الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين.
إخوة الإسلام في دعوة المرسلين ملامح أخرى - غير التوحيد- فدعوتهم على هدى وبصيرة ويقين وبرهان- وليست تخبطًا أو جهلًا أو هوى أو تشكيكًا وكذلك ينبغي أن يدعو أتباعهم {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
وهي دعوة وتحمل في كل الأحوال والظروف، قام بها المرسلون في أحوال الضراء كما قاموا بها في حال السراء، وأدوها وهم مستضعفون يطاردون، كما التزموا بها وهم أقوياء آمنون لم تمنعهم غياهب السجون من الدعوة إلى {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: 39].
ولم يفت في عقيدتهم أن يدعو إلى الله وهم يحاصرون في الشعاب والأودية، ويمنعون أو تشوه دعوتهم لدى الوفود القادمة إلى مكة.
لم تسلم دعوتهم من الأذى والتكذيب، لكنهم عالجوا ذلك بالصبر واليقين {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: 34].
وسخر بهم وبدعوتهم {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود: 38]. وكما سخروا بمن سخر بهم، فقد سخر الله بمن لمزهم ولهم عذاب أليم.
ولم يكن اليأس سبيل إلى قلوبهم - وإن قل العدد أو عدم النصير {وَأُوحِيَ إِلَى
نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَاّ مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [هود: 36].
وجاء النصر بعد الصبر والثبات والتمحيص {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: 110].
ورغم العناد والاستكبار والسخرية والأذى فقد كان الرفق في الدعوة والحرص على هداية المدعوين معلمًا بارزًا في هدي المرسلين {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43، 44] ومع الرفق واللين قوة في الحق ورد على المبطلين {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَاّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا} [الإسراء: 102].
إخوة الإسلام ولقد كان من مهام المرسلين ومن أساليب دعوتهم معالجة التبعية البلهاء، ومقاومة الاتباع للآباء والأجداد الضالين، وتجاوز الأعراف والتقاليد الجاهلية التي لم ينزل الله بها من سلطان {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَاّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف: 23، 24].
ولم يغفل الأنبياء والمرسلون عن إصلاح أمور الناس الدنيوية -فضلًا عن عنايتهم في الأمور الأخروية- فقد ساهموا في بناء الاقتصاد وتحسين مستوى المعيشة للناس {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَاّ قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ} [يوسف: 47].
واعتنوا بأمور الناس الاجتماعية والأخلاقية وحذروا من الفساد بكل صوره وأشكاله {وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ .. } [هود: 84]، {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80] كما حذروا أقوامهم من مصائر الغابرين المهلكين ودعوهم إلى التوبة والاستغفار {وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ
شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: 89، 90].
تلكم ملامح من هدي المرسلين، وطرائق وأساليب دعوتهم ومن رام المزيد فلتقرأ كتاب الله، وتصفح سير المرسلين ونحن مأمورون بالاقتداء بهم «فبهداهم اقتده» ومطالبون بالتأسي بهم {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
اللهم ارزقنا البصيرة في ديننا، والاقتداء بسنن المرسلين، اللهم احشرنا معهم وأنلنا شفاعتهم، وأوردنا حوض نبينا، ولا تجعلنا ممن يزادون عنه بسوء أعمالنا.