الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
يا أيها القلقون المكابدون استأنسوا بذكر الله على آلام المكابدة فطالما خاضت ألسنتكم بكل شيء إلا الذكر وبذكر الله تطمئن القلوب، كم يفرّج ذكر الله من كربة ويزيل من غمة وويل للقاسية قلوبهم، ومساكن من شحت عليهم ألسنتهم عن ذكر الله، ومثل الذي يذكر الله والذي لا يذكره كمثل الحي والميت {فاذكروني أذكركم} وفي القرآن شفاء لما في الصدور، ونور للقلوب، ولا غرابة أن تكثر هموم الهاجرين لكتاب الله، إنه القرآن هداية وبصائر ورحمة وذكر، فليكن لك من كتاب الله نصيب فهو نعيم لا ينسى في الوحشة والرفيق في الخلوة، والمصاحب في الغربة.
أيها المسلم وكيف يزيد قلقك وأنت تؤمن بقضاء الله وقدره فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك وكيف تضجر ورزقك وأجلك مسطوران في الكتاب ألا فاعمل فيما يفنى لما يبقى، واصرف همك للآخرة فهي المستحقة للعناء إذ هي دار البقاء.
يا أيها العقلاء والاستخارة والاستشارة تخففان من القلق وسبيلان للراحة وحسن المنقلب .. إنك تستخير الله العليم الخبير في أمور لا تدري ما نهايتها .. وتسلم الأمر لله في تقدير ما ينفعك في الدنيا والآخرة .. أليس ذلك سبيل للراحة والاطمئنان؟ وأنت في الاستشارة تستفيد من عقول الآخرين ولا تحرم تجارب المجربين، وإذا تشابهت ظروف الحياة كان لأهل التجربة رأيهم، وخليق بالعقل أن يستفيد منهم .. إنها هدايا بلا ثمن، ومكاسب تخفف من المكابد والقلق.
ومع ذلك فالدنيا - يا ابن آدم - مركب للسهل والصعب، وميدان للسرور
والحزن، وينقلب أصحابها بين الصحة والسقم والشباب والهرم والفقر والغنى، ومن سره زمن ساءته أزمان، لا بد من ترويض النفس على إقبال الدنيا بالشكر وإدبارها بالصبر، لا بد من توقع المفاجآت ولا بد من الصبر واليقين عند الصدمات.
إنك كادح إلى ربك كدحًا فملاقيه .. إلا فليكن كدحك في مرضاة الله وليكن نصبك في هذه الدار سبيلًا لراحتك يوم تلقى الله.
ألا كم من مغرور غرته هذه الحياة فألقته المنايا في مهاوي الردى وفكر وقدر فإذا بالروح تبلغ الحلقوم فندم على التفريط ولكن هيهات عن التعويض!
ألا إن سعيكم لشتى فانظر أيها العاقل في نوع سعيك وهل أنت ممن يزرع الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويعين على نوائب الحق أم أن سعيك إفساد في الأرض وظلم للخلق ونسيان للخالق، ألا فاعلم أن سرَّك ونجواك وظاهرك وباطنك لا يخفى على الله منه شيء {يعلم السر وأخفى} {وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين} .
يا ابن آدم ومهما ابتلاك الله بشيء من رزايا الدهر ومصائب الزمان فلا تظن بربك الظنون السيئة فلعل الله أراد بك خيرًا وأنت لا تشعر، ولعل حسناتك قصرت بك عن منزلة علية أرادها الله لك فبلغك إياها بهذه المصائب ألا فاصبر واحتسب وفي الحديث:((ومن يرد الله به خيرًا يصب منه)). رواه البخاري
وهذا ابن مسعود رضي الله عنه يدخل على رسول الله وهو يوعك فقلت يا رسول الله إنك توعك وعكًا شديدًا قال: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم،
قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته وحُطَّت عنه ذنوبه كما تُحطُّ الشجرة ورقها)). متفق عليه
هكذا يعلمنا نبينا أجر المصائب وعواقب الأذى.
اللهم لا تحرمنا أجرك، وارزقنا الصبر واليقين على أقدارك واجعلنا من سعادة الدنيا إلى سعادة الآخرة، ولا تجعلنا من الخاسرين.