الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
إن من أبرز مظاهر هذا الغزو: غربة الدين عند نفر من المسلمين، وتجاوزوا جزيرة العرب - مع ما فيها من آثار للغزو- لتروا كيف باتت أجيال من المسلمين لا تعرف من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه.
ومن مظاهر الغزو: الجرأة على الدين، ومجاهرة المبطلين، والقول على الله بغير علم، والحديث فيما لا يحسنه المتحدث، حتى صار كل شيء قابلًا للنقاش، وكل حكم فيه قولان.
ومن مظاهر الغزو: التردد في قول الحق، والضعف في إنكار المنكر، وبهذا وذاك ضعفت السلوكيات، ومال بعض الناس إلى الرخص، وتركوا العزائم، وثقلت عليهم السنن، وبدأ الفتور عن الواجبات - إلا من رحم ربك.
ومن المظاهر: التقلب في الأفكار، والتغير عن المبادئ، وضعف الإيمان واليقين، واهتزاز القناعات، وكثرة الشكوك والشبهات.
ومن مظاهر الغزو وآثاره: انزواء بعض الأخيار وتصدر الأشرار، وتخوين الأمين، وتسويد الخونة، وسكوت العالم، وحديث الرويبضة، وضعف الشعور بالمسئولية.
ومن مظاهر الغزو وآثاره: فشو الربا، وكثرة الزنا، وممارسة اللواط، وانتشار الفواحش، وكثرة الفساد، وتنوع المعاصي وأمن العصاة، وكثرة المفسدين.
من آثار الغزو الفكري: أن باتت طوائف من المسلمين إن قاموا للصلاة قاموا كسالى، وآخرون لا يذكرون الله إلا قليلًا، وقوم اتخذوا هذا القرآن مهجورًا، وآخرون بلوا بالمخدرات، وتهانوا في سماع الغناء، والافتتان بالساقطات.
ومن أعظم مظاهر الغزو: انحراف في الفكر والسلوك، وردة عن الأصالة،
وسخرية بالإسلام، ورفض التحاكم إلى القرآن، وعبث بنصوص السنة، وتطاول على أعلام الأمة.
عباد الله .. ومهما عددنا من مظاهر الهزيمة الفكرية، فلا يأس ولا قنوط، ولا تشاؤم ولا إحباط.
وللحق فإن كافة الانحرافات التي يتصدى لها الفكر الإسلامي اليوم، ويطارد فلولها في الفكر، والأدب، والقيم، والفنون، والمعارف، والمناهج، والمذاهب السياسية والاقتصادية وغيرها، إنما هي نتائج طبيعية للخلل الأساسي الذي وقع -حيث نبتت العلمانية والفكر القومي والاشتراكية في بلاد المسلمين- لحظة الالتقاء الأولى والمبكرة مع الحضارة الغربية (1).
والأمة الآن تمر بمنعطف تبصر به طرق الردى، وتتلمس طريق النجاة، وتسمع للناصحين.
ومن أولويات طرق العلاج والخروج من النفق: أن نشعر بقيمة هذه الصحوة، وأن نثمن مكاسبتها، وأن نتفاءل بمستقبلها، وأن نجعل من أنفسنا وأبنائنا وبناتنا جنودًا صادقين للإسلام، وأن نعتز بالهوية الإسلامية؛ فهذا زمن الهويات، ولا مكان للقطاء.
ومن طرق العلاج أن نستفيد من تقنية الاتصالات ووسائل الإعلام، ونطوعها لخدمة الدين، وتعبيد الناس لرب العالمين، وأن تشتمل مناهجنا التعليمية على تأصيل القيم وبناء الشخصية المسلمة، وبيان مخاطر الغزو الفكري، وأن نقابل (العولمة) الغازية بـ (العالمية) العظيمة للإسلام، متجردين عن الحزبية والعنصرية
(1)(جمال سلطان: جذور الانحراف في الفكر الإسلامي الحديث 4).
والإقليمية (الضيقة)، فالله قال لنا:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92].
وأن تنشط مؤسساتنا الدعوية والإعلامية في الداخل والخارج للدعوة والبلاغ المبين، وأن يتحمل كل مسلم ومسلمة مسئوليتهم على قدر الطاقة، وحسب المواقع.
وفي الوقت الذي نحذر من وافد الفكر العفن والثقافة المتردية، لا بد من التعامل بإيجابية مع الفكر الرائد، والإبداع المنضبط -وإن نبت في غير أرضنا- وأن نستفيد من (الحكمة) وإن سبق إليها غيرنا .. وحين تكون تجارب البشر كتابًا مفتوحًا فينبغي أن نقرأ منه ما يرشد مسيرتنا، ولا يتعارض مع إسلامنا؛ فنحن أمة لا ننغلق ولا ننهزم، نمارس التطور والتحديث، ونحافظ على الأصول والثوابت ويسعفنا في الخروج من النفق المظلم إرادة قوية، ومراجعة مستديمة، وتوبة نصوح.
ولا بد قبل هذا وذاك من قناعة ويقين جازم بأن شريعة الإسلام هي دين الأمة ودستورها في الصغير والكبير، وأن المستقبل للإسلام والبقاء للمسلمين، فثمة طائفة على الحق منصورين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله .. لا بد من اليقين أن الزبد يذهب جفاءً، وإن الكلمة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وأن جندنا لهم الغالبون، وأن العاقبة للتقوى وللمتقين .. ذلك وعد غير مكذوب.