الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، جعل الزواج عبادة يتقرب بها العبد إلى مولاه، ومنَّ على عباده بنعمة الزواج والولد، فقال تعالى:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، أخبر وهو الصادق المصدوق بقوله:«من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشرط الباقي» (1).
ورضي الله عن ابن مسعود حين يقول: «لو لم يبق لي إلا عشرة أيام وأعلم أني أموت في آخرها ولي طول النكاح فيهن، لتزوجت مخافة الفتنة»
عباد الله .. ويشكل المجتمع عاملًا مساعدًا على الزواج أو عائقًا دونه كما أشرت، وهو الآن يسير متوجهًا إلى الحقيقة، ومكاشفة النفس، فلا وقت لمماطلة بالحقوق، فقد قرعت نذر الخطر وبوادر الفتن أبواب المجتمع.
فإلى الوقفة الثانية: ماذا عن الزواج عند الطرفين؟ وما الذي يعرفه الزوجان من أحكام وآداب ومحاذير؟
فكم هي كتلوجات الملابس، وبروفات التسريح والمكياج، ونماذج وبطاقات الدعوة أسلوبًا وشكلًا، وكلها تصب في غير القناة الزوجية، وإنما هي لليلة واحدة فقط، أما مشوار الحياة الزوجية وما يتطلبه من وقفات توجيهية، فهو أمانة في عنق الجهات العلمية والاجتماعية؛ فإنه لا يُكتفى بالمحاضرات
(1)(رواه الطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد).
(2)
(فقه السنة 2/ 12 - 13).
والمواعظ بالقدر الذي نحتاج معه إلى دورات عن بداية الحياة الزوجية يشارك فيها الراغبون والراغبات وكل متقدم للزواج، وخبرة المجربين ونصائح المختصين، فهل تسمع أو ترى ذاك النداء لمزيد الفقه والوعي الزوجي؟
ومن الوقفات: ننصح أهل الطرفين بعدم التدخل السريع في أولويات الزواج، وإتاحة الفرصة لعامل الزمن، وتجنب انتزاع التصريح من أي منهما، البناء الشامخ يقام على مهل، وأصحاب النتائج السريعة غالبًا ما يخطفون الفشل.
الوقفة الرابعة: هل من وقفة تساءل: لماذا يكون المهر المدفوع للأيام الأولى من الزواج، فيستنزف جميعه أو يزيد عليه ولي الزوجة، ويتخلص منه سريعًا في ملابس العروس، والعطور والتحف والملاحق والهدايا، والقصور والولائم التي تعقب الزواج؟ فهل نعي صعوبة الحياة وندخر شيئًا من هذا المهر الذي استخرجه الزوج بكل أسلوب؛ إذ بعضه سلفة، وآخر دين، والبعض إعانات؟ هل نبقي مبلغًا يتصرف فيه الزوجان معًا حين ينفردا بالقرار ويصدر منهما الاختيار، ويكون التشاور على مهل وانسجام بعد الوئام، بدلًا من أن يدخل بيته الجديد وقد نفذ كل ما في الجيب؟
وماذا تغني عنا ملابس خاماتها بأغلى الأثمان، وخياطها تزيد على قيمتها، وقد يصاحب إعدادها شيء من الاستعجال؟
الوقفة الخامسة: يحتفل في قصور الأفراح والاستراحات أفواج من الجنسين وعلى مختلف الأعمار .. ويمكث هؤلاء ساعات بلا برنامج، ولك أن تتصور الأحاديث الفردية المملة، والتململ رغبة في الخروج، وتسيب الأطفال وعبث المراهقين، بما فتح أبوابًا من الفراغ مشرعة، وأنواع من المغايرة والمجارات، وتبادل العروض والاستعراض، وفي الوقت ذاته خلت معظم المجامع من الذكر
والموعظة، ويقوم الغافلون عن مثل جيفة؛ لما فيها من لغط القول ومنكر الأفعال، فهل ينتدب الصالحون في الأسر أنفسهم لإعداد برنامج يشمل الذكر والأنثى، وأخرى للصغار والشباب، وتستوعب بطرحها تطلعات الحضور، فمن القصص الهادف، والتجربة المنيرة من كبار السن والأحاديث المرشدة عن الحالات الاجتماعية؛ مثل فوائد الزواج، وآليات الصلح، وثمار التسامح والإشادة بأمثلة ونماذج لمن ضرب المثل الرائع في حسن العشرة والمعاملة بالمعروف، وأخرى للترفيه البريء الذي يحوط الأحداث من التفلت والانحراف عبر قنوات شيقة، ومختصين من شباب الصحوة المهتمين لهذا الشأن.
بل وهل يكون ذلك همًّا تشكل إخراجه الجهات المسئولة من الدعوة والإرشاد وجمعيات تحفيظ القرآن، ومن لهم عناية بهذا الشأن.
أما الوقفة الأخيرة: رؤية المخطوبة، لكل واحد من الزوجين حق رؤية الآخر، وكما يبحث الرجل عمن تعجبه، فهي كذلك صاحبة ذوق واختيار وميول، والذي؟ ؟ ؟ ؟ ؟ على هذه الشريعة المحفوظة استنابة الزوج أو الخاطب غيره؛ أمًّا كانت أو أختًا بالنظر عنه، وهنا تقع المخالفة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» .
وللرجال نظرة في النساء تختلف عن نظرة المرأة إلى المرأة، ويزيد الطين بلة إذا تكاثرت مصادر التقويم، ومن هي التي سوف تحظى بالإجماع، وصاحب الشأن منحى عن قضيته.
هذا وصلوا وسلموا على نبي الهدى والرحمة، امتثالًا لأمر ربكم، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين .. اللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا رشيدًا يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية.