المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في العارية الوديعة والأمناء] - شرح ميارة = الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام - جـ ٢

[ميارة]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَمَا يُمَثِّلُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمَضْغُوطِ وَمَا أَشْبَهَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ عَلَى الْغَائِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُيُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغَبْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشُّفْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِسْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُعَاوَضَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّوْلِيَةِ وَالتَّصْيِيرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السَّلَمِ]

- ‌[بَابُ الْكِرَاءِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ وَفِي الْجَائِحَةِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامٍ مِنْ الْكِرَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ وَالسُّفُنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِجَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجُعْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاغْتِرَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِرَاضِ]

- ‌[بَابُ الْحَبْسِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاعْتِصَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُمْرَى وَمَا يَلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِرْفَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْحَوْزِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَالْأُمَنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ]

- ‌[بَابُ الْعِتْقِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ]

- ‌[بَابُ فِي الرُّشْدِ وَالْأَوْصِيَاءِ وَالْحَجْرِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ وَالدَّيْنِ وَالْفَلَسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ مَا يَجْرِي مَجْرَاهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقْرَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمِدْيَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَلَسِ]

- ‌[بَابٌ فِي الضَّرَرِ وَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ضَرَرِ الْأَشْجَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُسْقِطِ الْقِيَامِ بِالضَّرَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاغْتِصَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاء]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجِرَاحَاتِ]

- ‌[بَابُ التَّوَارُثِ وَالْفَرَائِضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ عَدَدِ الْوَارِثِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَحْوَالِ الْمِيرَاثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْإِرْثُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حَالَاتِ وُجُوبِ الْمِيرَاثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَهْلِ الْفَرَائِضِ وَأُصُولِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حَجْبِ الْإِسْقَاطِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حَجْبِ النَّقْلِ إلَى فَرْضٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ حَجْبِ النَّقْلِ لِلتَّعْصِيبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَانِعَ الْمِيرَاثِ]

الفصل: ‌[فصل في العارية الوديعة والأمناء]

[فَصْلٌ فِي الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَالْأُمَنَاءِ]

ِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) هِيَ مُشَدَّدَةُ الْيَاءِ الْجَوْهَرِيُّ، وَكَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ وَأُنْكِرَ عَلَى الْجَوْهَرِيِّ كَوْنُهَا مَنْسُوبَةً إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ؛ لَقَالُوا يَتَعَيَّرُونَ؛ لِأَنَّ الْعَارَ عَيْنُهُ يَاءٌ وَالْعَارِيَّةُ عِنْدَ غَيْرِهِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُعَاوَرَةِ وَهِيَ الْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ يُقَالُ: هُمْ يَتَعَاوَرُونَ مِنْ جِيرَانِهِمْ، أَيْ يَأْخُذُونَ، وَيُعْطُونَ. اهـ. وَانْظُرْ الرَّصَّاعَ فَقَدْ تَكَلَّمَ مَعَ الْجَوْهَرِيِّ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَحَدَّهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: مَصْدَرًا أَوْ اسْمًا عَلَى عَادَتِهِ: إذَا كَانَ لِلْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ مَعْنَيَانِ، فَالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ لَا بِعِوَضٍ، فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: مَنْفَعَةٍ تَمْلِيكُ الذَّوَاتِ، مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ الْحَقِيقِيَّ فِي الذَّوَاتِ لَيْسَ إلَّا لِخَالِقِهَا، وَلَكِنْ الْقَصْدُ كَمَالُ التَّصَرُّفِ الْمُطْلَقِ، وَيَخْرُجُ بِالْمَنْفَعَةِ تَمْلِيكُ الِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ فِيهَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُعِيرَ لِمِثْلِهِ بِخِلَافِ الِانْتِفَاعِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مُؤَقَّتَةٍ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ الْمُطْلَقَةِ، كَمَا إذَا مَلَكَ الْعَبْدُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ وَوَهَبَهَا إيَّاهُ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِعَارِيَّةٍ، وَلَا يَدْخُلُ الْحَبْسُ بِذَلِكَ لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْحَبْسَ فِيهِ مِلْكُ الِانْتِفَاعِ لَا الْمَنْفَعَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ ذَلِكَ فِيهِ بِالْإِطْلَاقِ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: لَا بِعِوَضٍ أَخْرَجَ بِهِ الْإِجَارَةَ لِأَنَّهَا بِعِوَضٍ وَيَعْنِي بِالتَّوْقِيتِ، إمَّا لَفْظًا أَوْ عَادَةً وَلَا تَدْخُلُ الْعُمْرَى وَالْإِخْدَامُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْعَارِيَّةُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَأَمَّا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ فَتَدْخُلَانِ اُنْظُرْ الرَّصَّاعَ، وَأَمَّا حَدُّهَا اسْمًا، فَهِيَ مَالٌ ذُو مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ مُلِكَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَالْأُمَنَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَمَا اُسْتُعِيرَ رَدُّهُ مُسْتَوْجِبُ

وَمَا ضَمَانُ الْمُسْتَعِيرِ يَجِبُ

إلَّا بِقَابِلِ الْمَغِيبِ لَمْ يُقِمْ

بَيِّنَةً عَلَيْهِ أَنَّهُ عُدِمْ

أَوْ مَا الْمُعَارُ فِيهِ قَدْ تَحَقَّقَا

تَعَدٍّ أَوْ فَرَّطَ فِيهِ مُطْلَقَا

يَعْنِي أَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ لِرَبِّهِ يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ مَا يُعَارُ ذَلِكَ الشَّيْءِ لِمِثْلِهِ مِنْ الزَّمَانِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِحَدِيثِ:«الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» أَيْ يَجِبُ رَدُّهَا وَتَأْدِيَتُهَا لِصَاحِبِهَا بِحَيْثُ لَا يَتْرُكُهَا الْمُسْتَعِيرُ عِنْدَهُ بَعْدَ أَنْ قَضَى إرْبَهُ مِنْهَا، حَتَّى يَأْتِيَ رَبُّهَا إلَيْهَا، بَلْ تَكُونُ مُؤْنَةُ رَدِّهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَهُوَ الَّذِي

ص: 184

اسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ.

(قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : فَرْعٌ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَأُجْرَةُ حَمْلِ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَاخْتُلِفَ فِي أُجْرَةِ رَدِّهَا فَقِيلَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَقِيلَ عَلَى الْمُعِيرِ أَبُو الْحَسَنِ، وَاخْتُلِفَ فِي عَلَفِ الدَّابَّةِ الْمُعَارَةِ، فَقِيلَ عَلَى الْمُعِيرِ، وَقِيلَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. اهـ.

وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى ضَمَانِ الشَّيْءِ الْمُعَارِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ، لَا يَضْمَنُ الْعَارِيَّةَ إلَّا فِي وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْعَارِيَّةُ بِمَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهَا.

الثَّانِي: أَنْ يَثْبُتَ تَعَدِّي الْمُعِيرِ أَوْ تَفْرِيطُهُ فِي الْعَارِيَّةِ، حَتَّى هَلَكَتْ كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا وَهُوَ الَّذِي يَعْنِي بِالْإِطْلَاقِ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، أَمْ لَا، وَكَذَا لَا يَضْمَنُهَا مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ تَفْرِيطُهُ، وَلَا تَعَدِّيهِ (قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ،) ، وَالْعَارِيَّة فِي ضَمَانِ صَاحِبِهَا إنْ تَحَقَّقَ هَلَاكُهَا مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ مِنْ جَانِبِ الْمُسْتَعِيرِ إلَّا أَنَّهَا نَوْعَانِ يَظْهَرُ هَلَاكُهُ، وَلَا يَكَادُ يَخْفَى كَالرِّبَاعِ وَالْحَيَوَانِ، فَهَذَا النَّوْعُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ فِي هَلَاكِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي يَخْفَى هَلَاكُهُ، وَيُغَابُ عَلَيْهِ، وَهَذَا النَّوْعُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ فِي هَلَاكِهِ مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِهِ، فَإِنْ قَامَتْ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا عُلِمَ أَنَّهُ بِغَيْرِ سَبَبِهِ كَالسُّوسِ فِي الثَّوْبِ صَدَّقَهُ فِيهِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ مَا أَضَاعَهُ، وَلَا أَرَادَ إفْسَادًا.

(وَفِي الْمُقَرَّبِ) قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ فَتَلِفَ عِنْدَهُ أَيَضْمَنُهُ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى أَوْ يُخَالِفُ إلَى غَيْرِ مَا اسْتَعَارَهُ، وَفِيهِ أَيْضًا قُلْت لَهُ: فَمَنْ اسْتَعَارَ ثَوْبًا فَضَاعَ عِنْدَهُ أَيَضْمَنُهُ قَالَ: نَعَمْ، وَكَذَلِكَ الْعُرُوض كُلُّهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا مِنْ الْعُرُوضِ فَكَسَرَهُ أَوْ أَحْرَقَهُ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ سُرِقَ مِنْهُ أَوْ احْتَرَقَ، فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى يُعْذَرُ بِهِ وَتَقُومُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَيَّعَ أَوْ فَرَّطَ، ثُمَّ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ الرَّجُلُ يَسْتَعِيرُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ، مِثْلُ الْفَأْسِ وَالْمِنْشَارِ فَيَأْتِي بِهِ مَكْسُورًا، وَيَقُولُ الْكَسْرُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي أَعَرْتَنِيهِ فِيهِ قَالَ: لَا يُصَدَّقُ وَهُوَ ضَامِنٌ. اهـ. بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ.

(فَرْعٌ) مَا عُلِمَ أَنَّهُ بِغَيْرِ سَبَبِ الْمُسْتَعِيرِ كَالسُّوسِ فِي الثَّوْبِ يَحْلِفُ مَا أَرَادَ فَسَادًا وَلَا ضَيَّعَ وَيَبْرَأُ وَأَلْحَقَ التُّونُسِيُّ النَّارَ بِالسُّوسِ، وَقَالَ: اللَّخْمِيُّ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ النَّارَ لَا تَحْدُثُ إلَّا مِنْ فِعْلِهِ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ، وَالسُّوسُ إنَّمَا يَحْدُثُ مِنْ الْغَفْلَةِ عَنْ اللِّبَاسِ وَقَرْضُ الْفَأْرِ لَا يَحْدُثُ

ص: 185

إلَّا لِأَمْرٍ كَانَ مِنْ اللِّبَاسِ مِنْ رَائِحَةِ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ، وَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ ظَاهِرٌ إلَّا فِي قَرْضِ الْفَأْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِذَا اشْتَرَطَ إسْقَاطَ الضَّمَانِ فِيمَا يُضْمَنُ أَوْ إثْبَاتَهُ فِيمَا لَا يُضْمَنُ فَفِي إفَادَتِهِ قَوْلَانِ.

وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُسْتَعِيرٍ حَلَفَا

فِي رَدِّ مَا اسْتَعَارَ حَيْثُ اخْتَلَفَا

مَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا يُغَابُ عَادَهْ

عَلَيْهِ أَوْ أُخِذَ بِالشَّهَادَهْ

فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ فِيمَا بَيَّنَهْ

وَمُدَّعِي الرَّدِّ عَلَيْهِ الْبَيِّنَهْ

يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فِي رَدِّ الْعَارِيَّةِ، فَقَالَ الْمُعِيرُ لَمْ تَرُدَّهَا. وَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ: رَدَدْتُهَا فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَتْ عَارِيَّةً مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْضُهَا بِإِشْهَادٍ، فَالْقَوْلُ: قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ: أَنَّهُ رَدَّهَا مَعَ يَمِينِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، فَالْقَوْلُ: قَوْلُ الْمُعِيرِ: أَنَّهَا لَمْ تُرَدَّ سَوَاءٌ قَبَضَهَا الْمُسْتَعِيرُ بِإِشْهَادٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ إذَا قَبَضَهُ بِإِشْهَادٍ، فَإِنَّ الْقَوْلَ: قَوْلُ الْمُعِيرِ: أَنَّهَا لَمْ تُرَدَّ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، فَقَوْلُهُ: حَلَفَا: صِفَةٌ لِمُسْتَعِيرٍ وَأَلِفُهُ لِلْإِطْلَاقِ وَفِي رَدٍّ أَيْ عَلَى نَحْوِ {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] وَأَلِفُ اخْتَلَفَا لِلتَّثْنِيَةِ أَيْ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَعَادَةً: مَنْصُوبٌ عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ، وَعَلَيْهِ: يَتَعَلَّقُ بِ يُغَابُ وَقَوْلُهُ: أَوْ أَخَذَ بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ: عَطْفٌ عَلَى يُغَابُ وَمَعْنَى فِيمَا بَيَّنَهْ: أَيْ ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ الرَّدِّ وَمُدَّعِي الرَّدِّ: هُوَ الْمُسْتَعِيرُ.

(قَالَ الْمَوَّاقُ) فِي شَرْحِ قَوْلِهِ كَدَعْوَاهُ رَدِّ مَا لَمْ يَضْمَنْ مَا نَصُّهُ: قَالَ مُطَرِّفٌ يُصَدَّقُ الْمُسْتَعِيرُ مَعَ يَمِينِهِ إذَا ادَّعَى رَدَّ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ، فَلَا يُصَدَّقُ اهـ. وَانْظُرْ إذَا ادَّعَى رَدَّ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُعِيرِ مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَسَوَاءٌ أَخَذَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ.

(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) فَمِنْ حَقِّ: الْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الْمُعِيرِ فِي رَدِّ الْعَارِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ دَفْعُهَا إلَيْهِ بِلَا إشْهَادٍ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ. انْتَهَى كَلَامُ الْمَوَّاقِ وَهُوَ كَكَلَامِ النَّاظِمِ فِقْهًا وَتَرْتِيبًا.

وَالْقَوْلُ فِي الْمُدَّةِ لِلْمُعِيرِ

مَعْ حَلِفِهِ وَعَجْزِ مُسْتَعِيرِ

كَذَاكَ فِي مَسَافَةٍ لِمَا رُكِبْ

قَبْلَ الرُّكُوبِ ذَا لَهُ فِيهِ يَجِبْ

وَالْمُدَّعِي مُخَيَّرٌ أَنْ يَرْكَبَا

مِقْدَارَ مَا حُدَّ لَهُ أَوْ يَذْهَبَا

وَالْقَوْلُ مِنْ بَعْدِ الرُّكُوبِ ثَبَتَا

لِلْمُسْتَعِيرِ إنْ بِمُشْبِهٍ أَتَى

وَإِنْ أَتَى فِيهِ بِمَا لَا يُشْبِهُ

فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ لَا يَشْتَبِهُ

تَعَرَّضَ فِي الْأَبْيَاتِ لِاخْتِلَافِ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ، إمَّا فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي وَقَعَتْ الْعَارِيَّةُ إلَيْهَا أَوْ فِي قَدْرِ الْمَسَافَةِ الَّتِي أَعَارَهُ دَابَّتَهُ لِيَرْكَبَهَا إلَيْهَا، فَأَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي مُدَّةِ الْعَارِيَّةِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُعِيرِ مَعَ يَمِينِهِ لَكِنْ إنْ عَجَزَ الْمُسْتَعِيرُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا ادَّعَى، فَإِنْ أَقَامَهَا عَلَيْهِ

ص: 186

فَلَا إشْكَالَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ حِينَئِذٍ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَسَافَةِ فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ الرُّكُوبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعِيرِ أَيْضًا مَعَ يَمِينِهِ.

فَإِذَا حَلَفَ، فَيُقَالُ لِلْمُسْتَعِيرِ، إمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى الْمَسَافَةِ الَّتِي ادَّعَى أَوْ اذْهَبْ، وَلَا شَيْءَ لَك، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ الرُّكُوبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ مَعَ يَمِينِهِ أَيْضًا إنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ، فَإِنْ ادَّعَى مَا لَا يُشْبِهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ أَيْضًا مَعَ يَمِينِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجَدْت فِي مَسَائِلِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَرَكِبَهَا إلَى مَوْضِعٍ، فَلَمَّا رَجَعَ زَعَمَ رَبُّهَا أَنَّهُ أَعَارَهَا إيَّاهُ إلَى دُونِ مَا رَكِبَهَا إلَيْهِ أَوْ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ، إنْ ادَّعَى مَعَ يَمِينِهِ، وَكَذَلِكَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ نَصًّا سَوَاءٌ قَالَ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَذَلِكَ إذَا رَكِبَ وَرَجَعَ، فَالْمُعِيرُ مُصَدَّقٌ عَلَيْك مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِي عَلَيْك مَا لَا يُشْبِهُ. اهـ.

وَتَبَيَّنَ بِهَذَا النَّقْلِ أَنَّ قَوْلَ النَّاظِمِ كَذَاك فِي مَسَافَةٍ إلَخْ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا ادَّعَى مَا يُشْبِهُ، كَمَا فِي النَّظْمِ.

وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْكِرَاءِ فِي

مَا يُسْتَعَارُ مَعْ يَمِينٍ اُقْتُفِيَ

مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَا يَلِيقُ

بِهِ فَقَلْبُ الْقَسَمِ التَّحْقِيقُ

يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَا فَقَالَ رَبُّ الشَّيْءِ: هُوَ عِنْدَك عَلَى وَجْهِ الْكِرَاءِ، وَقَالَ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الشَّيْءِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ أَكْرَاهُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ يَأْنَفُ عَنْ الْكِرَاءِ وَلَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ لِمَنْصِبِهِ وَشَرَفِهِ وَغِنَاهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْعَارِيَّةِ مَعَ يَمِينِهِ أَيْضًا.

(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ رَكِبَ دَابَّةَ رَجُلٍ إلَى بَلَدٍ، وَادَّعَى أَنَّهُ أَعَارَهُ إيَّاهَا وَقَالَ: رَبُّهَا أَكْرَيْتُهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهَا زَادَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَيْسَ يُكْرِي الدَّوَابَّ لِشَرَفِهِ وَقَدْرِهِ اهـ. زَادَ فِي التَّوْضِيحِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ مَعَ يَمِينِهِ.

ص: 187

وَيَضْمَنُ الْمُودَعُ مَعْ ظُهُورِ

مَخَايِلِ التَّضْيِيعِ وَالتَّقْصِيرِ

وَلَا ضَمَانَ فِيهِ لِلسَّفِيهِ

وَلَا الصَّغِيرِ مَعْ ضَيَاعٍ فِيهِ

تَكَلَّمَ هُنَا فِي الْوَدِيعَةِ، وَتُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ اسْمًا وَمَصْدَرًا، فَالِاسْمُ الْوَدِيعَةُ، وَالْمَصْدَرُ الْإِيدَاعُ أَيْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَاهُمَا فَحَدُّهَا مَصْدَرًا (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : نَقْلُ مُجَرَّدِ حِفْظِ مِلْكٍ يُنْقَلُ (قَالَ الرَّصَّاعُ) : وَإِنَّمَا قَالَ مُجَرَّدُ حِفْظٍ وَلَمْ يَقُلْ حِفْظٌ لِيَخْرُجَ مَا فِيهِ نَقْلُ الْحِفْظِ مَعَ التَّصَرُّفِ كَالْوَكَالَةِ، وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ، فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ الْحِفْظِ فَقَطْ، وَيُخْرِجُ الْإِيصَاءَ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ مِلْكٍ إذَا أَوْدَعَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ لِحِفْظِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ وَدِيعَةً، وَقَوْلُهُ: يُنْقَلُ صِفَةٌ لِلْمِلْكِ، وَأَخْرَجَ بِهِ مَا لَا يُنْقَلُ مِنْ الْأُصُولِ كَالرَّبْعِ. اهـ. ثُمَّ بَحَثَ فِي اشْتِرَاطِ النَّقْلِ بِمَسْأَلَةٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ظَاهِرُهَا صِحَّةُ إيدَاعِ الرَّبْعِ، فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت، قَالَ: الرَّصَّاعُ قَالَ الشَّيْخُ: وَيَدْخُلُ فِي الْحَدِّ إيدَاعُ الْوَثَائِق، فَذِكْرُ الْحُقُوقِ يُخْرِجُ حِفْظَ الْإِيصَاءِ وَالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَأَزْيَدَ مِنْ الْحِفْظِ وَقَدْ قَالَ فِي الْوَدِيعَةِ: إنَّ خَاصِّيَّتَهَا مُجَرَّدُ الْحِفْظِ، وَحَدُّهَا اسْمًا: مُتَمَلَّكٌ نُقِلَ مُجَرَّدُ حِفْظِهِ يَنْتَقِلُ. اهـ. وَيُفْهَمُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِّ مِنْ مَعْنَى الْحَدِّ الْمَصْدَرِيِّ، وَقَوْلُهُ يَنْتَقِلُ صِفَةٌ لِمُتَمَلَّكٍ، ثُمَّ قَالَ الرَّصَّاعُ مَا مَعْنَاهُ إنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَ الِاسْمَ عَلَى الْمَصْدَرِ كَثِيرًا كَقَوْلِهِمْ: الْوَدِيعَةُ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً وَمَنْدُوبَةً وَمُحَرَّمَةً؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ لَا الِاسْمِيُّ قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ ابْنُ عَرَفَةُ هُنَا حَدُّهَا اسْمًا كَذَا وَمَصْدَرًا كَذَا كَمَا هِيَ عَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَصْلُهَا فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٌ، وَلَيْسَتْ مَصْدَرًا وَلَا اسْمَ مَصْدَرٍ، وَلَكِنْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهَا قَصْدُ الْمَصْدَرِ كَانَ حَدُّهَا كَذَا، وَإِنْ أُرِيدَ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيُّ كَانَ حَدُّهَا كَذَا، فَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ مَصْدَرًا أَوْ اسْمَ مَصْدَرٍ قَالَ: حَدُّهَا اسْمًا كَذَا، وَحَدُّهَا مَصْدَرًا

كَذَا قَوْلُهُ:

وَيَضْمَنُ الْمُودَعُ مَعَ ظُهُورِ

الْبَيْتَيْنِ يَعْنِي أَنَّ الْمُودَعَ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ الْوَدِيعَةَ إذَا هَلَكَتْ إلَّا إذَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ أَمَارَاتُ التَّضْيِيعِ لَهَا وَالتَّقْصِيرِ فِي حِفْظِهَا، فَيَضْمَنُهَا حِينَئِذٍ، وَعَطَفَ النَّاظِمُ التَّقْصِيرَ عَلَى التَّضْيِيعِ كَأَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْمُتَلَازِمَيْنِ، وَمَثَّلُوا التَّقْصِيرَ بِإِيدَاعِهَا عِنْدَ الْغَيْرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَنَقْلِهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَخَلْطِهَا بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ كَقَمْحٍ بِشَعِيرٍ، وَالِانْتِفَاعُ بِهَا كَلُبْسِ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ، فَهَلَكَتْ فِي حَالِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ هَذَا فِي حَقِّ الرَّشِيدِ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ

ص: 188

وَالسَّفِيهُ الْبَالِغُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا إنْ قَصَّرَا وَضَيَّعَا وَضَمِيرُ فِيهِ: الْأَوَّلُ لِلتَّقْصِيرِ وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّضْيِيعُ لِتَلَازُمِهِمَا وَلَامُ لِلسَّفِيهِ أَيْ الْبَالِغِ بِمَعْنَى عَلَى نَحْوِ {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] .

وَضَمِيرُ فِيهِ: الثَّانِي لِلْمُودَعِ بِالْفَتْحِ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَحَلِّ جَرِّ صِفَةِ ضَيَاعٍ، وَهُوَ بِمَعْنَى التَّضْيِيعِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) ، وَشَرْطُهَا كَالْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ (التَّوْضِيحُ) أَيْ مَنْ جَازَ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، فَلَهُ أَنْ يُودِعَ، وَيُودَعَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ بِالْكَسْرِ كَالْمُوَكِّلِ وَالْمُودَعِ أَيْ بِالْفَتْحِ كَالْوَكِيلِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) .

فَمَنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا أَوْ أَقْرَضَهُ أَوْ بَاعَهُ، فَأَتْلَفَهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ أَذِنَ أَهْلُهُ (التَّوْضِيحُ) ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ السِّلْعَةِ قَدْ سَلَّطَ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ ضَمِنَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْحَجْرِ (اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ) إلَّا أَنْ يَصْرِفَا ذَلِكَ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْهُ، وَلَهُمَا مَالٌ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِالْأَقَلِّ مِمَّا أَتْلَفَاهُ أَوْ مِمَّا صَوَّنَا مِنْ مَالِهِمَا (اللَّخْمِيُّ) ، فَإِنْ ذَهَبَ ذَلِكَ الْمَالُ، ثُمَّ أَفَادَ غَيْرُهُ لَمْ يَتْبَعْهُمَا فِيهِ، وَهَذَا الْحُكْمُ، هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَأَمَّا ابْتِدَاءً فَلَا يَنْبَغِي لِأَهْلِهِ أَنْ يَأْذَنُوا لَهُ فِي ذَلِكَ اهـ. وَآخِرُهُ بِالْمَعْنَى (تَنْبِيهٌ) ، لَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ السِّلْعَةِ إلَخْ، أَنَّ الْمَحْجُورَ لَا يَضْمَنُ مَا اسْتَعَارَ، وَادَّعَى ضَيَاعَهُ، وَكَذَلِكَ يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ النَّاظِمِ فِي الْحَجْرِ

وَكُلُّ مَا أَتْلَفَهُ الْمَحْجُورُ

فَغُرْمُهُ مِنْ مَالِهِ الْمَشْهُورُ

إلَّا لِمَنْ طَوْعًا إلَيْهِ صَرَفَهْ

وَفِي سِوَى مَصْلَحَةٍ قَدْ أَتْلَفَهْ

وَهُوَ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

وَالتَّجْرُ بِالْمُودَعِ مَنْ أَعْمَلَهُ

يَضْمَنُهُ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَهُ

يَعْنِي، أَنَّ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ يَتَّجِرُ بِهَا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا إنْ هَلَكَتْ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ لَهُ إنْ حَصَلَ فِيهَا لَا لِرَبِّهَا؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا وَقْتَ التَّجْرِ بِهَا مِنْهُ وَالْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : وَإِنْ تَجِرَ بِهَا يَعْنِي الْوَدِيعَةِ كَانَ لَهُ الرِّبْحُ يَعْنِي بِضَمَانِهِ. اهـ.

(وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ) : وَمَنْ تَجِرَ بِوَدِيعَةٍ، فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَالرِّبْحُ لَهُ، إنْ كَانَتْ عَيْنًا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهَا: قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ عَيْنًا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَرْضًا مُقَوَّمًا كَانَ التَّجْرُ بِهَا حَرَامًا قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ الْمَنْجُورُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمَنْهَجِ:

وَالرِّبْحُ تَابِعٌ لِمَالٍ مَا عَدَا

غَصْبًا وَدِيعَةً وَتَفْلِيسًا بَدَا

قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّمَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ إذَا رَدَّ رَأْسَ الْمَالِ، كَمَا هُوَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَرُدَّهُ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، هَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ فَاعْرِفْهُ. اهـ. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) إنْ رَدَّ الْمَالَ بَعْدَمَا رَبِحَ فِيهِ بَرِئَ.

ص: 189

وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُودَعٍ فِيمَا تَلِفْ

وَفِي ادِّعَاءِ رَدِّهَا مَعَ الْحَلِفْ

مَا لَمْ يَكُنْ يَقْبِضُهُ بِبَيِّنَهْ

فَلَا غِنًى فِي الرَّدِّ أَنْ يُبَيِّنَهْ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَادَّعَى تَلَفَهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ سَوَاءٌ قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ أَوْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ، وَأَمَّا إنْ ادَّعَى أَنَّهُ رَدَّهَا لِرَبِّهَا، فَإِنْ كَانَ قَبَضَهَا بِغَيْرِ إشْهَادٍ فَكَذَلِكَ أَيْضًا الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ، وَهُوَ مُرَادُ النَّاظِمِ بِالْبَيِّنَةِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى رَدِّهَا (قَالَ فِي الرِّسَالَةِ:) ، وَالْمُودَعُ إنْ قَالَ: رَدَدْتُ الْوَدِيعَةَ إلَيْك صُدِّقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ، وَإِنْ قَالَ: ذَهَبَتْ، فَهُوَ مُصَدَّقٌ بِكُلِّ حَالٍ وَنَحْوُهُ فِي الْجَوَاهِرِ، وَزَادَ التَّصْرِيحَ بِالْيَمِينِ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَفْظُهُ إذَا طُولِبَ الْمُودَعُ بِالرَّدِّ، فَادَّعَى التَّلَفَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَسْلِيمُهَا بِبَيِّنَةٍ، فَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ الرَّدَّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. اهـ.

فَقَوْلُهُ قَوْلُ مُودَعٍ بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ عِنْدَهُ وَ " مَا " مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا تَلِفْ مَصْدَرِيَّةٌ وَضَمِيرُ رَدَّهَا لِلْوَدِيعَةِ، وَمَعَ الْحَلِفْ رَاجِعٌ لِدَعْوَى التَّلَفِ، وَالرَّدِّ، وَضَمِيرُ يَقْبِضُهُ لِلشَّيْءِ الْمُودَعِ بِبَيِّنَةٍ لِلرَّدِّ أَيْ يُثْبِتُهُ.

وَالْأُمَنَاءُ فِي الَّذِي يَلُونَا

لَيْسُوا لِشَيْءٍ مِنْهُ يَضْمَنُونَا

كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالدَّلَّالِ

وَمُرْسَلٍ صُحْبَتَهُ بِالْمَالِ

وَعَامِلِ الْقِرَاضِ وَالْمُوَكَّلِ

وَصَانِعٍ لَمْ يَنْتَصِبْ لِلْعَمَلِ

وَذُو انْتِصَابٍ مِثْلُهُ فِي عَمَلِهْ

بِحَضْرَةِ الطَّالِبِ أَوْ فِي مَنْزِلِهْ

وَالْمُسْتَعِيرُ مِثْلُهُمْ وَالْمُرْتَهِنْ

فِي غَيْرِ قَابِلِ الْمَغِيبِ فَاسْتَبِنْ

وَمُودَعٌ لَدَيْهِ وَالْأَجِيرُ

فِيمَا عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَالْمَأْمُورُ

وَمِثْلُهُ الرَّاعِي كَذَا ذُو الشَّرِكَهْ

فِي حَالَةِ الْبِضَاعَةِ الْمُشْتَرَكَهْ

وَحَامِلٌ لِلثِّقْلِ بِالْإِطْلَاقِ

وَضَمِنَ الطَّعَامَ بِالْإِنْفَاقِ

وَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ بِلَا يَمِينِ

وَالِاتِّهَامُ غَيْرُ مُسْتَبِينِ

وَقِيلَ مِنْ بَعْدِ الْيَمِينِ مُطْلَقَا

وَالْأَوَّلُ الْأَوْلَى لَدَى مَنْ حَقَّقَا

عَدَّدَ النَّاظِمُ رحمه الله فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ الْأُمَنَاءَ وَذَكَرَ أَنَّ حُكْمَهُمْ عَدَمُ ضَمَانِ شَيْءٍ مِمَّا يَلُونَهُ لِأَمَانَتِهِمْ، إمَّا بِالْأَصَالَةِ أَوْ يَجْعَلُ الْخَصْمُ لَهُمْ ذَلِكَ. (فَأَوَّلُهُمْ) : وَلِيُّ الْمَحْجُورِ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَوَصِيِّهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَدَّعُونَ مِنْ تَلَفِ مَالِ مَحْجُورِهِمْ، أَمَّا دَعْوَى الدَّفْعِ بَعْدَ الرُّشْدِ فَلَا يُصَدَّقُونَ فِيهِ.

(الثَّانِي) : الدَّلَّالُ وَيُقَالُ لَهُ السِّمْسَارُ فِيمَا وَلِيَ بَيْعَهُ وَتَسْوِيقَهُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ: فِي تَضْمِينِهِمْ ابْنُ رُشْدٍ، وَاَلَّذِي أُفْتِي بِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ تَضْمِينُهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا مَشْهُورِينَ بِالْخَيْرِ (ابْنُ رَاشِدٍ) ، وَرَأَيْت بَعْضَ قُضَاةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة ضَمَّنَ السِّمْسَارَ، وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ النَّاسِ الْعَامَّةِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ.

(الثَّالِثُ) : الْمُرْسَلُ مَعَهُ مَالٌ يَشْتَرِي بِهِ مَا أُمِرَ بِهِ وَيُقَال: فِيهِ الْمُبْضَعُ مَعَهُ مَالٌ أَيْ الَّذِي أُرْسِلَتْ مَعَهُ الْبِضَاعَةُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ.

(الرَّابِعُ) : عَامِلُ الْقِرَاضِ لَا يَضْمَنُ مَالَ الْقَرْضِ إنْ ادَّعَى التَّلَفَ أَيْ الضَّيَاعَ بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا

ص: 190

قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) قَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُشْبِهُ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِسُؤَالٍ فِي بَلَدِ السِّلَعِ هَلْ يَخْسَرُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمِثْلِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَا ذَكَرَ (وَفِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا بَابُ الشَّرِكَةِ) وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي الْعَامِلِ فِي الْقِرَاضِ يَدَّعِي الْخَسَارَةَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهَا أَنَّهُ يَضْمَنُ.

(الْخَامِسُ) : الْوَكِيلُ كَانَ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُفَوَّضًا أَوْ مَخْصُوصًا سَوَاءٌ ادَّعَى تَلَفَ السِّلْعَةِ الَّتِي وُكِّلَ عَلَى بَيْعِهَا أَوْ تَلَفَ ثَمَنِهَا إنْ بَاعَ، وَكَذَا لَا يَضْمَنُ فِي الْوَكَالَةِ عَلَى الشِّرَاءِ أَوْ الِاقْتِضَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

(السَّادِسُ) : الصَّانِعُ الَّذِي لَمْ يُنَصِّبْ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ أَوْ نَصَّبَ نَفْسَهُ إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ رَبِّ الشَّيْءِ الْمَصْنُوعِ أَوْ فِي مَنْزِلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَيَأْتِي بَعْضُ الْكَلَامِ فِي الصَّانِعِ.

(السَّابِعُ) : الْمُسْتَعِيرُ لَا يَضْمَنُ الْعَارِيَّةَ فِي وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهَا كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ لَا الثَّانِي: مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ تَفْرِيطُهُ وَلَا تَعَدِّيهِ.

(الثَّامِنُ) : الْمُرْتَهِنُ بِكَسْرِ الْهَاءِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الرَّهْنِ الَّذِي لَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ الَّذِي يُغَابُ عَلَيْهِ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَلَاكِهِ.

(التَّاسِعُ) : الْمُودَعُ عِنْدَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْوَدِيعَةِ إذَا ادَّعَى تَلَفَهَا قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ أَوْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ.

(الْعَاشِرُ) : الْأَجِيرُ فِيمَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ، كَذَا فَسَّرَهُ النَّاظِمُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَلَمْ يَزِدْ، وَلَعَلَّهُ يَعْنِي الْأَجِيرَ الَّذِي تَحْتَ يَدِ الصَّانِعِ، فَإِنْ كَانَ لِلصَّانِعِ أُجَرَاءُ أَوْ صُنَّاعٌ تَحْتَ يَدِهِ فَتَلِفَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ بِغَيْرِ تَعَدٍّ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ صُنَّاعٌ لَهُ خَاصَّةً، وَالصَّانِعُ الْخَاصُّ لَا يَضْمَنُ، كَمَا يَأْتِي، وَأَمَّا لَوْ غَابَ عَلَى السِّلَعِ، فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ: وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ الْخِلَافُ فِي ضَمَانِ حَارِسِ ثِيَابِ دَاخِلِ الْحَمَّامِ (الْحَادِي

ص: 191

عَشَرَ) : الْمَأْمُورُ فِيمَا أُمِرَ بِهِ فَإِذَا فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَلَمْ يَتَعَدَّ فَحَصَلَ هَلَاكٌ أَوْ تَلَفٌ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.

(الثَّانِي عَشَرَ) : الرَّاعِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ الْغَنَمِ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ يَتَعَدَّ وَلَا فَرَّطَ، وَعَلَيْهِ فِيمَا ضَلَّ أَوْ هَلَكَ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا فَرَّطَ وَلَا تَعَدَّى، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الرَّاعِي الْمُشْتَرَكِ الَّذِي يُلْقِي النَّاسُ إلَيْهِ غَنَمَهُمْ، أَنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا تَلِفَ مِنْهَا، وَرَآهُ كَالصَّانِعِ، وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ.

(الثَّالِثَ عَشَرَ) : الشَّرِيكُ فِيمَا هَلَكَ بِيَدِهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ أَوْ خَسِرَ فِيهِ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَالَةِ الْبِضَاعَةِ الْمشُتَرَكَةِ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ مُفَوَّضًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُفَوَّضٍ.

(الرَّابِعَ عَشَرَ) : حَامِلُ الشَّيْءِ الثَّقِيلِ غَيْرِ الطَّعَامِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ سَوَاءٌ حَمَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ.

وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْإِطْلَاقِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْإِطْلَاقِ حَامِلُ الطَّعَامِ لِنَصِّهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ (ابْنُ الْحَاجِبِ) .

وَأَمَّا أَجِيرٌ حَمَلَ غَيْرَ الطَّعَامِ، فَإِنْ غَرَّ أَوْ فَرَّطَ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا (التَّوْضِيحُ) إنْ غَرَّ بِفِعْلٍ ضَمِنَ، وَإِنْ غَرَّ بِقَوْلٍ، فَفِي ضَمَانِهِ قَوْلَانِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي حَمْلِ الطَّعَامِ يَضْمَنُ مُطْلَقًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِصُحْبَةِ رَبِّهِ وَقَالَ بِهِ

ص: 192

الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ (التَّوْضِيحُ) أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَقْوَاتِ وَالْإِدَامِ بَلْ يَضْمَنُ جَمِيعَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ لِسُرْعَةِ مَدِّ الْأَيْدِي إلَيْهِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ فَرَّطَ أَمْ لَا يَعْنِي، وَلَا يُفَصَّلُ فِيهِ، كَمَا يُفَصَّلُ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ مُطْلَقًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ اللَّخْمِيُّ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَدِينَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَيَسْقُطُ الضَّمَانُ. اهـ.

وَإِلَى ضَمَانِ حَامِلِ الطَّعَامِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ.

وَضَمِنَ الطَّعَامَ بِاتِّفَاقٍ

وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ: فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْأَلْفِيَّةِ:

وَفِي الْكِبَارِ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ

خَارِجَةُ الْقَاسِمُ، ثُمَّ عُرْوَةُ

ثُمَّ سُلَيْمَانُ عُبَيْدُ اللَّهِ

سَعِيدُ وَالسَّابِعُ ذُو اشْتِبَاهِ

إمَّا أَبُو سَلَمَةٍ أَوْ سَالِمٌ

أَوْ فَأَبُو بَكْرٍ خِلَافٌ قَائِمٌ

ص: 193

مَا نَصُّهُ مِنْ الْمَعْدُودِينَ فِي أَكَابِرِ التَّابِعِينَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَهُمْ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَهَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ، كَمَا قَالَ الْحَاكِمُ: وَجَعَلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَكَانَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ذَكَرَهُمْ أَبُو الزِّنَادِ، فَجَعَلَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ مَكَانَ أَبِي سَلَمَةَ أَوْ سَالِمٍ اهـ.

وَقَدْ نَظَمَهُمْ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى جَعْلِ أَبِي بَكْرٍ مَكَانَ السَّابِعِ، وَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ فَقَالَ:

أَلَا كُلُّ مَنْ لَا يَقْتَدِي بِأَئِمَّةٍ

فَقِسْمَتُهُ ضِيزَى عَنْ الْحَقِّ يُحِدَّهُمْ

فَخُذْهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عُرْوَةُ قَاسِمٌ

سَعِيدٌ أَبُو بَكْرٍ سُلَيْمَانُ يُحِدَّهُمْ

وَمَعْنَى ضِيزَى أَنَّهَا جَائِرَةٌ.

فَقَوْلُهُ عَنْ الْحَقِّ يُحِدَّهُمْ تَفْسِيرٌ لِضِيزَى قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ بِلَا يَمِينِ الْبَيْتَيْنِ لَمَّا عَدَّ الْأُمَنَاءَ الَّذِينَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ اسْتَطْرَدَ فِي ذِكْرِ الْخِلَافِ، هَلْ يُصَدَّقُونَ فِي دَعْوَى التَّلَفِ وَنَحْوِهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُمْ الضَّمَانُ بِغَيْرِ يَمِينٍ أَوْ بِيَمِينٍ؟ ، وَأَخْبَرَ آخِرَ الْبَيْتَيْنِ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْيَمِينِ، هُوَ الْأَوْلَى عِنْدَ مَنْ حَقَّقَ النَّظَرَ، وَأَمْعَنَ الْفِكْرَ، وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمَنْهَجِ عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ الْيَمِينِ، وَقَوْلُهُ:

وَالِاتِّهَامُ غَيْرُ مُسْتَبِينِ

شَرَحَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ:

الْقَوْلُ قَوْلُهُمْ بِلَا يَمِينِ

وَإِنَّ اتِّهَامَهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ لَهُمْ مِنْ حُكْمِ الْأَمَانَةِ غَيْرُ مُسْتَبِينٍ. اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ جُمْلَةَ:

وَالِاتِّهَامُ غَيْرُ مُسْتَبِينِ:

حَالِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ سُقُوطَ الْيَمِينِ عَنْهُمْ هُوَ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَهِيَ حَيْثُ لَمْ تَتَبَيَّنْ تُهْمَةٌ يَعْنِي، وَأَمَّا إنْ تَبَيَّنَتْ فَالْيَمِينُ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ أُصُولِ الْفُتْيَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُمْ بِلَا يَمِينٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ يُتَّهَمُ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ. اهـ.

وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ بَانَتْ تُهْمَةٌ أَمْ لَا، فَهُوَ مُقَابِلٌ لِلْقَوْلِ بِلُزُومِ الْيَمِينِ حَيْثُ تَتَبَيَّنُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى وَاَللَّهُ

ص: 194