الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف نستثمر الأجازة
؟ (1)
الخطبة الأولى
الحمد لله القائل {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} وأشهد أن لا إله إلا الله جعل المال والبنين زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير أملًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أوصانا بتقوى الله وذكرنا برعاية الأمانات والمسئوليات فقال «كلكم راع ومسئول عن رعيته» وقال «لن تزول قدم عبد حتى يسأل عن أربع فذكر منها «وعن عمره فيما أفناه» اللهم صل وسلم عليه ..
إخوة الإسلام نحن اليوم على موعد للحديث عن وسائل وطرائق لاستثمار الأجازة الصيفية بما ينفع ..
ولكن دعوني اذكر نفسي وإياكم بجملة من الأمور لا بد أن نتذكرها ونعيها جيدًا قبل الحديث عن الوسائل النافعة وهنا لا بد أن نتذكر عدة أمور ومن ذلك: هدف الوجود ومفهوم العبارة .. فخلقنا لغاية نبيلة ألا وهي تحقيق العبودية لله {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} والعبادة مفهوم شامل لكل من يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال .. فلنستحضر هذا الهدف دائمًا ولنحقق العبودية في مناكب الأرض أينما كنا.
وأمر آخر ألا وهو استشعار قيمة الوقت ومخاطر الفراغ فالوقت هو الحياة وهو أغلى ما نملك، وإذا أردت أن تتبين أقدار الناس وتفاوتهم في الدرجات فانظر إلى قيمة الوقت عندهم وكيف تستثمر ..
(1) ألقيت هذه الخطبة في 17/ 5/ 1426 هـ.
وإذا كان الفراغ مصيبة على مستوى الأمة والمجتمع فهو كارثة في حق الفتيان والفتيات إذا ما استغل في تدمير الذات أو تدمير الآخرين .. إنه طاقة لا بد من صرفها فيما ينفع، وإلا تحول إلى مشكلة تتجذر أبعادها، ويتحمل المجتمع مخاطرها ونتائجها والأمر الثالث سؤال يوجه للأولياء وللشباب، فهل يشعر الأولياء بمسئوليتهم كاملة تجاه أبنائهم .. هل يقدرون ظروفهم ويتحسبون لمشاكلهم، هل يفكرون جيدًا في استثمار أوقاتهم، هل يقدرون المشكلة حق قدرها وهل يكونون على مستوى المسئولية إن فئة من الأولياء لا تزال غائبة عن الرعاية والتوجيه، مشغولة بجمع الحطام، تاركة الحبل للغارب، وهذه النوعية مهما كانت قليلة فلها أثرها في جنوح الشباب وبلوى المجتمع بهم.
أما الشباب فيقال لهم هل تكرمون أنفسكم أم تذلونها وهل تكونون بناة مجد لبلادكم وأمتكم أم ترضون أن تكونوا مشكلة مبحث لها عن حلول أرقامًا هامشية لا وزن لها ولا قيمة بل عبئًا على أهليكم ومجتمعكم؟ أين تطلعكم للمستقبل الواعد صلاحًا وهدى، وعلمًا وعملًا، منطقية في التفكير، وتقدير للمسئولية، واستثمار للفرص، واغتنام لزهرة الشباب، إن الآباء والأمهات يتطلعون إلى بركم، والمجتمع ينتظر فاعليتكم وإيجابيتكم وأنتم أهل للثقة.
عباد الله وإذا استقرت هذه المعاني في نفوسنا جميعًا .. كانت مهيئة لقبول البرامج النافعة، سواء كان ذلك في الأجازة أو غيرها، وإنما كان التركيز على الأجازة لكثرة الفراغ وتنوع البرامج الرسمية والأهلية والقائلية، وحسبي هنا أن أذكر بشيء من هذه الوسائل ومنها:
1 -
الأسرة القدوة وذلك عبر برامج متنوعة تستطيع الأسرة من خلالها أن تضرب النموذج الأمثل للأسر من حولها رعاية للأولاد واستثمارًا للأوقات
والطاقات .. فإن لم تسطع ذلك فلتخير أسرة ناجحة لتنظر في مسارها ولتستفيد من تجاربها، والمهم أن نذكر بالقدوة في أسرنا.
2 -
الزيارات الهادفة كالزيارة للأقارب والأصدقاء، وزيارات المرضى لإيناسهم والدعاء لهم، وللمقابر لترقيق القلوب والدعاء للموتى، والزيارة للأماكن الفاضلة، والصلاة بها كالحرمين الشريفين، وللمنتزهات الجميلة الراقية.
3 -
بناء الذات واكتساب المهارات .. يحتاج أبناؤنا وبناتنا إلى مهارات تبني ذواتهم وتعينهم في تحمل مسئولياتهم كفن الطبخ والغسيل والتنظيف والترتيب وتربية الصغار ورعايتهم ونحو ذلك من أمور تحتاجها الفتيات كما يحتاج الأبناء إلى تدريبهم على فن التعامل مع الآخرين وحسن استقبالهم، وأصول القيادة، وطرائق البيع والشراء ونحو ذلك مما يحتاجه الفتيان.
4 -
اللقاءات الأسرية تتطلع الأسر إلى لقاءات مع أسر مماثلة، لتأنس بها وتستمع منها وتسمعها، ومن الجميل أن تكون هذه اللقاءات هادفة وأن تكون مصحوبة ببرامج ولو كانت خفيفة فالأسر ينشط بعضها بعضًا، وللمنافسة دور في صقل المواهب، وكم هو جميل أن تلتقي عدد من الأسر في استراحات يتوفر فيها مكان للرياضة والترفيه وتتوفر فيها أجواء للاستفادة والبرامج النافعة ..
5 -
القراءة .. ومن الجميل أن ندرب أبناءنا وبناتنا على القراءة ونحبب إليهم الثقافة ونوجه إلى النافع من العلم والمعرفة، فعالم اليوم معرفي ولا مكان للأمية، ومشكلة أن يسبقنا الآخرون بالعلوم والمعارف ونحن الذين بدأ تاريخنا بـ {اقرأ باسم ربك الذي خلق} وانفتقت حضارتنا عن علوم ومعارف وإبداعات أنارت للآخرين عصور الظلام لتجنب القراءة النافعة لنا شئنا، فمرة نصطحبهم للمكتبات المنزلية وأخرى لمكتبات الأصدقاء، وثالثة للمكتبات
العامة للمطالعة، ورابعة للمكتبات التجارية .. وهكذا ينشأون محبين للكتاب والمكتبة والعلم والمعرفة.
6 -
والمسموعات والمرئيات أساليب للتربية وطرائق للتسلية وقضاء الوقت بما ينفع، خاصة إذا أحسنا الاختيار لما يسمعون وما يشاهدون، وبحمد الله تملأ المكتبات الصوتية الإسلامية المدن والقرى، والرواج الأكبر للشريط الإسلامي بأشرطة الكاسيت والفيديو وأقراص الحاسوب، وفيه ما حمل الترخيص ومسح غنية عما سواه.
وثمة شباب وفتيات محترفون في الكمبيوتر .. يخططون ويستثمرون ويبتكرون وأولئك يمكن استثمار قدراتهم في الدعوة للخير، وتصميم مواقع ينفع الله بها .. وآخرون متمرسون في الدخول على مواقع الشبكة العنكبوتية، يدعون ويوجهون ويواجهون الغزو الساقط، ويحذرون من انخدع بهذه المواقع، ويحاورون من التبس عليه الحق أو زين له الباطل .. وهؤلاء وأولئك على خير إن شاء الله.
7 -
مكاتب الدعوة ودعاة المستقبل، ومكاتب الدعوة في بلادنا منارات للدعوة ومستودع لكثير من الخيرات والتجارب الدعوية، وزيارة هذه المكاتب بصحبة الأبناء والبنات لأقسام النساء، يكسب أولادنا خبرة، ويدفعهم للدعوة، ويعرفهم بالوسائل الدعوية، وكل ذلك يصنع منهم دعاة للمستقبل مستفيدين من تجارب من سبقهم هذا فضلًا عن دعم هذه المكاتب الدعوية وتشجيع القائمين عليها، وتسجيل الشكر للجهات المشرفة عليها.
8 -
وللسفر فوائد ومخاطر، وعلى المسافرين أن يحتاطوا لوسائل السلامة في السفر، فدعاء السفر خير ما بدأت به الرحلة، وصيانة المركوب والالتزام بأنظمة
المرور ضرورة عقلية ومطلب شرعي، وأذكار الصباح والمساء تخفف من كوارث ووعثاء السفر، والحذر من السفر إلى بلاد يبتز فيها المسافرون أو يتعرضون فيها لسرقة أموالهم أو أخلاقهم حصافة في الرأي ومتانة في الدين، وتذكر أيها المسافر أنك لا تدري بأي أرض تموت، ولا يغب عن بالك- عزيزي المسافر- أن السفر اختبار للأخلاق، وامتحان للإرادة المراقبة إنه ميدان للدعوة ومظنة لقبول الدعاء، فرصة للتفكر، وباعث على الذكر والشكر، هو قطعة من العذاب ولكن فيه سلوه، فيه علم وآداب ولكنه مظنة للعطب وإن قدر لك السفر للخارج فإياك أن تفتنك المراقص والملاهي وارتفع بهمتك إلى مواقع الخير ومنارات الدعوة ودعم بمالك أو شجع بزيارتك، اهد كلمة طيبة إن لم تجد وإلا تهديه .. فمراكز الدعوة وهيئاتها ورجالاتها في الخارج أحوج ما يكونون إلى الدعم والمساندة في زمن المضايقة والمحاصرة والتهم الباطلة والإرجاف.
حين تكون الرفقة سيئة .. فاختر رفيقك في السفر، كما تختار صاحبك في الحضر.
9 -
المراكز والدورات والدور النسائية .. ثمة فرص متاحة وثمة جهات تعني بفتح المراكز، والدور وأخرى تقيم الدورات، وهذه الجهود حرية بالورود لتنهل من علم العلماء، وتستفيد من تجارب الخبراء، وتكسب من تربية أهل التربية، وإذا كانت هذه المراكز الصيفية والدورات العلمية والدور النسائية محطات يتزود منها الفتيان والفتيات، بل وكبار الرجال والنساء، فالأمل أن يزيد عددها لتستوعب الأعداد الفقيرة وثمة تساؤل ملح يقول، وهل يصح منع الجامعيين من المراكز ولماذا وأين يذهبون؟
وتتساءل النساء وأين البرامج الدعوية والثقافية من الجهات الرسمية المعنية بالدعوة، والمكافئة لكثرتهن وفراغهن؟ ثمة مطالبات لخروج المرأة وقيادتها ..
فهذه المجالات من أنفع ما تخرج له المرأة .. إن كنا ناصحين لها.
10 -
الحكايات والقصص المنزلية .. ذلك أسلوب لغرس المفاهيم الطبية، لاسيما للأطفال الذين يتلذذون بسماع الحكايات ومنصتون لرواية القصص، فهل يعمد الآباء والأمهات إلى هذا الأسلوب التربوي، بدلًا من كثرة التوجيه المباشر أن الأب أو الأم .. مهما كانت ثقافتهم .. قادرون على صياغة حكاية أو قصة حقيقية كانت أم خيالية تسير في اتجاه غرس القيم الفاضلة وتحذر من الرذيلة، بأسلوب مبسط يفهمهم الصغار والكبار فإن عجز الأبوان أو شغل الإخوان والأخوات عن ذلك ففي المكتبات تتوفر قصص مفيدة للأطفال مكتوبة، أو مسجلة ويمكن شراؤها وتوفيرها لهم. وفيها ما يعلم القرآن والسنة والآداب، وفيها ما يكسب الخبرة ويفيق الأذهان ومنع ما فيها من الفوائد ففيها تسلية وتخفيف لمشاجرة الأطفال والصبيان.
11 -
وثمة أفكار جميلة للأطفال كفكرة الطفل البار، وفكرة الطفل المنظم ونحوها من أفكار تقوم على تعويد الطفل على مساعدة أهله في أعمال المنزل ولو كان يسيرًا مع التشجيع والهدية، وتدريبهم على النظام والنظافة مع وضع مكافأة تشجيعية في البداية .. وهكذا فكرة الصغير المتصدق، والأمين .. ونحو ذلك من قيم عالية يدرب عليها الصغار.
12 -
المسابقات المتنوعة، فثمة مسابقات ثقافية، وأخرى رياضية، مسابقات في الحفظ، ومبالغة في الألغاز، ومسابقات للتعريف بالأماكن، ومسابقات تعرف بالشخصيات ومسابقات للبحوث الصغيرة، ومسابقات في تنمية المهارات والقدرات بشكل عام، كل ذلك محفز على الخير، داع لاستثمار الوقت بما ينفع .. ويزين هذه المسابقات ويشجع عليها دعمها بجوائز ومحفزات مادية
ومعنوية، ومناسبة المسابقة بعقول وقدرات وميول المتسابقين.
إننا بحاجة لشحذ همم أبنائنا وبناتنا وتنويع البرامج وشد الانتباه حتى إذا تمكن الإيمان في قلوبهم، وانبعث ثمار المعرفة في عقولهم هناك نطمئن لمجاوزتهم القنطرة، ونفرح بكونهم عناصر بناء في مجتمعهم، ونتخفف من مسئوليتنا تجاههم، ويكونون قرة عين وزينة الحياة «ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا» .