الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله يستحق الحمد وأهل الثناء .. أحمده تعالى وأشكره وأسأله المزيد من فضله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
أيها المسلمون تفقهوا في دين الله عمومًا - وتفقهوا في مسائل البيع والشراء واقرأوا في كتب البيوع حتى لا تقعوا في الحرام وأنتم لا تشعرون.
ثم اعلموا معاشر الإخوة أن المسلم مأمور بفعل الأسباب والتكسب والإتجار حتى يغني نفسه ومن يعول، ويتصدق من فضل الله على الفقراء والمحتاجين وإذا التزمتم بطرق الحلال في بيعكم وشرائكم، فأدوا ما أوجب الله ولا يشغلكم الصفق بالأسواق أو في أسواق البورصات .. وصالات الأسهم عن الصلوات المكتوبة قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} ولا يؤخر لكم ذلك عن التبكير لصلاة الجمعة والجماعة فذلك خير لكم لشهادته العليم الخبير: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
ولقد أثنى الله على الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار ..
عباد الله، ثمة من يريد الدنيا فقط. وأولئك ليس في الآخرة من خلاق، وآخرون يتطلعون للآخرة ولا ينقص من حرث الدنيا شيئًا، قال تعالى:{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى: 20].
يا مسلم يا عبد الله وإذا وفقك الله لتكسب الحلال .. وحافظت على فرائض الله .. فاشكر الله على ما وهبك من مال واعلم أنك ممتحن فيه جمعًا وإنفاقًا .. فلا تجمعه من كسب حرام - أيًا كان نوع هذا التكسب - وسواء كان ذلك مباشرة أو بالإعانة .. فالله تعالى أمرنا أن نتعاون على البر والتقوى ونهانا عن التعاون على الإثم والعدوان.
وكما تجاهد نفسك على عدم بيع المأكول المحرم أو المشروب المحرم، أو اللباس المحرم فجاهد نفسك كذلك ألا تعين من بيع المحرمات أو يتعامل في التعاملات المحرمة كالربا ونحوها - مما حرم الله-.
واحرص على إنفاق المال فيما أمر الله. وابدأ بالفرائض والواجبات كالزكاة .. ثم احرص على الصدقات - فهذه وتلك حرز لمالك وسبب لنمائه في الدنيا وهي خير وثواب عظيم تجده يوم تلقى الله.
ويشهد الناس في واقعهم مصداق حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: «اللهم اعط كل منفق خلفًا وكل ممسك تلفًا» ..
والله تعالى كما يمحق الربا، يربي الصدقات .. وكما يعاقب الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بالعذاب الأليم .. هو سبحانه يعد الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منًا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ..
وجماع الأمر .. أن يتصور المسلم أنه في عبادة لربه في حال صلاته وصومه .. وهو في عبادة لربه في حال بيعه وشرائه وإنفاقه ..
ومن الخطأ والجهل أن يكون للمسلم حال وهو في المسجد .. وحال أخرى تناقضها وهو في السوق والمتجر .. إنها عبودية لله في كل حال وفي كل ميدان
وكما يثاب العبد وهو يطيل الركوع والسجود ويتلوا القرآن ويصوم النهار فهو يثاب كذلك في تعامله بالحسنى في البيع والشراء - وإنظار المعسر والسعي لتوفير غذاء المسلمين والمساهمة في بيعه بسعر المثل، ويشكر التجار الذين يبادرون حال غلاء الأسعار بتخفيضها وبيعها بسعر التكلفة ..
إنها طرق ومجالات للخير، ونفع للمسلمين .. والمهم أن تقدم معها النية الطيبة واحتساب الأجر، والرفق بالمسلمين وربك لا يضيع أجر من أحسن عملاً (1).
إن من إحقاق الحق أن نؤكد أنه كما يوجد من يتعامل بالمعاملات المحرمة ويغش ويخادع في البيع والشراء .. يوجد كذلك نماذج عالية وواعية، تخشى الله وتراعي حقوق خلق الله .. وأولئك جديرون بتقديرنا وثنائنا، وأهم من ذلك هم جديرون برضى الله عنهم ومجازاتهم بالحسنى .. وغيرهم جديرون بدعائنا وتحذيرنا لهم في الدنيا قبل الآخرة .. وعلى هؤلاء أن ينفقوا مليًا عند قوله تعالى:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} الآيات.
اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر ووفقنا للحسنى وجنبنا العسرى، اللهم اكفنا بحلالك عن حرمك واغننا بفضلك عمن سواك.