الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله فارج الكربات وكاشف البليات، يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله تعالى الله عما يشركون .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله هدى الأمة إلى صراط الله المستقيم، وحذرهم من الزيغ والضلال المبين اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين.
أيها المسلمون .. وليس المقام مقام حصر للفساد وبأشكاله وممارساته وإلا لكان ثمة حديث عن الفساد الإداري بمحسوبياته وبرشاويه، وحديث عن الفساد الاجتماعي بتجلالاته وتغيراته، وعن الفساد الاقتصادي بتورماته وحيله، عن فساد الرجل والمرأة، والصغير والكبير لكنها وقفات وتنبيهات وتحذيرات واحتياطات أشمل منها وأبلغ قوله تعالى {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} .
ولا يعني الحديث عن الفساد أو المجاهرة فيه نسيان الخير في الأمة وتجاهل الصالحين والأخبار ممن تفطر أكبادهم لهذا الفساد ويدعون ربهم خوفًا وطمعًا.
إنه مع وجود الشر والأشرار يوجد الخير والأخيار وإذا وجد من تجاهر بالمعصية أو يشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فثمة وجود لمن يجاهرون بالطاعة، ويشيعون الخير بين العباد إن مقصود الحديث التحذير من موبقات المعاصي، والدعوة لتكثيف الخير، وتنشيط الدعوة للفضيلة ومحاربة الرذيلة:
ولذا - وفي ظل هذه الأزمات والتراكمات وفي كثرة الذنوب والفتن - أذكر الأمور التالية:
1 -
اجعل من نفسك يا عبد الله متهمًا في وجود هذه الكوارث والمصائب،
فأنا وأنت .. وكل ابن آدم خطاء {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} .
2 -
ومع اتهام النفس اعمل لإصلاحها ومن يقول ثم انتقل بالخيرية والدعوة إلى الآخرين، فخير الناس أنفعهم للناس.
{ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} .
3 -
والتوبة يدعى لها المؤمنون {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} وغير المؤمنين مدعوون للتوبة من باب أولى.
4 -
والاستغفار استبشاع للذنب وتعظيم للرب، وفيه تفريج للكروب وتنفيس للهموم فمن لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا ورزق من حيث لا يحتسب.
5 -
وكل ما وقع فيكم ذنب عامله بالتوبة والاستغفار {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا} .
6 -
وكلما اجترحتم السيئات اتبعوها بالحسنات فهن الماحيات ذلك ذكرى للذاكرين.
7 -
استبقوا الخيرات وبادروا بالصدقات فالصدقة تطفئ غصب الرب وتستنزل الرحمات والمتصدقون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار أما بعد: «ما من هذه الرجف شيء يعاتب الله به العباد، وأمر من كان عنده شيءٌ أن يتصدق به فإن الله يقول قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى وقولوا لما قال آدم ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
8 -
الصلاة نور ومن حافظ عليها فهو المحفوظ ومن ضيعها هو لمن سواها أضيع والصلاة مفزع عند الشدائد وراحة للقلوب، ونور وطمأنينة (1).
9 -
الذكر يملأ الميزان والقرآن شفاءٌ ونور وهدى ورحمه وبصائر من ربكم، تداووا بالقرآن وأنى لداء لم يشفه القرآن والسنة أن يُشفى.
10 -
تضرعوا إلى ربكم دائمًا وكلما حلت بكم بأسًا، ففيه كشف للبلاء (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم}.
وقولوا كما قال العبد الصالح لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
11 -
{لا تقنطوا من رحمة الله ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف/ 87].
12 -
فرَّجوا كربة، وساهموا في دفع مصيبة، أصلحوا ذات بينكم، وأصلحوا بين أخوانكم .. فتلك درجات عالية والله يحب المحسنين.
13 -
ادفعوا الشر بالخير، والفساد بالإصلاح فذلك رهان لإصلاح الأرض {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} .
14 -
تأملوا في حادثات الزمن وتأملوا ما فيها من عظات ونذر، وويل للقاسية قلوبهم.
إنها آيات ونذر يخوف الله بها عباده فلا تغفلوا ولا تلهو وتلعبوا فتكونوا كالذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون.
اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، والطف بنا وبعبادك المؤمنين، ولا تجعلنا عبرة للمعتدين، ولا فتنة للكافرين، ولا من رحمتك يائسين، ولا من عذابك ممسوسين.
(1) الداء والدواء/ 62.