الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تميم الداري وخبر الدجال والمبشرات
(1)
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ..
أبو رقية تميم بن أوس الداري .. ماذا نعرف عنه، وما صلته بأحاديث الفتن والدجال؟ وما المبشرات التي حفظها تميم عن الرسول؟ وأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان نصرانيًا فأسلم، ووفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع في المدينة هو وأخوه (نعيم) فأسلما وأقطعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من أرض الشام، وتحديدًا من أرض فلسطين .. وهي بلدهما، فقد ورد أن تميمًا لما أسلم قال يا رسول الله: إن الله مظهرك على الأرض كلها فهب لي قريتي من (بيت لحم) قال: هي لك، وكتب له بها (2).
وفي رواية ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع تميمًا وأخاه (نعيمًا) حِبرى، وبيت عينون بالشام، وليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم قطيعة بالشام وغيرها (3).
صحب تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزا معه، ولم يزل بالمدينة حتى تحول إلى الشام بعد قتل عثمان رضي الله عنه (4).
كان تميم عابدًا تلاء لكتاب الله، قال أبو نعيم: كان راهب عصره وعابد أهل فلسطين (الإصابة: 2/ 305)، وكان رابع أربعة ممن جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن ابن سيرين بسند رجاله ثقات قال: جمع القرآن على عهد
(1) ألقيت هذه الخطبة في 14/ 11/ 1426 هـ.
(2)
(سير أعلام النبلاء 2/ 443).
(3)
(الطبقات 7/ 408).
(4)
(الطبقات 7/ 409).
رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي، وعثمان، وزيد، وتميم الداري (1) وبالإسناد الصحيح أيضًا أن تميمًا كان يختم القرآن في سبعٍ (2). بل روي أنه يختم القرآن في ركعة (3).
وصح أنه قام ليلة حتى أصبح أو كاد يقرأ آية ويرددها ويبكي {أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية: 21](4).
كان الناس يسألون تميمًا عن عبادته .. ولاسيما عن حزبه من القرآن وقيامه في الليل، فيرشدهم إلى الاعتدال والمداومة والاستقامة على قدر الطاقة .. ويحذر من الحماس والانقطاع والانبتات .. ودونكم هذه المحاورة بينه وبين رجل آتاه فقال: كم جزؤك، قال له تميم: لعلك من الذين يقرأ أحدهم القرآن، ثم يصبح فيقول: قد قرأت القرآن في هذه الليلة، فوالذي نفسي بيده لأن أصلي ثلاث ركعات نافلة أحب إلي من أن أقرأ القرآن في ليلة، ثم أصبح فأخبر به، قال الرجل (السائل): فلما أغضبني قلت: والله إنكم معاشر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بقي منكم لجدير أن تسكتوا، فلا تعلموا وأن تعنفوا من سألكم، فلما رآني قد غضبت، لان، وقال: ألا أحدثك يا ابن أخي؟ أرأيت إن كنت أنا مؤمنًا قويًا وأنت مؤمن ضعيف، فتحمل قوتي على ضعفك فلا تستطيع فتنبت، أو أرأيت إن كنت أنت مؤمنًا قويًا، وأنا مؤمن ضعيف حين أحمل قوتك على ضعفي فلا أستطيع فأنبت ولكن خذ من نفسك لدينك ومن دينك لنفسك حتى يستقيم لك الأمر على عبادة تطيقها (5).
تميم الداري رضي الله عنه معدود في علماء أهل الكتاب حتى قال قتادة: {ومن عنده
(1)(الطبقات 2/ 355، السير 2/ 445).
(2)
(السير 2/ 445).
(3)
(السابق 2/ 445).
(4)
(رجاله ثقات كما أخرجه الطبراني، انظر السير 2/ 445).
(5)
(السير 2/ 446).
علم الكتاب} [الرعد: 45] قال: سلمان، وابن سلام، وتميم الداري (1).
وعلق ابن كثير بقوله: والصحيح أنها اسم جنس يشمل علماء أهل الكتاب الذين يجدون صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته في كتبهم المتقدمة (12/ 521).
وتميم الداري هو الذي حدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقصة الجساسة والدجال على المنبر - وعد ذلك من مناقبه كما قال ابن حجر (2).
فما هي قصة الجساسة؟ وما علاقتها بالدجال؟ وكيف حدث بها تميم؟ وكيف حدث بها النبي صلى الله عليه وسلم؟
روى مسلم في صحيحه عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها وهي من المهاجرات الأول، قالت.
فهر قريش وهو من البطن الذي هي منه فانتقلت إليه. فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي، منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينادي: الصلاة جامعة (3). فخرجت إلى المسجد. فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك. فقال:«ليلزم كل إنسان مصلاه» . ثم قال: «أتدرون لم جمعتكم؟ » قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «إني، والله! ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة. ولكن جمعتكم؛ لأن تميمًا الداري (4)، كان رجلاً نصرانيًا، فجاء فبايع وأسلم. وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال. حدثني؛ أنه ركب في سفينة بحرية، مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام. فلعب بهم الموج
(1)(ابن جرير 13/ 177).
(2)
(الإصابة 2/ 305).
(3)
(الصلاة جامعة) هو بنصب الصلاة وجامعة. الأول على الإغراء والثاني على الحال.
(4)
(لأن تميمًا الداري) هذا معدود من مناقب تميم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه هذه القصة، وفيه رواية الفاضل عن المفضول، ورواية المتبوع عن تابعه. وفيه رواية خبر الواحد.
شهرًا في البحر. ثم أرفؤا إلى جزيرة (1) في البحر حتى مغرب الشمس. فجلسوا في أقرب السفينة (2). فدخلوا الجزيرة. فلقيتهم دابة أهلب (3) كثير الشعر. لا يدرون ما قبله من دبره. من كثرة الشعر. فقالوا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم! انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير.
فإنه إلى خبركم بالأشواق (4). قال: لما سمت لنا رجلاً فرقنا منها (5) أن تكون شيطانة. قال فانطلقنا سراعًا. حتى دخلنا الدير. فإذا فيه أعظم إنسان (6) رأيناه قط خلقًا. وأشده وثاقًا. مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه، بالحديد (7). قلنا: ويلك! ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري. فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب. ركبنا في سفينة بحرية. فصادفنا البحر حين اغتلم (8). فلعب بنا الموج شهرًا. ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه. فجلسنا في أقربها. فدخلنا الجزيرة. فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر. لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر. فقلنا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قلنا: وما
(1)(ثم أرفؤا إلى جزيرة) أي التجأوا إليها، قال في اللسان: أرفأت السفينة، إذا أدنيتها إلى الجدة. والجدة وجه الأرض، أي الشط.
(2)
(فجلسوا في اقرب السفينة) الأقرب جمع قارب، على غير قياس، والقياس قوارب. وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة كالجنيبة، يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم. وقيل: أقرب السفينة أدانيها، أي ما قارب إلى الأرض منها.
(3)
(أهلب) الأهلب غليظ الشعر، كثيره.
(4)
(فإنه إلى خبركم بالأشواق) أي شديد الأشواق إليه، أي إلى خبركم.
(5)
(فرقنا منها) أي خفنا.
(6)
(أعظم إنسان) أي أكبره جثة. أو أهيب هيئة.
(7)
(بالحديد) الباء متعلق بمجموعة. (وما بين ركبتيه إلى كعبيه) بدل اشتمال من يداه.
(8)
(اغتلم) أي هاج وجاوز حده المعتاد.
الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير. فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعًا. وفزعنا منها. ولم نأمن أن تكون شيطانة. فقال: أخبروني عن نخل بيسان (1). قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها، هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية (2). قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر (3). قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم. هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها.
قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه. وإني مخبركم عني. إني أنا المسيح. وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج. فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة. غير مكة وطيبة (4). فهما محرمتان علي. كلتاهما. كلما أردت أن أدخل واحدة، أو واحدًا منهما، استقبلني ملك بيده السلف صلتًا (5). يصدني عنها. وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعن بمخصرته في المنبر «هذه طيبة. هذه طيبة. هذه طيبة» يعني المدينة «ألا هل كنت حدثتكم
(1)(نخل بيسان) هي قرية بالشام.
(2)
(بحيرة الطبرية) هي بحر صغير معروف بالشام.
(3)
(عين زغر) هي بلدة معروفة في الجانب القبلي من الشام.
(4)
(طيبة) هي المدينة. ويقال لها أيضًا: طابة.
(5)
(صلتًا) بفتح الصاد وضمها. أي مسلولاً.
ذلك؟ » فقال الناس: نعم. «فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة. ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن. لا بل من قبل المشرق، ما هو (1). من قبل المشرق، ما هو. من قبل المشرق، ما هو» وأومأ بيده إلى المشرق. قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)(ما هو) قال القاضي: لفظة ما هو زائدة. صلة للكلام. ليست بنافية. والمراد إثبات أنه في جهة الشرق.