الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ لَا تَجُوزُ، وَإِنْ خَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ الْعَزْلَ فَلَا يَشْهَدُوا. مِنْ الْحَطَّابِ
(الْخَامِسُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالُوا: سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ عَيْنٌ فَتَرَكَهَا وَبَاعَ خَشْيَةَ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ
(السَّادِسُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا عَنْ مُطَرِّفٍ وَمَنْ كَانَ عَالِمًا بِحَالِ الْمَضْغُوطِ فَاشْتَرَى شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ كَالْغَاصِبِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَيَشْتَرِي مِنْ السُّوقِ فَلَا يَضْمَنُ الدُّورَ وَالْحَيَوَانَ، وَيَضْمَنُ مَا انْتَفَعَ بِهِ بِأَكْلٍ وَلُبْسٍ. وَالْغَلَّةُ لَهُ. وَأَمَّا الْعَالِمُ فَلَا غَلَّةَ لَهُ، وَهُوَ لَهَا ضَامِنٌ.
(السَّابِعُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا: وَكُلُّ مَا أَحْدَثَ الْمُبْتَاعُ فِيهِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ فَلَا يَلْزَمُ الْمَضْغُوطَ، وَلَهُ أَخْذُ رَقِيقِهِ مِنْ الْمُبْتَاعِ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِحَالِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ
(الثَّامِنُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا: وَلَوْ أَعْطَى الْمَضْغُوطُ حَمِيلًا فَتَغَيَّبَ فَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْحَمِيلِ لَمْ يَرْجِعْ الْحَمِيلُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ أَخَذَ مَا ضُغِطَ بِهِ مِنْ رَجُلٍ سَلَفًا فَقَالَ أَصْبَغُ: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَسْلَفَهُ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ مَعْرُوفٌ. قَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ: وَعَلَى أَصْلِهِ فَيَرْجِعُ الْحَمِيلُ لِأَنَّ الْحَمَالَةَ مَعْرُوفٌ اهـ.
وَالْخُلْفُ فِي الْبَيْعِ لِشَيْءٍ مُغْتَصَبْ
…
ثَالِثُهَا جَوَازُهُ مِمَّنْ غَصَبْ
يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ لِرَبِّ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ أَنْ يَبِيعَهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ الْغَاصِبِ الَّذِي هُوَ تَحْتَ يَدِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ بَائِعُهُ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهِ لِمُشْتَرِيهِ، وَهَذَا عَاجِزٌ عَنْ ذَلِكَ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ بِالتَّفْصِيلِ، يَجُوزُ بَيْعُهُ لِغَاصِبِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ. هَذَا هُوَ ظَاهِرُ النَّظْمِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْحَاجِبِيَّةِ أَنَّ صَدْرَ الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْجَوَازُ دَلِيلُ الْأَوَّلِ وَعَجُزُهُ، وَهُوَ الْمَنْعُ دَلِيلُ الثَّانِي. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الْخِلَافِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ جَعَلَ بَيْعَ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ غَاصِبِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ فَهُوَ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ دَفْعِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ مُقِرًّا أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا، وَهُوَ مِمَّنْ تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ، وَعَلَيْهِ بِالْغَصْبِ بَيِّنَةٌ فَقَوْلَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاءِ مَا فِيهِ خُصُومَةُ.
ابْنِ رُشْدٍ وَالْمَشْهُورُ مِنْهُمَا الْمَنْعُ، لِأَنَّهُ غَرَرٌ قَالَ: وَأَمَّا بَيْعُهُ مِنْ غَاصِبِهِ فَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الشَّهَادَاتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ، أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ عَازِمٌ عَلَى رَدِّهِ فَيَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ، الثَّانِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ عَازِمٍ عَلَى رَدِّهِ. وَإِنْ طَلَبَهُ رَبُّهُ. فَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ، وَالثَّالِثُ أَنْ يُشْكِلَ أَمْرُهُ. وَفِيهِ قَوْلَانِ. قَالَ: وَإِلَى هَذِهِ تَرْجِعُ الرِّوَايَاتُ ا. هـ وَبِالْفَسَادِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَبِذَلِكَ حَكَمَ الْقَاضِي ابْنُ بَشِيرٍ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ
[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ]
ِ
أَبٌ عَلَى بَنِيهِ فِي وِثَاقِ
…
حَجْرٌ لَهُ يَبِيعُ بِالْإِطْلَاقِ
وَفِعْلُهُ عَلَى السَّدَادِ يُحْمَلْ
…
وَحَيْثُ لَا رَدَّ ابْنُهُ مَا يَفْعَلْ
يَعْنِي أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَ مَالَ وَلَدِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ بَالِغًا جَدَّدَ عَلَيْهِ الْحَجْرَ لِإِطْلَاقِهِ فِي الْمَحْجُورِ أَصْلًا، كَأَنْ كَانَ الْمَبِيعَ أَوْ غَيْرَهُ. كَانَ الْبَيْعُ لِمُوجِبٍ مِنْ الْمُوجِبَاتِ الَّتِي تُذْكَرُ بَعْدُ فِي بَيْعِ الْوَصِيِّ، أَوْ لِغَيْرِ مُوجِبٍ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْإِطْلَاقِ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَبَيْعُ مَنْ وُصِيَّ لِلْمَحْجُورِ إلَّا لِمُقْتَضٍ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لِلْبَيْعِ مُوجِبًا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّدَادِ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ الْأَبُ مِنْ الْحَنَانَةِ وَالشَّفَقَةِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ وَظَهَرَ أَنَّ بَيْعَهُ غَيْرُ سَدَادٍ رُدَّ فِعْلُهُ، وَمِمَّا يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ السَّدَادِ حَتَّى يُثْبِتَ كَوْنَهُ سَدَادًا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُشْتَرِي مَالَ ابْنِهِ، أَوْ يَشْتَرِي لِوَلَدِهِ مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ يَبِيعَ لِأَجْنَبِيٍّ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ بِالثَّمَنِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ
(قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَبَيْعُ الْأَبِ عَلَى صِغَارِ بَنِيهِ، وَأَبْكَارِ بَنَاتِهِ جَائِزٌ، وَفِعْلُهُ أَبَدًا مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ. قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ ابْنِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ النَّظَرِ حَتَّى يَثْبُتَ النَّظَرُ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ عَلَى مَنْ أَرَادَ إثْبَاتَ الْبَيْعِ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ بِالنَّظَرِ، وَإِذَا بَاعَ عَلَى ابْنِهِ لِغَيْرِهِ فَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ فَسْخَ الْبَيْعِ، وَأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ غَيْرَ نَظَرٍ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَزَادَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ وَلَدِهِ فَالْبَيْعُ مَاضٍ، وَلَا اعْتِرَاضَ فِيهِ لِلِابْنِ ذَا رُشْدٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ وَالثَّمَانِيَةِ: فَإِنْ بَاعَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ. فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كَانَ أَصْبَغُ يُمْضِي بَيْعَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ بَاعَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فُسِخَ. اهـ
(فَرْعٌ) فِي مُفِيدِ ابْنِ هِشَامٍ إذَا صَدَقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ شَيْئًا مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ جَازَ، وَلَا كَلَامَ لِلِابْنِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ عِنْدَهَا بِعَيْنِهِ
(فَرْعٌ) وَفِي الْمُفِيدِ أَيْضًا قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ: وَمَا بِعْتَ أَوْ وَهَبْتَ مِنْ مَالِ وَلَدِك وَلَمْ يَعْلَمْ أَلَهُ فَعَلْتَهُ أَمْ لَكَ؟ فَذَلِكَ مَاضٍ، لِأَنَّك قَدْ تَلِي بِهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّك إنَّمَا فَعَلْتَهُ لِنَفْسِك فَيُرَدُّ انْتَهَى مِنْ الشَّارِحِ
وَبَيْعُ مِنْ وُصِّيَ لِلْمَحْجُورِ
…
إلَّا لِمُقْتَضٍ مِنْ الْمَحْظُورِ
يَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الْوَصِيِّ مَالَ مَحْجُورِهِ مِنْ الْمَحْظُورِ الْمَمْنُوعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمُقْتَضٍ أَيْ لِمُوجِبٍ
فَيَجُوزُ بَيْعُهُ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُوجِبَاتِ الْبَيْعِ اتِّكَالًا عَلَى شُهْرَتِهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَإِلَيْهَا أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا يُبَاعُ عَقَارُهُ لِحَاجَةٍ أَيْ مَأْكَلٍ أَوْ مَلْبَسٍ أَوْ غِبْطَةٍ أَيْ كَثْرَةٍ فِي الثَّمَنِ أَوْ لِكَوْنِهِ مُوَظَّفًا فَيُبْدِلُهُ بِمَا لَا وَظِيفَ عَلَيْهِ أَوْ كَوْنِهِ حِصَّةً فَيُبْدِلُهُ لَهُ بِكَامِلٍ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَنَحْوِهِ، أَوْ لِقِلَّةِ غَلَّتِهِ فَيُبْدِلُهُ بِمَا كَثُرَتْ غَلَّتُهُ، أَوْ لِكَوْنِهِ بَيْنَ ذِمِّيِّينَ، أَوْ جِيرَانِ سُوءٍ أَوْ لِإِرَادَةِ شَرِيكِهِ بَيْعًا، وَلَا مَالَ لَهُ يَضُمُّ بِهِ صَفْقَةَ الْبَيْعِ، أَوْ لِخَشْيَةِ انْتِقَالِ الْعِمَارَةِ أَوْ لِخَوْفِ الْخَرَابِ وَلَا مَالَ لَهُ أَوْ لَهُ، وَالْبَيْعُ أَوْلَى.
وَهَذِهِ الْأَسْبَابُ إنَّمَا هِيَ شَرْطٌ فِي بَيْعِ عَقَارِ الْيَتِيمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخُ خَلِيلٍ وَغَيْرُهُمَا، لَا فِي كُلِّ مَبِيعٍ كَمَا قَدْ يَظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِ النَّاظِمِ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ افْتِقَارِ بَيْعِ الْوَصِيِّ عَقَارَ الْمَحْجُورِ لِذِكْرِ السَّبَبِ، هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ. الْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ كَالْأَبِ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْوَصِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ السَّدَادِ حَتَّى يَثْبُتَ السَّدَادُ، أَوْ فِعْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّدَادِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: إنْ كَانَ الْوَصِيُّ ثِقَةً مَأْمُونًا عَارِفًا حَسَنَ النَّظَرِ، حُمِلَ عَلَى السَّدَادِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ امْرَأَةً حُمِلَ غَيْرُهُ وَأَشَارَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي التَّقْيِيدِ: إلَى أَنَّ الْعَمَلَ جَرَى بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ فِي الرُّبُعِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَبِهِ رَأَيْتُ الْعَمَلَ فِي زَمَانِنَا هَذَا مِنْ شَيْخِنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ قُضَاةُ بَلَدِهِ وَنَحْوُهُ فِي الطُّرَرِ فَيَمْضِي فِعْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْيَتِيمُ غَنِيًّا.
(قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : فَإِنْ بَيَّنَ السَّبَبَ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ، وَيَضْمَنُ الْعَقْدَ مَعْرِفَةُ الشُّهُودِ لِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَضْمَنُوهُ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي الْجَوَازِ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِذِكْرِ السَّبَبِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى إثْبَاتِهِ وَقَدْ نَصَّ فِي الطُّرَرِ عَلَى أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ أَيْ السَّبَبُ إلَّا مِنْ قَوْلِهِ. وَعَلَى مَا قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ: مِنْ أَنَّ فِعْلَهُ فِي الرِّبَاعِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ النَّظَرِ حَتَّى يَثْبُتَ. لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ بِمَعْرِفَةِ السَّدَادِ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ لِسَبَبٍ مِنْ حَاجَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ.
(تَنْبِيهٌ) لَيْسَ مِنْ السَّدَادِ الْبَيْعُ لِيَصِيرَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ فِيمَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لَمْ تَدْعُ لَهُ ضَرُورَةٌ فَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي مَسْأَلَةِ وَصِيٍّ بَاعَ دَارَ يَتِيمٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ إلَّا لِبِنَاءِ صِهْرِيجٍ فِي دَارٍ أُخْرَى، وَتَزْوِيقٍ وَزَلِيجٍ، يُنْقَضُ هَذَا الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ هَذَا سُوءُ نَظَرٍ. وَإِنْ كَانَ فِي تَعَقُّبِ فِعْلِ الْوَصِيِّ قَوْلَانِ. قَالَ: وَحُكِيَ أَنَّ بَعْضَ كِبَارِ الْفَاسِيِّينَ مِنْ فُقَهَائِهِمْ اشْتَرَى جَنَانًا فَبَنَى فِيهِ مَنَارَةً وَصِهْرِيجًا فَوَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ، فَطَلَبَ قِيمَةَ بِنَائِهِ، وَهُوَ غَلَطٌ إذْ مِثْلُ هَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْجَنَانِ نَقَلَهُ الشَّارِحُ.
(فَرْعٌ) إذَا قَيَّمَ فِيمَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ، فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ الْمُشْتَرِي شِرَاءً صَحِيحًا، وَأَنَّ الْوَصِيَّ بَاعَ لِغِبْطٍ أَوْ حَاجَةٍ، وَيَتِمُّ لَهُ الشِّرَاءُ. وَفِي الطِّرَازِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ يَمْضِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِشَيْءٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشُّيُوخِ قَدِيمًا وَبِهِ الْعَمَلُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَبْنٌ فِي الثَّمَنِ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ.
وَجَازَ بَيْعُ حَاضِنٍ بِشَرْطِ أَنْ
…
أُهْمِلَ مَحْضُونٌ، وَلَا يَعْلُو الثَّمَنْ
عِشْرِينَ دِينَارًا مِنْ الشَّرْعِيِّ
…
فِضِّيَّةً وَذَا عَلَى الْمَرْضِيِّ
يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاضِنِ أَنْ يَبِيعَ مَالَ مَحْضُونِهِ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَحْضُونُ يَتِيمًا مُهْمَلًا، أَيْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَصِيٌّ مِنْ أَبٍ وَلَا مُقَدَّمٌ مِنْ قَاضٍ، الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ قَلِيلًا كَعِشْرِينَ دِينَارًا شَرْعِيَّةً فَأَقَلَّ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَحْضُونِ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ فَالْبَيْعُ لَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ،، أَوْ كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ: وَأَمَّا الْكَافِلُ فَفِي بَيْعِهِ عَلَى مَكْفُولِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا، قَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الْقَسْمِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْجَوَازُ مُطْلَقًا، وَالْجَوَازُ فِي بَلَدٍ لَا سُلْطَانَ فِيهِ، وَالْمَنْعُ فِي بَلَدٍ فِيهِ سُلْطَانٌ، وَالْجَوَازُ فِي الْيَسِيرَةِ، قَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ. وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ. وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْيَسِيرِ، فَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ: ثَلَاثُونَ دِينَارًا، وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: عِشْرُونَ دِينَارًا وَنَحْوُهَا، وَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: عَشْرَةٌ وَنَحْوُهَا. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْعَطَّارِ انْتَهَى بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ
(وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ وَالْبِكْرِ الَّتِي لَمْ تَعْنِسْ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ، وَاحْتَاجَ مَنْ كَانَ مِنْهُمَا إلَى بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ عَقَارِهِ، وَلَهُ حَاضِنٌ قَرِيبٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ عَلَيْهِ الْيَسِيرَ التَّافِهَ مِنْ عَقَارِهِ، مِثْلُ الَّذِي يَكُونُ ثَمَنُهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ إلَى عِشْرِينَ وَيَنْفُذُ ذَلِكَ، وَلَا قِيَامَ فِيهِ لِلْيَتِيمِ بَعْدَ رُشْدِهِ إذَا أَصَابَ الْحَاضِنُ وَجْهَ الْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ أَوْ بَعِيدًا عَنْهُ. وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَاضِن وَبِمَا قَدَّمْنَاهُ جَرَى الْعَمَلُ. (قَالَ الشَّارِحُ) وَأَشَارَ الشَّيْخُ رحمه الله بِالْمَرْضِيِّ إلَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ. اهـ أَيْ
مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْحَاضِنِ، قَالَ: وَحَالُ الْأُمِّ فِي ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّ مَالِكًا أَجَازَ لَهَا أَنْ تُوصِيَ بِابْنِهَا وَبِمَا يَصِيرُ لَهُ مِنْ تَرِكَتِهَا إلَى مَنْ يَنْظُرُ لَهُ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ سِتِّينَ دِينَارًا فَأَقَلَّ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَإِذَا قُيِّمَ عَلَى الْمُبْتَاعِ فِيمَا بَاعَهُ الْكَافِلُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ حَضَانَةَ الْبَائِعِ، وَحَاجَةَ الْمَحْضُونِ، وَالسَّدَادَ فِي الثَّمَنِ، وَأَنَّهُ أَنْفَقَ الثَّمَنَ عَلَيْهِ، وَأَدْخَلَهُ فِي مَصَالِحِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ أَوْلَى مَا بِيعَ عَلَيْهِ مِنْ عَقَارِهِ، وَيَضْمَنُ ذَلِكَ عَقْدَ الْبَيْعِ آخِرًا.
(فَرْعٌ) نَقَلَ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ آخِرَ السِّفْرِ الثَّالِثِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ فِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ لَهُ: أَنَّ الْقَرِيبَ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْوَصِيِّ؛ فَيَمْضِي بَيْعُهُ عَلَى الصَّغِيرِ، وَلَا يُرَدُّ. أَوْ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ فَلَا يَمْضِي
بَيْعُهُ بَلْ يُرَدُّ، وَعَلَى رَدِّهِ فَلَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْغَلَّةَ لِلشُّبْهَةِ بِمُرَاعَاةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ كَالْوَصِيِّ
وَمَا اشْتَرَى الْمَرِيضُ أَوْ مَا بَاعَا
…
إنْ هُوَ مَاتَ يَأْبَى الِامْتِنَاعَ
فَإِنْ يَكُنْ حَابَى بِهِ فَالْأَجْنَبِي
…
مِنْ ثُلْثِهِ يَأْخُذُ مَا بِهِ حُبِيَ
وَمَا بِهِ الْوَارِثُ حَابَى مُنِعَا
…
وَإِنْ يُجِزْهُ الْوَارِثُونَ اُتُّبِعَا
مَا ذُكِرَ هُنَا وَمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ هُوَ مِنْ زِيَادَاتِ هَذَا النَّظْمِ عَلَى مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ إلَّا بَيْعَ الْحَاكِمِ وَالْوَارِثِ وَالْمَجْنُونِ وَمَنْ مَعَهُ وَالْأَعْمَى. وَالْمُحَابَاةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ حَابَى إذَا أَعْطَى. وَيُطْلِقُهُ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْبَيْعِ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ بِكَثِيرٍ قَصْدًا لِنَفْعِ الْمُشْتَرِي، وَعَلَى الشِّرَاءِ بِأَكْثَرَ كَذَلِكَ قَصْدًا لِنَفْعِ الْبَائِعِ، فَمَا نَقَصَ عَنْ الْقِيمَةِ فِي الْبَيْعِ أَوْ زَادَ عَلَيْهَا فِي الشِّرَاءِ عَطِيَّةٌ وَهِبَةٌ مِنْ الْمَرِيضِ لِلْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِقَصْدِ نَفْعِ مَنْ ذُكِرَ بَلْ لِلْجَهْلِ بِالثَّمَنِ فَهُوَ الْغَبْنُ الْآتِي لِلنَّاظِمِ، أَمَّا التَّوْلِيجُ فَهُوَ الْهِبَةُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ لِإِسْقَاطِ كُلْفَةِ الْحَوْزِ فِي الْبَيْعِ وَالِافْتِقَارِ إلَيْهِ فِي الْهِبَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ إنْ كَانَ بَعْضُهَا يُطْلَقُ عَلَى بَعْضٍ لِتَقَارُبِ مَعَانِيهَا. وَيَعْنِي النَّاظِمُ رحمه الله أَنَّ الْمَرِيضَ مَرَضًا مَخُوفًا إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فِي حَالَ مَرَضِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَاضٍ نَافِذٌ وَلَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي التَّبَرُّعَاتِ لَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ.
وَإِلَى نُفُوذِ بَيْعِهِ وَإِمْضَائِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: يَأْبَى الِامْتِنَاعُ أَيْ لَا يَقْبَلُ الِامْتِنَاعَ، وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْهُ فَهُوَ مَاضٍ، وَذَلِكَ الْمُرَادُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةٌ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ كَانَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا مَحْضَ هِبَةٍ فِي الْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِهِ إنْ مَاتَ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ رُدَّ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ كَانَ لِوَارِثٍ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازُوهُ جَازَ، وَإِنْ رَدُّوهُ رُدَّ
(قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : وَبَيْعُ الْمَرِيضِ وَابْتِيَاعُهُ جَائِزٌ مَا لَمْ يُحَابِ، فَإِنْ حَابَى وَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ لِمَنْ لَا يَرِثُهُ فَمُحَابَاةٌ فِي ثُلُثِهِ، إنْ حَمَلَهَا الثُّلُثُ أَوْ مَا حَمَلَ مِنْهَا، وَيَرْجِعُ مَا لَمْ يَحْمِلْ مِنْهَا مِيرَاثًا، وَإِنْ كَانَتْ لِمَنْ يَرِثُهُ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الْمُحَابَاةِ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ اهـ. مِنْ الشَّارِحِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَيُوقَفُ كُلُّ تَبَرُّعٍ، فَإِنْ مَاتَ فَمِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ صَحَّ كَالْإِنْشَاءِ
(التَّوْضِيحُ) كُلُّ تَبَرُّعٍ أَيْ عِتْقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَظَاهِرُهُ كَانَ لَهُ مَالٌ مَأْمُونٌ أَمْ لَا وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ فِي الْمَأْمُونِ أَنَّهُ يَنْفُذُ مَا بَتَلَ مِنْ عِتْقٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فِي الْمَرَضِ. قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ: وَلَيْسَ الْمَالُ الْمَأْمُونُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَالنَّخْلِ وَالْعَقَارِ فَإِنْ مَاتَ أَيْ بَعْدُ، فَتَبَرُّعُهُ خَارِجٌ مِنْ الثُّلُثِ كَالْوَصَايَا، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ فَكَالْإِنْشَاءِ فِي الصِّحَّةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَنْشَأَ ذَلِكَ التَّبَرُّعَ فِي الصِّحَّةِ فَيَلْزَمُهُ.
(تَنْبِيهٌ) إذَا أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ أَوْ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَجْنَبِيٍّ، فَهَلْ إجَازَتُهُمْ تَقْرِيرٌ لِمَا فَعَلَ الْمُوصِي؛ فَلَا تَفْتَقِرُ لِحَوْزٍ، أَوْ ذَلِكَ إنْشَاءُ عَطِيَّةٍ مِنْ الْوَارِثِ فَتَفْتَقِرُ لِلْحَوْزِ فَإِنْ مَاتَ الْوَارِثُ قَبْلَ حَوْزِهَا بَطَلَتْ قَوْلَانِ.
وَكُلُّ مَا الْقَاضِي يَبِيعُ مُطْلَقَا
…
بَيْعُ الْبَرَاءَةِ بِهِ تَحَقَّقَا
وَالْخُلْفُ فِيمَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ
…
أَوْ وَارِثٌ وَمَنْعُهُ مَرْضِيُّ
إلَّا بِمَا الْبَيْعُ بِهِ يَكُونُ
…
بِرَسْمِ أَنْ تُقْضَى بِهِ الدُّيُونُ
يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي مِنْ رَقِيقٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مُفْلِسٍ، أَوْ صَغِيرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ أَيْ لَا قِيَامَ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ إنْ وَجَدَهُ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ وَالْوَارِثُ هَلْ هُوَ بَيْعُ بَرَاءَةٍ فَلَا يُرَدُّ بِعَيْبٍ أَوْ لَا فَلِلْمُشْتَرِي الْقِيَامُ بِالْعَيْبِ، وَمَنْعُ كَوْنِ بَيْعِهَا بَيْعَ بَرَاءَةٍ هُوَ الْقَوْلُ الْمُرْضِي. قَالَ الشَّارِحُ: يَعْنِي بِهِ الْقَوْلَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ انْتَهَى. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي كَوْنِ بَيْعِ الْوَصِيِّ وَالْوَارِثِ بَيْعَ بَرَاءَةٍ أَوْ لَا إنَّمَا هُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِقَضَاءِ دَيْنٍ نَحْوَهُ كَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ أَمَّا مَا كَانَ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ هَذَا ظَاهِرُ النَّظْمِ وَفِي الشَّارِحِ أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ كَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ
كَذَلِكَ الْبَيْعُ الَّذِي يَكُونُ
.. إلَخْ
(قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَأَمَّا مَا بَاعَهُ السُّلْطَانُ عَلَى مُفْلِسٍ، أَوْ فِي مَغْنَمٍ، أَوْ لِقَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ وَرَثَةٍ أَوْ عَلَى صَغِيرٍ فَهُوَ بَيْعُ بَرَاءَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطُ، وَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ رَدٌّ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ وَلَا فِي ذَلِكَ عُهْدَةُ ثَلَاثٍ وَلَا سَنَةٍ. وَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ:(الْعُيُوبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ) : وَثَبَتَ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ السُّلْطَانِ بَيْعُ بَرَاءَةٍ قَالَ وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الْبَرَاءَةِ. ثُمَّ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْمَشْهُورِ الْمَعْمُولِ بِهِ، فَهَلْ يَكُونُ بَيْعُ السُّلْطَانِ بَيْعَ بَرَاءَةٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَوْ فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً؟ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ رَوَاهَا ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الَّتِي اعْتَمَدَ الشَّيْخُ. وَفِي الْمُفِيدِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي بَيْعِ الْمِيرَاثِ فَقَالَ مَرَّةً: هُوَ بَيْعُ بَرَاءَةٍ. وَقَالَ مَرَّةً: لَا يَكُونُ بَيْعَ بَرَاءَةٍ.
(وَفِي الْجَوَاهِرِ) قَالَ الْإِمَامُ: وَأَمَّا بَيْعُ الْوَرَثَةِ لِقَضَاءِ دُيُونٍ، وَتَنْفِيذِ وَصَايَا، فَإِنَّ فِيهِ الْخِلَافَ الْمَشْهُورَ قَالَ: فَاقْتَصَرَ مَرَّةً عَلَى ثُبُوتِ الْبَرَاءَةِ فِي بَيْعِ السُّلْطَانِ خَاصَّةً، وَأَضَافَ إلَى ذَلِكَ مَرَّةً بَيْعَ أَهْلِ الْمِيرَاثِ، وَمُرَادُهُ مِنْ ذَلِكَ مَا بَاعُوهُ لِقَضَاءِ دَيْنٍ، أَوْ إنْفَاذِ وَصِيَّةٍ. (قَالَ ابْنُ شَاسٍ) : وَإِنَّمَا حُمِلَ بَيْعُ الْوَرَثَةِ لِقَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ لِإِنْقَاذِ وَصِيَّةٍ عَلَى بَيْعِ الْبَرَاءَةِ لِكَوْنِ الدُّيُونِ كَالْوَصَايَا يَجِبُ إنْفَاذُهَا، وَمِنْ حَقِّ أَهْلِهَا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُمْ حُقُوقُهُمْ إذَا طَلَبُوهَا وَالسُّلْطَانُ وَالْوَصِيُّ،
وَالْوَرَثَةُ غَيْرُ عَالِمِينَ بِأَحْوَالِ الْمَبِيعِ وَهُمْ مُطَالَبُونَ بِاسْتِعْجَالِ الْبَيْعِ فَحُمِلَ بَيْعُهُمْ عَلَى الْبَرَاءَةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْإِنْسَانِ مَالَ نَفْسِهِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٍ فِي ابْتِدَاءِ مَوَانِعِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ: وَمُنِعَ مِنْهُ بَيْعُ حَاكِمٍ وَوَارِثٍ رَقِيقًا فَقَطْ فَقَوْلُهُ رَقِيقًا فَقَطْ يُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لِبَيْعِ الْحَاكِمِ وَالْوَارِثِ مَعًا، وَإِنَّ بَيْعَهُمَا إنَّمَا يَكُونُ بَيْعَ بَرَاءَةٍ فِي الرَّقِيقِ فَقَطْ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لِبَيْعِ الْوَارِثِ فَقَطْ فَهُوَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالرَّقِيقِ وَأَمَّا بَيْعُ السُّلْطَانِ فَبَيْعُ بَرَاءَةٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ
(تَنْبِيهٌ) إنَّمَا يَكُونُ بَيْعُهُمَا بَيْعَ بَرَاءَةٍ إذَا لَمْ يُدَلِّسَا، وَالْمُرَادُ بِبَيْعِ الْحَاكِمِ مَا بَاعَهُ بِوَصْفِ الْحُكْمِ، لَا مَا بَاعَهُ بِوَصْفِ الْمِلْكِ
(قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) وَعَلَى اعْتِبَارِ الْمِيرَاثِ فَفِي كَوْنِهِ مَا بِيعَ لِقَضَاءِ دَيْنٍ فَقَطْ، أَوْ وَلِمَا بِيعَ لِقَسْمِ الْوَرَثَةِ قَوْلَانِ لِلْبَاجِيِّ وَعِيَاضٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى.
(ابْنُ هَارُونَ فِي اخْتِصَارِ الْمُتَيْطِيَّةِ) مَا بَاعَهُ الْوَرَثَةُ لِقَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ وَصَايَا لَا يَكُونُ بَيْعَ بَرَاءَةٍ، إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ الْوَرَثَةُ بِأَنَّهُ بَيْعُ مِيرَاثٍ أَوْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ الْمُبْتَاعُ فَيَكُونُ بَيْعَ بَرَاءَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُبْتَاعُ بِأَنَّهُ بَيْعُ مِيرَاثٍ أَوْ سُلْطَانٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الرَّدِّ أَوْ التَّمَاسُكِ بِلَا عُهْدَةٍ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ مَالِكٌ: وَأَرَى إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بَيْعُ سُلْطَانٍ أَوْ مِيرَاثٍ، وَجَهِلَ أَنَّهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ أَنْ تَكُونَ لَهُ الْعُهْدَةُ، وَلَا يَكُونُ بَيْعُ السُّلْطَانِ بَيْعَ بَرَاءَةٍ حَتَّى يُسْأَلَ الَّذِي يُبَاعُ عَلَيْهِ هَلْ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا أَمْ لَا؟ اهـ وَفِيهِ تَحْرِيرٌ وَبِكَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ يَتَبَيَّنُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ: وَوَارِثٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ صَارَ لَهُ رَقِيقٌ مِنْ إرْثٍ فَبَاعَهُ بَلْ مَا بِيعَ لِيُقْسَمَ أَوْ بِيعَ لِقَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ وَصَايَا عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَوْلُهُ وَوَارِثٍ الْمُتَيْطِيُّ وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا بَاعَ لِمَنْ يَلِي عَلَيْهِ لِنَفَقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَبَيَّنَ ذَلِكَ، فَلَا تِبَاعَةَ عَلَيْهِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ إنْ كَانَ قَائِمًا، فَإِنْ أَنْفَقَهُ عَلَى الْأَيْتَامِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَبَيْعُ الْقَاضِي كَبَيْعِ الْوَصِيِّ. اهـ وَهُوَ عِنْدَهُ عَامٌّ فِي الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى مِنْ طُرَرِ شَيْخِنَا رحمه الله. وَإِنَّمَا أَثْبَتُّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طُولٌ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ.
(تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ لِلنَّاظِمِ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعِ الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ فِي قَوْلِهِ:
وَالْبَيْعُ مِنْ بَرَاءَةٍ إنْ نُصَّتْ
…
عَلَى الْأَصَحِّ بِالرَّقِيقِ اخْتَصَّتْ
هُوَ فِي غَيْرِ بَيْعِ الْقَاضِي وَالْوَارِثِ وَنَحْوِهِ كَالْوَصِيِّ، بَلْ فِي بَيْعِ الْإِنْسَانِ مَالَ نَفْسِهِ وَنَحْوِهِ كَالْوَكِيلِ إنْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ مُوَكِّلُهُ بِدَلِيلِ مَا ذُكِرَ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَمِنْ أَصَمَّ أَبْكَمَ الْعُقُودُ
…
جَائِزَةٌ وَيَشْهَدُ الشُّهُودُ
بِمُقْتَضَى إشَارَةٍ قَدْ أَفْهَمَتْ
…
مَقْصُودَهُ وَبِرِضَاهُ أَعْلَمَتْ
وَإِنْ يَكُنْ مَعَ ذَاكَ أَعْمَى امْتَنَعَا
…
لِفَقْدِهِ الْإِفْهَامَ وَالْفَهْمَ مَعَا
يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ أَصَمَّ أَبْكَمَ فَإِنَّ مَا يَعْقِدُهُ مِنْ بَيْعٍ، وَابْتِيَاعٍ، وَنِكَاحٍ، وَمُعَاوَضَةٍ، وَتَبَرُّعٍ، جَائِزٌ لَازِمٌ لَهُ وَيَعْتَمِدُ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْإِشَارَةِ الَّتِي تُفْهِمُ مَقْصُودَهُ قَطْعًا وَتُعْلِمُ بِرِضَاهُ حَتْمًا، فَإِنْ إنْضَاف إلَى الصَّمَمِ وَالْبَكَمِ آفَةُ الْعَمَى امْتَنَعَ كُلُّ عَقْدٍ فِي حَقِّهِ لِفَقْدِهِ الْآلَةَ الَّتِي تُوَصِّلُ الْإِفْهَامَ عَنْهُ لِلشَّاهِدِ عَلَيْهِ، وَالْفَهْمَ لَهُ
(قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَيَلْزَمُ الْأَصَمَّ الْأَبْكَمَ بَيْعُهُ وَابْتِيَاعُهُ وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا إذَا قَطَعَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ مَعْرِفَته ذَلِكَ وَرِضَاهُ بِإِشَارَتِهِ إلَيْهِمْ، وَإِشَارَتِهِمْ إلَيْهِ، وَلَمْ يَشُكُّوا فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَصَمَّ أَبْكَمَ أَعْمَى لَمْ تَجُزْ مُبَايَعَتُهُ، وَلَا مُنَاكَحَتُهُ وَلَا مُعَامَلَتُهُ، انْتَهَى. مِنْ الشَّارِحِ أَيْ وَيَكُونُ النَّظَرُ فِي مَالِهِ وَغَيْرِهِ لِلْقَاضِي كَالصَّبِيِّ الْمُهْمَلِ وَغَيْرِهِ
كَذَاكَ لِلْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ
…
يُمْنَعُ وَالسَّكْرَانِ لِلْجُمْهُورِ
يَعْنِي كَمَا يَمْتَنِعُ الْعَقْدُ مِمَّنْ اجْتَمَعَ فِيهِ الصَّمَمُ وَالْعَمَى وَالْبَكَمُ، كَذَلِكَ يَمْتَنِعُ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَهُمْ الْمَجْنُونُ وَالصَّغِيرُ وَالسَّكْرَانُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبُيُوعِ مِنْ شَرْطِ عَاقِدِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا، فَالْمَجْنُونُ وَالصَّغِيرُ وَالسَّكْرَانُ هُمْ كَمَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ الصَّمَمُ وَالْبَكَمُ وَالْعَمَى فِي عَدَمِ جَوَازِ مُعَامَلَتِهِمْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ الْفَهْمُ وَالْإِفْهَامُ، فَهُمْ لِفَقْدِ الْعَقْلِ أَوْ عَدَمِ كَمَالِهِ كَمَنْ لَا فَهْمَ لَهُ وَلَا إفْهَامَ فَاسْتَوَوْا مَعَهُمْ فِي الْحُكْمِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» فَذَكَرَ فِيهِمْ الْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ، وَالصَّغِيرَ حَتَّى يَحْتَلِمَ.
(قَالَ الشَّارِحُ) : وَاشْتِرَاطُ الصِّحَّةِ، وَجَوَازُ الْأَمْرِ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ، وَمَنَعَ فَاقِدَ الْعَقْلِ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَجَوَازُ الْأَمْرِ، وَالصَّغِيرُ غَيْرُ جَائِزِ الْأَمْرِ، وَالسَّكْرَانُ إذَا فَقَدَ عَقْلَهُ بِالْجُمْلَةِ لَاحِقٌ بِالْمَجْنُونِ مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، فَفِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ بَعْدَ تَقْسِيمِهِ الْبُيُوعَ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ، وَذَكَرَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ مَا نَصُّهُ: وَالثَّانِي: بَيْعُ مَنْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَضْغُوطِ وَأَشْبَاهِهِمْ، وَفِي الْمُفِيدِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّكْرَانِ وَلَا ابْتِيَاعُهُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَكِنْ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ مَا كَانَ يَعْقِلُ حِينَ بَيْعِهِ أَوْ ابْتِيَاعِهِ ثُمَّ لَا يَلْزَمُهُ الْعَقْدُ اهـ.
وَفِي التَّوْضِيحِ فِي تَرْجَمَةِ الْأَهْلِ أَحَدُ أَرْكَانِ الطَّلَاقِ فِي السَّكْرَانِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ الْأُولَى لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ هُوَ الْمُخْتَلَطُ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاخْتِلَاطَ مِنْ نَفْسِهِ فَيُخْطِئُ وَيُصِيبُ. قَالَ: وَأَمَّا السَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ الثَّانِيَةُ: عَكْسُهَا لِابْنِ بَشِيرٍ إنْ كَانَ فِي حَالِ تَمْيِيزِهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ مَغْمُورًا فَالْمَشْهُورُ اللُّزُومُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذِهِ عَكْسُ طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ الثَّالِثَةُ: لِلَّخْمِيِّ: أَنَّ الْخِلَافَ فِي السَّكْرَانِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ مَيْزٌ أَمْ لَا. وَكَذَلِكَ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْمَشْهُورُ لُزُومُ طَلَاقِهِ، وَالشَّاذُّ عَدَمُ لُزُومِهِ وَلَمْ يُفَصِّلْ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَتَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي السَّكْرَانِ أَنَّ الْمَشْهُورَ تَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ، وَالْعِتْقُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْحُدُودُ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَاتُ وَالْعُقُودُ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ اهـ وَقَدْ جَمَعَ شَيْخُنَا ابْنُ عَاشِرٍ رحمه الله هَذَا التَّحْصِيلَ فِي بَيْتٍ وَهُوَ
لَا يَلْزَمُ السَّكْرَانَ إقْرَارٌ عُقُودْ
…
بَلْ مَا جَنَى عِتْقٌ طَلَاقٌ وَحُدُودْ
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَوَّلَ الْبُيُوعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ السَّكْرَانِ أَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ، لِأَنَّا لَوْ فَتْحَنَا هَذَا الْبَابَ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِ النَّاسِ عَلَى أَخْذِ مَا بِيَدِهِ، وَكَثْرَةِ وُقُوعِ الْبَيْعِ لَأَدَّى إلَى أَنْ لَا يَبْقَى لَهُ شَيْءٌ. بِخِلَافِ طَلَاقِهِ وَقَتْلِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ فِيهِ الْحَقُّ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّا لَوْ لَمْ نَعْتَبِرْهُ لَتَسَاكُرِ النَّاسِ لِيُتْلِفُوا أَمْوَالَ النَّاسِ وَأَرْوَاحَهُمْ انْتَهَى
وَذُو الْعَمَى يَسُوغُ الِابْتِيَاعُ لَهُ
…
وَبَيْعُهُ وَكُلُّ عَقْدٍ أَعْمَلَهُ
وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ وُلِدْ
…
أَعْمَى وَمَنْ عَمَاهُ مِنْ بَعْدُ وُجِدْ
يَعْنِي أَنَّ الْأَعْمَى يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ لَهُ فَيَكُون مُشْتَرِيًا، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ فَيَكُونُ بَائِعًا وَكَذَا يَجُوزُ كُلُّ عَقْدٍ أَوْقَعَهُ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ، وَالتَّبَرُّعَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ وُلِدَ أَعْمَى فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلَا ابْتِيَاعُهُ، وَبَيْنَ مَنْ طَرَأَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِبْصَارِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ
(ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالْأَعْمَى يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِالصِّفَةِ، وَقِيلَ إلَّا الْأَصْلِيَّ
(التَّوْضِيحُ) وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ لَهُ إبْصَارٌ صَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ اتِّفَاقًا وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ، فَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرَ الْأَبْهَرِيُّ هَكَذَا نَقَلَ اللَّخْمِيُّ
(ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَفِي مَعْنَى مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ إبْصَارُ الَّذِي تَقَدَّمَ لَهُ إبْصَارٌ فِي سِنِّ الصِّغَرِ، ثُمَّ لَا يَتَخَيَّلُ الْأَلْوَانَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الصِّفَةِ الَّتِي لَا تُدْرَكُ إلَّا بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ، وَأَمَّا مَا يُدْرَكُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا مَانِعَ اهـ فِي الْمُفِيدِ. وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ بَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ فِي السَّلَمِ وَغَيْرِهِ إذَا وُصِفَ لَهُ الشَّيْءُ صِفَةً مَعْلُومَةً، أَوْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يَرَاهُ مِمَّنْ يَرْضَى ذَلِكَ مِنْهُ. وَفِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ فِيمَنْ وُلِدَ أَعْمَى لَا تَجُوزُ مُعَامَلَتُهُ فِي بَيْعٍ وَلَا ابْتِيَاعٍ لِجَهْلِهِ بِالْمَبِيعِ، وَأَجَازَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الذَّوْقِ وَاللَّمْسِ دُونَ مَا يَرْجِعُ إلَى اللَّوْنِ وَالشَّكْلِ وَهُوَ أَحْسَنُ