الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
إخوة الإيمان ورغم الشدائد والأهوال، والبلايا وضعف الإيمان .. وكثرة الانحراف عن صراط الله المستقيم إلا أن ثمة مبشرات ومسليات .. فالوعد بنصرة الحق حكم إلهي {وكان حق علينا نصر المؤمنين} .
وهو بشارة نبوية «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين» وفي صحيح البخاري ومسلم خبر عن الذي لا ينطق عن الهوى في بقاء هذه الأمة على الاستقامة .. وعنه قال صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم، ويعطي الله، ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيمًا حتى تقوم الساعة، أو حتى يأتي أمر الله» (1).
عباد الله ولعلكم بعد إذ عرفتم معنى الاستقامة وفضلها وآثارها، تتطلعون إلى معرفة الأمور المعينة على الثبات والاستقامة.
1) ألا وإن من أول هذه العوامل الإيمان الحق {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .. } .
2) والعمل بالعلم وفعل ما يوعظ به المرء مثبت آخر قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} [النساء: 66 - 68].
أجل إن الإيمان يربط بالعمل الصالح كثيرًا في كتاب الله فالإيمان يقين القلب وعمل الصالحات مصداق لهذا الإيمان.
3) والصبر على طاعة الله وعن محارم الله وعلى أقدار الله كلها مثبت على
(1) البخاري (7312) ومسلم (1037).
الصراط المستقيم. «ألا وإنكم ستلقون بعدي أثره» . قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «اصبروا حتى تلقوني» . {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90]{وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران: 120].
4) الاعتبار بقصص السابقين المؤمنين وفي مقدمتهم الأنبياء والمرسلون، ومعرفة ما جرى لهم وكيف صبروا وثبتوا وتجاوزوا المحن كذلك عامل من عوامل الثبات، ألم يقل الله لنبيه وخاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم:{وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120]، وقيل للمؤمنين كافة {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 111].
5) والقرآن - بشكل عام - وبقصصه وأخباره ووعده ووعيده مثبت وهدى وفرقان وموعظة للمتقين {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 102].
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان: 32] كم نحتاج لدواء القرآن وهو شفاء .. وحاجتنا إليه في زمن الشدائد أشد .. وكم نهجر القرآن تلاوة أو عملاً أو علمًا أو تحاكمًا والقرآن يهدي للتي هي أقوم ..
6) واللجأ إلى الله وصدق الدعاء والتضرع عامل مهم من عوامل الثبات، فالله فارج الكربات ومجيب الدعوات، وكان من دعاء المؤمنين {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} ومهما بلغ الإنسان فهو محتاج إلى تثبيت الله وتسديده.
أجل ألم يقل الله لنبيه وخيرته من خلقه: {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} .
ألا فلنلح على الله بتوفيقنا للصراط المستقيم، ولنلح على الله بالثبات على هذا الصراط حتى نلقاه، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء.
7) والرفقة الأخيار والجلساء الصالحون خير معين على الاستقامة والثبات على الحق بإذن الله فهم يشجعونك حين تحسن أو ينصحونك حين تضعف، تأنس بهم وتتقوى وتتعاون وإياهم على البر والتقوى، وإياك ورفقة السوء.
8) أيها المسلمون وهنا وفي نهاية الحديث أقف عند عامل مهم من عوامل الثبات على دين الله ألا وهو السعي في حوائج المسلمين وتنفيس كرباتهم فمن مشى في حاجة أخيه حتى يثبتها له ثبت الله قدميه على الصراط، تدعو الحاجة إليه في زمن بات المسلمون هدفًا سهلاً للأعداء يقتلون ويشردون وتمارس بحقهم أبشع أنواع التعذيب وأي وجدان لا يتأثر لمشاهد الفلسطينيين وبيوتهم تهدم ومخيماتهم تحاصر وتقصف وقتلاهم بالعشرات يتساقطون، ومزارعهم تدمر، والآخرون مهددون ينتظرون الموت صباح مساء .. وعلى مرأى ومسمع من العالم كله ..
وفي العراق احتلال وانتهاك وقتل واغتصاب، وممارسات بشعة يندى لها جبين الإنسانية، فضلاً عن تأثر المسلمين ورفض أصحاب القيم والمبادئ وفي سجن أبي غريب نموذج للفضائح، ظن الملأ المفسدون أنه يرضي العالم العربي والإسلامي أن يعتذروا لما حصل، وانكشف للمجتمع الغربي أن جنودهم الذين ذهبوا لإنقاذ العراقيين من الظلم والاستبداد .. باتوا يمارسون بأنفسهم أبشع الجرائم وأقسى الظلم، ويعيدون لذاكرة التاريخ محاكم التفتيش، وممارسات النازية ..
وإذا كان الذئب لا يلام في عدوانه: أن يكون راعيًا للغنم؟ ! فأين المسلمون عن نصرة إخوانهم والمشي في حوائجهم والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «ومن مشى في حاجة أخيه حتى يثبتها له ثبت الله قدميه على الصراط» .
ومن نفس كربة عن أخيه المسلم نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
وفي الهدي النبوي كذلك: «صنائع المعروف تقي مصارع السواء» .
إن من حق هؤلاء المسلمين الذين يتعرضون للقتل والسلب ويراد لهم التخلي عن عقيدتهم وقيمهم .. أن من حقهم علينا النصرة والدعاء، فهم في محنة يحتاجون إلى تثبيت والمسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضًا .. فالتنفيس عن مكروب .. ولنصر مظلوما.