الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله ملء السموات والأرض وما بينهما .. وهو أهل الثناء والمجد أحمده تعالى وأشكره، وقد وعد الشاكرين يثيب (الحمد) في الجنة اللهم لا تحرمنا فضله، واجعلنا له شاكرين ذاكرين.
أيها المسلم اعزم على شكر ربك ولا تتردد فيه أو تتشكك ودونك هذا الحوار وفوائده في العزيمة على الشكر، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلقى رجلاً فيقول: «يا فلان كيف أنت؟ » فيقول: بخير أحمد الله، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم:«جعلك الله بخير» ، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم ذات يقوم فقال:«كيف أنت يا فلان؟ فقال: بخير إن شكرت، قال: فسكت عنه، فقال: يا نبي الله إنك كنت تسألني فتقول: «جعلك الله بخير» ، وإنك اليوم سكت عني؟ فقال له:«إني كنت أسألك تقول: بخير أحمد الله، فأقول: جعلك الله بخير، وإنك اليوم قلت إن شكرت، فشككت فسكت عنك» (1).
يا أيها الشاكر وفضل الله عليك عظيم بالشكر، وأنت تبلغ درجة الصائم الصابر، وفي الحديث: إن للطاعم الشاكر من الأجر مثل ما للصائم الصابر» (2).
يا مسلم يا عبد الله اجعل من وردك اليومي كلما نيرات في الشكر، فمن قال حين يصبح: «اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدى شكر يومه، ومن
(1) البخاري (70) ومسلم (59).
(2)
أخرجه الترمذي، وابن ماجه والدارمي وأحمد وصحح إسناده شاكر 14/ 212، نضرة النعيم 6/ 2409).
قال ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته» (1)
يا عبد الله وهل تعلم أن شكر الناس طريق لشكر الله وقد صح الخبر: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس)(2).
والحديث ورد برفع اسم الجلالة ومظنة (لا يشكر لله) ومن معانيه: إن الله لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم، وقيل: إن من كان من عادته عدم شكر الناس كان من عادته كذلك كفران نعمة الله (3).
ابن آدم سيسألك ربك عن الشكر على كل نعمة أنعم بها عليك وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل يوم القيامة: «يا ابن آدم حملتك على الخيل والإبل، وزوجتك النساء، وجعلتك تربع وترأس، فأين شكر ذلك؟ » (4).
اشكروا الله وامدحوه، فلا شيء أحب إليه المدح من الله، ولذلك مدح نفسه (5).
ومن صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا فقد أبلغ في الثناء (6).
وكيف لا يمدح وهو أهل الفضل والثناء والحمد وصدق الشاعر:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة
…
علي له في مثلها يجب الشكر
(1). (أخرجه أبو داود والنسائي، وذكره النووي في الأذكار، وقال: مخرجه إسناده حسن (152) وحسن الحافظ في شرح الأذكار (124) وانظر: نضرة النعيم (6/ 2411).
(2)
رواه أحمد وغيره [صحيح الجامع 6/ 237].
(3)
(النهاية في غريب الحديث 2/ 493، 494).
(4)
رواه مسلم (2968) وأحمد (2/ 492).
(5)
(رواه مسلم 2760).
(6)
(رواه الترمذي، وقال محقق جامع الأصول إسناده قوي 2/ 558).
فكيف وقوع الشكر إلا بفضله
…
وإن طالت الأيام واتصل العمر
إذا مس بالسراء عم سرورها
…
وإن مس بالضراء أعقبها الأجر
وما منهما إلا له فيه منة
…
تضيق بها الأوهام والبر والبحر
قال العالمون: من أعطى أربعًا لم يمنع أربعًا، من أعطي الشكر، لم يمنع المزيد، ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب (1).
وقال بعض الحكماء: من قصرت يداه عن المكافأة فليطل لسانه بالشكر (2).
وأخيرًا اجعل هذا الدعاء النبوي نصب عينيك: رب اجعلني لك شكارًا، لك ذكارًا، لك رهابًا، لك مطيعًا، لك مخبتًا، إليك أواهًا منيبًا (3).
اللهم اجعلنا لك شاكرين، لك ذاكرين .. اللهم إنا نسألك المزيد من فضلك، والشكر على نعمائك.
(1)(إحياء علوم الدين 1/ 160).
(2)
(نضرة النعيم 6/ 2419).
(3)
رواه أبو داود وصححه الألباني (1/ 282).