينِ. وَهُوَ أَوْضَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ لَمْ يَكُنْ لَهَا صَدَاقٌ وَاسْتُحْلِفَ هُوَ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَأَخَذَتْ صَدَاقَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. اهـ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ إلَخْ هُوَ الَّذِي تَبِعَ الْمُؤَلِّفَ فِي ذِكْرِهِ ذَلِكَ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ
[فَصْلٌ فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ]
(فَصْلٌ فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ)(ابْنُ عَرَفَةَ) السَّرِقَةُ أَخْذُ مُكَلَّفٍ حُرًّا لَا يَعْقِلُ لِصِغَرِهِ أَوْ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ نِصَابًا أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ بِقَصْدٍ وَاحِدٍ خُفْيَةً لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ. (قَالَ الرَّصَّاعُ) : السَّرِقَةُ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ سَرَقَ وَيُقَالُ فِي الْمَصْدَرِ سَرَقًا، قَالَ الْمَازِرِيُّ هِيَ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ، هَذَا حَدُّهَا عُرْفًا فَيَخْرُجُ أَخْذُهُ قَهْرًا وَغَصْبًا وَحِرَابَةً وَغِيلَةً وَخَدِيعَةً. قَالُوا: وَيَرِدُ عَلَيْهِ الِاخْتِلَاسُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا بَعْضُ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخُ فِي قَيْدِهِ فِي الطَّرْدِ، وَمَا أَدْخَلَ فِي الْعَكْسِ، فَقَوْلُهُ: أَخْذُ، مُنَاسِبٌ لِاسْمِ الْمَصْدَرِ، وَإِذَا أُرِيدَ الِاسْمُ قِيلَ: مَأْخُوذُ مُكَلَّفٍ حُرًّا لَا يَعْقِلُ. إلَخْ.
وَأَخْرَجَ بِالْمُكَلَّفِ الْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ إلَى أَنْ يَحْتَلِمَ أَوْ يَبْلُغَ سِنَّ الِاحْتِلَامِ عَادَةً. وَقَوْلُهُ: لَا يَعْقِلُ. أَدْخَلَ بِهِ الصَّبِيَّ قَبْلَ بُلُوغِهِ إذَا لَمْ يَعْقِل إذَا أُخِذَ مِنْ حِرْزِهِ فَإِنَّهُ سَرِقَةٌ يُقْطَعُ بِهِ. وَمَعْنَى: لَا يَعْقِلُ لَا يَفْهَمُ لِقُوَّةِ صِغَرِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْبَهِيمَةِ لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا وَلَا تَتَكَلَّمُ بِمَا يُفْهَمُ عَنْهَا، وَقَوْلُهُ: نِصَابًا أَيْ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ مِنْ الْعُرُوضِ، وَهَلْ الْمُرَاد مَا قَصَدَ كَوْنَهُ نِصَابًا فَيَرِدُ عَلَيْهِ مَنْ سَرَقَ ثَوْبًا خَلِقًا فَوَجَدَ فِيهِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ مَعَ كَوْنِهِ إنَّمَا قَصَدَ الثَّوْبَ الَّذِي لَيْسَ بِنِصَابٍ؟ أَوْ الْمُرَادُ مَا وَجَدَ فِيهِ النِّصَابَ فَيَرِدُ عَلَيْهِ إذَا سَرَقَ خَشَبَةً فَوَجَدَ فِيهَا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ. وَالْأَوَّلُ وَارِدٌ عَلَى الْعَكْسِ وَالثَّانِي عَلَى الطَّرْدِ.
وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ نِصَابٌ مَوْجُودٌ مَقْصُودٌ. وَقَوْلُهُ: مِنْ حِرْزِهِ. أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ حِرْزِهِ أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ حِرْزٌ بِوَجْهٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ مَالًا مُحْتَرَمًا أَخْرَجَ بِهِ أَخْذَ غَيْرِ الْأَسِيرِ مَالَ حَرْبِيٍّ وَسَرِقَةَ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِمَّا يَجُوزُ مِلْكُهُ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: بِقَصْدٍ وَاحِدٍ. ذَكَرَهُ لِيُدْخِلَ بِهِ إذَا سَرَقَ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ، ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ مِرَارًا بِقَصْدٍ وَاحِدٍ حَتَّى كَمُلَ النِّصَابُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَقَوْلُهُ: لَا شُبْهَةَ فِيهِ يُخْرِجُ أَخْذَ الْأَبِ
مَالَ ابْنِهِ، وَمَنْ أَخَذَ طَعَامًا فِي {زَمَنِ} الْمَجَاعَةِ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ، وَالْعَبْدُ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَحَقُّهُ أَنْ يُقَيِّدَ الشُّبْهَةَ بِالْقَوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يُقْطَعُ. وَقَوْلُهُ: خُفْيَةً أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْخُفْيَةِ إذَا كَانَ غَلَبَةً قَهْرًا أَوْ ظُلْمًا.
وَمُدَّعٍ عَلَى امْرِئٍ أَنْ سَرَقَهْ
…
وَلَمْ تَكُنْ دَعْوَاهُ بِالْمُحَقَّقَهْ
فَإِنْ يَكُنْ مُدَّعِيًا ذَاكَ عَلَى
…
مَنْ حَالُهُ فِي النَّاسِ حَالُ الْفُضَلَا
فَلَيْسَ مِنْ كَشْفٍ لِحَالِهِ وَلَا
…
يَبْلُغُ بِالدَّعْوَى عَلَيْهِ أَمَلَا
وَإِنْ يَكُنْ مُطَالِبًا مِنْ يُتَّهَمْ
…
فَمَالِكٌ بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ حَكَمْ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ سُرِقَ لَهُ مَالٌ فَادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ وَلَمْ يُحَقِّقْ عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَإِنَّمَا كَانَتْ تُهْمَةً فَقَطْ وَالتُّهْمَةُ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هِيَ الدَّعْوَى الَّتِي لَا تُحَقَّقُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. هَذَا ظَاهِرُ لَفْظِ الشَّيْخِ وَفَسَّرَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ:
وَلَمْ تَكُنْ دَعْوَاهُ بِالْمُحَقَّقَهْ
لِكَوْنِ الدَّعْوَى لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهَا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى حَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالْفَضْلِ بَعِيدًا عَنْ التُّهْمَةِ بِمِثْلِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يُكْشَفُ عَنْ حَالِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ لِهَذِهِ الدَّعْوَى لِبُعْدِهَا عَادَةً زَادَ الشَّارِحُ: وَعَدَمُ تَحْقِيقِهَا عَلَيْهِ وَلَا تُفِيدُ مُدَّعِيَهَا شَيْئًا.
وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ يُتَّهَمُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ أَنْ يُسْجَنَ حَتَّى يُخْتَبَرَ حَالُهُ وَقَدْ يُشَدَّدُ عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ بِحَسَبِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ الْحَالِيَّةُ مِنْ شُهْرَةِ تُهْمَتِهِ وَثُبُوتِ مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً وَاتَّهَمَ بِهَا مَنْ لَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ وَلَا يُتَّهَمُ فَلَا يُكْشَفُ، وَأَمَّا أَهْلُ التُّهَمِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُكْشَفُوا وَيُسْتَقْصَى عَلَيْهِمْ وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِ الضَّرْبُ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالْعُلَمَاءِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ قَالَ: وَمَنْ جَاءَ إلَى الْوَالِي بِرَجُلٍ فَقَالَ: سَرَقَ مَتَاعِي فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِذَلِكَ مُتَّهَمًا هُدِّدَ وَامْتُحِنَ وَحُلِّفَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ وَفِيهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قُلْتُ لِمُطَرِّفٍ فِيمَنْ سُرِقَ لَهُ مَتَاعٌ فَاتَّهَمَ مِنْ جِيرَانِهِ رَجُلًا غَيْرَ مَعْرُوفٍ أَوْ اتَّهَمَ رَجُلًا غَرِيبًا لَا يُعْرَفُ حَالُهُ أَيُسْجَنُ حَتَّى يُكْشَفَ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَا يُطَالُ سَجْنُهُ.
وَذَكَرُوا «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ رَجُلًا اتَّهَمَهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ بِسَرِقَةِ بَعِيرِهِ وَقَدْ صَحِبَهُ فِي السَّفَرِ» قَالَ مُطَرِّفٌ وَإِنْ كَانَ الْمُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ مَعْرُوفًا بِهَا كَانَ سَجْنُهُ أَطْوَلَ وَإِنْ وُجِدَ مَعَهُ مَعَ ذَلِكَ بَعْضُ السَّرِقَةِ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ. وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ غَيْرُ مَا فِي يَدَيْهِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ، حَبَسَهُ وَكَشَفَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ حَبَسَهُ أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ فِي السِّجْنِ. وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَفِيهِ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ يُسْجَنُ بِقَدْرِ رَأْيِ الْإِمَامِ ثُمَّ يُعَاقَبُ وَيُسَرَّحُ وَلَا يُسْجَنُ حَتَّى يَمُوتَ. قَالَ أَشْهَبُ إذَا شُهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فَإِنَّهُ يُسْجَنُ بِقَدْرِ مَا اُتُّهِمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى قَدْرِ حَالِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُجْلَدُ بِالسَّوْطِ مُجَرَّدًا.
اهـ نَقْلُ الشَّارِحِ فَانْظُرْ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَاتُّهِمَ بِهَا مَنْ لَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ. وَقَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ لِمُطَرِّفٍ: فَاتَّهَمَ مِنْ جِيرَانِهِ رَجُلًا غَيْرَ مَعْرُوفٍ أَوْ اتَّهَمَ رَجُلًا غَرِيبًا وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ رَجُلًا اتَّهَمَهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ بِسَرِقَةِ بَعِيرِهِ. وَقَوْلَ مُطَرِّفٍ وَإِنْ كَانَ الْمُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِهَا. وَقَوْلَ أَشْهَبَ يُسْجَنُ بِقَدْرِ مَا اُتُّهِمَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّ دَعْوَى السَّرِقَةِ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ وَأَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ اتَّهَمَ رَجُلًا وَلَمْ يَجْزِمْ بِكَوْنِهِ هُوَ الَّذِي سَرَقَ مَتَاعَهُ وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الشَّارِحِ فِي حَلِّ كَلَامِ النَّاظِمِ وَعَدَمِ تَحْقِيقِهَا عَلَيْهِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ مَنْ جَاءَ إلَى الْوَالِي بِرَجُلٍ فَقَالَ: سَرَقَ مَتَاعِي أَنَّ الدَّعْوَى مُحَقَّقَةٌ، وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ السَّرِقَةُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
وَحَكَمُوا بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ
…
مِنْ ذَاعِرٍ يُحْبَسُ لِاخْتِبَارِ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى السَّرِقَةَ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِهَا وَبِالذِّعَارَةِ فَحُبِسَ لِاخْتِبَارِ حَالِهِ فَأَقَرَّ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ وَهُوَ فِي السِّجْنِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ مِنْ الْإِقْرَارِ فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ فَلَا يَلْزَمُهُ فَفِي مُعِينِ ابْنِ عَبْدِ الرَّفِيعِ عَنْ سَحْنُونٍ وَإِذَا رُفِعَ لِلْقَاضِي رَجُلٌ يُعْرَفُ بِالسَّرِقَةِ وَالذِّعَارَةِ وَادَّعَى ذَلِكَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَحَبَسَهُ لِاخْتِبَارِ ذَلِكَ فَأَقَرَّ فِي السِّجْنِ بِمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ وَهَذَا الْحَبْسُ خَارِجٌ مِنْ الْإِكْرَاهِ. (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) : مَنْ أُخِذَ فِي تُهْمَةِ قَتْلٍ فَاعْتَرَفَ عِنْدَ السُّلْطَانِ بِغَيْرِ ضَرْبٍ ثُمَّ أَخْرَجَ الْمَقْتُولَ مِنْ بِئْرٍ أَوْ مَدْفِنٍ وَجَاءَ بِسَلَبِهِ فَلَمَّا أُمِرَ بِهِ لِيُقْتَلَ، قَالَ: مَا قَتَلْتُهُ وَلَكِنْ رَأَيْتُ مَنْ قَتَلَهُ. قُتِلَ وَلَا يَنْفَعُهُ إنْكَارُهُ وَكَذَلِكَ السَّارِقُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِقْرَارِ قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ فَلَا يَنْفَعُهُ رُجُوعُهُ
بَعْدَ إقْرَارِهِ وَلَا يُدْفَعُ عَنْهُ مَا لَزِمَهُ مِنْ الْقَتْلِ كَالْمَالِ يُقِرُّ بِهِ ثُمَّ يُنْكِرُ. اهـ (اللَّخْمِيُّ) فِيمَنْ أَقَرَّ بَعْدَ التَّهْدِيدِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِإِقْرَارِهِ وَلَا يُؤْخَذُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ أَخْرَجَ السَّرِقَةَ أَوْ الْقَتِيلَ فِي حَالِ التَّهْدِيدِ لَمْ أَقْطَعْهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ حَتَّى يُقِرَّ بَعْدَ ذَلِكَ آمِنًا.
وَعَلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَثَبَتَ بِإِقْرَارٍ إنْ طَاعَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ عَيَّنَ السَّرِقَةَ أَوْ أَخْرَجَ الْقَتِيلَ. اهـ وَالذَّاعِرُ الْمُخِيفُ الْمُفْزِعُ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: ذَعَرَ بِهِ ذُعْرًا أَفْزَعَهُ وَالِاسْمُ الذُّعْرُ بِالضَّمِّ، وَقَدْ ذُعِرَ فَهُوَ مَذْعُورٌ. اهـ وَقَالَ فِي الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: وَدَعِرَ الْعُودُ بِالْكَسْرِ يَدْعَرُ دَعْرًا فَهُوَ عُودٌ دَعِرٌ أَيْ رَدِيءٌ كَثِيرُ الدُّخَانِ، وَمِنْهُ أُخِذَتْ الدَّعَارَةُ وَهِيَ الْفِسْقُ وَالْخُبْثُ. يُقَالُ: هُوَ خَبِيثٌ دَاعِرٌ بَيِّنُ الدَّعَرِ وَالدَّعَارَةِ، وَالْمَرْأَةُ دَاعِرَةٌ. اهـ (وَفِي مُقَدِّمَةِ ابْنِ حَجَرٍ) فِي الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُ دُعَّارِ طَيِّئٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالتَّشْدِيدِ جَمْعُ دَاعِرٍ وَهُوَ السَّارِقُ. اهـ وَقَالَ فِي الْمُعْجَمَةِ: قَوْلُهُ: ذَعَرْتُهَا أَيْ أَفْزَعْتُهَا، وَقَوْلُهُ: ذُعْرًا أَيْ فَزَعًا. اهـ وَفِي الْمَشَارِقِ فِي الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَا نَصُّهُ: وَقَوْلُهُ: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ؟ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْعَيْنِ أَيْ فُسَّاقُهَا وَسُرَّاقُهَا وَشِرَارُهَا، وَالدَّاعِرُ الدَّنِيءُ الْفَاسِقُ. اهـ وَقَالَ فِي فَصْلِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَا ذَعَرْتُهُ أَيْ أَفْزَعْتُهُ، وَالذُّعْرُ الْفَزَعُ. اهـ
وَيُقْطَعُ السَّارِقُ بِاعْتِرَافِ
…
أَوْ شَاهِدَيْ عَدْلٍ بِلَا خِلَافِ
يَعْنِي أَنَّ السَّارِقَ إذَا اعْتَرَفَ بِالسَّرِقَةِ طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِهَا عَدْلَانِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ اتِّفَاقًا يَعْنِي مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ هُنَاكَ كَكَوْنِ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا، وَأَخَذَهُ مِنْ الْحِرْزِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. (قَالَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ) : وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ يَجِبُ بِأَمْرَيْنِ: إمَّا بِشَاهِدَيْنِ أَوْ بِإِقْرَارٍ يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْمُقِرُّ إلَى أَنْ يُحَدَّ (قَالَ الشَّارِحُ رحمه الله) : مِمَّا يَتَأَكَّدُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي شَأْنِ الشَّهَادَةِ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدَانِ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى عَيْنِ السَّرِقَةِ وَيَوْمِهَا حَسْبَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ نَعْجَةً وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ كَبْشًا وَاجْتَمَعَا فِي الْوَقْتِ وَالْمَوْضِعِ وَالْفِعْلِ فَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ، وَلَا تَجُوزُ وَلَا يُقْطَعُ.
وَلَوْ اجْتَمَعَا عَلَى الْكَبْشِ وَصِفَتِهِ وَقَالَ هَذَا: سُرِقَتْ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَقَالَ الْآخَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمْ تَجُزْ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ كَمَا لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ شَرِبَ أَمْسِ خَمْرًا وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ شَرِبَهُ الْيَوْمَ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْفِعْلِ لَا مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ وَشَهَادَتُهُمَا فِي الْقَذْفِ مِنْ مَعْنَى الْإِقْرَارِ يُقْضَى بِهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْيَوْمُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ سَرَقَ بِالْمَدِينَةِ وَآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ بِمِصْرَ لَمْ يُحَدَّ وَقَالَهُ أَصْبَغُ اهـ وَذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَا سُؤَالًا وَجَوَابًا لِأَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ الطَّرِيقَةِ الْفِقْرِيَّةِ الَّذِينَ اُشْتُهِرَ عَنْهُمْ تَحْلِيلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْتَ. (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) فِي شَهَادَةِ الزِّنَا وَنُدِبَ سُؤَالُهُمْ كَالسَّرِقَةِ مَا هِيَ؟ وَكَيْفَ أُخِذَتْ؟
وَمَنْ أَقَرَّ وَلِشُبْهَةٍ رَجَعْ
…
دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ فِي الَّذِي وَقَعْ
وَنَقَلُوا فِي فَقْدِهَا قَوْلَيْنِ
…
وَالْغُرْمُ وَاجِبٌ عَلَى الْحَالَيْنِ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ فَتَارَةً يَرْجِعُ لِشُبْهَةٍ وَتَارَةً يَرْجِعُ لِغَيْرِ شُبْهَةٍ فَإِنْ رَجَعَ لِشُبْهَةٍ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ وَإِنْ رَجَعَ لِغَيْرِ شُبْهَةٍ فَفِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُ قَوْلَانِ: قِيلَ: يُحَدُّ وَقِيلَ: لَا، وَأَمَّا الْغُرْمُ لِلسَّرِقَةِ فَيَغْرَمُهَا سَوَاءٌ رَجَعَ لِشُبْهَةٍ أَوْ لِغَيْرِ شُبْهَةٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَالْغُرْمُ وَاجِبٌ عَلَى الْحَالَيْنِ
فَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ لِشُبْهَةٍ وَلَمْ يُحَدَّ فَالْغُرْمُ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ إنْ رَجَعَ لِغَيْرِ شُبْهَةٍ، وَقُلْنَا: إنَّهُ لَا يُحَدُّ وَانْظُرْ عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْحَدِّ: هَلْ يَغْرَمُ السَّرِقَةَ أَمْ لَا؟
(قَالَ الشَّارِحُ) : وَفِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ: وَتَثْبُتُ السَّرِقَةُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إقْرَارُ السَّارِقِ. وَالثَّانِي: قِيَامُ شَاهِدَيْ عَدْلٍ فَإِذَا رَجَعَ الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ فَإِنْ رَجَعَ إلَى شُبْهَةٍ قُبِلَ رُجُوعُهُ وَسَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ وَلَزِمَهُ الْغُرْمُ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى غَيْرِ شُبْهَةٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ. وَالْآخَرُ لُزُومُهُ. (وَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ) : قَالَ مَالِكٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِيمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ مِحْنَةٍ ثُمَّ نَزَعَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَغْرَمْ الْمِائَةَ
لِمُدَّعِيهَا. وَقَالَ: لَا يُقَالُ إلَّا لِعُذْرٍ بَيِّنٍ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ» وَلِقَوْلِهِ «أَلَا تَرَكْتُمُوهُ» وَهُوَ لَمْ يَأْتِ بِعُذْرٍ اهـ فَصَرَّحَ فِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ بِالْغُرْمِ إذَا رَجَعَ لِشُبْهَةٍ وَقَوْلِهِ فِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ وَيَغْرَمُ الْمِائَةَ لِمُدَّعِيهَا فِيهِ إجْمَالٌ: هَلْ رَجَعَ لِشُبْهَةٍ أَوْ لَا؟ وَهَلْ قُطِعَ أَوْ لَا؟
وَكُلُّ مَا سُرِقَ وَهُوَ بَاقِ
…
فَإِنَّهُ يُرَدُّ بِاتِّفَاقِ
وَحَيْثُمَا السَّارِقُ بِالْحُكْمِ قُطِعْ
…
فَبِاَلَّذِي سَرَقَ فِي الْيُسْرِ اتُّبِعْ
يَعْنِي أَنَّهُ مَهْمَا وُجِدَ الشَّيْءُ الْمَسْرُوقُ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ لِصَاحِبِهِ سَوَاءٌ قُطِعَ السَّارِقُ أَوْ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ إنْ قُطِعَ السَّارِقُ اُتُّبِعَ بِالسَّرِقَةِ فِي يُسْرِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يُتَّبَعُ بِهَا فِي عُسْرِهِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَحَيْثُمَا السَّارِقُ بِالْحُكْمِ قُطِعْ
الْبَيْتَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُقْطَعْ اُتُّبِعَ بِهَا مُطْلَقًا فِي عُسْرِهِ وَيُسْرِهِ. وَالْمُرَادُ بِالْيُسْرِ الَّذِي يَجِبُ مَعَهُ غُرْمُ السَّرِقَةِ أَنْ يَتَّصِلَ يُسْرُهُ مِنْ حِينِ السَّرِقَةِ إلَى يَوْمِ الْقَطْعِ، فَإِنْ كَانَ حِينَئِذٍ مُعْسِرًا أَوْ أُعْسِرَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَمْ يَغْرَمْهَا. (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ السِّلْعَةَ الْمَسْرُوقَةَ إذَا وُجِدَتْ بِعَيْنِهَا قَائِمَةً بِيَدِ السَّارِقِ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا بِإِجْمَاعٍ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ نَقْلِهِ خِلَافَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي إتْبَاعِ السَّارِقِ بِالسَّرِقَةِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا إنْ تَلِفَتْ فَذَهَبَ مَالِكٌ رحمه الله إلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَّصِلَ الْيُسْرِ مِنْ يَوْمِ سَرَقَ إلَى يَوْمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ضَمِنَ قِيمَةَ السَّرِقَةِ وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا أَوْ أُعْدِمَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ سَقَطَ عَنْهُ الْغُرْمُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
وَفِي أُصُولِ الْفُتْيَا لِابْنِ الْحَارِثِ: وَالْأَصْلُ أَنَّ السَّارِقَ وَالْمَقْطُوعَ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا يَوْمَ السَّرِقَةِ وَيَتَمَادَى ذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقَطْعِ. اهـ (ابْنُ عَرَفَةَ) مُوجَبُ السَّرِقَةِ قَطْعُ السَّارِقِ، وَضَمَانُهُ إنْ لَمْ يُقْطَعْ لَازِمٌ لَهُ اتِّفَاقًا. قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ لَوْ سَرَقَ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ إمَّا لِقِلَّتِهِ أَوْ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُتْبَعْ بِذَلِكَ فِي عَدَمِهِ وَيُحَاصُّ بِهِ غُرَمَاؤُهُ، وَإِذَا كَانَ يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ لَمْ يُتْبَعْ فِي عَدَمِهِ وَلَا يُتْبَعُ إلَّا فِي يُسْرٍ مُتَّصِلٍ مِنْ يَوْمِ سَرَقَ إلَى يَوْمِ يُقْطَعُ، وَإِلَّا لَمْ يُتْبَعْ وَإِنْ كَانَ مَلِيًّا بَعْدَ عَدَمٍ تَقَدَّمَ وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا.
وَالْحَدُّ لَا الْغُرْمُ عَلَى الْعَبْدِ مَتَى
…
أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ شَرْعًا ثَبَتَا
يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يَلْزَمُهُ غُرْمُ السَّرِقَةِ. (قَالَ فِي الرِّسَالَةِ) : وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ فِيمَا يَلْزَمُهُ فِي بَدَنِهِ مِنْ حَدٍّ أَوْ قَطْعٍ يَلْزَمُهُ وَمَا كَانَ فِي رَقَبَتِهِ فَلَا إقْرَارَ لَهُ. اهـ وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَاخَذْ بِغُرْمِ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى سَيِّدِهِ فِي مَالِهِ وَسَكَّنَ رَاءَ السَّرِقَةِ لِلْوَزْنِ، وَانْظُرْ هَلْ يُعْرَبُ شَرْعًا مَنْصُوبًا عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ وَيَتَعَلَّقُ بِمُتَعَلَّقِ الْخَبَرِ أَيْ الْحَدُّ وَاجِبٌ عَلَى الْعَبْدِ بِالشَّرْعِ؟ وَثَبَتَ بَدَلٌ مِنْ أَقَرَّ.