الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله يستحق الحمد والثناء ..
عباد الله .. وإذا تدنست الفروج واختلطت الأنساب، وتزايدت أرقام اللقطاء والأبناء والبنات (غير الشرعيين)، وإذا خمر العقل وغطي وحجب عن التفكير الحق والعبودية لله، واستهين بأعظم نعمة، وغيب العقل عن الوجود فترة من الزمن، فتلك مصائب عظيمة، فكيف إذا انضاف إلى هذا وذاك لحوم نبتت على السحت، وغذيت بالحرام والخبيث من الطعام!
إنها آية ومعجزة ربانية حين صنف لحم الخنزير من المحرمات، ومن رحمة الله بأمة الإسلام أن أوحى إلى نبيهم صلى الله عليه وسلم:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [النحل: 115]. والآيات في مثل هذا كثيرة.
وفي صحيح السنة قال صلى الله عليه وسلم عام الفتح: «إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» رواه البخاري ومسلم.
بل لقد حرمت التوراة في عهدها القديم أكل لحم الخنزير، وجاء في الإنجيل في العهد الجديد أن الشيطان يوجد في الخنزير.
ولكن اليهود والنصارى بعيدون عن كتبهم - وإن كانت محرمة - متمردون على شرائع السماء وإن كانت هاوية، إنهم يزيدون على أكله بالمتاجرة في بيعه وشرائه وتربيته والعناية به، وأول دولة تعنى بإنتاجه بعد الصين هي البرازيل، ثم تليها أمريكا، وفوق أكله والمتاجرة به، فقد أدخلوا لحمه وشحمه وجلده في كثير من صناعاتهم الغذائية والاستهلاكية التي يعتمدون عليها - وهذا عذاب فوق العذاب وتزيين من الشيطان للقبيح - وهو يسير في اتجاه انتكاس الفطرة، وتلوث البيئة
هناك، لقد قيل: ليس من الدواب يعمل عمل قوم لوط إلا الخنزير والحمار (1).
ولا عجب أن يصاب آكلوها بفقد الغيرة على المحارم والخيانات الزوجية، وهذا يحكيه الواقع في تلك البلاد التي تأكل الخنزير، فلا تسأل عن الدياثة والعلاقات غير الشرعية، وفقدان الغيرة وتفكك الأسرة.
إننا لسنا بصدد حديث عن الأضرار الطبية للحم الخنزير، والتي وافق فيها الطبُّ الحديثُ نصوصَ الوحيين؛ فهناك العديد من الجراثيم والطفيليات والبكتريا تعيش في جسم الخنزير، وهي بدورها تنتقل إلى أجسام آكليها، وهذا عذاب في الدنيا قبل عذاب الآخرة، ولكني أردت الإشارة إلى اجتماع الأدواء العقلية والجسدية والجنسية عند قوم تركوا شريعة الله وراءهم ظهريًّا، وفي الوقت نفسه أحذر قومي وإخواني في العقيدة من طريق المغضوب عليهم والضالين.
وأريد كذلك أن أنصح أولئك القوم المفتونين بحضارة الغرب، والغافلين عن عناصر البؤس والشقاء فيها ..
صحيح أننا نتمنى أن نصل إلى ما وصلوا إليه من تقدم مادي وريادة في التكنولوجيا، لكن هذا لا ينبغي أن ينسينا حضيض القيم ومستنقع الآثام التي تردوا فيها، وبالتالي فنحن مسئولون عن دعوتهم لدين الإسلام، وترشيد حضارتهم بما يخدم الكون والبشر، وإذا أتيحت لنا فرص الاستفادة من تجربتهم المادية، فينبغي أن نستشعر عزتنا بالإسلام، وأن نبعد عن أنفسنا ومجتمعاتنا سلبيات ثقافتهم، وموروثات القيم المدنسة عندهم، ونكمل الشق المفقود عندهم ألا وهو عنصر الإيمان بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا.
(1)(الجامع لأحكام القرآن 7/ 119 - عن محمد بن سيرين).
إنهما جناحان لا بد من الطيران بهما: (العلم والإيمان)، لمن أراد أن يحقق تقدمًا في الدنيا وسعادة في الآخرة، وإلا فهو الضيق والضنك الذي أخبرنا عنه القرآن:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} .
لقد تنادى العقلاء هناك لإنقاذ حضارتهم، لكن صوت الحمقى يغلب صوت العقلاء، وأمة الإسلام حين تعود إلى صدارتها وقوتها فهي مؤهلة لترشيد المسيرة ودعوة المنحرف وتوازن المختل، لكن قبل ذلك لا بد من إرادة التغيير في الأنفس استجابة لقوله:{إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]. ثم لا بد من دعوة الآخرين {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} .
وباختصار لا بد من علم وإيمان .. فهل نحن فاعلون؟ !
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، اللهم هب لنا إيمانا صادقا يورث فينا خشيتك.