الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
أيها المسلمون ومع حلول الإجازات يشتد سعي الناس وتكثر سفراتهم وترحالهم، ففريق يشد الرحال لزيارة المسجد الحرام، وأداء العمرة والطواف والسعي، والصلاة في البيت العتيق، والصلاة هناك بمائة ألف صلاة وأكرم بها من رحلة للبيت الحرام.
وآخرون يشدون رحلهم إلى المسجد النبوي حيث مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ودار الهجرة، ومآزر الإيمان .. والصلاة هناك عن ألف صلاة.
كما أن الصلاة في مسجد قباء كعمرة كذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (1).
وثمة من يسافرون لصلة الأقارب والتواصل مع الأرحام، ومن وصل الرحم وصله الله ومن قطعها قطعه الله .. وكم هو فساد في الأرض قطيعة الرحم والله يقول {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} وكم هو جميل أن يتعلم المسلم من نسيه ما يصله به رحمه، وصلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر وكذا صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
وفريق يرحلون إلى البراري ويصوون الصغار للنزهة وفسحة النفس، والتأمل في أرض الله الواسعة.
وأيًا كانت جهة السفر .. فهو مرهون بحس أو سوء نية المسافر وما أحلى رفقة السفر يتعاونون على البر والتقوى ويقيمون الصلاة، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يحسنون ويتصدقون على المحتاج، ويعظون قومًا غافلين
(1)(الجامع الصغير 3/ 265).
(2)
(صحيح الجامع 3/ 45).
عن ذكر الله، فإن لم تهدوا درهمًا أو دينارًا، أهدوا كلمة طيبة، وكتيبًا مفيدًا أو شريطًا نافعًا تحمل أعلام النبوة وتهدي للتي هي أقوم.
عباد الله وليس من لوازم السفر السفور والتبرج، والتحلل من الفضيلة، والإقدام على الرذيلة .. ليس يسوغ في السفر كشف العورات ولا التساهل في الجماعات وثمة مخالفات يحسن تنبيه بعض المتنزهين بها ومن ذلك عدم تستر النساء، وركوب الدراجات أمام الرجال .. مع قلة الحياء وربما انقلب الفرح إلى أتراح حين يسقط طفل امرأة، ويصاب إصابات بالغة، وربما عرضت صور النساء على أجانب وربما كانت فضيحة للمرأة وهي لا تشعر كما تساهل الناس في التصوير، وتساهلوا مع الفتيات يتجولن في البراري لوحدهن وبعيدًا عن أهاليهن، وربما وقع المكروه من ضعف الرقابة والتساهل.
كما يتساهل بعض أهل البراري بالرقص والغناء واستعاضوا به عن الشكر والذكر .. وليس يستوي لهو الحديث .. وترتيل القرآن فاشكروه ولا تكفروا نعمة يا أيها الأولياء أهاليكم وأولادكم وبناتكم أمانات في أعناقكم، وكما تحوطونهم في حضركم وحال إقامتكم فكذلك فحاجوهم في حال سفركم وترحالكم.
أيها الناس وكما ترعوا أماناتكم في الذراري والأموال فارعوا أمانتكم في الحفاظ على الأوقات والاستفادة من العمر، وليس ثمة تعارض بين نزهة النفس وحفظ الوقت فلا يدري المرء أنحترمه ريب المنون في حال ** أو حال الإقامة.
يا أهل الإسلام إن جهدًا بُذِلَ لتربية أبنائكم وبناتكم من خلال المؤسسات العلمية والتربوية بمراحلها كافة، لا ينبغي أن تُهدر في بضعة أيام من هذه الإجازة وإن أخوانًا لنا يعيشون المسعفة والحصار لا ينبغي أن ننساهم أينما حللنا أو ارتحلنا .. ولا تحقروا دعوة صادقة بظهر الغيب قد يكشف الله بها كربًا .. أو يشفى مريضًا، أو يفك مأسورًا، أو ينصر مظلومًا.
وقد نقل ابن القيم رحمه الله في الفوائد أن المواساة للمؤمنين أنواع، مواساة بالمال ومواساة بالجاه، ومواساة بالبدن والخدمة، ومواساة بالنصيحة والإرشاد ومواساة بالدعاء والاستغفار لهم، ومواساة بالتوجع لهم، وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الناس مواساة لأصحابه بذلك كله، فلأتباعه من المواساة بحسب إتباعهم له (1).
أيها المؤمنون عظموا ربكم ووقروه، ألا وإن من أعظم الظلم والجهل أن تطلب التعظيم والتوقير لك من الناس وقلبك خال من تعظيم الله وتوقيره، فإنك توقر المخلوق وتجلُّه أن يراك في حال لا توقر الله أن يراك عليها، والله يقول {ما لكم لا ترجون لله وقارًا} [نوح: 13].
أي لا تعاملونه معاملة من توقرونه، وقيل: المعنى ما لكم لا تعرفون لله حقًا ولا تشكرونه، أو لا تعرفون حق تعظيمه (2).
وتوكلوا عليه حق التوكل، وقد قال العالمون التوكل على الله نوعان: أحدهما توكل عليه في جلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية أو دفع مكروهاته ومصائبه الدنيوية.
والثاني: التوكل عليه في حصول ما يحبه ويرضاه من الإيمان واليقين والجهاد والدعوة إليه.
قال ابن القيم فمن توكل على الله في النوع الثاني فإن النوع الأول (3).
اللهم اجعلنا ممن استهداك فهديته وتوكل عليك، اللهم اجعل عملنا مبرورًا وسعينا مشكورًا.
(1)(الفوائد/ 222).
(2)
(الفوائد/ 242).
(3)
(الفوائد/ 112)