الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله القوي العزيز وأشهد أن لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، يعز من يشاء ويذل من يشاء، ومن يهن الله فما له من مكرم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من صبر وجاهد حتى أتاه اليقين، اللهم صل وسلم عليه وارض اللهم عن أصحابه والتابعين من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الإخوة المؤمنون حرب الأحزاب على غزة حرب ظالمة فاجرة ظهرت فيها أحقاد اليهود، وصليبية النصارى وإرجاف المنافقين، وأتي أهل غزة من فوقهم ومن أسفل منهم، زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وتجرد الإيمان ونطق المؤمنون {هذا ما وعد الله ورسوله} ، أعادت غزة لنا صوت الكفاح، ورفرفت راية الجهاد، وما كان ربك نسيًا دافع الله عنهم {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} ، وأصاب عدوهم بالرعب {وقذف في قلوبهم الرعب} كيف لا؟ والقادة الميدانيون من اليهود يقولون إن معركتنا مع أهل غزة معركة أشباح جنود لا ندري من أين يخرجون، لقد أخافونا، ودب الذعر في جنودنا، يا الله لقد بطل عمل القاذفات على أصواب التكبير، وربما انضاف إلى المعركة جنودًا آخرون وما يعلم جنود ربك إلا هو، وربنا يدافع عن الذين آمنوا ولا يحب كل خوان كفور.
أجل لقد خلفت الحرب الظالمة أزيد من ألف وثلاثمائة شهيد، وأكثر من خمسة آلاف جريح .. إنها أرقام مهولة بكل المقاييس كيف لا وقد كتب على بني إسرائيل أن من قتل نفسًا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعًا، وكتب عليهم أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص، فمن يا ترى يقاص يهود؟ ومن سيطالب بمحاكمة مجرمي الحرب في دولة يهود؟ ومع عظيم الخسائر وبكاء الشجر والحجر - فضلاً عن
الإنسان - فالمآذن تبكي وهي جامدة، والمحاريب تشكو وهي عيدان .. فقد كانت ثمنًا للنصر ومهرًا للعزة والمقاومة والاستشهاد، ورفع الظلم ودفع الأذى ..
وهل يسلم الشرف الرفيع من الأذى
…
حتى يراق على جوانبه الدم.
لقد كانت معركة غزة بكل فصولها ومآسيها عنوانًا للعزة والكرامة، وإيذانًا بمرحلة جديدة لا على مستوى المقاومة بل وعلى مستوى الأمة لقد هزمت القوة الرابعة في العالم، وسقط الوهم، وعلم الناس كل الناس أن الإسلام إذا دخل معركة لا يهزم، وردد الناس {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} علم المنهزمون أن الذين كانوا بالأمس يستضعفون ويحاصرون يمكنون اليوم، أما المؤمنون فهم مستيقنون بقوله تعالى:{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} .
إخوة الإسلام هل كانت هزيمة اليهود في غزة مجرد عواطف رددها المسلمون - كما يزعم المرجفون الذين ماتوا بغيظهم؟ لندع الحقائق تتحدث، ولنسمع إلى اعتراف الأعداء بهزيمتهم، ففي صحيفة (هارتس) اليهودية الصادرة في الأرض المحتلة يقول أحد كتابها السياسيين اليهود: هناك مظاهر كثيرة تدل على فشل الحرب التي شنها جيشنا على غزة، ومن أبرزها: استمرار إطلاق الصواريخ وعدم قدرة عملية صب الرصاص على إخماد شيء منها، ومن تلك المظاهر: استمرار تهديد المقاومة الفلسطينية في غزة بتوسيع رقعة الزيت بقذف الصواريخ إلى أكثر من خمسين كيلو مترًا، ومن أهم مظاهر هزيمتنا في غزة عدد من قتل من الأطفال والنساء والمدنيين، وما هدم من البيوت.
والمساجد والمستشفيات، مما جعل الشعوب في العالم كله تتظاهر ضد دولتنا، ومما جعل عددًا من
الصحفيين في نادي الصحفيين في واشنطن يقولون لوزيرة خارجيتنا (ليفني) أنت إرهابية ودولتكم إرهابية، وجيشكم إرهابي .. ؟ !
وتعترف صحيفة (يديعوت أحرنوت) اليهودية أن هذه الحرب مكنت للمقاومة الإسلامية التي تقودها (حماس) شعبيًا وعسكريًا وسياسيًا، وأحرجت العرب الذين يميلون إلى المفاوضات مع دولة إسرائيل وأحرقت أوراق الذين يشتركون مع إسرائيل في الرؤية السياسية من رجال السلطة الفلسطينية وتلفت الصحيفة نفسها النظر إلى الخسائر المادية التي لحقت إسرائيل فبسبب صواريخ المقاومة التي أطلقت على قواعد إسرائيلية عسكرية، هناك ما يقرب من ألف وسبعمائة مصنع يعمل فيها أكثر من تسعة وثلاثين ألف عامل إسرائيلي قد توقفت تمامًا طيلة أيام الحرب، وهذا - كما تقول الصحيفة - شكل ضغطًا داخليًا على دولة إسرائيل لم يكن يعلم عنه كثير من الناس ..
ولكم أن تعجبوا - إخوة الإسلام- كيف استخدمت الجوالات في إسرائيل للهزيمة النفسية على اليهود .. بعكس استخدامها عند المسلمين، وهذا الجندي الاحتياطي اليهودي الذي رفض الأمر بالمشاركة في الحرب على غزة واسمه (شيمري تشميرت) يقول: لقد نجحت في إرسال أكثر من عشرين ألف رسالة إلى الناس في إسرائيل لبيان موقفي من حرب ظالمة تقتل الأطفال والأبرياء .. أليست هذه من رسائل الهزيمة النفسية؟ وأخيرًا يعترف مستشار رئيس الوزراء السابق (شارون) ويقول: أعترف بعدم قدرة جيشنا على هزيمة (حماس) إطلاقًا، ولقد أعطت حربنا على غزة (حماس) وجميع فصائل المقاومة في غزة شرعية عالمية لم يكونوا يحلمون بها (1).
(1)(جريدة الجزيرة/ العشماوي 24/ 1430).
هذه بعض من اعترافات القوم وما خفي أعظم، وستكشف الأيام القادمة مزيدًا من الاعترافات لاسيما في حملة الانتخابات .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .. لكن تبقى أسئلة مهمة من مثل كيف تحقق النصر؟ وما هي مكتسباتنا في النصر؟ وكيف نحافظ على هذه المكتسبات ومن دعم ومن أرجف؟ تلك وأمثالها أسئلة مهمة .. أسأل الله الإعانة على الإجابة عليها في خطب لاحقة بمشيئة الله.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم انج المسلمين المستضعفين في غزة واجعل لهم من لدنك وليًا ونصيرًا.
اللهم اشف مرضاهم وتقبل موتاهم، واخلف عليهم أهليهم وأموالهم، اللهم حقق لهم من النصر فوق ما يأملون، وجنبهم من الشرور والفتن فوق ما يحذرون - اللهم اجمع كلمتهم على الحق وأبق رايتهم على الحق، ولا تجعل للكافرين والمنافقين عليهم سبيلاً.
اللهم منزل الكتاب مجري السحاب هازم الأحزاب .. عليك باليهود المفسدين .. اللهم شتت شملهم واقذف الرعب في قلوبهم، اللهم لا تقم لهم راية ولا تحقق لهم غاية، واجعلهم في ذل ومهانة .. وللمسلمين غنيمة باردة.
اللهم أعظم المثوبة والأجر لمن بنى هذا المسجد، وابن له بيتًا في الجنة، وأصلح له أهله وولده، واغفر له ولوالديه، واخلف عليه بخير، واجعله مسارعًا للخير، واختم لنا وله بالحسنى.
اللهم سدد القول فيه ووفق من تحدث فيه، وانفع من استمع به، واجعله يا ربنا نبراسًا للعلم مناديًا للإيمان، سبيلاً للدعوة إلى دينك ..