المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(إن سعيكم لشتى) (1) ‌ ‌الخطبة الأولى إن الحمد لله .. أيها الأخوة المؤمنون، - شعاع من المحراب - جـ ١١

[سليمان بن حمد العودة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الحادي عشر

- ‌المجاهرة بالذنوب

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌(1) الإنسان في كبد

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌المحاسبة لماذا وكيف

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌(إن سعيكم لشتى)

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌قيادة المرأة للسيارة

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الحج والحملات

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌نابتة القرآنية

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الشباب إيجابيات وسلبيات نماذج وتوصيات

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الثقافة الوافدة ومعرض الكتاب بالرياض

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌في البيوع والغلاء والتكسب والتجارة الرابحة

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌{قل آمنت بالله فاستقم}

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌(2) أسباب الخلاف وآثاره وطرق العلاج

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌بين خالد والوليد

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌حصار القطاع الخيري لمصلحة من

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌حصار القطاع الخيري لماذا؟ وكيف المخرج

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الشكر والشاكرون

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌حين يسخر بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الخيانة بئست البطانة/ أنواع، نماذج، آثار

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌معنيات الطاعة

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌تميم الداري وخبر الدجال والمبشرات

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌دعوى وحدة الأديان

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌تقدير الأكابر بين الغلو والجفاءوعبد الله بن المبارك العالم المجاهد

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌لحوم العلماء مسمومة، ولجنة رعاية السجناء

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌ملحمة الإيمان وانتصار غزة

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌من مكاسبنا في حصار غزة

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌حين يغيب الإيمان عن العلمنموذج لتدهور الغرب القيمي

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الغزو الفكري(وسائل ومظاهر ومخارج)

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الإيجابية في زمن التحولات والانتخابات

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الزواج وقفات ومحاذير

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌ثقافة التسامح والتيسير

- ‌الخطبة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

الفصل: ‌ ‌(إن سعيكم لشتى) (1) ‌ ‌الخطبة الأولى إن الحمد لله .. أيها الأخوة المؤمنون،

(إن سعيكم لشتى)

(1)

‌الخطبة الأولى

إن الحمد لله ..

أيها الأخوة المؤمنون، الناس في هذه الحياة كلُّهم يسعى ولكن سعيهم مختلف {إن سعيكم لشتى} وإذا اختلف السعي اختلف الجزاء {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى} إنه مقرر عند العقلاء أن الخير ليس كالشر، وليس الهدى كالضلال وليس الصلاح كالإفساد، وليس من أعطى واتقى كمن بخل واستغنى وليس من صدَّق وآمن كمن كذب وتولى .. إن لكل طريقًا ولكل مصيرًا، ولكل جزاء وفاقًا .. ولا يظلم ربك أحدًا.

يا عبد الله إلى أين تسعى، وما الهدف من مسعاك، وما نتائج هذا المسعى؟ تلك أسئلة راشدة حق على كل مسلم أن يسأل نفسه إياها .. فهي مُوجهة للمسيرةٌ، وقائدةٌ بإذن الله للفلاح في الدنيا والسعادة في الآخرة.

واعلم يا عبد الله أنه لا وقوف في الطريق البتة لكن هل تتقدم أم تتأخر، قال تعالى:{لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر} .

وإذا ضل سعي أكثر العالمين والله يقول عنهم {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} فعلى عباد الرحمن أن يضبطوا مسيرهم، وأن يحددوا أهدافًا عالية لمسعاهم.

(1) ألقيت هذه الخطبة في 1/ 2/ 1429 هـ

ص: 29

وصدق الشاعر:

شاب الصبا والتصابي بعد لم يشب

وضاع وقتك بين اللهو والعب

يصلحون أنفسهم، ويسهمون في إصلاح الحياة والأحياء من حولهم ويتأكد السعي المثمر حين يتأمل الساعي قصر الحياة الدنيا، وكثرة طرق الضلال، وتنوع ميادين الفساد والإفساد؛ فمن خلّص نفسه من هذه الأشواك وتجاوز هذه المغريات فهو السعيد الراشد، {وقد أفلح من زكاها} .

ويتأكد السعي المثمر كذلك بالنظر لنعيم الآخرة وطول المكث فيها {فهي الحيوان لو كانوا يعلمون} {وأن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون} :

وشمس عمرك قد حان الغروب لها

والفيء في الأفق الشرقي لم يغب

وفاز بالوصل من قد جدَّ وانقشعت

عن أفقه ظلمات الليل والسحب

أجل لقد خطى على هذه الأرض أنبياء وعظماء، وأغنياء، وساسة وقادة وكبراء وما هي إلا برهة من الزمن وإذا الأرض تغنيهم في طورها ولم يبق إلا أخبارهم تروى {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} {ألم نجعل الأرض كفاتًا أحياء وأمواتًا} ؟ وكان الخبر بعدهم على حسب سعيهم وكان ذكرهم مقرونًا بنوع أعمالهم أجل إنهم أقوام باعوا أنفسهم لله، وجاهدوا في سبيله، ودعوا الخلق إلى عبودية الخالق فأولئك سعيهم مشكور، وأجرهم محفوظ، وأولئك في جنات مكرمون وآخرون دسوا أنفسهم ودنسوها بالمعاصي، وأوبقوها ولا بد للقيام بأمر الله من عاملين عامل القوة وعامل الإخلاص فالمخلص بلا قوة يعجز عن القيام به، والقوي للإخلاص يخدل، فمن قام بهما كاملًا فهو

ص: 30

صديق، ومن ضعف فلا أقل من التألم والإنكار بالقلب ليس وراء ذلك إيمان .. كذا قرر الإمام الذهبي (1) وفي التنزيل {خذ الكتاب بقوة} {ألا لله الدين الخالص} بالسيئات والمنكرات .. وقد خابوا وخسروا ولم تكن خسارتهم في الدنيا بل خسروها والآخرة وذلك هو الخسران المبين وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل الناس يغدوا فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» والحديث يتمم لكلام قبله قال صلى الله عليه وسلم في أوله حاحثًا على جُمل من الأعمال الصالحة (الطُّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض، والصلاة نور والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك (2).

يا مسلم يا عبد الله وتشتد الحاجة للسعي الراشد في أزمان الغربة، وفساد الزمان، وقلة الأعوان .. إنهم الغرباء القابضون على دينهم كالقابض على الجمر، ولهؤلاء قال صلى الله عليه وسلم ((طوبى للغرباء أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم)) (3).

عباد الله المشي في مناكب الأرض لابتغاء الرزق، أو للنظر والاعتبار فيما خلق الله وبرأ أمر مشروع لكن لأنه لا ينفك عن العبودية لله والشكر على تذليل الأرض وبسطها ودحوها وتذكر المبدأ والنشور وتأمل قوله تعالى:{هو الذي جعل لكم الأرض ذلولًا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور، أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبًا فستعلمون كيف نذير} .

(1)(السير 11/ 234).

(2)

رواه أحمد ومسلم والترمذي عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه (صحيح الجامع 4/ 20، 21).

(3)

رواه أحمد عن ابن عمرو بسند صحيح (صحيح الجامع 4/ 12).

ص: 31

أجل لقد عرف الناس مسلمهم وكافرهم، وفي أقصى المعمورة وأدناها كيف تتحول هذه الأرض المذللة بإذن باريها إلى خَلْقٍ آخر يُدمِّر ما حوله في ثوان معدودة .. لا يملك البشر مهما أوتوا من قوة تذليلها ومنع كوارثها إنها حين تضطرب وتهتز وتقع الزلازل والبراكين المدمرة يتحطم كل شيء على ظهرها بناه الإنسان وشيده لعدة قرون أو نغوص في أعماق البحار والمحيطات حين تقع خسوف هنا أو هناك وتغيب قرى بأكملها وأناس وحيوانات في البر والبحر فسبحان القوي العزيز. وكذلك يشهد الناس حين تثور العواصف الحاصبة التي تدمر وتخرب، وتحرق وتصعق، والبشر بإزائها ضعاف لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا حتى يأخذ الله بزمامها ويُسكِّن رياضها، ويوقف أعاصيرها فتنقاد وتلين؟ فمن غير الله يبدئ ويعيد؟ الله القوي العزيز وبيده ملكوت كل شيء:

قل للطبيب تخطفته يد الردى

من يا طبيب بطبِّه أرداكا

قل للمريض نجى وعوفي بعدما

عجزت فنون الطب من عافاكا

واسأل بطون النحل كيف تقاطرت

شهدًا وقل للشهد من حلاكا

وإذا ترى الثعبان ينفث سمَّه

فاسأله من ذا بالسموم حشاكا

واسأله كيف تعيش يا ثعبان

أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا

فالحمد لله العظيم لذاته

حمدًا وليس لواحد إلاكا

إن الإنسان قوي بالقدر الذي وهبة الله من القوة، عالم بالقدر الذي أعطاه الله من العلم، ولكن هذا الكون الهائل زمامه بيد خالقه، ونواميسه من صنعه، وكل شيء بقدر الله وتقديره {إنا كل شيء خلقناه بقدر} وحين ينسى الإنسان هذه الحقائق فيطغى ويغتر وينخدع، بما أوتي من علم أو مال أو قوة، فإنه يصبح مخلوقًا مسيخًا مستكبرًا مقطوعًا عن الله ولا يبالى الله به بأي واد هلك هذا النوع من الخلق!

ص: 32

ومع كتابة القدر وتحديد الآجال، والسعادة والشقاء .. فلا بد من العمل والأخذ بالأسباب الموصلة للنجاة دون تواكل سلبي .. فعول قدري عن العمل المثمر وفي صحيح مسلم: عن علي رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله، ومع مخصرة فنكَّس (أي خفض رأسه وطأطأه نحو الأرض) فجعل ينكث بمخصرته، ثم قال ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة، قال فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقال: من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة، فقال: اعملوا فكل ميسر، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى} .

اللهم اجعلنا ويسرنا لليسرى وجنبنا العسرى.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه ورزقنا عملًا نافعًا وعملًا صالحًا.

ص: 33