الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
أيها المسلمون: قيادة المرأة للسيارة قضية محسومة في بلادنا بفتوى شرعية وبقرار سياسي، ونحن في بلد تحتكم إلى الشرع، ونطيع وليَّ الأمر أما الفتوى فقد صدرت من أعلى هيئة شرعية (هيئة كبار العلماء) مدعومة بالدليل، مدللة بفقه الواقع، معتبرة للمآلات مقدرة للنتائج، أليست هذه الهيئة محل ثقتنا .. أليست فتواها معتبرة لرجالنا ونسائنا؟
وإذا كانت فتواهم غير مقنعة عند فئة قليلة في المجتمع فهي بحمد الله محل للثقة والاعتبار عند غالبية المجتمع.
وهل يراد من هذه الإثارات لقيادة المرأة للسيارة بين الفينة والأخرى هز الثقة بهذه المرجعيات الشرعية في بلادنا؟ هل يسوغ أن نسمع للهيئة الشرعية العليا في بلادنا، فيما نشاء ونحب ونتجاهل رأيها حين لا نشاء ولا نحب؟ إنها انتقائية يرفضها العقل المنصف ويردها الشرع المطهر، فالحكم الشرعي إذا صدر من أهل الفتيا والعلم فليس لمسلم أن يكون له الخيرة {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالًا مبينًا} .
أليس الله يقول لنا {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} .
ولقد سُئل أهل الذكر فأجابوا، وأُحيل موضوع قيادة المرأة للسيارة لهيئة كبار العلماء فأفتوا .. فماذا بعد؟
أنرغب أن تكون أمور حياتنا فوضى، كل يتدخل فيما يعنين وما لا يعنين، وكل يهرف بما يعرف وما لا يعرف، وكل يجعل من نفسه حكمًا ومفتيًا هذا يحلل وذلك يحرم، وهذا يخطئ وذاك ينتقد، وخامس يجرم وسادس يتهم .. وهكذا
تتحول أمورنا إلى فوضى عارمة، وفتن عمياء تفرق جمعنا وتذهب ريحنا، ويفرح العدو حين تكون المعركة محتدمة بيننا ألسنا نعطي القوس باريها في أمور السياسة والاقتصاد وننتقد حين يتدخل المهندس في عمل الطبيب أو يستشار الطبيب في عمل هندسي وهكذا في أمورنا الأخرى فلماذا نحيد ونتجاوز في مسألة حُكْم قيادة المرأة للسيارة عن الهيئة الشرعية التي اختارها الحاكم وزكاها .. وأحال إليها الأمر ورضي فتواها؟
ولقد أحسن نائب رئيس مجلس الشورى صنعًا وكان حصيفًا ومقنعًا ومنطقيًا ومنصفًا حين قال المسألة شرعية ولهيئة كبار العلماء الكلمة وقال المهندس محمود طيبة طيّب الله وجهه ((إن المسألة يجب أن تناقش من قبل أعلى هيئة شرعية في البلاد، وهي هيئة كبار العلماء لأنها سبق وأن أفتت في الأمر (1).
على أن قضية قيادة المرأة للسيارة في بلادنا سبق وإن صدر فيه قرار سياسي، حين كانت شرارتها الأولى في أيام أزمة الخليج الأولى في التسعينيات وحينها صدر قرار الدولة بمنع قيادة المرأة للسيارة، بل وأكثر من هذا عوقبت اللاتي خرجن من النساء بالفصل من أعمالهن واستنكار تصرفاتهن فهل يريد المثيرون لهذه القضية من جديد إعادة الأمر جذعة ومراغمة الحكم الشرعي والقرار السياسي؟ إن ذاكرتنا تحتفظ بهذه المواقف ولن تنسى هذه الأحكام المنهية للفقه.
أيها المؤمنون إن قيادة المرأة للسيارة عند أولي النهى لا يتعلق بقضية واحدة ولا بحكم فقهي محدد بل يستتبعها ويلحق بها أمور أخرى، لا بد أن نعيها ويتفطن لها حين تثار هذه القضية ومن التسطيح أن نقارن بين ركوب المرأة
(1)(جريدة المدنية، ملحق الرسالة 26/ 4/ 1426 هـ).
للحمل وقيادتها للسيارة في زمن السعار الجنسي، والاختناق المروري، وغزو الفضائيات فهي أولًا جزء من مشروع كبير طالما دندن حوله المغموسون في ثقافة المرأة، والمنبهرون بوضع المرأة الغربية أنه جزء من تغريب المرأة وإن شئت فقل تغريب المجتمع والقضية كذلك رهان تسابق عليه فئة قليلة، وتتطلع من خلاله إلى التمرد على السلطة الشرعية .. وعلى القيم والأعراف وتريد أن تفرض إرادته الفئة القليلة على الأغلبية الساحقة.
ومن هنا كان وزير الداخلية واعيًا ومدركًا لطبيعة مجتمعنا حين قال مؤخرًا إن القضية تتعلق بالمجتمع، وحين لا نحتاج إلى الاستفتاء في مسألة صدر الحكم فيها .. فلن نكون الاستفتاء النزيه لو وقع في مصلحة المطالبين بقيادة المرأة للسيارة.
وقيادة المرأة للسيارة لا ينبغي أن تفصل عن مشاكلنا الاقتصادية وإن دلّس فيها المدلسون، ولا عن اختناقاتنا المرورية وإن تجاهلها المتعجلون، ولا عن قيمنا وأعراضنا وإن تسامح فيها المتسامحون.
قيادة المرأة للسيارة ستنتقل المرأة من امرأة مخدومة إلى امرأة خادمة وستنقلها من ظلال المنزل إلى وهج الشمس ومن أمين القرار ونعومة المظهر إلى خطر الإطارات المتفجرة وذبول الزهرة بالتعب والمعاناة.
من يكرم المرأة أهو الذي يستجيب لطلباتها ويوفر حاجياتها أم الذي يسوقها لتذهب بنفسها في حمأة الظهيرة، ويضطرها للخروج بنفسها أو بمن تعول في ساعات متأخرة من الليل في الحالات الطارئة؟
كم تتعرض النساء للمضايقات من قبل السفهاء وهن مترجلات وفي خطوات محدودة .. فكيف سيكون الحال إذا قادت السيارة بعيدًا عن وليها وبيتها؟
إن التحرش الجنسي ظاهرة لا تُنكر .. وإذا مورست مع المرأة وهي في بيتها
أو في السوق لقضاء حوائجها وهي في محيط الناس فكيف سيكون حال ضعفاء النفوس مع المرأة حين تقود السيارة في مكان تقل فيه الرقابة ويغيب الشهود؟
إننا - بقيادة المرأة للسيارة - نعرضها لمخاطر وأدواء هي في غنى عنها وطرقنا وشوارعنا لا نتحمل أعباد سيارتها ولا تنتعش صحيًا بعادم كربون مركبتها.
إننا نثق بالمرأة لكننا نكرمها حين نقود السيارة بها .. ونثق بالمرأة ولكننا نحافظ على أنوثتها وجمالها حين نتحمل أعباء القيادة عنها.
والواقع يشهد أن المرأة لم تتضايق من وضعها، ولم تشتك إلينا أو تطالبنا بتوفير القيادة لها ولكن البعض منا يريد تحقيق قاربه على أكتاف النساء وإن كان أولئك صادقون في المطالبة لها فليطالبوا بحاجيات أساسية للمرأة سبقت الإشارة إليها، وليرفعوا الظلم عنها من فئات تمارس الظلم بحقها.
إن المرأة بخير في بلادنا .. والزاعمون لتحرير المرأة إن كانوا صادقين فليسهموا في رفع الظلم الواقع على المرأة حين تحتل بلادها ويصغي العاملون لها لقد عانت المرأة وما زالت في فلسطين من ظلم الصهاينة فماذا صنع أدعياء تحرير المرأة لها واليوم تعاني المرأة في العراق ألوان الظلم والاستبداد والحرب والاستعمارية والتصفية الطائفية فماذا صنع الرافعون لعقيدة تحرير المرأة؟