الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حين يغيب الإيمان عن العلم
نموذج لتدهور الغرب القيمي
(1)
الخطبة الأولى
إخوة الإسلام .. أمران مهمان لبناء الحياة الدنيا وسعادة الآخرة: العلم والإيمان؛ فبالعلم تبنى الحضارات ويتقدم الإنسان، ويتجاوز عقابيل التخلف ويخرج من دائرة الجهل، وبالإيمان تبنى القيم، ويتصل الإنسان بالخالق، ويتوازن في نظرته للحياة، ولا تنتهي آماله في الدنيا، بل يتطلع لحياة أخرى أرجت وأسعد .. الإيمان يعصمه من الفجور، ويمنعه من الطغيان، يرشد مسيرته، ويضبط حركاته وسكناته.
إن أي أمة تفقد واحدًا من هذين العنصرين تضل وتشقى، وتتخبط في مسيرتها وتتأخر- وإن تقدمت ظاهرًا- تتفكك أوصالها، وتنقطع أواصر روابطها، ثم مآلها السقوط والزوال.
أيها المؤمنون .. وتعالوا بنا ننظر في واقع الحال، ونستشهد بحضارات فقدت إحدى عناصر البقاء، فكيف كانت حالها؟ وإلى أين تتجه في مسيرتها؟
الحضارة المادية المعاصرة نموذج لفقد الإيمان، فرغم ما بلغته من علم وتقنية وتقدم في مجال الحياة المادية، فهي عرجاء المسيرة، عوراء النظرة ..
ويعترف أحد أبناء الحضارة الغربية المعاصرة بفقدهم لعنصر الإيمان، وكيف أثر على مسيرتهم، ويقول (ول ديورانت) كاتب أمريكي عن حضارة بني قومه:
(1) ألقيت هذه الخطبة في 16/ 6/ 1429 هـ.
إن ثقافتنا اليوم سطحية، ومعرفتنا خطرة؛ لأننا أغنياء في الآلات، فقراء في الأغراض، وقد ذهب اتزان العقل الذي نشأ ذات يوم من حرارة الإيمان الديني، وانتزع العلم منا الأسس المتعالية لأخلاقياتنا، إننا نبدد تراثنا الاجتماعي بهذا الفساد الماجن (1).
أيها المسلمون .. وحتى نقف على الداء، ونحذر من الوقوع في مثله، لا بد أن نشير إلى عناصر ثلاثة صرفت المجتمعات الغربية، وجعلت حياتهم على شفا جرف هار، مهدد بالأفول في أي لحظة.
والعناصر الثلاثة هي:
1 -
الجنس وشذوذه وحريته المزعومة.
2 -
والخمور والمخدرات وآفاتها الخطرة.
3 -
والخنزير وخبثه وما يخلفه على صحتهم من آفات وأمراض.
أما الجنس هنا فهي بيهيمية في صورة إنسانية؛ إذ ليس ثمة محظور أو حياء، بل شذوذ جنسي وبغاء، قال عنه أحد المسئولين في البرلمان الفرنسي: إن حرفة البغاء لم تعد الآن عملًا شخصيًّا، بل لقد أصبحت تجارة واسعة وحرفة منظمة، بفضل ما تجلبه وكالاتها من أرباح خيالية.
ولكي ندرك مدى انتشار الزنا في المجتمعات الغربية -أكرمكم الله والمكان- يكفي أن يشار إلى شيء من نسبه، ليس في عامة الناس بل في خواصهم (الرهبان ورجال الكنيسة)، ففي تحقيقات بارعة نشرتها (الديلي ميل) عام 1970 م ذكرت الإحصائية أن ما يقرب من 80% من الرهبان والراهبات ورجال الكنيسة
(1)(الإسلام ومشكلات الحضارة، سيد عن: أساليب الدعوة الإسلامية المعاصرة د. العمار 381).
يمارسون الزنا، وإن ما يقرب من 40% منهم يمارسون الشذوذ الجنسي؟
فإذا كانت هذه إحصائية السبعينيات .. فكم هي إحصائية ما بعدها إلى يومنا هذا؟ ! وإذا كانت هذه النسب المرتفعة في الرهبان ورجالات الكنيسة، فكم تكون في بقية الشعوب الغربية؟ !
وتعجبون حين تعلمون أن كثيرًا من الكنائس الغربية قد أباحت الزنا .. بل أباح بعضها اللواط، بل يعقد قران الرجل على الرجل في بعض كنائس أمريكا على يد القسيس، فهل بعد ذلك من بهيمية؟ ! وهل فوق هذا الشذوذ من شذوذ؟ ! (1)
بل بلغ التردي أن دور العلم والمؤسسات الجامعية تشارك بل وتنشر هذه الثقافة العفنة، فأول مسابقة للتعري السريع تتبناه جامعة (يورو) ويعلن للناس، ويمنح الفائزون والفائزات -بزعمهم- جوائز وشهادات وأوسمة شرف!
هكذا تنحط القيم، وتستباح الفضيلة، ويؤسس للبهيمية، ولا تسأل هناك عن الأمراض والأوبئة، وأعداد اللقطاء، والمشاكل الأمنية .. وغيرها من مخرجات هذه البيئات الساقطة! .
عباد الله .. وهنا سر لبداية الانحراف لا بد أن يعيه العقلاء، ويدركه أهل الإسلام بجلاء، فهذه الأمراض الجنسية والإباحية المتردية كان وراءها انفلات في القيم، وحرية المرأة المزعومة، والتبرج المطلق، والاختلاط المحموم؛ ولذا فحين ينادي مناد لهذه الصيحات، أو تطرح مجموعة من الطروحات، أو تبدأ شيء من مقدمات هذه الممارسات في بلاد أهل الإسلام، فهي البداية النكدة، وهي المقدمة لهذه الأمراض والبلايا .. فلنحذر.
(1)(أساليب الدعوة الإسلامية المعاصرة د. العمار 385، 386).
أيها المسلمون .. أما الخمور والمسكرات والمخدرات، فحدث ولا حرج عن ويلاتها ومآثمها، وأما الخبائث حرية بكل بلاء، داعية لكل فجور، وهناك في تلك البلاد ينتشر الكأس، وتروج تجارة المخدرات، وتغدو هذه البلايا جزء من ثقافة القوم ومكوناتهم الاجتماعية، لا فرق بين الصغير والكبير، ولا بين الذكر والأنثى .. وإذا كانت لغة الأرقام مخيفة في تعاطي الأطفال في بلاد الغرب للخمر، فلا تسأل عن غيرهم .. وإذا قارنهم من يسمون برجال الدين، فكيف الحال بغيرهم، وهل تعلم أن بعض هؤلاء يشربونها في الكنيسة، ويحتجون على شربها بنصوص من أناجيلهم المحرفة، وربما اعتقدوا أن الخمر هي دم المسيح، فمن شربها فقد سرى في عروقه دم المسيح؟ !
إنها الانتكاسة والرجس، وتلاعب الشيطان، وفرق بين هؤلاء وبين من يقال لهم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
إنه داء آخر .. (الخمور والمخدرات) إذا فشت في مجتمع أفسدته، وإذا ابتلي بها قوم أهلكتهم، فلنحذر هذا الداء، ولنساهم مع الجهات المعنية في دفع ويلات الخمور والمخدرات عن مجتمعاتنا وبلادنا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} ، والله يقول عن كل ما خامر العقل وغطاه:{رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .